أبو رعد.. الثائر المطارد والضمير الحاضر
ملف خاص: 
النص الكامل: 

ينتمي فتحي زيدان خازم (أبو رعد) إلى عائلة من حمولة الزكارنة، ارتحلت من قباطية قبل أكثر من 150 عاماً، واستقرت في مدينة شفا عمرو (20 كم شرقي حيفا وعكا، و20 كم غربي الناصرة، وهي نقطة التقاء بين المدن الثلاث) حيث عمل أفرادها في الأرض وفي البناء. هَجّر الاحتلال العائلة إلى خان يونس في نهاية خمسينيات القرن الماضي، لتعود وتستقر في مخيم جنين في بداية الستينيات، وتعمل في التجارة والزراعة والبناء.

في أوائل ستينيات القرن الماضي تزوج زيدان خازم والد أبو رعد من سيدة من عائلة الفايد، وسكن مع عائلته الجديدة في مخيم جنين، وفيه ولد ابنه البكر فتحي (أبو رعد) في 9 أيلول / سبتمبر 1966، ثم أنجب الزوجان 4 أشقاء آخرين لفتحي.

 

فتحي زيدان خازم (أبو رعد)

 

فتحي زيدان خازم (أبو رعد)، لم يكن معروفاً على نطاق واسع قبل 7 نيسان / أبريل 2022، ليلة أرعدت زخات رصاص نجله رعد في شارع ديزنغوف في قلب تل أبيب، والذي عَبَره من قبل عدد من الاستشهاديين قتلوا فيه عشرات الصهيونيين في مطاعمه وفي حافلات إيغد في أواسط التسعينيات، وخلال سنتَي 2001 و2002.

دخل رعد إلى الشارع وأطلق النار من مسدسه على الحشود فأردى 3 وجرح 16 آخرين. لم يرتجف ولم يجفل، وقد رصدته كاميرات المراقبة يتجول في المكان بكل هدوء، ثم يجلس على أحد مقاعد الشارع يراقب المستوطنين وهم يفرون مرتاعين، والشرطة وهي تبحث عنه. ثم مشى بهدوء إلى أحد مساجد يافا قاطعاً عدة كيلومترات مشياً على الأقدام.

 

شارع ديزنغوف بعد العملية، وفي الإطار رعد ممتشقاً سلاحاً

 

أبو رعد المناضل والمطارد والمعتقل والجريح الذي تحدى العدو بكل إمكاناته وترسانته، جعل من مخيم جنين معقله وحارسه.. هذا المخيم الذي لو هدمه الاحتلال بأكمله فوق رؤوس أصحابه لخرجت له من الركام بندقية تطلق الرصاص وتعلن أن المخيم لم يمت.

يخوض أبو رعد معركة يومية متكاملة مع منظومة الاحتلال: عسكر وأعوان وتقنيات تكنولوجية؛ أكثر من 150 يوماً مضت على احتدام المعركة، وأبو رعد يواصل انتصاره إذ تعلو كلمته ويقاوم مع مخيمه الذي لم يُلقِ السلاح.

أبو رعد هو صاحب أطول فترة مطاردة منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في سنة 2005، مع أن الوصول إلى أي مطارد، اعتقالاً أو اغتيالاً، بات سهلاً نسبياً، وخصوصاً بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي الضفة الغربية في سنة 2002، وما رافق ذلك من اغتيال لعشرات الناشطين والقادة في مختلف التنظيمات، واعتقال المئات وتدمير البنية التحتية، ومصادرة آلاف الأسلحة الخفيفة التي كانت في حيازة المقاتلين، الأمر الذي أضعف الفصائل، ولم يُبقِ سوى بضعة مقاتلين صامدين، وخصوصاً في مخيم جنين.

مذ حوّل رعد عاصمة كيان العدو إلى مدينة أشباح، عندما طُلب من المستوطنين عدم الخروج من منازلهم، لأن المنفّذ "حر" ويتجول في الشوارع، غدا والده فتحي خازم على رأس قائمة المطلوبين للاحتلال، قبل أن تتصاعد حدة التحدي بينه وحيداً، وبين دولة العدو كاملة، فالاحتلال يطالبه مجدداً بتسليم نفسه، وإلّا اجتاح مخيم جنين.

