الصراع الداخلي يحتدم على "ديمقراطية" يريدونها متعايشة مع الاحتلال
التاريخ: 
16/01/2023
المؤلف: 

تشهد إسرائيل هذه الأيام صراعاً داخلياً لا سابق له يدور بين الحكومة التي شكّلها بنيامين نتنياهو مؤخراً وبين معارضيها، الذين يركّزون، بصورة خاصة، على المخاطر التي تنطوي عليها خطة الإصلاح القضائي التي يعتزم وزير العدل في هذه الحكومة ياريف ليفين تنفيذها، مقدّرين أن هذه الخطة ستقضي على "الديمقراطية" في إسرائيل، وتنهي الفصل بين السلطات وتكرّس سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية. ففي خطاب حاد ألقته مساء الخميس في 12 كانون الثاني/يناير الجاري، خلال المؤتمر السنوي لجمعية القانون العام، قالت رئيسة المحكمة العليا أستير حيوت إن الخطة القضائية التي يدفع بها وزير العدل قدماً "ستغيّر الهوية الديمقراطية لإسرائيل، وستفرّغ المحاكم من الأدوات التي لديها للدفاع عن المواطنين الإسرائيليين"، معتبرة

أن هذه الخطة "ليست لإصلاح القضاء، بل للقضاء عليه، وهي توجه ضربة قاسية تقضي على استقلالية القضاء وتشلّ عمله". وقد ردّ وزير العدل ياريف ليفين على خطاب حيوت بالقول: "في هذا المساء، علمنا بوجود حزب جديد لم يخُض الانتخابات التي جرت قبل أشهر، حزب وضع نفسه فوق الكنيست وفوق إرادة الشعب"، وأضاف أن هذا الخطاب "هو بمثابة دعوة إلى إشعال الشارع" وهو "الخطاب عينه الذي استخدمه يائير لبيد ويائير غولان" و"دليل على أن القضاء ضلّ طريقه"[1].

 تصاعد الدعوات إلى إسقاط الحكومة

وكان عضو الكنيست السابق عن حزب "ميرتس"، يائير غولان، قد دعا إلى "انتفاضة مدنية" ضد الحكومة الجديدة، بينما طالب يائير لبيد رئيس حزب "يوجد مستقبل" وزعيم المعارضة، في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" في الثالث عشر من الشهر الجاري بعنوان: "اليمين يسيطر على الحقيقة"، بالنضال من أجل إسقاط هذه الحكومة، وكتب: "نحن في صراع، هذا هو المعطى الأساسي...هذه الحكومة يجب إسقاطها بسرعة، قبل فوات الأوان"، ذلك إن نشوة فوز أقطابها بالسلطة "تجاوز نتائج الانتخابات بأشواط كبيرة؛ لقد سيطروا على كل شيء، أكثر بكثير من الحكومة، ومن لجنة سَن القوانين، لقد سيطروا على الحقيقة"، و"يتعين علينا النضال من أجل الحقيقة بكل الطرق الممكنة، وعلينا المحافظة على القانون لأن ذلك هو الذي يفرّق بيننا وبينهم، لكننا سنحاربهم بكل الوسائل، حتى بالوسائل التي لم نستخدمها حتى الآن، سنصرخ ونتظاهر ونقاتل، وسندفع بالاحتجاج إلى أقصى حدوده. لن نحاول أن نكون رجال دولة إذا كان خصمنا عديم الضمير ويستخدم ذلك ضدنا، سنواجه بأجسادنا مركبات تفريق التظاهرات التي يريد إيتمار بن غفير إرسالها"[2].

