تنتهج إسرائيل منذ أمد بعيد سياسة عقاب الشهداء الفلسطينيين وذويهم من خلال احتجاز الجثامين، إمّا في مقبرة الأرقام، وإمّا في برادات الموتى، فيكون موت أولئك جزءاً من سياسة "الموقت الدائم" التي تسري على حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال في أمور حياتهم وموتهم كافة.
تنطبق هذه السياسة العقابية على أسرى استشهدوا داخل المعتقلات، وعددهم ثمانية شهداء تحتجز إسرائيل جثامينهم، من أصل 225 أسيراً استشهدوا داخل المعتقلات، مبقية بذلك هؤلاء الشهداء أسرى حتى بعد استشهادهم.
I - حكايات الشهداء الأسرى
لكن أسير حكايته، ولكل من الشهداء الثمانية الأسرى المحتجزة جثامينهم حكاية لم تنتهِ فصولها. وفيما يلي بعض ما جمعته كاتبة التقرير من معلومات:
1 - الأسير الشهيد أنيس دولة
ولد الأسير الشهيد أنيس دولة في مدينة قلقيلية في سنة 1944، وانتمى إلى حركة القوميين العرب منذ انطلاقتها وشارك في العمل الفدائي ضمنها، ثم في إطار العمل الفدائي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
قاد دورية دخلت إلى الضفة الغربية وتحديداً إلى مدينة نابلس، وبعد اشتباك مع الجيش الإسرائيلي اعتُقل في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1968، وحُكم عليه بأربعة مؤبدات، وأُرسل إلى سجن عسقلان حيث بدأ مرحلة جديدة من النضال داخل المعتقل.
مكث الشهيد أنيس دولة في الغرفة 23 مع المجموعة التي نظمها الشهيد عمر القاسم الذي كان يقدم محاضرات عن تاريخ حركات التحرر في العالم والثورات ومسار التحرر الذي أنجزته، وفي عسقلان حدد أنيس توجهه السياسي ضمن إطار الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومن غرفة 23 إلى الغرفة 14 ثم 9 كان ينقل ما تعلمه من الشهيد القاسم.
وعلى الرغم من أنه كان يعاني مشكلة في القلب، فإنه شارك في ثمانينيات القرن الماضي، في الإضراب العام الذي نظمته الحركة الأسيرة في معتقل نفحة رفضاً للظروف القاسية التي يعيشها الأسرى، وقد انضم أسرى معتقل عسقلان إلى الإضراب دعماً وإسناداً لأسرى نفحة. وبعد انتهاء الإضراب، أعلنت إدارة سجن عسقلان استشهاد أنيس دولة في 31 / 8 / 1980، وذلك بعد إغمائه ووقوعه داخل ساحة السجن وعدم نقله إلى العلاج فوراً، وتركه داخل عيادة السجن من دون أي تدخّل طبي. وقد احتُجز جثمانه الذي لا يزال مكانه مجهولاً حتى اليوم.[1]
2 - الأسير الشهيد فارس بارود
ولد في مخيم الشاطىء في قطاع غزة في سنة 1969، واعتُقل في سنة 1991 بعد تنفيذه عملية عسكرية في مدينة القدس، وتعرّض لتعذيب وحشي خلال التحقيق معه، ثم حُكم بمؤبد و35 عاماً، أمضى منها 15 عاماً في العزل الانفرادي الذي خرج منه في وضع صحي صعب. وعلى الرغم من انتمائه إلى حركة المقاومة الإسلامية ("حماس") قبل اعتقاله، فإنه لم يعرّف عن نفسه بأنه عضو في الحركة.
وقد ورد اسم الشهيد فارس بارود ضمن الأسماء التي قدمتها منظمة التحرير بعد أوسلو لأسرى طالبت بتحريرهم، إلّا إن سلطات الاحتلال رفضت الإفراج عنه بذريعة أن "يديه ملطختان بالدماء"، فبقي في الأسر يواجه المرض وعدم عرضه على الأطباء، فكان المرض أداة السجان في التعذيب والقتل اليومي، إلى أن استشهد في 6 / 2 / 2019، واحتجز الاحتلال جثمانه.[2]
3 - الأسير الشهيد نصار طقاطقة
لم يُمضِ نصار طقاطقة في الحياة سوى 31 عاماً كان خلالها عاملاً نشيطاً وبصحة جيدة، ومَن وضع حداً لحياته هو الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يمهله كي يُزَفّ عريساً، إذ اعتُقل قبل أسابيع قليلة من زواجه، حتى إنه لم يُزَفّ شهيداً، لأن سلطات السجون الإسرائيلية منعت عنه العلاج بعدما أمعنت في تعذيبه طوال 17 يوماً من اعتقاله، فسقط شهيداً داخل زنزانته، واحتُجز جثمانه منذ وفاته في 16 / 7 / 2019، ولم يُسلَّم إلى ذويه حتى اليوم.