في تمام الرابعة من فجر 8 نيسان / أبريل 2022، لحظة استشهاد نجله البكر رعد (29 عاماً)، ضبط أبو رعد ساعته على مؤشر الفداء، وانطلق مكبراً، متحدياً، ورافضاً، وسيظهر لاحقاً في مناسبات وطنية متنوعة، محاطاً بعائلته وحاضنة شعبية واسعة من أبناء جنين وبلداتها ومخيمها، ومعلناً في لحظة تاريخية أنه لن يسلم نفسه إلى جيش الاحتلال. وبعد عدة أشهر، وفي واحدة من مرّات ظهوره العلنية، وقف إلى جواره المطارد ماهر تركمان، وهو الرجل الخمسيني أيضاً الذي استشهد ابنه واعتُقل ابن شقيقه مصاباً بعد تنفيذهما عملية إطلاق نار على حافلة جنود في الأغوار وإصابتهما ستة جنود.

 

أبو رعد وإلى جانبه ماهر تركمان

 

في أجواء مشحونة وطنياً طلع قمر أبو رعد الساطع فوق مخيم جنين حيث الاشتباكات شبه يومية بسبب اقتحامات الاحتلال المتكررة للمدينة والمخيم، في محاولة للقضاء على "عشّ الدبابير" الذي لا ينضب من المقاتلين.

وعشّ الدبابير الذي ودع منذ بداية سنة 2022، وحتى كتابة هذا النص، أكثر من 50 شهيداً، لا يزال يُنجب الفدائيين، أولئك الشبان الذين هم في بداية العشرينيات من أعمارهم، والذين جعلوا من حاجز الجلمة "ملطشة" لشمالي المدينة، ومدوا سطوتهم نحو حاجز دوتان شمالي غربي المدينة، وحاجز سالم العسكري غربي المدينة.

أيدي المقاتلين في مخيم جنين وبلدة يعبد وقريتَي كفر دان ورمّانة، ذهبت بعيداً في عمق البلد، لتنبت قصص فداء جديدة في تل أبيب والقدس المحتلة ويافا والجلمة.

تنامت الحالة النضالية في المخيم منذ عدة أعوام، باشتباكات متقطعة، محدودة وخفيفة، خلال اقتحامات الاحتلال للمخيم، قبل أن تبزغ شمس "كتيبة جنين" في العامَين الأخيرين، وتصبح قوة ثورية تقاوم الاحتلال وتهاجمه في كل اقتحام وتبادر إلى الذهاب إلى مواقعه، من حواجز ونقاط عسكرية، على أطراف جنين.

كما تنامت الحالة الثورية أكثر في محافظة جنين بعد تمكّن ستة من أبنائها الأسرى الأبطال (محمود العارضة؛ يعقوب قادري؛ زكريا زبيدي؛ أيهم كممجي؛ مناضل انفيعات؛ محمد العارضة) من حفر نفق أسفل سجن جلبوع وتحرير أنفسهم لعدة أيام قبل أن يعيد الاحتلال اعتقالهم.

 

ضابط إسرائيلي يعاين حفرة نفق الحرّية من حيث خرج الأبطال الستة

 

في زمن الانتفاضة الأولى (1987 - 1994) كانت العائلات تُعرف بأسماء شهدائها، ومطارديها، ونسف بيوتها، أمّا اليوم فبات أبو رعد هو العلامة الدالّة. ففي أقل من ستة أشهر، قدمت عائلة أبو رعد شهيدين مشتبكين هما رعد وعبد الرحمن: الأول استشهد في يافا، والثاني في مخيم جنين، وابناً أسيراً هو همام، ومنزلاً منسوفاً في الحي الشرقي، ووالداً مطارداً هو فتحي أبو رعد.

