ما هي أهداف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؟
التاريخ: 
08/08/2022
المؤلف: 

نجحت الوساطة المصرية مساء يوم أمس الأحد في 7 آب/أغسطس الجاري في وقف العدوان الإسرائيلي الذي أطلقته حكومة إسرائيل الانتقالية برئاسة يائير لبيد على قطاع غزة، والذي أسفر عن استشهاد 44 فلسطينياً، من بينهم 15 طفلاً، وجرح ما يزيد على ثلاثمئة آخرين. وعلى الرغم من إعلان المسؤولين الإسرائيليين البدئي أن العدوان قد يستمر طوال أسبوع أو أكثر، فإن العديد من المحللين توقع أن لا تستمر العملية العسكرية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة أكثر من يومين، ذلك إن إسرائيل لا ترغب في الانجرار إلى عملية مطولة من شأنها شل حياة سكانها في إجازة منتصف الصيف، وإن آخر ما تريده هو إغلاق مطار اللد والحؤول دون سفر عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى الخارج كل يوم. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل، التي أردات من هذا العدوان، تعميق الشرخ بين حركتَي الجهاد الإسلامي و"حماس"، كانت حريصة على إبقاء "حماس" خارج دائرة المواجهة، وهو أمر كان سيزداد صعوبة كلما طالت المواجهة ووقعت خسائر كبيرة في الأرواح في الجانب الفلسطيني، أو وقع اضطراب جراء استفزازات غلاة المستوطنين حول الحرم القدسي[1].

والواقع أن هذا العدوان الأخير على قطاع غزة، لم يكن رداً على فعل فلسطيني مقاوم، كإطلاق صواريخ على إسرائيل أو استهداف "فرقة غزة" للجيش الإسرائيلي المرابطة على حدود القطاع، وإنما كان عدواناً مبيّتاً جرى التحضير له بعناية، وانطلق بعد خديعة شائنة قام بها الجيش "الأكثر أخلاقية" في العالم، إذ بينما أكد الجيش الإسرائيلي أن عمليته كانت "وقائية" واستهدفت بصورة خاصة "اثنين من الكوماندوز المضاد للدبابات كانا يستعدان لضرب القوات الإسرائيلية"، رداً على اعتقال قائد حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة باسم السعدي، نقلت صحيفة "معاريف" في 3 آب الجاري عن قناة التلفزة الإسرائيلية 12 خبراً مفاده إنه "في إثر اعتقال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في مخيم جنين بسام السعدي مساء أول أمس (الاثنين)، نقلت إسرائيل رسالة شديدة اللهجة إلى "حماس" والجهاد الإسلامي عن طريق الوسطاء المصريين، فحواها أنها غير معنية بالتصعيد، لكنها في الوقت عينه أكدت أن الردّ سيكون شديداً على أي انتهاك لسيادتها يحدث في المنطقة الجنوبية، أو في يهودا والسامرة [الضفة الغربية][2].

توجيه ضربة قوية لحركة الجهاد الإسلامي

يبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلي وضعت خطة للاستفراد بحركة الجهاد الإسلامي وتوجيه ضربات قاصمة لها، منذ أن قامت، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، باغتيال قائد "سرايا القدس" في شمال قطاع غزة بهاء أبو العطا. وقد تكثفت هذه الحملة في أواخر أواخر مارس/ آذار الفائت، عندما صارت قوات الأمن الإسرائيلية تنفذ عمليات شبه يومية في الضفة الغربية المحتلة، وخصوصاً في مخيم جنين، استهدفت بها بصورة خاصة نشطاء حركة الجهاد الإسلامي وأسفرت عن استشهاد 55 فلسطينياً، كان من بينهم الصحافية الفلسطينية في قناة الجزيرة شيرين أبو عقلة، التي كانت تغطي عملية إسرائيلية في المخيم نفسه.