ولد طقاطقة في بيت فَجّار في سنة 1989، وعاش حياته تحت الاحتلال على غرار جميع الفلسطينيين في الضفة وغزة وأراضي 48، وكان عاملاً نشطاً وشاباً بكامل حيويته وصحته عندما اعتقلته قوات الاحتلال في حزيران / يونيو 2019 بتهمة تنفيذ عمليات عسكرية. ومع أن هذه القوات حطمت أثاث المنزل الذي كان يُعدّه للزواج من خطيبته، بحثاً عن سلاح، إلّا إنها لم تجده.
اقتيد نصار طقاطقة إلى التحقيق في كل من مركز عتصيون، والمسكوبية، وبتاح تكفا، حيث تعرض لجميع أنواع التعذيب، وزُج في زنزانة انفرادية حتى استشهاده.
اضطرت سلطات الاحتلال إلى القبول بطلب تشريح جثمانه الذي ظهرت عليه آثار تعذيب، وذلك بحسب هيئة شؤون الأسرى، لكن الاحتلال رفض طلب تسليم جثمانه إلى ذويه، بل استدعى شقيقه إلى التحقيق وطلب منه تسليم السلاح الذي كان ذريعة لاعتقاله من دون وجود أي أثر له.[3]
4 - الأسير الشهيد بسام السايح
ولد في نابلس في سنة 1974، وانتمى إلى كتائب عز الدين القسّام، وكان قائداً ميدانياً للجناح العسكري للكتائب في مناطق الضفة الغربية وتحديداً شمال الضفة، واعتُقل في 8 / 10 / 2015 في إثر تنفيذ عملية عسكرية مع مجموعة من رفاقه بتاريخ 1 / 10 / 2015، رداً على جريمة إحراق مستوطنين عائلة الدوابشة.
اعتُقل بسام السايح إدارياً في سنة 2014 لمدة عام ونصف عام، وأُفرج عنه بعدما ساءت حالته الصحية، فانتقل إلى الأردن لتلقّي العلاج، ثم أُعيد اعتقاله في سنة 2015 بتهمة الإعداد لعملية إيتامار التي قُتل فيها مستوطن وزوجته. وفي المعتقل أصيب بمرض السرطان ورفضت سلطات الاحتلال إدخال الأدوية الملائمة لحالته، بل كانت تكتفي بنقله إلى مستشفى معتقل الرملة المعروف بأنه مسلخ وليس مستشفى.
في 8 / 9 / 2019 استشهد الأسير داخل مستشفى أساف هاروفيه بعدما نُقل إليه من معتقل الرملة، وكان قد كتب وصيته قبل وفاته، وجاء فيها: "أرجو أن أُكرَّم بدفني عند أهلي وبين أبناء شعبي. لا تحرموني من ضمة أرضي، لعل بعض أطفالها يحمل تُربي ويقذفني في وجه عدوي ويوقف ظلمه ولو لحظات عن شعبي وأرضي." إلّا إن عملية اعتقاله لم تنتهِ بعد، إذ لم يتم الإفراج عن جثمانه الذي ما زال معتقلاً.[4]
5 - الأسير الشهيد عزيز عويسات
ولد في جبل المكبر في مدينة القدس في سنة 1975، واعتُقل بتاريخ 8 / 3 / 2014 بتهمة التخطيط لتفجير خط الغاز الخاص بمستعمرة أرمون هنتسيف المقامة على أراضي جبل المكبر، وحُكم عليه بالسجن 30 عاماً.
واجه الشهيد عزيز عويسات سجانيه، واتهمته سلطات سجن إيشل بأنه رشّ ماء ساخناً على أحد السجانين، واستحضرتْ لاعتقاله أعداداً كبيرة من جنود الجيش والوحدات الخاصة.
تفاوضت قيادة الحركة الأسيرة مع إدارة السجن على عدم المساس بالأسير عزيز وإعادته إلى الأقسام من دون تعرّضه لأي أذى، لكن بعد خروجه من القسم وإبعاده عن أنظار الأسرى بدأت عملية تعذيبه والتنكيل به بطريقة وحشية ولوقت طويل، إذ جرى ربطه بعمود وربط يديه إلى الأمام وتقييد قدميه بالقيود الحديدية، وقد شهد على ذلك 3 أسرى جنائيون: 2 عرب وواحد يهودي، رووا تفصيلات التعذيب، ووقّعوا إفادة مشفوعة بالقَسم لتوثيق شهادتهم، غير أن إدارة السجن عملت على نقلهم إلى معتقلات أُخرى لمنع الوصول إليهم من أجل توثيق ما جرى مع عزيز.