خاض رعد اشتباكاً مع قوة إسرائيلية خاصة "وحدة اليمام" بمسدسه بعد 8 ساعات على مطاردته من طرف أكثر من 1000 عنصر من قوات الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية في شوارع تل أبيب ويافا المتداخلة. وهذه القوة الخاصة، مثلما قال الإعلام العبري، لم تكن تعلم بوجوده في المكان، لكنها فوجئت به، واشتبكت معه بعد أن رفض التوقف والتفتيش وأخرج مسدساً أطلق منه 10 رصاصات نحو القوة التي ردت بصليات من النار، ليرتقي شهيداً بعد خروجه من أحد مساجد يافا المحتلة.

أمّا عبد الرحمن فاستشهد صباح 28 أيلول / سبتمبر، بعد أن خاض اشتباكاً عنيفاً مع قوة خاصة حاصرت منزلاً تحصّن فيه مع رفيقه، قبل أن تدخل عشرات الدبابات لتساند القوة الخاصة ويندلع اشتباك مسلح لأكثر من ثلاث ساعات.

عبد الرحمن استقبل القوة الخاصة بعبوة ناسفة انفجرت على مقربة من جنود الاحتلال مثلما ظهر في أحد الفيديوهات، لكن الاحتلال لم يعترف بإصابات بين جنوده، واكتفى بالقول إن العبوة كادت تفتك بجنوده لو أن تفجيرها تأخر ثواني قليلة كانت كافية كي يتقدم الجنود أكثر تجاهها.

رعد وعبد الرحمن، التحقا بخالَيهما الشهيدين: عثمان السعدي الملقب بأبي العواصف، وهو أحد قادة الثورة، والذي استشهد في الجنوب اللبناني خلال الاجتياح الإسرائيلي في سنة 1982؛ ومحمد السعدي القائد في مجموعة "الفهد الأسود"، أحد الأجنحة العسكرية المسلحة التابعة لحركة "فتح"، والذي استشهد في سنة 1992 بعد اشتباك مع قوات الاحتلال في مدينة جنين.

بدأت مطاردة عائلة أبو رعد بعد يومين من عملية تل أبيب، إذ كمنت قوة خاصة إسرائيلية لسيارة العائلة في 10 نيسان / أبريل 2022، في المنطقة الصناعية في مدينة جنين، مطلقة عشرات الأعيرة النارية تجاهها كادت تودي بحياة نجلَيه وزوجته. وفي 23 أيار / مايو 2022، اعتقل الاحتلال على حاجز عسكري بين نابلس وجنين نجله همام.

في مساء 6 أيلول / سبتمبر 2022، اقتحمت 100 آلية عسكرية مدينة جنين، وسط اشتباكات عنيفة مع المقاومين، وتمركزت في عدة محاور لتمنع وصول الاشتباكات إلى محيط شقة رعد التي وصلت إليها الآليات لتبدأ عملية تفخيخها وتفجيرها في فجر اليوم التالي.

بعد ساعات من استشهاد نجله عبد الرحمن، سيمنحنا أبو رعد صورة عفوية للقائد، محاطاً برجال أشاوس أياديهم على الزناد.

في هذه "الصورة الاجتياحية" مثلما وصفها أستاذ الإعلام في جامعة القدس - أبو ديس، نادر صالحة، يمشي المناضل في أزقة جنين بحماية الناس، في صورة تجسد استفتاء شعبياً حول جدوى المقاومة، وفي حنين جمعي لفكرة الفدائي وصورة الفدائي؛ يمشي غير آبه، ظهره محمي، وصدره مفتوح، وهذه ليست صورة، وإنما اختزال آنيّ مبهر لتخيّل واقع مشتهى.

لقد شعرنا حقاً ونحن نشاهده يخطب في الجموع أن قائداً جديداً ينمو في أزقة المخيم الذي ما فتئ يُنجب أسماء تحمل مرحلة نضالية شرسة، كأبطال معركة نيسان / أبريل 2002، ومقاتلي كتيبة جنين.

لم يمشِ الناس خلف شخصية شعبية ووطنية منذ نهايات الانتفاضة الثانية في سنة 2005، مثلما مشوا خلف أبو رعد. وفي أحد تلك المشاهد التي التف فيها الناس حوله خلال مشاركته في خروج جثمان أحد الشهداء من المستشفى في نيسان / أبريل، خاطب الجمع قائلاً: "غداً، نحن (الاختيارية) سنسبق أولادنا، وسنقف في وجه العدو وليطلقوا علينا النار، لن نتركهم يغتالوا أولادنا أمام أعيننا." وأضاف مشيراً بيده إلى الشبان: "انظروا إلى هؤلاء الأبطال.. هؤلاء السباع، والله لن تأكلهم تلك الضباع."

