هل تتحوّل الصدامات حول الحرم الشريف إلى مواجهة شاملة؟
التاريخ: 
21/04/2022
المؤلف: 

على الرغم من القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بعدم السماح لغير المسلمين بدخول الحرم الشريف ابتداء من يوم الجمعة في 22 نيسان/أبريل الجاري وحتى نهاية شهر رمضان، وهو القرار الذي دأبت الحكومات الإسرائيلية على اتخاذه، فإن مخاطر تطور الاشتباكات التي تقع في حرم المسجد الأقصى بين المصلين الفلسطينيين، من جهة، وقوات الشرطة الإسرائيليية والمستوطنين اليهود، من جهة ثانية، إلى مواجهة شاملة، شبيهة بالمواجهة التي وقعت في أيار/مايو 2021، لا تزال قائمة، وخصوصاً أن قرار الحكومة الإسرائيلية المذكور أثار غضباً فورياً من نواب وشخصيات من اليمين القومي الديني الصهيوني اتهموا الحكومة بـ "الرضوخ للإرهاب"[1].

"الحرب على المسجد الأقصى مسألة وقت"

تحت هذا العنوان المعبّر، كتب الصحافي والمحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل مقالاً، في 20 نيسان الجاري، حذر فيه من أن أنصار التيار الديني المسياني في اليمين الإسرائيلي "صادقون حين يحاولون، المرة تلو المرة، اقتحام الحرم الشريف لتثبيت السيادة الإسرائيلية"، كما إنهم صادقون حين يقولون "إن إسرائيل لا تحكم في منطقة الحرم، ما دام اليهود لا يستطيعون الصلاة هناك بحرية"، معتبراً أن حلم أنصار هذا التيار لا ينحصر في الصلاة، إنما بإعادة بناء الهيكل أيضاً [وهو] مشروع سيتطلب هدم المساجد الإسلامية هناك لتحقيقه"، ليخلص إلى أن سياسة الحكومات الإسرائيلية، المتمثلة في البناء حول المسجد الأقصى، والسيطرة على بيوت العرب في القدس، ومنح الحرية لنشاط القوى الدينية المسيانية اليهودية المتطرفة، ووصول أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش إلى الكنيست والحكومة، أن كل هذه المؤشرات عززت "المخاوف الإسلامية" على مستقبل الحرم الشريف، وجعلت "الحرب على الحرم ليست إلّا مسألة وقت"[2].

أنصار التيار الديني المسياني يلجأون إلى أساليب مختلفة لتحقيق هدفهم

على الرغم من محاولات الحكومة الإسرائيلية تبديد مخاوف المسلمين، وادعاء حرصها على الحفاظ على "الوضع الراهن" القائم في الحرم الشريف، الذي يسمح لليهود بزيارته في أوقات معينة لكن يمنعهم من الصلاة ومن تقديم القرابين فيه، وهو وضع كرسته الاتفاقات التي تم التوصل إليها بعد أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية في عدوان حزيران/يونيو 1967، فإن أنصار هذا التيار لم يتوقفوا عن السعي إلى تحقيق مشروعهم الرامي إلى "استعادة" هذا الموقع و"إعادة بناء الهيكل" فوقه، ولذلك تسللوا إلى الجيش الإسرائيلي وإلى الأحزاب السياسية الإسرائيلية لفرض توجههم هذا، بل صاروا يلجأون إلى أساليب "مبتكرة"، مثل ارتداء زي المسلمين للصلاة في ما يطلقون عليه اسم "جبل الهيكل". إذ كشف تقرير بثته إحدى قناة التلفزة الإسرائيلية، ونشره موقع "تايمز أوف إسرائيل"، في 14 كانون الأول/ديسمبر 2021، أن مجموعة يهودية متطرفة، تدعى "العودة إلى جبل الهيكل"، يلبس أعضاؤها زي مسلمين لدخول الحرم القدسي، حيث "يتلون الصلوات اليهودية بهدوء بينما يتظاهرون بممارسة الشعائر الإسلامية". وبحسب التقرير، تقوم هذه المجموعة بتنظيم صفوف تعليمية في القدس "تعلّم أفرادها ارتداء الملابس الإسلامية التقليدية وحمل سجادة الصلاة والمسبحة وحتى الكتب العربية عن القرآن، لجعل مظهرهم أكثر إقناعاً، كما يقوم الأعضاء أحياناً بصبغ شعرهم ولحاهم باللون الأسود لتبدو أشبه بالعرب". وينقل التقرير عن زعيم المجموعة رفائيل موريس قوله: ""تتمثل رؤيتنا في أن نكون قادرين على الذهاب إلى جبل الهيكل في أي وقت من اليوم، وأن ننجح في النهاية أيضاً في بناء الهيكل واستعادة خدمات القرابين".