ولم يكن هؤلاء هم الشهود فقط على عملية تعذيب الأسير عويسات، فقد أكد الأسير فراس العمري الذي رافق الشهيد عويسات في الحافلة التي نقلتهما إلى سجن معبار أوهلي كيدار في بئر السبع، أن آثار التعذيب كانت بادية على الأسير الذي أخبره بدوره تفصيلات عملية التعذيب التي مورست ضده. ولدى عودة الأسير فراس العمري إلى الأقسام كتب رسالة، جرى تهريبها إلى خارج السجن، روى فيها وضع عزيز وما حدث معه بالتفصيل.
في 9 أيار / مايو 2018 تعرّض الأسير عزيز عويسات لذبحة قلبية حادة وهو في معتقل الرملة، فنُقل إلى مستشفى أساف هاروفيه، وبتاريخ 20 أيار / مايو 2018 استشهد في المستشفى، ولم يُسلَّم جثمانه وبقي في قيد الاحتجاز في مكان غير معروف.[5]
6 - الأسير الشهيد سعدي الغرابلي
ولد في حي الشجاعية في مدينة غزة في سنة 1946، واعتُقل في 7 / 11 / 1994 في أثناء عمله في الداخل المحتل، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وانتمى داخل المعتقلات إلى حركة "حماس".
قضى الشهيد سعدي الغرابلي فترات طويلة في العزل الانفرادي، وأصيب بعدة أمراض منها السكري والضغط وآخرها كان السرطان، ولم يتلقَّ أي علاج حقيقي في أثناء الأسر، حتى استشهد بتاريخ 8 / 7 / 2020، وما زال جثمانه محتجزاً.[6]
7 - الأسير الشهيد كمال أبو وعر
تنتمي عائلة الشهيد كمال أبو وعر إلى بلدة قباطية بالضفة الغربية، لكنه ولد في الكويت في سنة 1974، قبل أن تعود العائلة إلى الضفة الغربية حيث انتمى إلى كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، وشارك في اشتباكات مسلحة ضد قوات الاحتلال في عدة مناطق في الضفة الغربية قبل الانتفاضة الثانية وخلالها، فتحول إلى مطارد مطلوب من إسرائيل التي فشلت في اغتياله خلال 7 محاولات. وفي 15 / 1 / 2003، اعتُقل داخل منزل في قباطية حيث تعرض للتعذيب في أثناء التحقيق معه الذي استمر 100 يوم متواصلة.
ولم يتوقف نشاط أبو وعر النضالي بعد الاعتقال، وإنما شارك في جميع الإضرابات العامة التي خاضتها الحركة الأسيرة في السجون، فضلاً عن مشاركته في إضرابات إسنادية للأسرى الذين كانوا يخوضون إضرابات فردية.
ولم يكتف الأسير بالإضرابات عن الطعام، بل كان يحمل أحكاماً عن الأسيرات اللواتي كان يلتقيهن في المحكمة، وقام بذلك 4 مرات حمل فيها نصف أحكام 4 أسيرات، ليصبح مجموع أحكامه المؤبدة 6 مؤبدات و50 عاماً.
بدأ وضعه الصحي يتفاقم في نهاية سنة 2018، وهو في سجن جلبوع، وأصيب بمرض السرطان الذي انتشر في أنحاء جسده، فكان يُنقل إلى مستشفى رمبام للعلاج بالكيماوي والإشعاعي، ثم يعاد بعد الجلسات إلى سجن جلبوع. وفي سنة 2019، تدهورت صحته وخسر كثيراً من وزنه وفقد القدرة على الحديث، وأصبح يتغذى من خلال الأنابيب، كما أصيب بحروق في رقبته بسبب العلاج الإشعاعي، لكن إصابته بفيروس كورونا فاقمت من سوء وضعه الصحي، فنُقل إلى سجن الرملة حيث حُجز، ثم حوِّل إلى مستشفى أساف هاروفيه. وفي تاريخ 10 / 11 / 2020 استشهد، لكن جثمانه لم يسلَّم إلى عائلته.[7]
8 - الأسير الشهيد سامي العمور
ولد في سنة 1982، وعاش حياته في مدينة دير البلح في قطاع غزة حيث اعتُقل في 1 / 4 / 2008، بعد توغل قوة إسرائيلية خاصة داخل حدود القطاع، كما اعتُقل معه أشقاؤه وجارهم، وتم اقتيادهم إلى منطقة كيسوفيم العسكرية حيث جرى التحقيق معهم، فأُبقي على سامي وشقيقه أنور وجارهم في الأسر وأُفرج عن الآخرين. وتركز التحقيق مع شقيقه على النشاط العسكري الخاص بسامي المنتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي.
