أدوات قمع إسرائيلية جديدة على جانبيْ الخط الأخضر
التاريخ: 
30/09/2022
المؤلف: 

بما أن الخط الأخضر خارج الذهنية الإسرائيلية السياسية والمدنية والأمنية، فإن السياسات الأمنية لا تتوقف عند حدود هذا الخط، بل هي في معظمها جزء من كل. هذا التمييز بحسب الخط الأخضر الذي يريد الفلسطينيون ترسيمه كل يوم، بينما تمحوه إسرائيل فعلياً كل يوم، من شأنه أن يضلل القراءة السياسية الفلسطينية والعربية، وحتى الدولية، لخطوات إسرائيلية قد تبدو مبعثرة، لكنها جزء من استراتيجيا واحدة.

نشر الإعلام الإسرائيلي أنباء عن ثلاث خطوات، قام بإحداها جيش الاحتلال[1]  والأخرى بلدية بئر السبع[2]، وكانت الثالثة تصريحات القائد العام للشرطة الجنرال كوبي شفتاي[3]. وإذ تبدو للوهلة الأولى أنها منفصلة وتقع في مواقع مختلفة من جانبيْ الخط الأخضر، كما يبدو فيها تداخُل بين دوائر صُنع القرار العسكري والمدني، إلا أنها متداخلة ومتكاملة، وهي نتاج الذهنية ذاتها. وجميعها من دروس قمع الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أم في مدن الساحل التاريخية.

أولى هذه الخطوات هي إعلان تشكيل ميليشيات "الشرطة الخاصة" في بئر السبع. وهو ما يعيدنا بضعة أشهر إلى الوراء، حين أعلن رئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، عشية نهاية حقبته، إقامة "الحرس القومي"، وسرعان ما غاب بينت عن المشهد السياسي وكاد الناس ينسونه كرئيس للحكومة، لكن الإرث القمعي سيبقى، وسيشعر به فلسطينيو الـ 48 على أجسادهم وحرياتهم.

"الحرس القومي" هو جهاز شرطة موازٍ للشرطة الإسرائيلية والتفافيّ عليها، من حيث نمط عمله والإجراءات القانونية التي تحدد عمل الشرطة، إذ أنه مبنيّ على التطوع من أساس أيديولوجي صهيوني أكثر مما يعتمد على أساس رسمي، ولا يخضع للرقابة العامة كما تخضع الشرطة. مع أهمية الإشارة والتأكيد أن منظومة الرقابة على عنف الشرطة الإسرائيلية تمارس دورها ما دام هذا العنف غير مطبّق على فلسطينيي الـ 48، بل حتى حين ارتكبت الشرطة المجازر، كما في هبّة القدس والأقصى في سنة 2000، والتي تزامنت مع الانتفاضة الثانية، فإن كل الشكاوى التي رفعتها لجنة المتابعة العليا وأهالي الشهداء الثلاثة عشر ومركز عدالة الحقوقي، قد رُدّت بالكامل.

 وفي "هبّة الكرامة" 2021، أغلقت النيابة العامة وقسم الشكاوى ضد رجال الشرطة ملف استشهاد موسى حسونة، من اللد، وسبقه يعقوب أبو القيعان، من حورة في النقب، والقائمة طويلة، كان آخرها إغلاق ملف الإعدام الميداني للطالب محمد كيوان، من أم الفحم.

ابتداءً من شهر أيلول/سبتمبر 2022، وبالتوافق بين بلدية بئر السبع ووزارة الأمن الداخلي، تم إعلان إقامة ميليشيات "الشرطة الخاصة" رسمياً، إذ تقوم البلدية بجباية ضريبة حراسة بقيمة 2 شيكل عن كل متر مربع من مساحات الشقق والبيوت في المدينة، وتصل في المجمل الى 27 مليون شيكل سنوياً، ناهيك بالميزانيات الحكومية. هذا وفقاً لتقرير "شومريم" المتخصص بالتقارير الإعلامية الاستقصائية. لن يكون من السهل على العرب الفلسطينيين من سكان المدينة الامتناع من دفع ضريبة الحراسة، لكون جبايتها مدمجة ضمن فاتورة الضرائب العامة للبلدية.
إن دور "الشرطة الخاصة" هو مثل اسمها، شرطة خاصة بالـ"يهود"، وهي أقرب إلى ميليشيات مرتزقة معترَف بها رسمياً، أكثر دموية وعنصرية، وتمت بلورتها وتحديد دورها في أعقاب هبّة الكرامة من ناحية، وفي أعقاب هبّة النقب، وهي مشبعة بالعداء للوجود العربي في النقب، وبالذات في بئر السبع، وتعتبره فعلياً مسألة أمنية، كما تعتبر أن الفلسطينيين العرب أهالي النقب هم مصدر الجريمة والفوضى في المدينة.

