الشريف، ماهر. "المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره" (بالعربية)
النص الكامل: 

المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره

ماهر الشريف

بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2021. 370 صفحة.

 

برزت في سنوات ما بعد الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، والانقسام السياسي الفلسطيني في صيف سنة 2007، موجة من الدراسات والتحليلات والمطبوعات التي تبحث في المشروع الوطني الفلسطيني وأزمته. كما عُقدت سلسلة من الندوات والمؤتمرات التي ناقشت جوانب مرتبطة بأزمة المشروع الوطني الفلسطيني، وأزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، وأزمة النظام السياسي الفلسطيني، كون هذه الحلقات متداخلة ومتعانقة في كثير من المفاصل التي يصعب الفصل بينها أحياناً. لكن أغلبية التشخيصات لأزمة المشروع الوطني الفلسطيني والمقترحات للخروج منها أو من هذا المأزق، مثلما يصفها البعض، لم تثمر في استنهاض حراك وطني فلسطيني جامع على المستوى الفكري والسياسي.

لقد اعتمد بعض الدراسات منهجيات متنوعة سواء في المداخل المفاهيمية والنظرية، أو في أدوات المنهج البحثي، ومنها ما صدر عن مؤسسات علمية بحثية وجامعة مرموقة، أو في مجلات متخصصة بالقضية الفلسطينية. وأغلبية الكتّاب والباحثين الذين خاضوا غمار البحث هم من المتخصصين بمجالاتهم، ولديهم منجزات بحثية تُدرّس في الجامعات، وتُستخدم كمراجع علمية بشأن فلسطين وقضيتها. ويُعتبر كتاب الشريف الذي نناقشه في هذه القراءة، ضمن هذه الكوكبة من الكتابات التي تبحث في سؤال الماضي والحاضر والمستقبل فلسطينياً.

تُعدّ كتب ماهر الشريف من المراجع الأكاديمية المهمة في الجامعات الفلسطينية، ولا سيما أنه أنجز سلسلة من الكتب المتخصصة بالفكر الفلسطيني، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "الأممية الشيوعية وفلسطين 1919 - 1928"؛ "الشيوعية والمسألة القومية العربية في فلسطين، 1919 - 1948 "البحث عن كيان: دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908 - 1993"؛ "قرن على الصراع العربي - الصهيوني: هل هناك أفق للسلام؟ "تاريخ الفلسطينيين وحركتهم الوطنية"، وغيرها كثير من الكتابات والمقالات والمداخلات في الفكر السياسي الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية، والتي كان آخرها كتاب "المشروع الوطني الفلسطيني: تطوره ومأزقه ومصائره"، وهو كتاب قريب جداً في طرحه وأفكاره من كتابه "البحث عن كيان: دراسة في الفكر السياسي الفلسطيني، 1908 - 1993"، وخصوصاً الفصول السبعة الأولى من الكتاب الجديد، فضلاً عن فصول أُخرى تناولت إخفاق النظام السياسي والانقسام، ومأزق المشروع وسبل الخروج منه.

يستنتج الشريف في الكتاب الذي نناقشه في هذه القراءة، أن الحركة الوطنية الفلسطينية عجزت عن تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، وذلك لأسباب موضوعية مرتبطة باختلال ميزان القوى لمصلحة الحركة الصهيونية، وأسباب ذاتية مرتبطة ببُنية الحركة الفلسطينية واستراتيجياتها ووسائلها التي اعتمدت عليها. ويسجل الشريف أن قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية في إبان الانتداب البريطاني، لم تبلور مشروعاً وطنياً، وكان رهانها هو على تغيير موقف الحكومة البريطانية من إقامة وطن قومي لليهود، علماً بأن وعي الحركة كان ضعيفاً بما يتعلق بالكيانية الفلسطينية. وبعد النكبة لم تتمكن الهيئة العربية العليا بزعامة الحاج أمين الحسيني من بعث كياني فلسطيني، لأن إعلان حكومة عموم فلسطين في سنة 1948 كان محكوماً بالفشل، لأن الأراضي الفلسطينية كانت خارج أي سيطرة فلسطينية.

