"شرق أوسط جديد" على أنقاض النظام العربي؟
التاريخ: 
30/03/2022
المؤلف: 

 "للأسف أضعنا هذه الأعوام الثلاثة والأربعين (منذ أبرمت مصر وإسرائيل معاهدة السلام)، خسرنا على مدار هذه الأعوام معرفة بعضنا البعض بشكل أفضل والعمل معا، وتغيير السردية التي نشأت عليها أجيال من الإسرائيليين والعرب..ما نحاول بلوغه اليوم هو تغيير هذه السردية وخلق مستقبل مختلف..إسرائيل جزء من هذه المنطقة منذ وقت طويل لكننا لم نتعرف على بعضنا البعض، لذلك حان الوقت لتدارك ما فاتنا".

من خطاب وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في قمة النقب.

"إن كل عائلة في إسرائيل لديها شخص من دم مغربي.. هذه ليست مزحة، هذا واقع".

من خطاب وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في قمة النقب[1].

من يستمع إلى هذه الكلمات، وغيرها التي قيلت في قمة النقب، يجيب بالإيجاب عن السؤال المطروح أعلاه، ويخلص إلى أن علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل قد تجاوزت مستوى التطبيع السياسي وإقامة العلاقات الدبلوماسية، وتحوّلت إلى علاقات تحالف وثيق متعدد الأبعاد، بما في ذلك في المجال الأمني، وهو ما قد يؤشر لقيام نظام شرق أوسطي جديد على أنقاض النظام العربي الذي تجسده جامعة الدول العربية، والتي يبدو أنها باتت في حالة موت سريري.

تعزيز شرعية إسرائيل الجديدة

تحت عنوان: "قمة النقب شاهد على الشرعية الإسرائيلية الجديدة"، عرض ديفيد هوروفيتش، رئيس تحرير موقع "تايمز أوف إسرائيل"، تصوّره لأهداف قمة النقب التي جمعت وزيري خارجية إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية مع وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين والمغرب يومي 27 و 28 آذار/مارس الجاري، فقدّر أن "التعزيز الواضح لشرعية إسرائيل الإقليمية لا يتجلى فقط في المكان الذي تم اختياره لعقد هذه القمة، ولكن أيضاً في الأجندة التي تكمن في صميمها - الجهود المبذولة للجمع بين وتشكيل تحالف فعال ضد إيران، وهو تهديد مشترك لـكل الممثلين الحاضرين"، مضيفاً أنه، كما هو الحال أيضاً مع "اتفاقيات إبراهيم"، فإن المملكة العربية السعودية، ذات الوزن الثقيل الإقليمي، "لن تكون حاضرة فعلياً خلال هذا الاجتماع يومي الأحد والاثنين، لكنها ستكون في الروح - وسيكون تأثيرها قوياً وراء الكواليس"، ذلك إن إسرائيل واالسعودية "يعملان على تعزيز الوحدة الإقليمية ضد طهران بطرق عملية، من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتطوير التحذيرات الصاروخية الإقليمية، وأنظمة الدفاع وما شابه"، وخصوصاً أن السعوديين "يشاركون القلق العميق من طهران التي ستجد نفسها في نهاية المطاف مشجعة ومدعومة بالاتفاق الذي يجري حالياً تشكيله"، وهم، مع شركاء إسرائيل الجدد، "يخشون أن تستخف واشنطن بالأخطار التي تشكلها إيران".

واعتبر هوروفيتش أن مكان انعقاد القمة ينطوي على أهمية رمزية كبيرة، ذلك إن كيبوتس "سديه بوكير" في صحراء النقب هو المكان الذي أقام فيه دافيد بن غوريون ودُفن فيه، وإن اجتماع الوزراء العرب في مثل هذا المكان المهم "يؤكد بطريقة مدهشة ورمزية للغاية على شرعية إسرائيل والأهمية الإقليمية للدولة اليهودية" بالنسبة لشركاء الدولة العرب، الذين "سيعطون قيمة جديدة للعلاقات مع إسرائيل - هذه الدولة التي كانت عزيزة جداً على قلب بن غوريون، الذي كافح من أجل تحقيقها"[2].