أما رئيس الحكومة السابق إيهود باراك، فقد أكد في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في الثاني عشر من الشهر الجاري، أن النضال ضد هذه الحكومة بدأ، وسيكون طويلاً لكن الانتصار فيه سيكون حليف المعارضة، وكتب: "وهذا النضال سيُحسَم في التظاهرات والشوارع والساحات، وعلى طرق المواصلات، وفي أماكن العمل، وفي مؤسسات التعليم العالي...وإذا أُجبرنا، فقد تندلع ثورة مدنية هنا"، وأضاف: "يتعيّن على الديمقراطية الدفاع عن نفسها ضد الذين يستخدمون القواعد التي وضعتها والحريات التي منحتها لهم من أجل القضاء عليها من الداخل؛ تحديداً، هذا هو الوضع الذين نحن فيه، يجب علينا أن ندرك أن ما يجري هو انقلاب على النظام"[3]

في المقابل، قال عضو الكنيست تسفي فوغل من حزب ""قوة يهودية" الصهيوني الديني إن على الشرطة اعتقال زعيم المعارضة عضو الكنيست يائير لبيد ورئيس تحالُف "المعسكر الرسمي" عضو الكنيست بني غانتس "بشبهة التحريض على التمرد"، وأضاف في سياق مقابلة أجرتها معه قناة التلفزة الإسرائيلية "كان 11" في العاشر من الشهر الجاري أنه يتعين أيضاً إلقاء القبض على وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، وعضو الكنيست السابق من حزب "ميرتس" يائير غولان، واصفاً هؤلاء الأشخاص "بأنهم الأخطر حالياً، لكونهم يتحدثون عن الحكومة والائتلاف وكأنهما أعداء، ويدعون إلى حرب أهلية، وهذه تُعتبر خيانة"[4].

وقد حذّر يائير لبيد من أن تؤدي حملة التحريض التي تقودها الحكومة الإسرائيلية الحالية "إلى سفك دماء"، وذلك في معرض تعليقه على محاولة دهس مجموعة طلاب من جامعة بن غوريون في بئر السبع من مؤيدي حزب "يوجد مستقبل" في أثناء تظاهرة نُظّمت في المدينة يوم الثلاثاء في العاشر من الشهر الجاري احتجاجاً على خطة الإصلاحات التي تنوي الحكومة تطبيقها في الجهاز القضائي[5].

الصراع ينتقل إلى الشارع

"حان وقت إسقاط الديكتاتور"، "حكومة العار"، "بيبي لا يريد الديمقراطية "، "نحن لسنا في حاجة إلى فاشيين في الكنيست"، هذه كانت شعارات اليافطات التي رفعها المتظاهرون الإسرائيليون الذين جاء العديد منهم إلى ساحة هبيما في تل أبيب مساء السبت في 14 كانون الثاني/يناير الجاري، متحدين المطر تحت سحابة من المظلات، للتعبير عن رفضهم حكومة بنيامين نتنياهو الحالية ودعوتهم إلى إسقاطها. وبحسب وكالة فرنس برس، فقد قدّر مصدر في الشرطة عدد المشاركين في هذه التظاهرة بنحو 80 ألفاً، فضلاً عن بضعة ألوف أخرى شاركوا، في الوقت نفسه، في تظاهرتين نظمتا في مدينتَي القدس وحيفا. وشارك في تظاهرة تل أبيب العديد من الشخصيات السياسية، بما في ذلك زعيمة حزب العمل ميراف ميخائيلي، ووزير الأمن السابق بيني غانتس ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني[6]. وكانت مدينة تل أبيب قد شهدت، في السابع من الشهر الجاري، مظاهرة أخرى ضد حكومة بنيامين نتنياهو جمعت عدة آلاف من المتظاهرين الذين رفعوا يافطات كُتب عليها: عبارات "اخرجوا"، و"الديمقراطية في خطر"، و"لا نريد أن نرى ديمقراطيتنا تختفي"[7].