حُكم على سامي العمور بـ 19 عاماً، ونُقل إلى معتقل نفحة ثم إلى سجن إيشل، وفي المعتقل انتمى إلى حركة "فتح". ولم يكن الشهيد يعاني مشكلات صحية مزمنة باستثناء مشكلة خلقية في عضلة القلب، لكنه أصيب في السجن بمرض "الضغط"، وكان يطلب من إدارة السجن تقديم العلاج له بسبب تعبه ووصوله إلى مرحلة تقيؤ الأكل الذي يتناوله، إلّا إن إدارة السجن كانت تماطل في تقديم "العلاج" له. نُقل الشهيد من إيشل إلى مستشفى سوروكا الإسرائيلي لإجراء عملية جراحية، إلّا إنه توفي في 18 / 11 / 2021، وهو تحت التخدير والأكسجين الاصطناعي، واعتُبرت وفاته إعداماً عن سابق تصور وتصميم.[8]
II - احتجاز الجثامين بين السياسي والقانوني
من المفترض أن تكون المنظومة القضائية الإسرائيلية مستقلة عن السلطة السياسية، لكن هذا قد يصحّ في قضايا متعلقة بإسرائيليين، أمّا عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فإنها تعمل لمصلحة المؤسستين السياسية والأمنية، إذ ثمة مبررات قانونية للفعل السياسي الذي يحكم حياة الأسرى الفلسطينيين وموتهم. وتمثل قضية احتجاز جثامين الشهداء الأسرى انعكاساً لعمل منظومة استعمارية كاملة (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) تسعى لتحويل موت الأسرى داخل السجون إلى موت مستمر عبر استمرار احتجازهم في الثلاجات أو في مقابر الأرقام، وذلك للاقتصاص من الموتى بعد موتهم، وتعذيب أهلهم عبر حرمانهم من اللقاء الأخير.[9]
إن احتجاز جثامين الأسرى بعد استشهادهم يشكل عنفاً مضاعفاً، وإبرازاً لذروة درجات العنف والقمع الممارَسة على الأسير الذي تبدأ معاناته منذ الاعتقال والتنكيل به، ثم مروره بزمن العذاب اليومي داخل الأسر، وبعد ذلك استشهاده داخل المعتقلات واحتجاز جثمانه، لمنع حصول الأسير على حقه في التحرر حتى كجثمان. وفي هذا السياق كتب الأسير وليد دقة بعد استشهاد فارس بارود واحتجاز جثمانه عن كونهم أحراراً على الرغم من أسرهم، وأن جثامينهم التي لا تُحرَّر كجسد، فإننا "نحررها نصاً ولوحةً مرسومة عسى أن تكون واضحة بعد أن غدا موتنا غير واضح."[10]
لا يوجد أساس أو مبرر قانوني لاحتجاز الجثامين، وإنما مسوغات ومبررات سياسية، والهدف هو الضغط على الفلسطينيين كعقوبة جماعية وعلى عائلة الشهيد، والحيلولة دون تحويل الشهيد إلى رمز نضالي. إن احتجاز الجثامين بات أداة ضغط سياسية بعد أسر الجندي جلعاد شاليط، إذ أصبح هذا الاحتجاز أداة ضغط للتفاوض من أجل تبادل / استرداد الجنود الإسرائيليين في غزة، وهذا التبرير هو المستخدم رسمياً.[11]
في سنة 2019 أصدرت الهيئة الموسعة للمحكمة العليا الإسرائيلية بأغلبية 4 قضاة ضد 3، قراراً في ملف احتجاز الجثامين ينصّ على أن للقائد العسكري صلاحية احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم موقتاً لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية وذلك بحسب المادة 133 (3) لأنظمة الطوارىء، وهذا على الرغم من تناقض القرار المذكور مع قرار سابق للمحكمة بهيئة قضاة عادية بتاريخ 14 / 12 / 2017 ينصّ على عدم صلاحية احتجاز الجثامين. وهكذا فإن قرار سنة 2019 يدل على أن القضاء الإسرائيلي هو في خدمة السياسة وغير مستقل البتّة عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين.
