أبو ميزر، محمد (أبو حاتم). "الجذور والتراب: حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة" (بالعربية)
النص الكامل: 

الجذور والتراب: حوار عن القدس والمنفى والعودة الصعبة

محمد أبو ميزر (أبو حاتم)

حاوره صقر أبو فخر

الدوحة، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2020. 236 صفحة.

 

هذا الكتاب هو سيرة لشخصية سياسية كانت من أوائل مَن انخرطت في العمل الحزبي العربي (البعث) والفلسطيني ("فتح")، وتنقّلت في نضالها في عدة مدن عربية، بداية من القدس، وصولاً إلى باريس، وانتهاء بالعودة إلى الوطن. وهذا الحوار الذي أجراه الصحافي والباحث صقر أبو فخر يجعلنا نطّلع على حياة أبو حاتم السياسية والوطنية، الذي ترعرع في ربوع القدس، وعاصر بواكير أحداثها في تاريخها الحديث، وتعلّم في مدارسها.

ليس في الكتاب فصول مقسمة كما هو المعتاد، وإنما عناوين تواكب مراحل حياة أبو حاتم، مثل: "البدايات والمؤثرات"؛ "الثقافة والمكان"؛ "البعث"؛ "الفتح بعد البعث"؛ "العودة إلى المشرق".

يكشف هذا الكتاب، عبر شخصية أبو ميزر، تاريخ القدس في مراحل الاحتلال البريطاني، فأبو حاتم، وإن كان خليلي المولد (1936)، إلّا إنه عاش في القدس، وحفظها عن ظهر قلب، وتعايش مع طوائفها التي كانت كأنها "طائفة واحدة"، متعلماً في مدارسها "البكرية" و"الرشيدية"، وصولاً إلى نيله شهادة التوجيهي (الثانوية العامة) من مدرسة "دير الأقباط" التي أهّلته للدراسة في القاهرة.

انتسب أبو حاتم إلى حزب البعث، وهو في الكلية الرشيدية، عبر المناضل المعروف بهجت أبو غربية في سنة 1951، والذي كان يرفع شعار "وحدة حرية عدالة اجتماعية"، كما انتسب إلى الحركة الطلابية الأردنية التي عقدت اجتماعاتها ومؤتمراتها في القدس، وتم انتخابه رئيساً للهيئة الإدارية فيها.

واكب أبو ميزر الأحداث السياسية التي ألمّت بالمدينة، وبالوطن العربي أيضاً: في المغرب والجزائر ومصر وغيرها، والتي كانت تأثيراتها تلقي بظلالها على المدينة، إذ يقول: "كنا نتظاهر من أجل قضايانا العربية، وليس من أجل فلسطين وحدها" (ص 45).

يجول بنا المحاور صقر أبو فخر في عوالم شخصية أبو حاتم المرتحلة، إمّا قسراً، وإمّا بسبب ظروف متابعة النضال، كحال كثيرين من المناضلين الفلسطينيين الذين فرضت عليهم ظروف الدراسة والانخراط في الكفاح، أن يتنقلوا بين مكان وآخر في ربوع الوطن العربي، فارتحل بين القاهرة وليبيا والجزائر ودمشق ولبنان والأردن، وفرنسا؛ وفي كل بلد كانت له قصة وذاكرة.

تحت عنوان عاطفي ووجداني هو "مرض القدس"، يصف أبو حاتم عودته في سنة 1997، إلى المدينة الأقرب إلى قلبه، وذلك بعد غياب استمر 40 عاماً، قائلاً إنه "بخلاف التغيير الهائل الذي أصاب المنطقة التي تمتد من الرام إلى الشيخ جراح" (ص 55)، فـإن "القدس العتيقة لم يتغير فيها شيء" (ص 58). وقد اتقدت بعد عودته ذكريات نشأته الأولى، والهراوات التي انهالت عليه خلال التظاهرات قبل 60 عاماً، وإصابته بالغثيان وبآلام في المعدة ووجع في الرأس، وهو أمر شعر به مجدداً في سنة 1998، لا لمرض أصابه، بل لأن "مرض القدس تملكني" (ص 59).