ومنذ منتصف حزيران/يونيو الفائت، شرعت الحكومة الإسرائيلية في التحضير لتوجيه ضربة عسكرية قوية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، إذ عقد المسؤولون العسكريون في "فرقة غزة" اجتماعات عديدة لمناقشة فاعلية الاستراتيجية الدفاعية الجديدة تجاه القطاع، والتي تتمثل "في منع دخول الجنود والمدنيين غير المحميين إلى المناطق المكشوفة على طول منطقة الاتصال" مع القطاع، وضمان "انتشار كبير و ذكي للقوات في جميع أنحاء منطقة التماس". كما ناقشوا التحسينات التي أدخلت على السياج الأمني ​​في غزة، وخصوصاً فيما يتعلق بالحاجز المحدث الذي "تم الانتهاء منه في كانون الأول/ديسمبر الفائت"، والذي "يتكوّن من جدار خرساني مقوى تحت الأرض مزود بأجهزة استشعار للكشف عن الأنفاق، وسور فولاذي بارتفاع ستة أمتار، وشبكة من الرادارات وأجهزة الاستشعار لمراقبة الأسلحة التي يتم التحكم فيها عن بعد. ويمتد الجدار البالغ طوله 65 كيلومترًا على طول الطريق من منطقة التماس مع غزة وصولًا إلى البحر"[3].

وفي يوم الثلاثاء في 2 آب/ أغسطس الجاري، أمر الجيش الإسرائيلي بإغلاق المعابر الحدودية مع قطاع غزة، ما أجبر الآلاف من سكانه، من حاملي تصاريح العمل في إسرائيل، على البقاء في منازلهم. وأدى الإغلاق إلى إبطاء تسليم وقود الديزل، الذي يتم نقله عادة بالشاحنات من مصر أو إسرائيل، لتشغيل محطة توليد الكهرباء في غزة. كما أعلن إغلاق أحد الشواطئ ووقف تسيير القطارات بين مدينتي عسقلان وسديروت أيضاً. وفي الوقت نفسه، قام الجيش الإسرائيلي بتعزيز "فرقة غزة" بقوات إضافية من أجل زيادة جهوزيتها، وقال قائدها نمرود ألوني في تصريحات أدلى بها يوم الخميس في 4 آب الجاري إن الحواجز العسكرية في المنطقة  "ستستمر ما دامت هناك حاجة إلى ذلك، لأن أمن السكان يأتي أولاً"، و"إن القوات في فرقة غزة في حالة تأهُّب قصوى في الأيام القليلة الماضية". وكان وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس قد عقد في يوم الخميس نفسه جلسة لتقييم آخر الأوضاع الأمنية في منطقة الحدود مع غزة، وقام رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال أفيف كوخافي بعد ظهر الخميس بجولة في المنطقة المحاذية لقطاع غزة، أجرى خلالها جلسة عُقدت في مقر "فرقة غزة،" لتقييم آخر الأوضاع، وطُرح احتمال استدعاء 25000 جندي احتياطي "ليكونوا جاهزين لكل الاحتمالات".

وأوضح بعض المحللين الإسرائيليين أنه "لا يمكن إبقاء سكان غلاف غزة في هذا الوضع"، ومن بينهم تامير هايمن، مدير معهد أبحاث الأمن القومي، الذي كتب مقالاُ في 4 آب بعنوان: "الجهاد الإسلامي يحاول فرض معادلة لا تستطيع إسرائيل قبولها"، ذكر فيه أن الحديث يدور "عن معادلة لا تستطيع، ولن تستطيع إسرائيل قبولها؛ فإسرائيل لا تستطيع الاستمرار في حالة الجاهزية الحالية لأيام طويلة إضافية، من دون اتخاذ أي خطوة"، ذلك إن "النمط الطبيعي للحياة لدى سكان غلاف غزة هو مكوّن أساسي في الردع الإسرائيلي، ولا يمكن قبول حالة ينجح فيها تنظيم "إرهابي"، كالجهاد، في تعطيل حياتهم لفترة طويلة"[4].