حلم شمعون بيريس يتجسد

ومن جهته، رأى ألوف بن، رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، في قمة النقب تجسيداً لـ "حلم المبادرين للعملية السلمية قبل ثلاثين عاماً" و لـ "الشرق الأوسط الجديد" الذي تخيّله شمعون بيريس على أساس قيام "تعاون مكشوف بين إسرائيل ودول المنطقة على قاعدة المصالح المشتركة، دون صلة بوضع الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي أو بحل شامل للنزاع"، مؤكداً أنه لا يتوجب "الاستخفاف بالمعنى الرمزي لاختيار المكان"، ذلك إن دافيد بن غوريون "ليس هو "العجوز" المحبوب و"أبو الأمة" مثلما هي صورته في إسرائيل، بل هو المسؤول الأول عن نكبة 1948، الشخص الذي أشرف على إبعاد اللاجئين من إسرائيل ومصادرة أراضيهم وقمع الذين بقوا"[3]. أما المحلل السياسي بن كاسبيت فقد اعتبر، في صحيفة "معاريف"، أن  مصطلح "شرق أوسط جديد" الذي مات مع شمعون بيريس، لأن رؤيته "كانت سابقة لأوانها، والشرق الأوسط لم يكن جديداً بالشكل الكافي"، تجري اليوم محاولات لإحيائه، ذلك إن الظروف نضجت، وبات هناك "مزيج من الأوضاع الجيو - سياسية الدرامية التي غيّرت المنطقة جذرياً؛ فالحدث الذي يجري في سديه بوكير جدي، وهو يختلف كلياً عن الأحداث المزيفة التي جرت في التسعينيات، والحديث هنا يدور حول حدث حقيقي، ولا يجب نسيان ذلك"[4].

وفي الاتجاه نفسه، توقع المحلل السياسي في موقع "فرانس أنتر"، جان مارك فور، أن تقوم قمة النقب بإعادة "توزيع الأدوار في جميع أنحاء الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وهذا التغيير يتسارع مع الحرب في أوكرانيا"، ذلك إن "أعداء الأمس" أصبحوا "حلفاء يوحدهم الخوف من الخصم نفسه: إيران"، مقدّراً أن المشاركين في القمة ناقشوا "بلا شك مسألة التعاون العسكري والجوي والسيبراني ضد العدو المشترك"، وأن الولايات المتحدة الأميركية تلعب في هذا المشهد "دوراً  ثانوياً"، ذلك إن "الحركة الأساسية مختلفة تماماً: في المنطقة، يتراجع النفوذ الأمريكي، ولم يعد يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها الحامي الطبيعي، خاصة وأن أولويتها الآن هي اتفاق مع إيران". وتابع المحلل نفسه أن الحلفاء التقليديين لواشنطن، هم اليوم "في طور التحرر" إزاءها، ويرافق هذا التحرر "ظهور دينامية إقليمية جوهرية، تكاد تكون مستقلة عن القوى العظمى التقليدية"، وتقترن "بالمصالح الاقتصادية الإقليمية المشتركة: التجارة والتكنولوجيا واستغلال الغاز في البحر الأبيض المتوسط"، وهو ما يفسر، في نظره، التطور الأخير الذي طرأ على العلاقات الإسرائيلية-التركية، وخصوصاً بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ إلى أنقرة[5].

تعزيز بنية الأمن الإقليمي

قدّر ليويل جوزانسكي ، كبير المحللين في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب ، أن اجتماع النقب "يظهر شيئين في وقت واحد: أن القضية الفلسطينية في أسفل جدول الأعمال، وأن هناك ما هو أكثر إلحاحاً منها مثل إيران"، و "أن هناك فاعلين في المنطقة متحدون في مواجهة مخاطر طهران". وكان مسؤول مقرّب من وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد قد صرّح، عشية انعقاد قمة النقب، أو "قمة إيران" كما أسماها بعض المحللين، أن المشاركين فيها سيناقشون "تطوير هيكل أمني إقليمي"  يكون قادراً على التصدي "للتهديدات الجوية والبحرية والقرصنة".

