البرنامج بين المصلحة العليا والتوافُق الفصائلي
"السلام" الأميركي
أدى الانهيار السوفياتي وحرب الخليج سنة 1991 إلى انتصار القطب الأميركي الغربي، الذي بدأ بإعادة بناء هيمنته في المنطقة والعالم. وقد استُخدمت مبادرة بوش الأب للسلام في سنة 1991 لهذا الغرض. المبادرة اعترفت بـ "حقوق سياسية مشروعة للفلسطينيين"، واستبعدت منظمة التحرير الفلسطينية عن حضور المؤتمر الدولي في مدريد. الدورة الـ 20 للمجلس الوطني،1991، قبلت المشاركة في المؤتمر ووضعت أسساً لها، لكنها سرعان ما تراجعت عن الأسس التي حددتها، وتم قبول وفد من الضفة وغزة من دون القدس واللاجئين، وبمرجعية القرارين 242 و338 ووجود مرحلة انتقالية. هل كان في إمكان المنظمة انتهاج سياسة أُخرى كما دعت المعارضة؟ لقد جرى تبرير المشاركة بالقول: "إن ما يهمّ هو وجود الشعب على مائدة المفاوضات كشعب موحد له قضية وطنية". تحدثت القيادة الرسمية عن انعدام خيار آخر لديها. واعتقدت أن مشاركتها ستحول دون عودة الإنابة في التمثيل، إذ يمكن للإدارة الأميركية والنظام العربي تقديم بديل للمنظمة، وما يعنيه ذلك من شطب حق تقرير المصير ومعه الإنجاز الذي حققته الثورة. لكن إذا كان ثمن استمرار التمثيل واستقلال القرار يؤدي إلى التكيف مع الشروط المتناقضة مع المشروع الوطني بسقف الشرعية الدولية؟ فما الحكمة من وراء المشاركة؟ هذا السؤال الشائك يطرحه السياق العام لكتاب د. ماهر الشريف، "المشروع الوطني..."، وقد تعثّرت الإجابة عليه بالقدر الذي تعثّر فيه المشروع.
حدد شامير سقف الحل الذي تقبله إسرائيل، وهو "اتفاقات كامب ديفيد". لكن حزب العمل بقيادة إسحق رابين، الذي فاز في انتخابات 1992، قدم مواقف أُخرى تعارض السيطرة على السكان وضمّهم، وتتوقف عن بناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائمة. مواقف حزبي العمل وميرتس وإدارة بيل كلينتون، شجعت عرفات على التفاوض في القناة الخلفية التي تمخضت عن اتفاق أوسلو، الذي أفضى إلى الانسحاب من مدن الضفة والقطاع، ونقل التعليم والثقافة والصحة والشؤون الاجتماعية والضرائب المباشرة والسياحة إلى السلطة، فضلاً عن نقل مهمة الأمن الداخلي إلى شرطة فلسطينية قوية. في مقابل ذلك، تعهد عرفات وقف الانتفاضة وتطبيع الحياة ورفض العنف والإرهاب والمساهمة في السلام. وجرى تأجيل كل القضايا الأساسية، كاللاجئين والقدس والاستيطان والحدود، إلى مفاوضات الوضع الدائم.
إخفاق تحوُّل الحكم الذاتي إلى دولة
اعتقدت القيادة أن الحكم الذاتي سيتطور إلى دولة ذات سيادة، مع أن رابين أراد التخلي عن السكان وتخفيف تكلفة الاحتلال، مستفيداً من واقع منظمة محاصرة ومنهكة، لكنه رفض إقامة دولة فلسطينية في نهاية الحل، ودعا إلى شكل من أشكال الكونفيدرالية بين الأردن وإسرائيل والحكم الذاتي الفلسطيني، واعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وغور الأردن يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وتبنّى ضم الكتل الاستيطانية. ورأى حزب العمل أن اتفاق أوسلو يفتح الطريق أمام التطبيع العربي ويساعد في بناء سوق شرق أوسطية. في المحصلة، أدى اتفاق أوسلو إلى تهميش المنظمة، وإضعاف وحدة الشعب في مختلف أماكن وجوده، وتقوية السلطة المقيدة بسقف اتفاق أوسلو، وتقوية المنظمات الأهلية غير الحكومية. كذلك، جرى تهميش القطاع الزراعي والصناعي. وازداد الوضع سوءاً برفض سلطات الاحتلال الانسحاب من أراضٍ فلسطينية في المرحلة الانتقالية، بما في ذلك رفضها تطبيق اتفاق "واي ريفير" لسنة 1998، الذي ينص على الانسحاب من 13% من أراضٍ إضافية من الضفة الغربية. واستمرت سلطات الاحتلال في فرض الوقائع الاستيطانية، بما في ذلك تأسيس بنية تحتية للاستيطان، ومضت في تهويد القدس بوتائر متسارعة، ومصادرة الأراضي وتقطيع أوصال الضفة وفصلها عن قطاع غزة والقدس، ولم تُطلق أسرى، وازداد الوضع الاقتصادي سوءاً.