قبل أسابيع معدودة، تم الكشف عن أن حركة "إم – ترتسو" اليمينية المتطرفة من أكثر التنظيمات اهتماماً بالموضوع، وهي التي سترفد هذه الميليشيات بالعناصر. أما المسعى فهو التواصل مع الوزارة المعنية بتوسيع نطاق الشرطة الخاصة، ولا بد من أن تنتقل إلى مدن أُخرى في البلاد، وبالذات مدن الساحل الفلسطيني التاريخية. فبالتكامل مع دور إم- ترتسو[4]، نشأ تنظيم جديد يدعى "عَريه يسرائيل" (أي مدن إسرائيل)[5]، وذلك على خلفية "هبّة الكرامة" والصدامات التي شهدتها، وهدفه "تعزيز الأمن الشخصي، وتعزيز المناعة الجماهيرية، والاستعدادات لمنع أعمال العنف القادمة"، وهو يعمل في مدينة بئر السبع ومدن الساحل ضد الحضور العربي الفلسطيني. وقد أعد هذا التنظيم المسجل كجمعية إسرائيلية وثيقة[6]  تابع فيها دور القيادات في الداخل الفلسطيني "في تأجيج الأوضاع والمواجهات"، وخلص إلى التوصية بحظر لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وإعلانها تنظيماً غير قانوني، باعتبارها "حكومة العرب داخل إسرائيل". هذا التنظيم يدعم "الشرطة الخاصة"، وكذلك الميليشيات اليهودية شبه الرسمية التي ظهرت بكثرة في العام الأخير، بعد هبّة الكرامة.

هذا النموذج سيجري تعميمه كما يبدو في المدن الساحلية، وهذا يعني أن جماهير شعبنا من أهالي هذه المدن، وكذلك بئر السبع، سيكونون مطالَبين بدفع "ضريبة حراسة" لميليشيات شرطة تستهدف وجودهم في هذه المدن. فعنوان اعتماد هذا النموذج من القوات الخاصة هو التصعيد في قمع الفلسطينيين والفلسطينيات تحت مسمى مكافحة الشغب واستعادة الأمان، من خلال تسيير دوريات مسلحة ومدججة بالعتاد، ليلاً نهاراً.

التطور الآخر هو نية حجب وسائل التواصل الاجتماعي في حال حدوث مواجهات قادمة، وهي خطوة مرتبطة بالأولى وتنطلق من السياق نفسه، إذ أعلن قائد الشرطة الإسرائيلية، وعشية رأس السنة العبرية، إمكانية إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي في حال تكرار أحداث على غرار "هبّة الكرامة"، وهو دليل آخر على أن الدولة وذهنيتها العدائية الدموية مشغولة بجماهير شعبنا الفلسطيني دونما توقُّف، كما أنه تهديد واضح باعتماد المزيد من القمع، لكنه يتضمن اعترافاً جوهرياً بانتصار الإعلام الشعبي ومنصات التواصل التي استخدمتها جماهير شعبنا، وبالذات الحراكات الشبابية، على منظومة الإعلام الإسرائيلي الضخمة والمدججة بعنصريتها وتحريضها الدموي.