وفي ختام القمة، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد أن "ما نقوم به هنا اليوم هو اختراق تاريخي؛ بناء هيكل إقليمي جديد يقوم على أساس التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون الاستخباراتي"، وأضاف أن "هذا الهيكل الجديد والقدرات المشتركة التي نبنيها ستعمل على ترهيب وردع أعدائنا المشتركين، وفي مقدمتهم إيران ووكلاؤها،الذين لن يوقفهم التردد بل العزيمة والقوة"، مشيراً إلى أن قمة النقب ستصبح "منتدى سنوياً يجمع رؤساء الدبلوماسية الحاضرين في هذا الاجتماع الأول، وسيمكّن من توسيع المشاركة" [6].

وبغية ربط الأقوال بالأفعال، وبينما كانت قمة النقب منعقدة، كان وفد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى يزور المغرب ويجتمع مع قادة الجيش المغربي الذين استعرضوا "هيكلية قوات الأمن المغربية، والتحديات التي تواجهها، وبحثوا الروابط التاريخية والثقافية بين الدولتين والمصالح المشتركة في منطقة الشرق الأوسط، حيث أبدوا رغبتهم في تطوير التعاون العسكري"، في حين تطرق الوفد العسكري الإسرائيلي إلى "فرص التعاون العسكري في مجالات التدريب والتأهيل بالإضافة الى المجالات العملياتية والاستخباراتية"، وتمّ في ختام هذه الزيارة توقيع مذكرة تعاون عسكري بين إسرائيل والمغرب "تشمل عقد لجنة عسكرية مشتركة للتوقيع على خطة عمل ثنائية"[7].

وغداة التوقيع على مذكرة التعاون العسكري هذه، وعقب مباحثات أجراها مع وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة، تعهد يائير لبيد، في تغريدة على الحساب الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية على "تويتر"، بأن تدافع إسرائيل عن سيادة المغرب ووحدته الإقليمية، وأكد  "سنعمل معا، وفي إطار علاقة مميزة، على مواجهة المحاولات الرامية إلى المس بسيادة أراضي المملكة المغربية ووحدتها الترابية، فضلاً عن الاعتداءات على البحرين والإمارات العربية المتحدة"[8].

قمة النقب هي "هجمة قاسية على الفلسطينيين"

على الرغم من أن السلطة الفلسطينية امتنعت عن توجيه انتقادات علنية  للمشاركين العرب في قمة النقب، إلا أن وزارة الخارجية الفلسطينية أشارت إلى أن إسرائيل تستغل القمة "لتجنب الاضطرار إلى معالجة القضية الفلسطينية"، و "للتستر على أعمالها الاستيطانية والضم، كما تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية"، واصفة

القمة بأنها "هجمة قاسية" على الفلسطينيين. وخلال لقائه وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في رام الله، يوم الأحد في 27 آذار/مارس الجاري، انتقد الرئيس الفلسطيني سياسة "الكيل بمكيالين" من جانب الغرب، الذي "سارع إلى التذرع بالقانون الدولي لفرض عقوبات على روسيا لغزوها أوكرانيا، ولكن ليس على إسرائيل بسبب جرائمها في الأراضي الفلسطينية"، التي "ترقى إلى التطهير العرقي والتمييز العنصري والتي اعترفت بها المنظمات الدولية لحقوق الإنسان"، مضيفاً أنه "لا يمكن التسامح مع ما يحدث في فلسطين،  ولا يمكن الاستهزاء بالقانون الدولي، ونتساءل عما إذا كانت هيمنة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وإهانة كرامته وانتهاك حقوقه المشروعة، يمكن أن تستمر دون اتخاذ إجراءات". ووفقاً لرواية نشرتها الإدارة الأميركية، أكد بلينكن خلال اللقاء، "أن إدارة بايدن ملتزمة بحل الدولتين، لكن الطرفين متباعدان للغاية، ولذا سنواصل عملنا خطوة بخطوة لمحاولة التقريب بينهما؛ سنحاول ضمان منع الإجراءات التي يتخذها جانب أو آخر والتي يمكن أن تزيد التوترات"[9].

