الغاز في شرق المتوسط: الاحتياطيات والتحديات الجيوسياسية
التاريخ: 
02/12/2022

عقدت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في 2/12/2022، في مقرها في بيروت وعبر تطبيق زوم، الندوة الرابعة عن الغاز بعنوان "الاحتياطيات والتحديات الجيوسياسية"، تميزت بمشاركة كثيفة وقيّمة لباحثين ومتخصصين ودبلوماسيين وسياسيين وإعلاميين، حضورياً وعبر الفضاء الافتراضي، وبمداخلات أغنت جلستَيْها.

افتتح الندوة رئيس مجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية د. طارق متري الذي رحب في مستهل كلمته بالحضور، مشيراً إلى أن انعقاد الندوة الرابعة عن النفط والغاز يؤكد اهتمام المؤسسة بكل جوانب الصراع العربي – الإسرائيلي، ولا سيما أن مسألة الطاقة هي من الملفات ذات الشأن التي تفرض نفسها على فلسطين والمنطقة كلها، لترابط عناصر الصراع بعضها ببعض.

 

 

الجلسة الأولى

ترأس الجلسة الأولى د. متري، وكان أول المحاضرين رئيس تحرير نشرة MEES بيتر ستيفنسون، عبر تطبيق زوم، باللغة الإنكليزية، وبترجمة مباشرة وفرتها المؤسسة للمشاركين، وعنوان محاضرته "الاكتشافات؛ الاحتياطي؛ الإنتاج والتصدير للغاز في شرق المتوسط".

فصّل ستيفنسون واقع احتياطيات النفط في شرق المتوسط (مصر؛ إسرائيل؛ غزة؛ لبنان؛ سورية؛ قبرص)، فأشار إلى أن احتياطيات مصر لم تكن كبيرة في البداية، ثم تعاظمت شيئاً فشيئاً مع اكتشاف آبار جديدة، لكن امتلاكها بنية تحتية جاهزة لإنتاج الغاز جعل منها محطة لتسييل وتصدير الغاز الإسرائيلي الذي تدفق عليها بعد اكتشاف احتياطيات غاز قبالة شاطئ فلسطين المحتلة. وأشار إلى أن إسرائيل بعد اكتشاف آبار الغاز باتت دولة مصدرة لهذه المادة إلى كل من الأردن ومصر.

وأشار إلى أن دولاً أُخرى في شرق المتوسط اكتشفت، أو يُفترض أن فيها، احتياطيات من الغاز، كقبرص ولبنان وسورية واليونان، لم تبدأ الإنتاج مطلقاً، ولا حتى تجارياً، ومن غير المتوقع أن تباشر قريباً في استخراج الغاز وتصديره إلى أوروبا، التي يُفترض أنها وجهة التصدير. وفي وقت يدور الحديث عن أن غاز شرق المتوسط يمكن أن يغطي حاجة أوروبا إلى الغاز بعد أزمة الحرب في أوكرانيا، أوضح ستيفنسون أن كل ما يمكن تصديره لا يكفي أوروبا، ولا يغطي ما تقدمه روسيا للقارة العجوز، مبيناً أن أهم معوقات تصدير الغاز من شرق المتوسط، هو نقص التقنية، علماً بأن إسرائيل يمكن أن تبدأ عمليات التصدير قريباً.

أمّا الحلول لتجاوز معوقات التصدير، فلخصها بضرورة توسيع قدرة محطات الغاز المصرية، التي من المفترض أن يتم التصدير من خلالها، وبناء خطوط أنابيب، لكن رفض فكرة تعاون بعض الدول مع إسرائيل قد تحول دون ذلك.

واستنتج ستيفنسون أنه من غير الواقعي الاعتقاد أن دول المنطقة ستتفق مع بعضها، على الرغم من أنه لا حلول ناجعة من دون تعاون الجميع، ومن دون تطوير البنى التحتية لتصدير الغاز إلى أوروبا.