أما التطور الثالث فهو القناص الآلي الذي ثبّتته قوات جيش الاحتلال في مواقع مختلفة من مدينة الخليل، كما تثبّت أجهزة الرقابة والتصوير في أنحاء المدينة. وهي آلة قنص مزودة بالذخيرة، وفيها مجسّات وأجهزة تصوير تعمل ليلاً نهاراً، ويجري التحكم فيها عن بُعد لإطلاق الرصاص على الفلسطينيين. وبالمفهوم العسكري الإسرائيلي، هي توفّر أمرين جوهريين: الأول هو الحفاظ على حياة جنود الاحتلال، فبدلاً من الاقتحامات العسكرية التي لا بد من أن يسقط فيها جنود برصاص فصائل المقاومة الفلسطينية، هي تشكل في حال نجحت بمفاهيم إسرائيل استعاضة عن الاقتحامات وقدرة على الإعدام الميداني للناشطين الفلسطينيين من خلال التحكم في آلة القنص من بعيد؛ أما البعد الثاني منها فهو مسعى الاحتلال لتطوير مفهوم الردع للشباب الفلسطيني بمفهوم الشعور بأنه مراقَب طوال الوقت، ولا يعرف من أين تأتيه رصاصة الاحتلال.

إن ما يقوم به الاحتلال هو تحويل مدينة الخليل الى حقل تجارب لآلات القتل والقنص، يجري تعميمه على المدن الفلسطينية الأُخرى، في حال "نجح"، وبأساليب مختلفة وأنواع ذخيرة مختلفة. وهي أيضاً، في حال نجحت، باعتبارات الاحتلال، فإنها ستكون منتوجاً للشركات الخاصة والأنظمة الصديقة لإسرائيل للاتجار به، بصفته براءة اختراع قاتل. كما يلتقي هذا "الاختراع" مع الاختراع الآخر الذي هندسته صناعات القتل، وهو المسيّرات الطيارة المزودة ببنادق آلية، والتي قرر الاحتلال استخدامها في منطقة نابلس وجنين لقنص المقاومين للاحتلال، وللحيلولة دون سقوط جنود الاحتلال.

في الخلاصة، هذه الخطوات التي تبدو تكتيكية هي أدوات تسعى دولة الاحتلال من خلالها للالتفاف على ورطاتها الاستراتيجية المحتملة، وكذلك هي التفاف على لجان التحقيق ومحكمة الجنايات الدولية والحيلولة دون اتهام أي جندي عينياً، بينما من الناحية الرؤيوية فهي تتساوق مع استراتيجية اللا- حل، وتعميق الاحتلال و"تقليص الصراع".

في المقابل، وإذ تسعى دولة الاحتلال لفك الارتباط بين الجبهات الفلسطينية كما تحددها (غزة والضفة والداخل والقدس)، فإنها تسعى لبناء استراتيجيا واحدة قائمة على تسديد الضربة إلى كل الجبهات معاً، للحيلولة دون تكامُل أدوارها. كما أنها تأكيد على أن الذهنية الإسرائيلية الجامعة هي نحو التصعيد العدواني، وإذ تبدو الخطوات منفصلة، إلا إن النظرة إلى المنظومة الإسرائيلية بمجملها تؤكد ترابُطها. لكن تبقى بارقة الأمل بشعب فلسطين الذي على الرغم من تعثُّر الحالة السياسية، فإنه عصيّ على الهزيمة، وهو قادر على زرع الإخفاق في المخططات الإسرائيلية.

 

[1]https://www.haaretz.com/israel-news/2022-09-24/ty-article/.premium/israeli-army-installs-remote-control-crowd-dispersal-system-at-hebron-flashpoint/00000183-70c4-d4b1-a197-ffcfb24f0000

[2]https://www.mako.co.il/men-men_news/shetch_hefker/Article-a40507f171b5381026.htm

[3]https://www.ynet.co.il/news/article/rktby9d11i 

[4]https://imti.org.il/?gclid=CjwKCAjw4c-ZBhAEEiwAZ105RUZFDuSt87nxzv6xdbc6Y22tNcBLHBa354zJ7S0l7c_RKhBLuzIxyRoCEscQAvD_BwE

انظر/ي أيضاً:

https://mara.org.il/15200

[5]https://www.guidestar.org.il/organization/580738813 

[6]https://www.maariv.co.il/journalists/Article-947841?fbclid=IwAR0mvXMBbJMBk_X2WQZiTXUWRYlFOn8aku97tMH6IzzTb4ISw864Fp7IwPE

عن المؤلف: 

أمير مخول: كاتب من حيفا.