مع إخفاق مفاوضات كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000، برعاية إدارة كلينتون، بين ياسر عرفات وإيهود باراك، سقط الرهان على اتفاق أوسلو. واندلعت انتفاضة سنة الـ 2000، والتي تراوحت أهدافها بين تحسين شروط الحل كما أرادت القيادة الرسمية، وبين إسقاط أوسلو كما أرادت المعارضة. والتفجيرات التي استهدفت مدنيين إسرائيليين في العمق الإسرائيلي كانت كعب أخيل الانتفاضة. حدث ذلك في إبان الإعلان الأميركي والدولي الحرب على الإرهاب العالمي في أعقاب تفجير أبراج نيويورك في 11 أيلول/ سبتمبر 2001. تلك العمليات منحت شارون فرصة في دمج النضال الفلسطيني بالإرهاب، وللتحرر من كل القيود في حربه على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حصار وعزل عرفات واستهدافه وموته. وكانت التفجيرات ما بعد أوسلو، التي استهدفت المدنيين في العمق الإسرائيلي، قد أخلّت بالتوازن بين معسكر اليمين الرافض لاتفاق أوسلو ومعسكر الحل السياسي - العمل وميرتس - الذي كان متفوقاً بفارق عضو كنيست واحد، وبدعم 5 أعضاء كنيست عرب. قضت التفجيرات على فكرة رابين التي سوّغ فيها لقبوله الاتفاق، وهي وقف العنف وتحقيق الأمن للإسرائيليين، الأمر الذي أدى إلى فوز نتنياهو بعد اغتيال رابين. ووحّدت التفجيرات الاستشهادية اليسار مع اليمين الإسرائيلي على أهداف واحدة، وتوقف العمل الفلسطيني المشترك مع قوى السلام الإسرائيلية. تجربة الانتفاضة المسلحة كشفت التناقض بين السلطة والمقاومة المسلحة، وإشكالية احتكار السلطة للقوة في ظل احتلال استيطاني إقصائي. فلم يكن ممكناً دمج انتفاضة شعبية سلمية بمقاومة مسلحة وعمليات تستهدف المدنيين الإسرائيليين. إدارة بوش الابن استخدمت القضية الفلسطينية في حروبها الاستباقية التي استهدفت أفغانستان، ولاحقاً العراق، كغطاء من خلال مشروع خريطة الطريق الذي طرح إقامة دولة فلسطينية. أما شارون الذي وضع 14 اعتراضاً على خريطة الطريق، فقد اتبع خطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، لإغلاق الطريق أمام أي حل، وفي مقدمة ذلك خريطة الطريق.
عناصر المأزق
- تعمق الاحتلال الاستعماري، وتضاعف الاستيطان وأصبح "مشرعناً" بالقانون الإسرائيلي، ومندمجاً ببنية دولة الاحتلال، وفي الوقت نفسه، جرى تقويض مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة - مقومات الحل السياسي الذي تقبله أكثرية فلسطينية - من خلال ضم القدس وفصلها عن الضفة والقطاع، وشطب اللاجئين. وجرى ترسيم بنتوستونات مقطعة الأوصال بجدار فصل عنصري. وقد أوصدت كل الأبواب التي تفضي إلى حل سياسي، باستثناء باب البنتوستونات الذي دخلت منه "صفقة القرن" ذات الشروط الإسرائيلية الكاملة، وما عدا ذلك، اعتُبر الصراع وجودياً لا حل له.