 

 

الكلمة الثانية كانت للدكتور وليد خدوري بعنوان "تأثير الحرب الأوكرانية على تصدير البترول الروسي لأوروبا ودور غاز شرق المتوسط"، تحدث فيها عن مسألة تحول الطاقة، مستبعداً الاستغناء عن الطاقة الأُحفورية التي تمثل 85% من استخدام الطاقة في مقابل 5% للطاقة الشمسية والطاقة المُولدة من الرياح. ورأى أن من الصعوبة في مكان التوصل إلى مثل هذا الهدف كونه يحتاج إلى اتفاق عالمي غير متاح حالياً؛ فأوروبا تريد التوقف عن الاعتماد على الطاقة الأُحفورية، لكن بريطانيا والولايات المتحدة لا تزالان تعتمدان على استخراج النفط والغاز. كما أن حرب أوكرانيا دفعت بألمانيا مجدداً إلى العودة إلى الفحم الحجري الذي كانت قد توقفت عن استخدامه واعتمدت بنسبة كبيرة على الغاز الروسي. 

وبشأن غاز شرق المتوسط، نصح د. خدوري بأن يُستخدم محلياً في الدول المنتجة له، وقال إن إسرائيل استغنت عن الفحم الحجري وأبقت فقط على محطة أشكول للاحتياط.

وتناول إمكانية تصدير الغاز إلى أوروبا، فقال إنها عملية مكلفة جداً، وخصوصاً بناء أنابيب نقل تحت الماء، مشيراً إلى تجربة مصر السابقة في تصدير ما كانت تستخرجه من الغاز، إذ وجدت أن صادراتها انخفضت بعد استخراج كميات كبيرة منه، في وقت كانت تعاني جراء أزمة طاقة.

وأشار د. خدوري إلى أن الدولتين الوحيدتين في المنطقة القادرتين على تصدير الغاز هما الجزائر وقطر، بسبب امتلاكهما احتياطيات وطاقة إنتاجية أكبر من حاجتهما الاستهلاكية.

والمتحدث الثالث كان أنطوان شلحت، عبر زوم، فأشار في محاضرته بعنوان "الجيوستراتيجيا في سياسة الغاز الإسرائيلية"، إلى أن إسرائيل تحولت من مستورد للغاز المصري إلى مصدّرة له بعدما اكتشفت احتياطيات لديها، وباتت تصدره إلى مصر وعبرها إلى أوروبا وإلى الأردن.

 

 

ولفت إلى أن إسرائيل تعمل على استخدام مخزونها من الغاز سياسياً، علماً بأن الاستخدام السياسي لقدراتها يقع ضمن استراتيجياتها منذ تأسيسها، وقد تعزز هذا التوجه لديها بعد أن توقفت مصر عن إمدادها بالغاز خلال الفترة التي حكم فيها الإخوان المسلمون مصر. وأوضح أن إسرائيل تريد أن تستغل احتياطها من الغاز والحاجة إليه لتقوية موقعها الإقليمي، وأن عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط يساهم في امتلاكها مثل هذا الدور، فهي بَنَت تحالفاً مع قبرص واليونان، ونفذت معهما مناورات عسكرية شاركت في واحدة منها الإمارات العربية المتحدة، واندفعت تركيا أخيراً إلى استئناف علاقتها بتل أبيب لتقوية دورها في المنطقة أيضاً. ولم تكتف أنقرة باستعادة علاقاتها بإسرائيل، بل هي تعمل جاهدة أيضاً لاستعادة علاقتها بمصر.

الجلسة الثانية

ترأس الجلسة الثانية د. حسن الشريف، وأول المتحدثين فيها كان العميد الركن خالد حمادة الذي كانت محاضرته بعنوان "ترسيم الحدود البحرية في لبنان: مسارات في الأمن والاقتصاد والسياسة"، أشار فيها إلى أن استكشاف النفط في لبنان بدأ في خمسينيات القرن الماضي، وليس أمراً حديثاً، موضحاً أنه مع اكتشاف احتياطيات الغاز في شرق المتوسط برزت عدة تطورات تمثلت فيما يلي: عودة أميركا إلى المنطقة بعدما كانت تستعد لمغادرتها، وتعزيز تركيا لدورها في المنطقة، واندلاع حرب أوكرانيا وتداعياتها العالمية.