وكانت مجموعة "العودة إلى جبل الهيكل" قد أعلنت في منشور على موقعها على فيسبوك أنها "ستقدم مكافأة نقدية لمن ينجح في التضحية حتى لو تم اعتقاله"، وهو المنشور الذي لقي إدانة من السلطة الفلسطينية، والحكومة الأردنية، وتهديداً من حركة "حماس"[3].

احتمالات التصعيد قائمة

هل يعيد التاريخ نفسه، وتكون الصدامات الجارية حول الحرم الشريف، التي أوقعت حتى الآن نحو 200 جريح فلسطيني، شرارة تفجير مواجهة شاملة بين الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والإسلامية وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين اليهود، وخصوصاً بعد أن أطلقت صواريخ في اتجاه البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة، ردت عليها إسرائيل بغارات جوية على مواقع المقاومة في القطاع؟ .

إن عدداً من المراقبين والمحللين يرى أن حركة "حماس" "ليست معنية، بعد أن أضعفتها حرب سنة 2021، ولا سكان غزة، في نشوب صراع آخر، والمخاطرة بقيام الحكومة الإسرائيلية بتعليق آلاف تصاريح العمل الممنوحة في الأشهر الأخيرة للعمال في غزة، وهي منطقة تحت الحصار يثقلها معدل بطالة محلي يبلغ حوالي 50٪"، بيد أن آخرين منهم يعتقدون أن المواقف التي اتخذتها المقاومة الفلسطينية تبيّن أنها لم تضعف و "أنه لا يمكن استبعاد خطر اندلاع حريق في منطقة لا يزال التوتر شديداً للغاية مع كون باحة المساجد مركزه"، وخصوصاً أنه، بعد مرور سنة على المواجهة الشاملة في سنة 2021، "لم يتم حل القضايا الجوهرية" للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ "لا يزال استعمار الأراضي الفلسطينية مستمراً ومسألة إقامة دولة فلسطينية مجمدة"، كما "يبدو أن احتمال إبرام اتفاق بعيد المنال، لا سيما وأن القضية الفلسطينية قد تم إهمالها لسنوات، من قبل الدول الغربية والعربية على حد سواء، وراء التهديد الإيراني"[4].

وفي مقال بعنوان: "المواجهات في المسجد الأقصى: في جو التحريض القائم، من شأن كل حدث استثنائي أن يتحول إلى انتفاضة"، قدر الصحافي الإسرائيلي إفرايم غنور أن "حالة التحريض القائمة من الممكن أن تؤدي إلى فقدان السيطرة؛ وأيّ حدث استثنائي، إسرائيلي أو فلسطيني، من شأنه، ببساطة، تحويل الوضع القائم إلى انتفاضة إضافية خارجة عن السيطرة، وبصورة خاصة في وقت تقف إيران مع براميل وقود الهدف منها تقوية النيران"[5].