- راهنت قيادة المنظمة على الإدارات الأميركية لإيجاد الحل، وتكيفت مع شروطها إلى حد كبير، تماماً كما راهنت الهيئة العربية العليا على الإدارات البريطانية، واعتمدت قيادة المنظمة على النظام العربي الرسمي الذاهب نحو علاقات التبعية، كما فعلت الهيئة العربية في اعتمادها على النظام العربي التابع أصلاً، وراهنت على حزب العمل الإسرائيلي في ظل صعود اليمين الديني والقومي الإسرائيلي. ولم تعتمد، ولم تهتم بأهم ركيزة، وهي الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه. ولم تملك الحركة السياسية برنامجاً اجتماعياً، وكانت الهيئة العربية تفتقر إلى ذلك.
- تراجعت ظواهر المؤرخين الجدد وعلماء الاجتماع النقديين واتجاه ما بعد الصهيونية، على الرغم من استمرار البعض في الحضور في مجال الفكر والتأريخ المناهضين للصهيونية والاحتلال والعنصرية، ولا سيما شلومو ساند وإيلان بابِه وغيرهما. واضمحلت حركة السلام الآن، وتفكّك معسكر السلام، وتمت شرعنة العنصرية عبر قانون القومية وانعطاف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين القومي والديني، وإخلاء الصهيونية العلمانية المكان للصهيونية الدينية.
- أخفقت السلطة في أن تكون كياناً وظيفياً انتقالياً، وأصبحت جزءاً من منظومة السيطرة، وقد شكلت حاجزاً فعلياً ونفسياً ما بين الناس والاحتلال، وساهمت في خفض أكلاف الاحتلال. وكرست بنية بيروقراطية مؤسساتية غير ديمقراطية، فاسدة وقائمة على الولاء، وقد أخضعت الاتحادات الشعبية والمهنية والمنظمات الجماهيرية - الشبيبة والمنظمات النسوية - والنقابات لسيطرتها، بعد أن أفقدتها مضمونها الديمقراطي. وأبقت منظومة القوانين المتخلفة التي تكرّس التمييز ضد النساء لمصلحة السلطة المجتمعية الذكورية، واعتمدت نظاماً تعليمياً مقيِّداً للعقول وأداة للسيطرة، ونظاماً اقتصادياً نيوليبرالياً متناقضاً مع واقع شعب تحت الاحتلال، وأصبحت السوق الفلسطينية استهلاكية، تعتمد على الدعم الخارجي. وسجّل المجتمع عودة الولاءات المحلية والدينية والجهوية والهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
- انفصال قطاع غزة عن الضفة وخضوعهما لسلطتين متناحرتين بعد الانقلاب العسكري الذي نفّذته حركة "حماس" في قطاع غزة . النزاع بين السلطتين أدى إلى تعطيل المجلس التشريعي وكل اللجان المرتبطة به، وإلى تمركُز صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية في السلطة التنفيذية الأبوية، وتحولت مؤسسات المنظمة، كالمجلس الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية، إلى مؤسسات شبه معطلة وتابعة لمركز القرار، وخاضعة للسلطة مالياً. وأصبح الشتات - نصف الشعب الفلسطيني - على هامش الاهتمام، وهو ما أدى إلى اندثار الديمقراطية النسبية التي تأسست في إبان صعود م. ت. ف. وتفككت المكونات الفلسطينية (الشتات والضفة والقطاع ومناطق الـ 48) التي وحّدتها المنظمة. وبدت مهمة الخلاص من الاحتلال منفصلة عن قضية اللاجئين والعودة، وعن قضية المساواة في مناطق الـ 48 .