عاش أبو حاتم في القاهرة فيما يعتبره أجمل عهودها، بل "مجد العروبة"، بين نهاية سنة 1956 ومنتصف سنة 1961، وهي الحقبة الناصرية التي التقى خلالها بالعديد من الشخصيات: سياسية مثل ميشيل عفلق؛ ثقافية مثل عبد الوهاب المسيري، وعبد القادر ياسين؛ طلابية فلسطينية، أصبحت لاحقاً قادة حركة "فتح"، مثل ياسر عرفات وسليم الزعنون (أبو الأديب) وأبو إياد. فشِقَّته في مصر الجديدة تحولت إلى ملتقى ثقافي وسياسي، وقد استلهم منها زائرها غازي القصيبي لاحقاً روايته المشهورة: "شقة الحرية".

يُبرز أبو فخر شخصية أبو حاتم الثقافية تحت عنوان: "الثقافة والمكان"، مناقشاً إياه فيما قرأه من عيون الأدب الكلاسيكي العربي والغربي في مكتبات القدس، وما تأثر به لاحقاً من الفلسفة الوجودية، منوهاً بما أرسته لاحقاً مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ومركز الأبحاث والتخطيط، من دور طليعي في تشكيل خلفيته الثقافية، كدعامة في مواجهة الاحتلال.

وفي معرض سؤاله عن أول مرة سمع بحركة "فتح"، أجاب محمد أبو ميزر أنه بدأ رحلته السياسية في حركة "فتح، في سنة 1962، عبر صديقه البعثي فاروق القدومي. ويسأله أبو فخر عن الأسباب التي دفعته إلى ترك حزب البعث، فيشير إلى حدثين: انفصال سورية عن مصر، و"خيبة" أمل من قيادة البعث التي تخلّت عنه بعد اتهامه برفقة بعثيين آخرين بتدبير انقلاب ضد ملك ليبيا. وفي هذا السياق أيضاً، يروي لاحقاً بالتفصيل كيف أن مراجعة فكرية أجراها، كان للفكر الوجودي تأثير كبير فيها، حسمت قراره في تركه للبعث.

يتذكر أبو حاتم تاريخ انطلاق العمل العسكري لحركة "فتح" في سنة 1964، فقد كان حاضراً، في اجتماع اتُّخذ فيه هذا القرار في الكويت برفقة شخصيات مثل فاروق القدومي وعادل عبد الكريم وغيرهما، وذلك بعد لقائه ياسر عرفات في سورية، ويقول كنّا جاهزين "لإطلاق العمل العسكري ونحتاج إلى قرار" (ص 160).

انتقل أبو ميزر إلى الجزائر حيث عمل صحافياً في مجلة "المجاهد" التي غطّت أول عملية لحركة "فتح"، وأثارت في حينه جدلاً واسعاً في الجزائر بشأن جدوى العمل العسكري في فلسطين مقارنة بتجربة الثوار والمثقفين في الجزائر. وفي سؤال استطرادي عن الجزائر يسأل أبو فخر عن تأثير انقلاب بومدين في مستوى العلاقة بـ "فتح"، فيجيب أبو حاتم أنه كان إيجابياً.

يواكب أبو صقر، في حواره، تاريخ رحلة أبو حاتم في حركة "فتح"، والأحداث المهمة التي أثرت في تطورها، ومنها معركة الكرامة، فما قبلها ليس كما بعدها. وفي باريس كانت محطة مهمة في حياة أبو حاتم الخاصة، ومفصل تاريخي في صوغ برنامج سياسي في سنة 1969، متأثراً بمثقفين فرنسيين، وهو ما عُرف لاحقاً بـ "برنامج الدولة الديمقراطية" الذي أثار جدلاً واسعاً في الساحة الفتحاوية، ولدى شخصيات اعترضت على البرنامج في تلك المرحلة، وهو البرنامج الذي بُني عليه لاحقاً البرنامج السياسي لمنظمة التحرير.

في خاتمة الكتاب، لا يُخفي أبو حاتم مرارته من تجربة المفاوضات مع الإسرائيليين، أكان ذلك من الأشخاص المفاوضين، أم ممّا آلت إليه الأوضاع لاحقاً. وفي خلاصة لما سمّاه تجربته الحارقة، يقول: "ومع أن التاريخ لم يُنصفنا بعد، إلّا إن العدالة لا بد أن تنتصر يوماً لا بقوة الحق وحده، بل بالقوة أيضاً" (ص 236).

السيرة الشخصية: 

أحمد الصباهي: صحافي فلسطيني.