في أول زيارة لزكريا زبيدي إلى جامعة بيرزيت في 13 تشرين الأول / أكتوبر 2016، جاء ليلقي محاضرة بعنوان: "المخيم، السجن المزدوج، وقلب القناص"، في مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة". حينها كان خارجاً للتو من سجن غير سجون العدو، وكان ممنوعاً أن يغادر حدود رام الله. وحدود رام الله كما فهمها زكريا حينها، وكما قال لي: هي "كازيات الـهدى" في أطراف المدينة. خشيتُ حينها عليه، واقترحت أن نعقد اللقاء في مركز التعليم المستمر، التابع للجامعة، في رام الله. رفض زكريا بشدة، وجاء إلى الجامعة مطارَداً في وطنه. استقبلتُه، حينها، وأديت له التحية العسكرية... واليوم، يا زكريا، نؤدي لك التحية العسكرية بشكل جماعي، وأنت في عزل سجن الرملة.
قُبل الأسير زكريا زبيدي في برنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة بتاريخ 27 أيار / مايو 2017، وانتظم في الدراسة في الفصل الأول من العام الدراسي 2017 - 2018. وتقدم بمقترح لمسار رسالة الماجستير، وتم إقراره وتسجيل الرسالة بتاريخ 17 أيلول / سبتمبر، 2018، وعنوانها، بالعربية: "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية، 1968 - 2018".
اعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني زبيدي بتاريخ 28 شباط / فبراير، 2019، وكان قد أنجز الفصلين الأول والثاني من رسالته، كما أنجز فيها العمل الميداني بإجراء 26 مقابلة. وقد نوقش مقترحه الموسَّع، والمكوّن من الفصلين الأول والثاني، وأُقرّ من قبل لجنة البرنامج بتاريخ 27 آذار / مارس، 2019. وخلال التواصل بين مشرف الأسير زبيدي، والأهل، ومحامي نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين والحملة الشعبية لإطلاق سراح القائد مروان البرغوثي وكافة الأسرى، تمكّن الأسير زبيدي من اجتياز المساق المتبقي له (حين اعتقاله) بنجاح، وذلك بتسجيل خاص خلال الفصل الدراسي الثاني 2020 - 2021. كما تمكّن، وبالآلية نفسها، من تطوير الفصل الثالث، وكتابة الفصل الرابع من رسالته خلال وجوده في سجن "جلبوع" في بيسان المحتلة. وقد نُشر الفصل الرابع، بإذن خاص من الأسير زبيدي، في العدد الخاص بالأسرى من "مجلة الدراسات الفلسطينية"، بعنوان: "الصياد والتنين".[1]
بعد تحرره التجريبي المؤقت، ورفاقه الخمسة، عبر "نفق الحرية" من سجن "جلبوع" في بيسان المحتلة، بتاريخ 6 أيلول / سبتمبر، 2021، ومن ثم إعادة اعتقاله في 11 أيلول / سبتمبر، 2021، أصدرت جامعة بيرزيت بياناً للرأي العام بتاريخ 13 أيلول / سبتمبر، 2021، تعهّدت فيه باستكمال إجراءات نقاش الرسالة بعد استيفائها الشروط حسب الأصول.[2] ولا يزال الأسير زبيدي في العزل الانفرادي لدى سلطات الاحتلال الصهيونية في سجن "أيالون"* في الرملة المحتلة منذئذٍ، علماً أن قناة التواصل الوحيدة معه [هي] عبر المحامين من الجهات المذكورة آنفاً. وقد وافق الأسير زبيدي على نقاش رسالته غيابياً، على أن تُعرَض في جلسة النقاش تسجيلات بالصورة من الفترة السابقة لاعتقاله، وبالصوت أثناء وجوده في الأسر، توضح سير عمله لإنجاز رسالته المطارَدة، والمطارِدة.
لم يتمكن الأسير زكريا زبيدي من كتابة خاتمة لهذه الدراسة. لكنه في آخر تواصل معه يوم 26 آب / أغسطس 2021، قبل تحرُّره التجريبي ورفاقه، عبر "نفق الحرية" في سجن "جلبوع" في بيسان المحتلة بتاريخ 6 أيلول / سبتمبر 2021، طلب "حذف النقطة من آخر الرسالة"، رسالته للماجستير في جامعة بيرزيت، بعنوان: "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية، 1968 - 2018"، بالقول حرفياً:
... في الخاتمة في نقطة، أنا بفظِّل تقيمها.
خاتمة الرسالة. مش خلصنا من الرسالة كلَّياتها...
النقطة الأخيرة قِيمْها. الـ Dot الـ Dot.
وفي أول زيارة للمحامية بثينة دقماق له، بعد حدث "نفق الحرية"، بتاريخ 21 تشرين الأول / أكتوبر 2021، أوضح زكريا زبيدي لها معنى النقطة التي أراد إزالتها، بالقول حرفياً: "بدّي تظل قصّة الصياد والتنين مفتوحة، قبل التحرر من سجن 'جلبوع'، وبعده، القصة ما انتهت."
وجدير بالذكر أن تجربة الاختفاء والمطاردة في الأيام الخمسة من 6 - 11 أيلول / سبتمبر 2021، لم توثَّق في هذه الدراسة.
هذه كلها تفاصيل يا زكريا، أمّا قرار اللجنة، فهو قرارك الذي كتبته بقدمك في المطاردة، مطارَداً، ومطارِداً. وقرارك الذي نتشرف بالنطق فيه كلجنة إشراف على رسالتك الماجستير: "الصياد والتنين: المطاردة في التجربة الفلسطينية، 1968 - 2018"، هو نجاحك في الماجستير بامتياز عالٍ في الممارسة، ونجاح منقطع النظير في النظرية، وهذا نجاح لفلسطين، للبندقية الكلمة المقاتلة... فسلام عليك يوم ولدت، ويوم قاتلت، ويوم طوردت، ويوم طارَدت، ويوم أُسرت، ويوم خرجتَ من نفق الحرية في بيسان المحتلة، ويوم تبعث حُرّاً.
لجنة المناقشة من اليسار: وليد الشرفا؛ عبد الرحيم الشيخ؛ جمال ضاهر
المصادر:
[1] زكريا زبيدي، "الصياد والتنين"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 128 (خريف 2021)، ص 105 - 121، في الرابط الإلكتروني.
[2] للاطلاع على بيان الجامعة: "جامعة بيرزيت تنظر بقلق إزاء تعرّض الأسرى للتعذيب الشديد بعد محاولتهم التحرر"، 13 / 9 / 2021 ، انظر موقع الجامعة، في الرابط الإلكتروني.
* نُقل زكريا زبيدي بعد مناقشة رسالة الماجستير إلى السجن الانفرادي في سجن رامون. [المحرر]