- لم تبادر قوى سياسية إلى تقديم استراتيجيات كفاحية بديلة، ليقتصر الوضع على سياسة التفاوض المفتوح واستجداء الحل، انطلاقاً من مسار أوسلو، وخيار مقاومة مسلحة بلا استراتيجيا وبرنامج مستقل، بعد تناغُم برنامج "حماس" المقاوم مع برنامج المنظمة وتقاطُعه في الهدف المركزي - دولة في الضفة والقطاع عاصمتها القدس. المقاومة اتخذت شكل مواجهة موسمية غير متكافئة مع قوة الاحتلال الغاشمة في ظل حصار مُحكم وخانق، وهي تتفاوض على هدنة طويلة الأمد في مقابل تكريس وتشريع سلطتها في قطاع غزة، بمعزل عن القضايا الوطنية الأُخرى، كاللاجئين والقدس والاحتلال الاستيطاني للضفة، وهي عُرضة للاستخدامات الإقليمية والحسابات من خارج المصلحة الوطنية لقاء الدعم المالي والتسليحي. ولم ينجح اليسار في بلورة خيار ثالث يؤسس لاستقطاب تحرُّري ديمقراطي جديد. وقد خضع اليسار نسبيا للاستقطاب بين سلطتيْ "فتح" و"حماس".
سبل الخروج من المأزق
- طُرحت خلال النقاشات، التي صارت تدور على مستوى المثقفين في المقام الأول، اجتهادات في سبل الخروج من المأزق: العودة إلى مشروع الدولة الواحدة، دولة ثنائية القومية، أو دولة ديمقراطية علمانية واحدة، يقدّم هذا الحل كبديل من حلّ الدولتين. البعض يربطه بحلّ السلطة وإعادة تحميل الأعباء للدولة المحتلة. يستند دعاة الدولة الواحدة إلى فشل حل الدولة الفلسطينية في مناطق الـ 67 ، الذي أوصل الحركة الوطنية إلى الباب الموصد وجزّأ الشعب. ويرى آخرون أن الدولة الديمقراطية الواحدة تتطلب تحولاً في الفكر السياسي الإسرائيلي، كتراجُع اليهود عن صهيونيتهم، وعن يهودية الدولة وقانون العودة الخاص باليهود، والتراجع عن التطرف القومي الديني. ويرى آخرون أن حل الدولة الواحدة هو أقرب إلى الهندسة الذهنية من أي هدف، ويتساءلون: أيّ ميزان قوى يقنع إسرائيل بالانتحار؟ ويظل السؤال: كيف يمكن تغيير علاقات القوة القائمة، والدخول في شراكة حقيقية مع اليهود الإسرائيليين تؤدي إلى مصلحة تاريخية؟ مطروحاً على أصحاب مشروع الدولة الواحدة.
- اتجاه سياسي آخر يواصل التمسك بالدولة المستقلة على أراضي الـ 67، باعتبارها ممراً إجبارياً للسلام والحل السياسي الواقعي. فليس من الحكمة التراجع عن حل الدولتين المدعوم من أغلبية دول وشعوب العالم، بما في ذلك جزء من المجتمع الإسرائيلي، وإنما التركيز على مضمونه واستمرار التمسك بحق العودة، وتفكيك البنى الاستعمارية. غير أن الدولة المستقلة تتطلب سلطة مختلفة نوعياً، وهذا يستدعي من السلطة القائمة التحلل من التزاماتها الأمنية والاقتصادية وإعادة تعريف العلاقة بإسرائيل، والتحول إلى جهاز للتحرر من الاحتلال، وبناء نظام سياسي بمضامين عصرية وحديثة - سلطة قانون وانتخابات ورقابة ومساءلة ومحاسبة، واعتماد اقتصاد صمود بدلاً من الاقتصاد الريعي، وعودة للأرض.
- مهمة الحفاظ على الذات والبقاء يضعها آخرون في مركز الاهتمام في ظل استعصاء الحلول، ويدعون إلى استبدال خطاب الدولة بخطاب الهوية والبناء الوطني ووضع الإنسان في المركز، وليس الدولة. وإلى تمسُّك الفلسطينيين بهويتهم الوطنية في كل مكان، بعد فشل استئصالهم.
- إعادة بناء م. ت. ف. وتشكيل إطار جامع، كونغرس فلسطيني يسمح بمشاركة ممثلي الـ 48 وإيجاد صيغة لمشاركة "حماس" والجهاد الإسلامي، وصوغ مشروع للكل الفلسطيني يعتمد على الدعم المتبادل لتحقيق أهداف كل تجمُّع، وتحويل النشاطات الدورية إلى أُطر جامعة، وإشهار وحدة الشعب الواحد الذي لا يقبل التجزئة، واعتماد المقاومة الشعبية كاستراتيجيا، وليس كمناورة.
