قطار التطبيع الرسمي العربي-الإسرائيلي يتسارع: البحرين، بعد المغرب، توقّع اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل
التاريخ: 
07/02/2022
المؤلف: 

يبدو أن قطار التطبيع بين بعض الدول العربية، وخصوصاً في الخليج، وإسرائيل قد فقد كوابحه، وهو يواصل سيره مسرعاً على سكك عديدة أمنية وسياسية واقتصادية.

فبعد مملكة المغرب، التي أبرمت قبل أشهر اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل، ها هي مملكة البحرين تحذو حذوها، وتوقع اتفاقاً أمنياً مع إسرائيل خلال الزيارة التي قام بها وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس إلى المنامة في في مطلع شهر شباط/فبراير الجاري، برفقة قائد سلاح البحر اللواء ديفيد سلمه، وهي الزيارة التي تزامنت مع صدور تقرير منظمة العفو الدولية الذي وصف نظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة بأنه "نظام هيمنة قاسِ وجريمة ضد الإنسانية".

من تطبيع سياسي إلى تعاون متعدد الأوجه

في 11 أيلول/سبتمبر 2020، وبعد شهر من اتفاق التطبيع السياسي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، أُعلن في البيت الأبيض عن توصل البحرين وإسرائيل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما بصفته "خطوة تاريخية نحو السلام في الشرق الأوسط" كما صرّح بذلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معتبراً أن "فتح حوار مباشر حول إنشاء روابط بين هذين المجتمعين الديناميكيين والاقتصادات المتقدمة سيساعد على تأكيد التحول في الشرق الأوسط وزيادة الاستقرار والأمن والازدهار في المنطقة". أما رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، فقد توجّه إلى مواطني إسرائيل، في هذه المناسبة، بقوله: "أبلغكم، وأنا في حالة تأثر، أننا الليلة سوف نتوصل إلى اتفاق سلام آخر مع دولة عربية أخرى، البحرين. هذا الاتفاق يضاف إلى السلام التاريخي مع الإمارات العربية المتحدة"[1].

ولم تمضِ سوى أسابيع قليلة على ذلك الإعلان، حتى كان رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات يقوم، في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2020 ، بزيارة رسمية إلى البحرين، برفقة وزير الخزانة الأميركي ستيف منوشين، لتوقيع عدد من بروتوكلات التعاون بين البلدين. وفي مطار بن غوريون، وقبل مغادرته إلى المنامة، أدلى بن شبات بتصريح جاء فيه: "أنا سعيد وفخور بقيادة الوفد الإسرائيلي الذي يغادر اليوم لإجراء محادثات في البحرين. نحن ذاهبون إلى هناك لوضع إعلان السلام الذي تم التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية البحريني الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني، نيابة عن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في إطار خطط عملية واتفاقيات ملموسة. إذ سنناقش اليوم في فرق ومجموعات عمل محترفة مجموعة طويلة من المواضيع: التمويل والاستثمار، التجارة والاقتصاد، السياحة، الطيران، الاتصالات، الثقافة، العلوم، التكنولوجيا، الزراعة وغيرها". وبالفعل، فقد أسفرت زيارة الوفد الإسرائيلي إلى البحرين آنذاك عن توقيع سبع مذكرات تفاهم بين إسرائيل والبحرين، وعن اتفاق "حول إقامة علاقات دبلوماسية وسلمية وودية بين مملكة البحرين ودولة إسرائيل". أما مذكرات التفاهم، فقد اشتملت على مذكرة تفاهم بين الحكومتين حول التعاون الاقتصادي والتجاري، وحول الطيران المدني، وبين وزارتَي المالية في الدولتين، وحول الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والخدمات البريدية، وحول الزراعة والتنمية الريفية، كما تمّ التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارتَي الخارجية في البلدين حول الإعفاء من التأشيرة للدبلوماسيين ولحاملي الجوازات الخاصة وجوازات الخدمة[2].