دق أسفين بين حركتًي الجهاد الإسلامي و"حماس"

بينما كانت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ فرض الحصار الخانق على قطاع غزة، تقوم على أساس تحميل "حماس" مسؤولية أي عملية عسكرية فلسطينية تستهدفها، أو أي تهديد عسكري فلسطيني يطالها، باعتبارها القوة المسيطرة على قطاع غزة، سعت حكومة يائير لبيد هذه المرة إلى دق إسفين بين حركتَي الجهاد الإسلامي و "حماس"، والتركيز على المكاسب التي يمكن أن تجنيها هذه الأخيرة في حال بقائها خارج المواجهة الدائرة.             

فمنذ يوم بدء العدوان، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي رون كوخاف لقناة التلفزة 12: "نحن في خضم حملة تستهدف حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية"، مؤكداً التقارير التي تفيد بأن الجيش "يحاول عدم جر حماس إلى الصراع الجاري ويأمل في الحد من نطاق الحملة". وأشار كوخاف، في هذا السياق، إلى المواجهة التي وقعت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 عندما اغتال الجيش الإسرائيلي القائد العام للجهاد الإسلامي في فلسطين بهاء أبو العطا، ما أدى إلى اندلاع مواجهة عسكرية استمرت ثلاثة أيام، نجح خلالها الجيش الإسرائيلي "في إبعاد حماس عن القتال ويأمل أن يفعل ذلك مرة أخرى".

وفي مقال حمل عنواناً معبراً هو: "عملية الفجر ضد الجهاد الاسلامي ولكن كل الانتباه مركّز على حماس"، رأى ديفيد هوروفيتش رئيس تحرير موقع "تايمز أوف إسرائيل"، في 6 آب الجاري، أن الجهاد الإسلامي "ليس لديه طموحات في الحكم ولا يتحمل أي مسؤولية مدنية، ويمكنه الاعتماد على داعميه الإيرانيين لإحداث أكبر قدر من الضرر لإسرائيل في المدى القريب، في حين أن حماس لديها كل شيء لتخسره". وأضاف أن "حماس" لا تريد "تنفير المصريين الذين يسيطرون على الحدود الجنوبية لغزة والذين، كما في كثير من الأحيان في الماضي، يسعون إلى إنهاء القتال من خلال الوساطة"، وهي "تدرك تماماً أن اقتصاد غزة البائس لا يمكنه تحمل نكسة أخرى للقطاع، ذلك إن سكان غزة يعانون بالفعل من القليل من الكهرباء عندما تسير الأمور على ما يرام، ونتيجة لإغلاق هذا الأسبوع ، كانت محطة الطاقة الوحيدة لديهم على وشك الإغلاق بسبب نقص الوقود من إسرائيل، والشيء نفسه بالنسبة للصادرات الزراعية التي تم حظرها وبالتالي تعفنها"، ناهيك عن "أن ما يقرب من 15000 من سكان غزة الذين يعملون عادة في إسرائيل - زادت الحكومة أعدادهم تدريجياً في الأشهر الأخيرة - لم يتمكنوا من الوصول إلى هناك هذا الأسبوع، وهم في أمس الحاجة إلى البدء في كسب لقمة العيش مرة أخرى"[5].

يائير لبيد يوظف الدم الفلسطيني في حملته الانتخابية

في أول ظهور علني له منذ إطلاق العدوان الذي حمل اسم "عملية مطلع الفجر"، قال رئيس الوزراء يائير لبيد إن إسرائيل "غير مهتمة بشن حملة عسكرية واسعة النطاق لكنها لا تخشى الانخراط فيها إذا لزم الأمر"، وأضاف أن إسرائيل "لن تقف مكتوفة الأيدي عند محاولة ما لإلحاق الأذى بمدنييها"، وأن حكومته  تتبع "سياسة عدم التسامح المطلق مع أي محاولة هجوم - من أي نوع - من غزة إلى الأراضي الإسرائيلية". وأنهى حديثه بالقول:" أنا أثق في الجمهور الإسرائيلي، وأنا متأكد من أنهم سيقدمون دعمهم الكامل لمؤسستنا الأمنية، بغض النظر عن المدة التي يستغرقها ذلك، فإننا سنقضي على التهديد الذي يتهدد مواطنينا. إن شعب إسرائيل قوي، ويفهم أهمية الردع"[6].