إشكالات
- البنية الفكرية والسياسية والتنظيمية للقوى السياسية ("فتح" و"حماس" واليسار) أصبحت عاجزة عن الخروج من المأزق، وعندما يتعذر الحل من فوق، يصبح التعويل على بنى جديدة ناشئة، تضم مفكرين ومثقفين وحقوقيين وحركات اجتماعية ونقابات واتحادات ومؤسسات مستقلة ومبادرات شبابية ونسوية وكل العناصر والفئات الحية في الحركة السياسية والمجتمع.
- صعد الإسلام السياسي، وبصورة خاصة اتجاه الإخوان المسلمين في فلسطين، كجزء من صعودهم في مصر والأردن وبلاد أُخرى، وارتبط الصعود بتغلغُل فكر المدرسة الوهابية المتزمت وسلاح التكفير والتحريم. الكتاب عرض التحدي الذي أتى به الإسلام السياسي ومارسه في الواقع، وتحدث عن تجنُّبه مقاومة الاحتلال منذ عام 67 وحتى انتفاضة 87، بذريعة إعداد المجتمع وتغييره، هنا لا يمكن عزو عدم مقاومة الاحتلال في أوج الثورة بخطأ بسيط وعابر، فهذا الموقف لا ينفصل عن موقف تنظيم الإخوان في مصر وبلاد عربية أُخرى، الموقف المهادِن للاستعمار والدول التابعة وسياساتها.
منذ بدأ الإسلام السياسي بمقاومة الاحتلال، عبر حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، تعزز نفوذه الجماهيري، وأصبح جزءاً من المشهد السياسي. لكنه استمر في مشروعه السياسي الموازي للمشروع الوطني، بما في ذلك في أثناء انتفاضة الـ 87. لا يمكن إقصاء الإسلام السياسي، كما لا يمكن للإسلام السياسي أن يكون البديل، باستحواذه على المنظمة ومركز القرار. والتحدي الكبير، هل يمكن التلاقي بين الإسلام السياسي و"الحركة الوطنية" في مشروع واحد. لا يمكن الحديث عن وحدة وطنية ومشروع وطني واحد لا تشارك فيه كل الاتجاهات من تنظيمات وطنية وتنظيمات إسلام سياسي وتنظيمات علمانية ليبرالية ويسارية وقومية. هناك مَن يدعو إلى قاسم مشترك يرضي كل الاطراف، وهذا يصطدم بالمكانة الشرعية والقانونية لفلسطين المتحققة، التي تستند إلى قرار التقسيم 181 واعتراف أكثرية دول العالم بدولة فلسطينية على حدود الـ 67، هذه الشرعية المرفوضة من الإسلام السياسي، تقف عائقاً أمام الوحدة. ووفقاً لذلك، فإن الوحدة ستكون إما بخروج المنظمة ودولة فلسطين من الشرعية والحيز الدولي والإقليمي الذي أتاحته للشعب الفلسطيني، وإما بدخول الإسلام السياسي إلى الشرعية. خروج المنظمة والدولة من الشرعية واعتماد شرعية المقاومة من دون مقومات حقيقية، وفي ظل التحولات العربية والإقليمية والدولية المتنافرة مع المقاومة، والأهم في غياب استراتيجيا مقاومة لدى الإسلام السياسي واستعداده للدخول من حيث انتهت حركة "فتح"، وقبوله دوراً استخدامياً للاعبين إقليميين، من شأن ذلك العودة إلى البداية الصفرية، وفتح الأبواب أمام بدائل من داخل فلسطين وخارجها، وإغلاق الأبواب أمام حق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه في تقرير المصير. أما دخول حركة "حماس" إلى الحيز، فهو الأوفر حظاً، بعد أن قطعت شوطاً بحسب وثيقتها السياسية في سنة 2017 في الدخول. ثمة حاجة ماسة إلى عقد وطني اجتماعي فلسطيني جديد نابع من مصلحة الشعب الوطنية والمدنية في مختلف أماكن تواجده.