لا ديمقراطية مع استمرار الاحتلال

إذا كانت محفزات نزول مناصري الأحزاب الصهيونية المعارضة إلى الشوارع هي النضال ضد إصلاح النظام القضائي، والدفاع عن مجتمع الميم، فإن مشاركة أنصار "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و"الحركة العربية للتغيير" في التظاهرتين المذكورتين، الذين رفع بعضهم الأعلام الفلسطينية، كان في الأساس بهدف التعبير عن معارضة الاستعمار الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة والدعوة إلى إنهائه، وذلك خلف شعار "لا ديمقراطية مع الاحتلال".فحتى الآن لم يدرك دعاة حماية "الديمقراطية" الإسرائيلية من أنصار الأحزاب الصهيونية حقيقة أن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً. فالمحلل السياسي أوري مسغاف، الذي نشر في صحيفة "هآرتس" في الثاني عشر من الشهر الجاري مقالاً بعنوان "جبهة وطنية ضد أعداء الدولة"، معتبراً أنه "لا مجال للتفاهم مع مَن أعلن العصيان على الدولة كلها، ولا مجال لحوار محترم مع الزعران"، وأنه "يتعيّن على كل إسرائيلي وإسرائيلية عاقل/ة وحكيم/ة الانضمام الآن إلى جبهة المعارضة"، حذر من رفع الأعلام الفلسطينية في التظاهرات الاحتجاجية ضد الحكومة الحالية "كما فهم ذلك وأوضحه العاقل منصور عباس"، كما قال[8].