 

أبو رعد بين مقاتلين خلال مشاركته في جنازة نجله عبد الرحمن الذي ارتقى برصاص الاحتلال الإسرائيلي في جنين

 

على برج سكني في وسط مدينة غزة، عُلّقت جدارية ضخمة لأبي رعد، كُتب عليها: "ولسوف يعطيك ربك فترضى، وسترضى". وفي مخيم برج البراجنة في لبنان، رُسمت جدارية كبيرة على حائط في المخيم، تحمل صورة أبو رعد وقد كُتب عليها: "وإنّا لمنتقمون".

سيبكي أبو رعد مرتين: الأولى على الطفلة رهف (11 عاماً من مخيم جباليا)، وهي إحدى ضحايا عدوان آب / أغسطس 2022 على قطاع غزة، والتي قُطعت أطرافها بعد استهداف منزل عائلتها بصواريخ الاحتلال؛ الثانية في حضرة أم ناصر أبو حميد، على أبنائها الموجودين في السجون وهي تستعد لتناول إفطار رمضان وحيدة في منزلها في مخيم الأمعري.

غدا أبو رعد رمزاً يلقي الكلمات كالرصاص، ويوصي المقاتلين بالوحدة؛ فهذا الرجل الذي لم يترك ظهوراً له إلّا وكانت أولى كلماته عن توحيد الكلمة والصف، عُرف بخطابه الديني، وتماسك لغته، وقوة الكلمة الخارجة من فمه والمنطلقة إلى فلسطين كلها.

مقبرة شهداء مخيم جنين اتسعت لتصبح مقبرتين، ثم اتسعت في الأعوام الثلاثة الأخيرة لتصبح ثلاث مقابر، فالشهداء في المخيم لا يتوقفون عن الذهاب إلى عمق تراب البلد. فشهداء المخيم هم أكثر من 200 شهيد سقطوا منذ سنة 1967 إلى اليوم، وبعد كل جنازة لشهيد يُفتح قبر آخر لشهيد محتمل بعده.

بعد انتهاء الانتفاضة الثانية (2000 - 2005) تلاشت الشخصية النضالية المحركة للشارع، وتلاشى القائد والملهم الوطني، وتلاشى الجامع والموحد لصفوف المقاتلين، فكانت تظهر شخصيات قيادية لمراحل موقتة وفي ظروف أقل تعقيداً من الوضع الحالي، كان أبرزها عمر البرغوثي (أبو عاصف) الذي أمضى من حياته 25 عاماً في سجون الاحتلال، وقدم نجله صالح شهيداً في كانون الأول / ديسمبر 2018، بعد أن اغتالته قوات الاحتلال داخل مركبته على طريق سردا بيرزيت، في إثر تنفيذه عملية إطلاق نار عند مفترق مستعمرة عوفرا، شرقي رام الله، أُصيب خلالها 7 مستوطنين. وفي اليوم التالي لاستشهاده انتقم شقيقه عاصم بقتل جنديين وجرح ثالث على مدخل مستعمرة "غفعات أساف"، شرقي رام الله، ليتعرض بعدها للمطاردة لعدة أسابيع، ثم يُعتقل ويُحكم بـ 4 مؤبدات، بينما هُدم منزل العائلة في نيسان / أبريل 2019، واعتُقل شقيقاه الأكبر والأصغر ووالدته لعدة أسابيع خلال الحملة الشرسة التي شنّها الاحتلال واستخباراته على العائلة.

