إعادة الاعتبار للبعد التضامني مع قضية الأسيرات والأسرى الفلسطينيين
التاريخ: 
20/10/2022
المؤلف: 
ملف خاص: 

في محاولة الإجابة عن سؤال كيفية إعادة الاعتبار للبعد العربي للحركة الفلسطينية الأسيرة، خلال ندوة لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، شارك فيها: أسيرات وأسرى فلسطينيون وعرب، هم: سهى بشارة، وأنور ياسين، وأمير مخول، وخالدة جرار، تم نقاش عدة اقتراحات من شأنها إعادة الاعتبار للبعد العربي في قضية الأسرى الفلسطينيين، في ظل تراجُع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، والانخراط التطبيعي لبعض الأنظمة بشكل رسمي، وفي ظل تطوُّر أدوات المنظومة الاستعمارية والإمبريالية، والرأسمالية العالمية، في تعاملها وقمعها للشعوب. وتمحور النقاش حول تفعيل وتطوير وسائل النضال التضامني والتحرري في مواجهة منظومة قمعية متكاملة.

 

أرشيف ملصق فلسطين، 1985

 

لا بد من الإشارة إلى تشابه منظومة القمع الاستعمارية، في مواجهة المقاومة التحررية للشعوب. وإذا ما أخذنا نموذج الأسر الناتج عن الفعل التحرري المقاوم للاستعمار، سنجد تشابهاً في تجربة الأسرى والأسيرات، سواء على المستوى العربي، أو العالمي، هذا التشابه نلاحظه في الوسائل والأدوات والأهداف التي تمارسها وتسعى لها القوى الاستعمارية، أو في مقاومة الأسيرات والأسرى لكل ذلك، متسلحين بالقناعة بمشروعهم التحرري الذي يعني تحرُّر شعوبهم من الاستعمار الاستيطاني والإذلال والاضطهاد القومي والاجتماعي.

وفي أحد المساقات التعليمية في جامعة بير زيت الذي خصصناه للحركة الأسيرة النسوية، في محاولة لمعالجة مفهوم الأسر في الوضع الاستعماري كما هي حال فلسطين، كان لا بد من التطرق إلى الجانب المفاهيمي للأسر في السياق الاستعماري كفعل مقاوم، وعلاقة الأسيرات والأسرى بالمشروع التحرري الأكبر، وحينما نتحدث عن المشروع التحرري، نقصد التحرر من الاستعمار والاستعباد والاضطهاد الطبقي، ومن الهيمنة الرأسمالية التي تطحن النساء والرجال، نتحدث عن مفهوم السجن كما وصفه ميشيل فوكو وغرامشي.

تفحّصنا الموضوع في إطار التجارب المختلفة لكلٍّ من لبنان، وإيرلندا، والجزائر، وبوليفيا، وفلسطين، كبلاد عاشت الاستعمار ومنظومته القمعية، وهي تجارب تم توثيقها بلسان أسيرات ومناضلات، مثل سهى بشارة التي وصفت تجربتها في سجن الخيام، في الجنوب اللبناني المحتل في تلك الفترة، في كتابها مع كوزيت إبراهيم "أحلم بزنزانة من كرز". والمناضلة البوليفية دوميتيلا دو شانغارا في كتابها "دعوني أتكلم"، التي وصفت فيه تجربة النساء العاملات ونضالهن النقابي في مواجهة الرأسمالية الاستعمارية، وما تعرضن له من مطاردة وملاحقة واعتقال. وحالة التشابه ما بين النضال الفلسطيني والجزائري في مقاومة الاستعمار، وملاحقة المناضلين والمناضلات واعتقالهم كما في حالة المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، وإضراب الوسخ الذي قامت به المناضلات الأسيرات في إيرلندا سنة 1978. وتجربة المناضل الإيرلندي بوبي ساندز ورفاقه في إضرابهم المشهور عن الطعام سنة 1981.

وهنا تأتي أهمية إدراك العلاقة المتداخلة بشبكة الاضطهادات التي تعانيها المرأة "النظام البطريركي، والاستعمار، والإمبريالية" على صعيد المفاهيم والتطبيقات، وذلك من خلال التعرض لمقارنة التجارب من نساء فلسطين، ولبنان، والجزائر، وإيرلندا، وبوليفيا. المقصود المقارنة بين التجربة الاعتقالية، إذ بدأ التشابه في السجن بكل تفاصيله، من لحظة الاعتقال، ووسائل التحقيق والتعذيب، إلى تركيبة السجن المهندس والمراقب بدقة المستعِمر، الأمر الذي يعطي فهماً أعمق للحركة الأسيرة النسوية من منظور نسوي. مع التركيز على الواقع العيني للأسيرات الفلسطينيات وما يواجهن من تحديات.

ولتفعيل الدور العربي فيما يتعلق بموضوع الأسيرات والأسرى، هناك مستويان من النقاش والاقتراحات التي تحتاج إلى تطوير وإغناء.

المستوى الأول: مستوى ميداني من الأنشطة التضامنية، العربية والدولية، من خلال إقامة شبكة من العلاقات الفلسطينية والعربية والدولية، والتي تؤسس لتنظيم فعاليات متواصلة، في محاولة لإبقاء التضامن قائماً ومستمراً من جهة، ومن جهة أُخرى محاولة تنظيم الجهود المبعثرة، بالتركيز على مواجهة الانتهاكات المتواصلة والمستمرة بحق الأسيرات والأسرى. كموضوع الاعتقال الإداري، أو البوسطة، أو الإهمال الطبي..... إلخ. وهذا يحتاج إلى جهد ميداني وقانوني وضغط مؤثر، كما يحتاج إلى تواصل دائم ومراكمة للجهود، بحيث تُحدث تأثيراً يؤدي في النهاية إلى مواجهة هذه الانتهاكات المتواصلة، والتي تشكل معاناة يومية ودائمة للأسيرات والأسرى لحين تحررهم من قيود الأسر.

المستوى الثاني: وهو استراتيجي بإعادة تأكيد مضمون المشروع التحرري، الذي نلاحظ غيابه أو تلعثمه، وكأن موضوع الأسر هو موضوع حقوقي إنساني وليس أثراً مباشراً لمقاومة المستعمِر، ويأتي في سياق عملية تحررية متواصلة ومستمرة تتطلب تضحية ومقاومة الشعوب المستعمَرة للأساس المادي للوجود الاستعماري وتسعى للتخلص من تجليات هذا المشروع، الذي يشكل الأسر أحدها. فطالما هناك استعمار، طالما هناك وجود لمنظومة قمعية لا تنتهي إلا بجلائه. وهو مشروع تحرري بامتياز. لذلك، المطلوب تطوير خطاب المثقفين، من خطاب ليبرالي يقتصر على الحقوق والأنسنة، ويرتبط بمنظومة الحقوق والحريات التي تتجاهل البعد السياسي الطبقي التحرري لموضوع الأسر وتُخرجه من سياقه الاستعماري، الى خطاب تحرري مقاوم للاستعمار بأشكاله المختلفة، فقضية الأسر لا يمكن عزلها عن المشروع التحرري الأكبر، بمعناه الشامل كمشروع مقاوم.

عن المؤلف: 

خالدة جرار: أسيرة محررة وبرلمانية فلسطينية وباحثة في جامعة بيرزيت.

انظر