ويتعارض هذا الموقف مع مواقف عدد من الإسرائيليين الذين باتوا يدركون حقيقة أن إسرائيل تسير نحو الهاوية في حال استمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية، إذ قدّر المؤرخ سامي كوهين أن المشروع الاستعماري الواسع في الأراضي الفلسطينية هو في أصل "الصعود الصاروخي للصهيونية الدينية، والفيضان المسياني"، وأن التطورات الرجعية التي تشهدها إسرائيل تجري على "خلفية الاحتلال"، وتتغذى من "ثقافة ازدراء الفلسطينيين"[9]. بينما رأت منظمة "بتسيلم" أن الاحتلال، إذ "يدمر المجتمع الفلسطيني في إبادة اجتماعية بطيئة، لا يترك المجتمع الإسرائيلي سالماً"، ذلك إنه "من المستحيل الادعاء، في سيناريو واقعي، أن اضطهاد شعب آخر لن يكون له عواقب على مجتمع، وعلى هوية المجتمع المحتل"[10]. في حين اعتبر المحامي الإسرائيلي مايكل سفارد المختص بالدفاع عن حقوق الإنسان في مقال نشره منذ سنة 2017، أن الديمقراطية "لا تحرم ملايين الناس من حقوقهم المدنية، وتنهب أراضيهم ومواردهم، وتحرمهم من استقلالهم"، وأنه من الصعب الإدعاء، في سياق الاحتلال، أن إسرائيل "دولة ديمقراطية"، وكتب: "إن النظام الذي يسمح فقط لبعض رعاياه بالمشاركة في السياسة ليس نظاماً ديمقراطياً؛ من الصحيح أن لدى إسرائيل مجلساً تشريعياً منتخباً، وفصلاً بين السلطات، وحرية الصحافة (يجب أن يقال إن الثلاثة في خطر حالياً)، لكن على مدى الخمسين عاماً الماضية، حكمت إسرائيل ملايين الأشخاص الذين لم يكن لهم حق التصويت أو أن يُنتخبوا للهيئات التي تحكمهم، ولا تحرمهم إسرائيل فقط من حقوقهم المدنية، بل إنها تنهب أراضيهم ومواردهم"، وأضاف: "في البداية، كان لا يزال من الممكن الإدعاء بأن الوضع كان مؤقتاً، وأنه سيكون من الخطأ تجريد إسرائيل من مكانتها الديمقراطية بسبب الاحتلال؛ ومع ذلك، بمرور الوقت، انهارت السمات الديمقراطية للنظام الإسرائيلي بشكل متزايد تحت العبء الثقيل للواقع الاستبدادي"، وبات "يتوجب أن يُقال بوضوح وبقوة: إسرائيل التي تستعمر وتسلب الملكية، والتي أنكرت حقوق الملايين من الناس على مدى عقود، لا يمكن اعتبارها ديمقراطية"[11]. وفي مقال مشترك بعنوان: "استمرار صعود اليمين إلى السلطة. إسرائيل نحو الهاوية"، نشره موقع "أوريان 21" الفرنسي في 10 الشهر الجاري ونقلته دينا علي إلى العربية، رأى الصحافيان سيلفان سيبل وعزرا ناهماد أنه إذا كانت "الحملة الصليبية اليمينية المتطرفة ضد الليبرالية العلمانية تثير معارضة كبيرة في إسرائيل، فلا يمكن فصلها عن توجّه الدولة المعادي للفلسطينيين، فكلما هوى المجتمع الإسرائيلي في الهويّاتية المحمومة، زاد وعي أولئك الذين يختارون المقاومة بحقيقة أن المخرج من الأزمة لن يتم دون نضال مشترك مع الفلسطينيين". وقدّر عزرا ناهماد أن القدرة العسكرية والقدرة التكنولوجية لإسرائيل تعتمدان "بصورة وثيقة على إحكام مأساة الشعب الفلسطيني"؛ فمع مرور الوقت "لم يستطع هذا الشكل من التقدّم الإسرائيلي المضي قدماً إلا بنهب الأراضي والقمع العسكري وتشديد القبضة الأمنية والتخريب، وما يصنع مجد إسرائيل لا يتحقّق سوى بتنظيم وتصنيع التكنولوجيات الإجرامية المطوَّرة ضد الفلسطينيين والتربُّح منه"، معتبراً أن الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين شوّهت "أخلاق وذكاء وثقافة إسرائيل، لهذا تحديداً شكّل هذا البلد حديثاً حكومةً تضم رجالًا فاسدين وعنصريين، ووزراء يدعون صراحةً إلى إقامة دولة ثيوقراطية، والفصل بين الرجال والنساء في الأماكن العامة، وإقصاء المثليين جنسياً، وتعزيز قوانين الفصل العنصري ضد كل ما يبتعد عن شكل من أشكال اليهودية التي تتسم بجنون العظمة"، وأضاف أن الخطاب الرسمي يزعم أن الجرائم التي تُمارَس في الضفة الغربية "لا تؤثّر على الشعب داخل الدولة، ولكن تبقى حقيقة أن صدمات الإسرائيليين، الذين يتعلمون الإجرام منذ نعومة أظفارهم، وهي صدماتٌ مكبوتة ومسكوت عنها ولكن حقيقية، تشير إلى عكس ذلك، فهذا التحوّل نحو الوحشية هو بالأحرى انهيار، يرغب فيه أكثرية المواطنين، بمنطق التفوّق الفردي المسيطر عليهم منذ عقود، ليكون هروباً إلى الأمام نحو الأسوأ، يغذّي مشروعات تزداد ظُلمةً في النفوس الضالة"، ليخلص الصحافي نفسه إلى أن شعباً "يشارك بقوةٍ تزداد ضراوةً يوماً بعد يوم في إخضاع شعب يعيش معه على الأرض نفسها، ينتهي حتماً بالخضوع لشياطينة الخاصة، ليتحوّل بدوره إلى شعبٍ مستَعبَد"[12].

 

[1] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/13-1-2023.pdf

[2] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/13-1-2023.pdf

[3] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/12-1-2023.pdf

[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/11-3-2023.pdf

[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/11-3-2023.pdf

[6] https://www.lemonde.fr/international/article/2023/01/14/en-israel-des-milliers-de-manifestants-defilent-a-tel-aviv-contre-le-gouvernement-de-benjamin-netanyahu_6157903_3210.html

[7] https://www.france24.com/fr/moyen-orient/20230108-isra%C3%ABl-manifestation-contre-le-gouvernement-netanyahu-%C3%A0-tel-aviv 

[8] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/12-1-2023.pdf

[9] https://www.sciencespo.fr/ceri/fr/content/entretien-samy

[10] https://www.chroniquepalestine.com/pour-btselem-il-ny-a-pas-doccupation-democratique/

[11] https://agencemediapalestine.fr/blog/2017/06/05/israel-nest-pas-une-democratie/

[12] https://orientxxi.info/magazine/article6142