وعن الأهداف السياسية التي يتوخاها يائير لابيد من هذا العدوان، ذكرت صحيفة "الموندو" اليومية الإسبانية إن "هذا التوتر المتجدد يأتي في لحظة سياسية حساسة للغاية لإسرائيل، مع سقوط الائتلاف بعد عام واحد من تشكيله في حزيران/ يونيو 2021، والدعوة إلى إجراء انتخابات في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ لذلك فهي الكلمة العظيمة التي قالها يائير لبيد كرئيس للوزراء في منصبه". وأجرت قناة الجزيرة مقابلة مع نور عودة، المحللة السياسية والمتحدثة السابقة باسم السلطة الفلسطينية، التي أشارت أيضاً إلى أن "الهجوم قد يكون له دوافع سياسية"، ذلك إن غزة "مصدومة، ولم تتعافَ بعدمن حرب عام 2021، وكانت حركتا حماس والجهاد تبذلان قصارى جهدهما للحفاظ على الهدوء وإعطاء الناس فرصة للتنفس، ولم يكن أحد يريد التصعيد  باستثناء لبيد  الذي يريد إثبات أن لديه أكتافاً عريضة كافية، على الرغم من افتقاره للخبرة العسكرية". وتشارك صحيفة "الجارديان" اللندنية هذا التحليل مشيرة إلى أن "الجهاد الإسلامي لم ينتقم بعد اعتقال السعدي، أحد أهم قيادات التنظيم" ، واكتفى بالمطالبة بـ "أدلة على أن [السعدي] لم يتعرض لسوء المعاملة ، والإفراج عنه وعن عدة نشطاء وإنهاء الحصار على غزة". بينما أكد المحلل السياسي الإسرائيلي جدعون ليفي، الذي قابلته قناة الجزيرة أيضاً، أن "قصف غزة أصبح بالنسبة للسياسيين الإسرائيليين وسيلة لإظهار قوتهم قبل الانتخابات"، وأضاف: "يجب على جميع رؤساء الوزراء إثبات أنفسهم، وخصوصاً إذا كانوا ينتمون إلى يسار الوسط"، لكن لدينا رئيس وزراء جديداً، وهو "يريد أن يثبت أنه مفتول العضلات مثل أسلافه. لكن هذا ذريعة سيئة لمهاجمة غزة مرة أخرى"[7].

وختاماً، فقد أعلن رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي في بيان صحافي أن اتفاق التهدئة الذي رعته الحكومة المصرية "يتضمن التزام مصر بالعمل على الإفراج عن الأسيرين باسم السعدي وخليل عواودة"، وهو ما كانت الحركة قد دعت إليه قبل بدء العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع؛ فهل ستحترم إسرائيل هذا الاتفاق، أم أن أشهراً قليلة ستفصلنا عن عدوان جديد تشنه إسرائيل، العالقة في فخ غزة المحاصرة، على القطاع؟

 

[1] https://www.alayyam.ps/ar_page.php?id=15729c93y359832723Y15729c93

[2] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/3-8-2022.pdf

[3] https://fr.timesofisrael.com/en-depit-du-calme-a-gaza-tsahal-se-prepare-en-cas-dattaque-surprise-du-hamas/

[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/5-8-2022.pdf

[5] https://fr.timesofisrael.com/operation-aube-contre-le-jihad-islamique-mais-toute-lattention-est-rivee-sur-le-hamas/

[6] https://fr.timesofisrael.com/apres-4-jours-de-menaces-tsahal-cible-les-terroristes-du-jihad-islamique-a-gaza/

[7] https://www.courrierinternational.com/article/conflit-nouvelle-escalade-meurtriere-entre-israel-et-gaza