وكان الوزير بلينكن قد عبّر، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت قبل توجهه إلى رام الله، عن الهدف الحقيقي الذي يتوخاه من لقائه الرئيس الفلسطيني عندما قال: "إنه سيبحث معه عن تحسن ملموس في حياة الفلسطينيين، وسيناقشان سبل تخفيف التوترات وضمان سلام في رمضان وعطلة عيد الفصح"، بينما أعلن بينت عن زيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل للفلسطينيين في قطاع غزة من 12000 إلى 20000 تصريح. وفي لقائه مع محمود عباس، أعاد بلينكن التأكيد على أن بلاده ركّزت جهودها خلال الفترة الأخيرة "على إيجاد سبل ملموسة لتحسين جودة ونوعية الحياة للفلسطينيين، وتشمل أيضاً إعادة الانضمام للأونروا، وتقديم نصف مليار من المساعدات الإنسانية في العام الماضي"، وأضاف أن هذا الدعم المقدم "ليس فقط اقتصادياً، بل نحن نركز على الحقوق المدنية للفلسطينيين وحقوق الإنسان وأيضاً دعم المجتمع المدني"، معرباً عن أمله في "أن يمر رمضان المبارك، وعيد الفصح المسيحي، وعيد الفصح اليهودي، بسلام ودون أي أعمال عنف"[10].

وختاماً، وبغض النظر عن إشارة أنتوني بلينكن إلى تمسك بلاده بـ "حل الدولتين"، وإعلان بعض الوزراء العرب في قمة النقب التزامه اللفظي بهذا الحل، بغية تبرير مشاركته في أعمالها، فإن من الواضح أن زعماء إسرائيل قد نجحوا في تغييب القضية الفلسطينية عن جدول أعمال قمة النقب، وهو ما أقرّ به رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" في مقاله المشار إليه، والذي قدّر فيه أن على زعماء إسرائيل "أن لا يوهموا أنفسهم بأن النزاع سيحل من تلقاء نفسه أو سيتم طمسه تحت أكوام مساحيق التجميل في الصور الرسمية"، وخصوصاً أن "العملية في بئر السبع، غير بعيد عن مكان عقد القمة والتحذيرات الموسمية عن توتر في شهر رمضان تذكّر بأن الشرق الأوسط القديم ما زال موجوداً ولم يذهب إلى أي مكان".   

 

[1] https://www.bbc.com/arabic/trending-60914071

[2] https://fr.timesofisrael.com/le-sommet-du-neguev-montre-la-nouvelle-legitimite-disrael/

[3] https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1534b50dy355775757Y1534b50d

[4] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/28-3-2022.pdf

[5] https://www.franceinter.fr/emissions/le-monde-d-apres/le-monde-d-apres-de-jean-marc-four-du-mercredi-23-mars-2022

[6] https://www.aa.com.tr/fr/monde/isra%C3%ABl-le-sommet-du-n%C3%A9guev-devient-un-forum-annuel/2548134

[7] https://www.alquds.co.uk/جيش-الاحتلال-يعلن-توقيع-المغرب-وإسرائ/

[8] https://www.infomediaire.net/israel-sengage-a-defendre-la-souverainete-et-lintegrite-territoriale-du-maroc/

[9] https://fr.timesofisrael.com/le-sommet-du-neguev-est-une-attaque-dure-contre-les-palestiniens-dit-lap/

[10] https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=15347d54y355761492Y15347d54