احتمال التصعيد يثير المخاوف الإقليمية والدولية

بغية الحؤول دون التصعيد، قامت حكومة بينت -لبيد، التي زاد ضعفها بعد قيام حزب "راعام" بتعليق مشاركته في الحكومة الائتلافية، وهو ما أعقب انشقاق النائبة من حزب "يمينا" عيديت سيلمان عن اللائتلاف، باعتقال عدد من اليهود المتطرفين الذين حاولوا أداء "قرابين" عيد الفصح في الحرم القدسي بقطع عنق تيس، وبمنع "مظاهرة الأعلام" التي نظمها هؤلاء المتطرفون، يوم 20 نيسان الجاري، من الوصول إلى باب العامود في القدس المحتلة. بيد أن هؤلاء المتطرفين اليهود نظموا في الوقت نفسه، بغية إثبات قوتهم واستهتارهم بقرارات الحكومة، تظاهرة ضمت بضعة آلاف من الأشخاص، ساروا إلى بؤرة "حومش" الاستيطانية المفككة، كان على رأسهم المستوطن ورئيس "مجلس السامرة الإقليمي"، يوسي داغان، إلى جانب أعضاء الكنيست إيتمار بن غفير، وعيديت سيلمان، وبتسلئيل سموتريتش.

وكانت الخشية من احتمال تحوّل الصدامات في الحرم الشريف إلى مواجهة شاملة في خلفية المواقف التي اتخذها عدد من الأطراف الإقليمية والدولية. إذ اتخذت الحكومة الأردنية، المسؤولة عن رعاية الوقف الإسلامي في الحرم الشريف، موقفاً حازماً ضد دخول قوات الشرطة الإسرائيلية إلى المسجد الأقصى وأدانت اعتداءتها على المصلين المسلمين، كما وقّع 85 عضواً في البرلمان الأردني عريضة تطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل وإلغاء اتفاق السلام، وهو ما أثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت ووزير خارجيته يائير لبيد.

ومن ناحية أخرى، دعت خمس دول أوروبية، بعد جلسة طارئة عقدها مجلس الأمن في 19 نيسان الجاري، إلى إنهاء الاشتباكات في القدس، إذ ورد في بيان أصدرته كلٌ من أيرلندا وفرنسا وإستونيا والنرويج وألبانيا "يجب أن يتوقف العنف على الفور؛ يجب تجنب المزيد من الضحايا المدنيين" و "يجب احترام الوضع الراهن للأماكن المقدسة بالكامل"، وأضاف البيان أن "تدهور الوضع الأمني ​​يسلط الضوء على الحاجة إلى استعادة الأفق السياسي لعملية سلام موثوقة". وخلال جلسة مجلس الأمن، كرر المبعوث الأممي للشرق الأوسط، تور وينيسلاند ، في بيان دعواته "لتجنب أي استفزاز من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات الإسرائيلية الفلسطينية". وكان قد دعا في 15 نيسان الجاري، عقب الصدامات الأولى التي وقعت في الحرم الشريف، القادة السياسيين والدينيين والمجتمعيين من جميع الأطراف "إلى المساعدة في تهدئة الوضع وتجنب نشر الخطاب التحريضي والتحدث علانية ضد أولئك الذين يسعون إلى تصعيد الموقف"[6].

كما أعربت الإدارة الأميركية عن قلقها من اندلاع مواجهة شاملة، الأمر الذي حدا بوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين في 19 الشهر الجاري إلى الطلب من نائبة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يائيل لمبرت ونائب وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية والفلسطينية هادي عمرو السفر إلى إسرائيل والضفة الغربية والأردن ومصر في الأيام المقبلة لعقد اجتماعات تهدف إلى تخفيف التوترات في مدينة القدس.

 

[1] https://fr.timesofisrael.com/les-non-musulmans-interdits-sur-le-mont-du-temple-jusqua-la-fin-du-ramadan/ 

[2] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/20-4-2022.pdf 

[3] https://fr.timesofisrael.com/des-juifs-se-deguisent-en-musulmans-pour-prier-sur-le-mont-du-temple-tv/;

https://fr.timesofisrael.com/jerusalem-palestiniens-et-policiers-saffrontent-sur-le-mont-du-temple/

[4] https://www.leparisien.fr/international/israel-5-minutes-pour-comprendre-le-nouveau-regain-de-tension-avec-les-palestiniens

[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/19-4-2022.pdf 

[6] https://fr.timesofisrael.com/le-conseil-de-securite-de-lonu-tiendra-une-consultation-durgence-sur-jerusalem/