فعودة أميركا إلى المنطقة تُعيد خلط بعض الملفات، وخصوصاً أن كثيراً من الدول كانت قد بدأت ترتب أمورها بناء على مغادرة أميركا عبر نسج تحالفات ثنائية وثلاثية، والآن تعمل أميركا على إقامة جبهة عريضة بقيادتها.

 

 

وتناول حمادة اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مع إسرائيل، آخذاً على المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالترسيم تخليهم عن الخط 29 المبني على أساس قانون البحار الذي ينطلق في الترسيم من الحدود البرية، في حين أن اعتماد لبنان على الخط 23 بناء على خط العوامات الإسرائيلية يعني تخليه عن نقطة الناقورة الحدودية، وبالتالي ليس خسارة منطقة بحرية فحسب، بل أيضاً خسارة أراض في البر.

وبيّن أن البدء باستخراج الغاز من حقل قانا، في حال اكتُشفت احتياطيات تجارية فيه، مرهون باتفاق شركة توتال على الحصة التي تريدها إسرائيل من عائدات الغاز، وهو ما لم يتم حتى الآن، وقد لا يتم قريباً، الأمر الذي من شأنه أن يشكل عنصر ابتزاز سياسي للبنان. كما أشار إلى أن الاتفاق غير دستوري لأنه لم يُناقش في مجلس النواب اللبناني.

المتحدث الثاني في الجلسة الثانية كان د. عبد الرحمن التميمي، عبر تطبيق زوم، الذي رأى، في محاضرته بعنوان "غاز شرق المتوسط: فلسطين حاضرة طبيعياً، غائبة سياسياً واقتصادياً"، أن المسألة في فلسطين ليست مسألة غاز فحسب، بل مسألة حقوق وأوضاع دولية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

ورأى أن ما يُراد أميركياً هو إدخال إسرائيل سياسياً واقتصادياً إلى الشرق الأوسط، لأن وظيفتها الأمنية لم تعد قائمة، وهو ما كان يريده قادة إسرائيل دائماً، أي أن تكون جزءاً من الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن إسرائيل تحاول توسيع تأثيرها في المنطقة من خلال عضويتها في منتدى غاز شرق المتوسط، كما تحاول أن يكون لها دور استعماري اقتصادي.

 

 

وتساءل التميمي عن سبب صمت السلطة الفلسطينية فيما يتعلق بحقل غزة – مارين، وعدم مصارحتها لشعبها بالحقائق، ولماذا رفضت بداية عضوية منتدى غاز شرق المتوسط، ثم قبلت بها لاحقاً؟ مستنتجاً أن الفلسطينيين ليسوا سوى شهود زور في المنتدى، بينما يمكن لإسرائيل أن تسرق كل غاز غزة - مارين.

واستنتج التميمي في خلاصة حديثه أنه يُعاد تقسيم المنطقة اقتصادياً وليس جغرافياً، وأن إسرائيل ستكون أساسية في مسألة غاز المتوسط، لكنه حذر من أن شرق المتوسط قد يكون ساحة صراع جديدة وليس مكاناً للتعاون.

المتحدثة الأخيرة في الندوة كانت كارول نخلة، عبر تطبيق زوم، والتي استبعدت، في محاضرتها بعنوان "الغاز في سلة الطاقة لعالم تصفير الانبعاثات 2050"، أن يتحقق هدف طاقة بلا انبعاثات كربونية في سنة 2050، الأمر الذي أظهرته تطورات مثل كوفيد 19 وتداعياته، وحرب أوكرانيا.

 

 

وأشارت إلى عدم اليقين لدى وكالة الطاقة الدولية، التي أعلنت في أيار/مايو 2021 عن عدم الحاجة إلى استثمارات جديدة في الطاقة الأُحفورية في نهاية السنة، لتُعيد قبل نهاية 2021 النظر بهذا الشعار. وقالت إن بريطانيا وأوروبا تؤكدان أن الحاجة إلى النفط والغاز ستبقى قائمة لسنوات طويلة.

وأوضحت أنه في الوقت الذي اكتُشف الغاز في شرق المتوسط، اكتُشف أيضاً في شرق أفريقيا. وبينما تتجادل بعض دول شرق المتوسط، فإن الموزمبيق ستكون واحدة من أكبر مصدري الغاز في سنة 2025.