هل أعلنت الانتخابات الإسرائيلية بداية تحوّل نوعي في السياسة الإسرائيلية؟
لم تأتِ نتائج هذه الانتخابات من لا مكان، بل جاءت كنتيجة تراكمية لتغيرات في المجتمع الإسرائيلي، مكرسة هيمنة شاملة لليمين العنصري الديني على دولة الاحتلال.
اليسار الصهيوني انهار قبل الانتخابات لأنه فقد لغته، وأجبره اليمين المهيمن على الالتحاق به، مثلما حدث في حكومة التغيير التي لم تغير شيئاً، وإنما تمادت في قمع الشعب الفلسطيني، وأسقطت ورقة السلام من حساباتها.
أمّا اليمين التقليدي ويمين الوسط، يائير / غانتس، فقد أثبتا أن سياستَيهما ليستا سوى نسخة معدلة عن سياسات اليمين المتطرف، وأنهما يحاولان أن يحميا فكرة مستحيلة، أي فكرة دولة يهودية وديمقراطية وتتمادى في الاحتلال.
جاءت النتيجة الصاعقة للانتخابات كأنها انقلاب، وهي ليست انقلاباً، وإنما نتيجة منطقية لهيمنة المستوطنين على السياسة الإسرائيلية، وترجمة لصعود اليمين في زمن النيوليبرالية المتوحشة في العالم.
الجديد الإسرائيلي ليس جديداً على المستوى الفلسطيني؛ الجديد الحقيقي سيشهده المجتمع اليهودي الإسرائيلي. فاليمين الديني الصهيوني سيزيل الماكياج كله عن وجه دولة الاحتلال: استقلالية القضاء مهددة، والأمن على شفير التشظي مع وزارة الأمن القومي التي اقتُطعت لبن غفير، والعلمانية التي قدمت صورة لدولة هي امتداد للمجتمعات الأوروبية، وستوجَّه إليها ضربات قاتلة.
هذا المحور الصغير هو مساهمة أولى في قراءة الانتخابات من ثلاث زوايا:
ففي مقالته: "تطلعات الصهيونية الدينية: الدولة اليهودية أولاً"، يقدم أنطوان شلحت صورة عن القوى الجديدة التي وصلت إلى السلطة بعد الانتخابات الإسرائيلية، ويقرأ أهم رموزها، محللاً الطريق الدموي الذي يعبّده خطابها العنصري.
أمّا رندة حيدر فتقدم تحليلاً للتيارات اليمينية العنصرية المعادية للفلسطينيين. فمع إحكام قبضة المتدينين العنصريين على السلطة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن مسألة تصفية الوجود السياسي للفلسطينيين سيكون لها الأولوية إلى جانب حركة الضم الزاحفة التي ستشهد نمواً سرطانياً متجدداً.
وأخيرا يقرأ رازي نابلسي انعكاسات التشرذم السياسي بين فلسطينيي 1948، والتي شكّل "التأثير" الوهمي في الحياة السياسة الإسرائيلية عنوان تهميشها.
هذا المحور يجب أن يُستكمل في أعدادنا المقبلة، فإسرائيل الدينية العنصرية لا تشكل تهديداً للفلسطينيين فقط، بل للمنطقة بأسرها أيضاً.