شخصية قيادية عفوية ثانية ظهرت، هي أم ناصر أبو حميد (73 عاماً) من مخيم الأمعري، والدة الشهيد عبد المنعم أبو حميد "صائد الشاباك" في سنة 1994. عرفَتْ أم ناصر سجون الاحتلال منذ 40 عاماً، يوم بدأ أبناؤها يدخلونها واحداً تلو الآخر. وحتى اليوم، وصل عدد الأعوام التي أمضاها أبناؤها في مختلف السجون وزنزانات التحقيق إلى أكثر من 110 أعوام! وهي أكبر مدة زمنية لبيت واحد، وأول بيت فلسطيني يُحكم خمسة من أبنائه بالمؤبد، بينما هُدم بيتها خمس مرات، وذلك في سنوات 1990، 1994، 2003، 2018، 2019.

عائلة زبيدي بجميع أبنائها مثّلت شخصية قيادية أيضاً. فالعائلة التي تسكن مخيم جنين، والتي يبلغ تعدادها 35 فرداً، لم تدفن أياً من أبنائها بوفاة طبيعية منذ سنة 1993، يوم رحل محمد زبيدي (والد الأسير زكريا والشهيد داود)، إذ دفنت 6 شهداء من أفرادها، منهم: أم العبد والدة الأسير زكريا زبيدي  (2002)، وابنها طه  (2002)، وداود  (2022)، وضحّت بأكثر من 80 عاماً من حياة أبنائها في سجون الاحتلال، ونُسفت بيوتهم مرتين خلال سنتَي 1988 و2002.

تزوج أبو رعد في بداية التسعينيات امرأة من عائلة السعدي، وأنجبا 8 أبناء (5 ذكور و3 إناث)، واعتُقل خلال الانتفاضة الأولى لخمسة أعوام مع شقيقه أمين زيدان خازم الذي أمضى في سجون الاحتلال عامَين ونصف عام.

غادر أبو رعد مقاعد الدراسة في عمر الـ 15 بعد أن أنهى الصف التاسع الأساسي، واشتغل في أعمال متنوعة، وخصوصاً في مجال البناء لمساعدة عائلته مادياً. وبعد قدوم السلطة الفلسطينية انضم إلى صفوفها ليخدم في جهاز الأمن الوطني ويصبح نائب قائد منطقة نابلس.

تمحورت حياة أبو رعد في الأعوام الأخيرة حول الأرض، معتكفاً فيها؛ معتزلاً الناس؛ مكتفياً بفلاحتها ورعاية زيتونها؛ مستمداً من عرق جبينه صلابة البقاء والوقوف ثابتاً؛ عارفاً عز المعرفة رائحة التراب ودفئه. هكذا يفهم الشرفاء الأرض ومهمة البنادق.

لكن في مرة واحدة تجد نفسك في مواجهة شخصية مع "دولة"!.. فقط تخيلوا حجم الإرهاق النفسي؛

دولة كل شيء فيها ضخم، ولديها أعوان ومطبّعون ومحايدون ومسالمون لا يحاربونها؛ وأنت الوحيد مع بيتك وأفراد عائلتك، بقطعة سلاح واحدة وبضعة مخازن رصاص، تواجهون؛

مرة واحدة يا فتحي خازم تصبح المعركة ثأراً شخصياً تخوضه دولة قوية ضد شخص واحد؛

مرة واحدة، يا بيت أبو رعد، مثلما سبقك بيت أبو عاصف البرغوثي، وبيت أم ناصر أبو حميد؛

مرة واحدة والكل يدين ويُحمِّل مسؤوليات من دون فعل.. وأنت فعلنا وأنت مَن يَحْملنا؛

مرة واحدة يصبح الأبناء شهداء في عمر صغير، وتصبح البيوت كومة حجارة مهدمة، والاتصالات مراقبة، والشارع مراقباً، والنوافذ، وحتى حوض النعناع وزيارة الطبيب تحت المراقبة.. وتتحملون؛

باتت جنازات الشهداء للأهل والرفاق، فالدم لم يعد يعني البعض مثلما تعلم، لكنه يعني الدنيا كلها للشرفاء أمثالك وأمثال هؤلاء الشباب الذين قبلوا أن يكونوا وقود الأرض؛

إنكم يا فتحي تحررون أمتاراً، بعيداً عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي واستنكار دول الجوار وبيانات الشجب والإدانات وهذه القاذورات كافة.

ما أنظفكم.

السيرة الشخصية: 

يامن نوباني: صحافي وكاتب فلسطيني.