الاتفاق الأمني بين البحرين وإسرائيل

وصل وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس إلى البحرين مساء الأربعاء في 2 شباط/فبراير الجاري، بعد رحلة على متن طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي عبرت المجال الجوي السعودي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تهبط  فيها طائرة عسكرية إسرائيلية رسمياً في البحرين بعد تحليقها فوق الأجواء السعودية، على الرغم من تسيير رحلات جوية مدنية إسرائيلية في الماضي.وفي حديثه للصحفيين بعد وقت قصير من هبوط الطائرة في المنامة، قال المدير السياسي لمكتب الوزير الإسرائيلي زوهار بالتي، "إن طبيعة الرحلة كانت علامة فارقة في حد ذاتها، ذلك إن الهبوط هنا، مع وزير دفاع دولة إسرائيل على متن طائرة عسكرية، هو أمر تاريخي حقًا. كما أن الهبوط رسمياً بطائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية في المنامة، على بعد 200 كيلومتر من إيران، هو أيضاً إشارة قوية لطهران توضح التحالف المتنامي الذي يتشكل ضدها والذي يضم اليوم في صفوفه إسرائيل والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة". واعتبر بالتي "أن البعد الأمني ​​للعلاقات مع البحرين كان ذا أهمية قصوى"، مضيفاً: "أن قيام وزير الدفاع والوفد المرافق له بالرحلة، بعد أن كان وزراء آخرون هناك بالفعل وأقاموا علاقات اقتصادية ومدنية، هو نقطة إيجابية".وخلال تلك الزيارة، وقّع بني غانتس مع وزير الدفاع البحريني عبد الله بن حسن النعيمي، بحضور القائد العام لقوة دفاع البحرين خليفة بن أحمد آل خليفة، اتفاقاً يرمي إلى "تعزيز التعاون الاستخباراتي وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة وتحقيق تعاون بين قطاعي الصناعات الدفاعية للبلدين". وأعلن غانتس في بيان، تعليقاً على الاتفاق، أنه "بعد عام واحد فقط من توقيع اتفاقيات [التطبيع]، توصلنا إلى اتفاق دفاعي مهم، سيتيح تعاوناً وثيقاً بيننا ومن شأنه أن يسهم في أمن البلدين واستقرار المنطقة".وعقب التوقيع على الاتفاق، التقى الوزير الإسرائيلي ولي العهد ورئيس الوزراء البحريني سلمان بن حمد آل خليفة، والملك حمد بن عيسى آل خليفة. ثم قام بزيارة مقر الأسطول الأميركي الخامس، في المنامة، وصرّح بأن "تعميق التعاون سيسمح لنا بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي وتعزيز المصالح المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة والبحرين"، مضيفاً: "أكدنا مرة أخرى التزامنا بالوقوف متحدين في الدفاع عن سيادة شركائنا الإقليميين بالإضافة إلى السلام والاستقرار في المنطقة"، ثم كتب في تغريدة "وسط التهديدات البحرية والجوية المتزايدة، أصبح تعاوننا الصارم أكثر أهمية من أي وقت مضى"[3]. وكانت قد انطلقت في 31 كانون الثاني/يناير الفائت من البحرين أكبر مناورة بحرية في منطقة الشرق الأوسط، بقيادة الأسطول الخامس الأميركي، شارك فيها أكثر من 50 سفينة حربية من نحو 60 دولة ومنظمة دولية، كان من ضمنها إسرائيل وعدد من الدول العربية.

منطقة الخليج: توتر متزايد وتهديدات أمنية متصاعدة

يأتي توقيع هذا الاتفاق الأمني على خلفية توتر متزايد بين إسرائيل والبحرين، من جهة، وإيران، من جهة أخرى، ووسط تهديدات أمنية متصاعدة تشهدها منطقة الخليج جراء استمرار الحرب في اليمن. وقد كشفت صحيفة "إسرائيل ديفنس" أن سبب زيارة بني غانتس إلى البحرين قد يكون "أكبر من مجرد تنسيق التدريبات مع الولايات المتحدة التي يقع مركز قيادة أسطولها الخامس في البحرين"، وأن هدفها الأساسي "قد يتمثل في تخصيص ميناء بالمملكة للبحرية الإسرائيلية لمواجهة إيران"، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي "تبنى منذ عهد أول رئيس وزراء لإسرائيل، ديفيد بن غوريون، مفهوم نقل المعركة مع العدو إلى أراضيه"، وأنه: "مثلما قَدِم الإيرانيون إلى سوريا تريد إسرائيل الوصول إلى طهران"[4]. أما اللواء الإسرائيلي في الاحتياط أليعيزر مروم، فقد أشار، في مقال بعنوان: "الزيارة إلى البحرين: فرصة لتعزيز العلاقات وردع زعماء إيران" ("يسرائيل هَيوم"، 4/2/2022)، إلى أن زيارة بني غانتس إلى البحرين "هي زيارة تاريخية وإحدى نتائج اتفاقات أبراهام الآخذة في الازدياد مع مرور الزمن"،  وأن تعاون إسرائيل الأمني مع البحرين "التي تبعد مسافة 140 ميلاً عن إيران، يمكن أن يكون مفيداً على عدد من المستويات؛ صحيح أنه من الصعب أن تسمح البحرين للسفن الإسرائيلية بالعمل انطلاقاً من أراضيها في وقت قريب، لكن توقيع اتفاق سري، وإمكان جمع معلومات استخباراتية هو أمر مؤكد. في المقابل، ستحصل البحرين على قدرات تكنولوجية عسكرية لم تعرفها من قبل، وعلى مظلة دفاعية في مواجهة التهديد الإيراني"[5].

وختاماً، وإذا ما تركنا جانباً حقيقة أن تعمق التعاون الأمني الاستراتيجي بين البحرين وإسرائيل يتناقض بصورة كلية مع مصالح الشعب الفلسطيني، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: هل تحوّل البحرين إلى نقطة انطلاق لمشاريع إسرائيل الحربية في المنطقة يصب في خدمة مصالح الشعب البحريني الشقيق؟ 

 

[1] https://www.france24.com/fr/20200911-isra%C3%ABl-et-bahre%C3%AFn-annoncent-un-accord-historique-de-normalisation-de-leurs-relations

[2] https://embassies.gov.il/paris/NewsAndEvents/Pages/Israel-et-Bahrein-signent-des-Memorandums-d'accords.aspx

[3] https://fr.timesofisrael.com/israel-signe-un-accord-de-securite-avec-bahrein-le-second-avec-une-nation-arabe/

https://lobservateur.info/article/101836/monde/israel/bahrein-israel-accord-de-defense-et-message-a-liran

[4] https://sdarabia.com/2022/02/البحرين-تبرم-اتفاقا-لتعزيز-التعاون-ال/

[5] https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/4-2-2022.pdf