III - رفض الابتزاز الإسرائيلي
هناك إجماع لدى أهالي الأسرى المحتجزة جثامينهم، على أن موضوع احتجاز جثامين أبنائهم هو موضوع سياسي، وأنه لن يتم الإفراج عنهم إلّا في حالة وجود صفقة تبادل بين المقاومة والاحتلال، لكنهم يصرّون على أن أي تبادل يجب ألّا يكون على حساب الأسرى الأحياء. غير أن هذا لا يمنعهم من أن يظلوا حاضرين في العمل الشعبي على صعيد الفاعليات للمطالبة باسترداد الجثامين ومحاولة الاتصال بالمؤسسات التي تقوم بمتابعة ملف الاسترداد.
ويقول الناشط في حملات المطالبة باسترداد الجثامين المحتجزة، وهو المحامي المقدسي محمد عليّان في مقابلة مع كاتبة التقرير: "أولادنا ليسوا ورقة ابتزاز أو ضغط على المقاومة، ولا أحد يقبل أن يكون الشهيد الميت في مقابل الأسير الذي يعاني يومياً في الأسر، فالأولوية هي لمَن هو في الأسر. ومع ذلك يجب إخراج أبنائنا لأنهم احتُجزوا بغير وجه حق، ومن دون أي مبرر أو مسوغ قانوني. صحيح أن ثمة بُعداً أمنياً وسياسياً لعملية الاحتجاز، لكن هذا لا يعني التسليم بهذه الأبعاد والتوقف عن العمل والقول إن هذا هو السبب الوحيد، وإنه لا يوجد ما يمكن عمله كالاتصال بالمؤسسات والقيام بالحملات ضد هذا الموضوع، بل يجب العمل لتحويل هذا الأمر إلى ورقة ضغط على الاحتلال"، ويضيف: "هو أنا كوالد شهيد بقبل أطلّع ابني بدل واحد محكوم مؤبد؟ هو أنا بقبل؟"
وفي السياق ذاته يقول والد الشهيد الأسير كمال أبو وعر: "لن أسمح بأن يعود ابني مقابل وجود إمكانية لعودة أسير طيّب وحيّ لعائلته، مش رح أكون أناني بهاي الدرجة. وطبعاً إذا صار في عملية تفاوض وتبادل، الأَوْلى في هاي العملية هم الأسرى الأحياء داخل السجون، رغم إنو إحنا عارفين إنو احتجاز الجثمان هو عشان إذا صار في صفقة تبادل؛ صح إنو هو ابني وأنا بدي ياه، بس إنك تْطَلِّع إنسان طيب أحسن ما يطلع ابني، هاي بتصير أنانية إني أطلب غير هيك."
المصادر:
[1] المعلومات العامة عن الأسير الشهيد أُخذت من مقابلة خاصة مع شقيقه حسن دولة، أمّا المعلومات عن حياته داخل معتقل عسقلان، فاستُقيت من مقابلة خاصة مع الأسير المحرر خالد الزبدة.
[2] أُخذت المعلومات عن الأسير الشهيد من مقابلة خاصة مع ابن شقيقته خليل بارود.
[3] المعلومات عن قضية الشهيد نصار طقاطقة مستقاة من عدد من وسائل الإعلام الفلسطينية.
[4] أُخذت المعلومات عن الأسير الشهيد من مقابلة مع شقيقه خلدون، ومن موقع كتائب الشهيد عز الدين القسّام - الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية ("حماس") فلسطين، في الرابط الإلكتروني.
[5] أُخذت المعلومات عن الأسير الشهيد خلال مقابلة مع رئيس لجنة أهالي الأسرى والمعتقلين المقدسيين أمجد أبو عصب، ومن نادي الأسير الفلسطيني.
[6] أُخذت المعلومات من مقابلة مع ابنه عصام الغرابلي.
[7] أُخذت المعلومات عن الأسير الشهيد من مقابلة مع والده نجيب أبو وعر وشقيقه محمد أبو وعر، ومن رفيقه في الزنزانة الأسير محمد أبو الرب، عبر مقابلة هاتفية معه من سجن النقب.
[8] أُخذت المعلومات من مقابلة مع شقيقه أنور العمور.
[9] انظر بهذا الشأن تعليقاً لعبد الرحيم الشيخ في صفحة في موقع فايسبوك، في الرابط الإلكتروني.
[10] عبد الرحيم الشيخ، " الفراش، والقميص، والصورة"، "ملتقى فلسطين"، في الرابط الإلكتروني.
[11] هذا ما يراه مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري الذي جرت المقابلة معه في سياق كتابة التقرير.