يرى الشريف أن المشروع الوطني الفلسطيني أصبح واضح المعالم مع ولادة حركة "فتح" في النصف الثاني من الخمسينيات، وهي أول حركة وطنية تتشكل بعد النكبة، وقد حملت مشروعاً يقوم على تحرير فلسطين وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم، ولاحقاً طَرحت فكرة فرض السيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويعرض الشريف تحولات المشروع الوطني الفلسطيني، أو مراحل تحول الفكر السياسي الفلسطيني بعد الخروج من الأردن عقب أحداث "أيلول الأسود"، والتحول لاحقاً إلى فكرة المرحلية في سنتي 1973 و1974، والمساعي الفلسطينية لدخول المسرح الدولي والمشاركة في مؤتمر السلام، ثم بلوغ التحول المفصلي المتمثل في الخروج من بيروت، وانسداد الأفق السياسي الفلسطيني والعودة إلى الأردن ضمن ما عُرف باتفاق عمّان لسنة 1985.

تلا ذلك الانسداد انفراج فلسطيني في الأدوات والخيارات عبر اندلاع الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى في سنة 1987، ثم إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر في سنة 1988، والذي يحمل اعترافاً مبطناً بقبول حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة "إسرائيل".

ويتناول الشريف المسيرة السياسية المتعثرة التي استثمرت الانتفاضة سياسياً لدخول مسار مدريد التفاوضي ضمن وفق فلسطيني - أردني مشترك، ولاحقاً دخول نفق أوسلو التفاوضي الذي تكلل باتفاقية إعلان المبادىء في سنة 1993، لكن عدم التزام دولة الاستعمار الاستيطاني بالاتفاقيات أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في سنة 2000، بينما جرت جملة من التحولات في بنية النظام السياسي الفلسطيني بعد رحيل الشهيد ياسر عرفات في سنة 2004، وانتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية في سنة 2005، وفوز حركة "حماس" بالأغلبية في المجلس التشريعي في انتخابات 2006، واندلاع الخلاف السياسي بين حركتَي "فتح" و"حماس"، وحدوث الانقسام الفلسطيني في صيف سنة 2007، والذي ما زال مستمراً بعدما تمأسس سياسياً ومؤسساتياً.

جزء كبير من التشخيصات السياسية والأكاديمية أجمعت على أن المشروع الوطني الفلسطيني القائم على حل الدولتين والاستقلال الفلسطيني، وصل إلى طريق مسدود، وأنه في حالة أزمة يشخصها البعض الآخر بالمأزق. يقدم الشريف جملة من الاجتهادات أو البدائل في شأن الخروج من المأزق الفلسطيني ومنها: العودة إلى مشروع الدولة الواحدة؛ التمسك بهدف الدولة الفلسطينية المستقلة والعمل على تغيير موازين القوى؛ مستقبل السلطة ما بين الدولة الواحدة أو الدولة المستقلة؛ البحث عن بدائل تستبدل التركيز على الدولة بالتركيز على الهوية الوطنية الفلسطينية، وذلك باعتبار أن فكرة الدولة فرع من فروع النضال الفلسطيني لا عُقْدته؛ استنفار الهوية الفلسطينية وتفعيلها؛ وضع الإنسان وليس الدولة في مركز المشروع الوطني الفلسطيني؛ إحياء مشروع وطني جديد ينطلق من قضايا معيشية ثمة مصلحة مباشرة فيها للجمهور؛ إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيل إطار جامع؛ الإجماع على المقاومة الشعبية كأسلوب كفاحي ناجع وجامع للجميع.

أخيراً، يُعتبر كتاب الشريف الأخير من المراجع المهمة بشأن القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني وفكرها السياسي، ولا ينتقص كثيراً من ذلك، النقدُ الموجه إليه لتكراره أفكاراً وردت في كتاب سابق مع بعض الإضافات. أمّا نقطة الضعف في الكتاب فتكمن في عدم الاعتماد على كتب اليوميات والسِّيَر والمذكرات الفلسطينية والعربية التي تناولت القضية الفلسطينية، وهناك كثير منها، قديم وحديث؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر: يوميات أكرم زعيتر؛ يوميات عدنان أبو عودة؛ مذكرات مضر بدران؛ حوار محمد أبو ميزر (أبو حاتم)، وغيرها من المذكرات والشهادات الحية، سواء المكتوبة أو المرئية عبر الوثائقيات والتاريخ الشفوي. فلو اعتمد الشريف عليها في كتابه لساهمت في تعميق فهم المأزق الراهن وسبل الخروج منه.

السيرة الشخصية: 

أحمد عز الدين أسعد: باحث فلسطيني في الدراسات العربية والإسرائيلية.