تدهورت الأوضاع المعيشية في لبنان، بعد انهيار الليرة مقابل الدولار، وهو ما أثّر في أسعار البضائع والمواد الأساسية، وكذلك في الدخل الشهري للأفراد والأُسر. ونتج من ذلك ارتفاع في معدلات البطالة والفقر، ولا سيما في البيئات والفئات الأكثر تهميشاً، ومنها اللاجئون الفلسطينيون داخل المخيمات وخارجها. بات الفلسطيني يعاني الأمرّين، اللجوء والفقر، وفاقم تفشّي فايروس كورونا التحديات لتوفير المال اللازم لمعيشتهم.
وبين الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان، والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والخدماتية، وخصوصاً أسعار الأدوية التي ازدادت أكثر من 300 في المئة، يصارع اللاجئ الفلسطيني من أجل تأمين الخدمات اللازمة لاستمرار حياته ضمن الحدود الدنيا، كالحصول على الخدمات الطبية بكرامة من الجهات المعنية؛ كالأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
سميح محمود، مصور فلسطيني، مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت
بين المرض والموت
تعاني اللاجئة الفلسطينية إلهام دكور[1] في مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا جنوب لبنان، والتي اكتشفت إصابتها بسرطان الأمعاء في سنة 2018، جرّاء فقدان علاجها، وإذا وجدته بصعوبة فإنها تضطر إلى دفع ثمنه بالدولار، وليس بالليرة اللبنانية كما كانت معتادة، وقالت دكور لموقع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" إن "الدواء الذي كنت أحصل عليه بسعر مليون ليرة (نحو ٦٦٦$ على سعر الصرف الرسمي ١٥٠٠ل ل)، أصبحت مرغمة على دفع ثمنه بين 500 و 700 دولار شهرياً. بالإضافة إلى أن بعض الأدوية، كالمستلزمات الطبية الخاصة بمرضى السرطان، غير موجودة في الصيدليات، والشركات الطبية تطلب دفع ثمنها بالدولار مقابل تأمينها." وأضافت دكور، أن "الأونروا كانت تغطي ٥٠ في المئة من قيمة بعض الأدوية، ومنذ تموز/يوليو الماضي، أصبحت نسبة التغطية لا تتجاوز الـ ٢٥ في المئة. كما أن الأونروا بلّغتني في الآونة الأخيرة، خلال المراجعة الأخيرة، أنني قد وصلت إلى الحد الأقصى من المساعدة".
وتقول دكور، بكل حسرة: "إذا دوائي غالي الثمن وصعب المنال، فماذا أفعل؟ يعني أقول للمرض: لو سمحت وقّف شوي عشان الأونروا وصلتني للحد الأقصى أو وقّف أخد أدوية"، وتستدرك السيدة الخمسينية "طبعاً عدم أخذ الأدوية سيوصلني إلى مرحلة خطِرة، يعني ممكن الضغط يرتفع، والسكري أيضاً، ولا قدر الله، ينتشر المرض، أو حتى الوجع ما يوقف، بالإضافة - غير أن الأعمار بيد الله – إلى أنني ممكن أموت إذا ما أخذته".
إلهام دكور ليست وحدها التي تعاني، فهي واحدة من مئات الحالات المرضية في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فما هو دور الأونروا في ظل الظروف الراهنة؟
الأونروا بين السعي والتقليص
تقدم الأونروا الرعاية الصحية الأولية ضمن 27 مركزاً صحياً موزعين في كل المناطق اللبنانية، أمّا خدمات الاستشفاء الكبيرة، كالعمليات الجراحية، فتقدمها من خلال عقود مع مستشفيات خاصة وحكومية لبنانية عدة، وقد أعلنت الوكالة أخيراً تعاقدها مع مستشفيات جديدة في مناطق متعددة من لبنان.
وتغطي الأونروا الحالات الصحية للاجئين الفلسطينيين عبر تغطية كاملة تقريباً لاستشفاء المريض، ومستوى تغطي فيه نسبة من المبلغ المالي المترتب على المريض ليبقى جزء آخر يدفعه اللاجئ الفلسطيني، والذي يشكل عبئاً ثقيلاً عليه في الظروف الاقتصادية الراهنة في لبنان.
وقلصت الأونروا بعض خدماتها الطبية المقدمة بسبب نقص الموارد كما أعلنت غير مرة في بيانات وتصريحات صحافية عدة، وأكد المسؤول الإعلامي للوكالة في لبنان فادي الطيار لموقع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" أن "الأونروا ليس لديها حالياً الموارد الكافية لتغطية الحاجات الصحية للاجئين الفلسطينيين بصورة كاملة، لذا يضطر المرضى الأكثر حاجة وعائلاتهم، في الغالب، إلى طلب المساعدة من المؤسسات المحلية أو فاعلي الخير." وأضاف الطيار أن "الوكالة أنشأت صندوق حالات العسر الشديد، وهو صندوق استشفاء تكميلي، يساعد المرضى الأكثر حاجة على الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه بطريقة مستدامة وكريمة." وعلى الرغم من الأزمة المالية الحادة في سنة 2021، أشار الطيار إلى أن "الأونروا لم تقلص خدماتها الصحية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتبذل أقصى جهودها لمنع حدوث ذلك. كما تقوم حالياً بتكثيف الجهود لحشد التمويل من مصادر متعددة، لتقديم مساعدات نقدية إضافية لتخفيف المعاناة التي يواجهها اللاجئون"، وخلال اللقاء مع الطيار أكد أن "الأدوية متوفرة للمرضى الذين يزورون العيادات الـ27 الموجودة في لبنان، مشيراً إلى أن الوكالة لم تتأثر على هذا الصعيد".
وعن دور الأونروا في مكافحة جائحة كورونا، شدد الطيار على أن "الجائحة تشكل مصدر قلق في جميع المخيمات الفلسطينية، كونها بيئات مكتظة"، مضيفاً أن الأونروا "انخرطت ولا تزال في حملة إعلامية واسعة لتعزيز الثقة بلقاحات فيروس كورونا، وتشجيع اللاجئين الموجودين في المخيمات وأماكن أُخرى في لبنان على التسجيل على منصة وزارة الصحة العامة لأخذ اللقاح، وذلك من خلال نشر الوعي بفوائد اللقاح، وكيفية التسجيل على المنصة".
في موازاة ذلك، تعمل الأونروا، بحسب الطيار، على زيادة الوعي بضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية للحد من انتشار هذا الفيروس. كما تواصل متابعتها المستمرة للحالات ومساعدة الحالات الفردية، وتغطي الوكالة تكاليف الفحوصات والاستشفاء لمرضى كوفيد-19 عند الحاجة.
وفي ظل الانتشار السريع للفيروس في لبنان، وكذلك متحور "أوميكرون" الذي يُعتبر أحد أسرع المتحورات انتشاراً، فما هي الخطط والوسائل لحماية أبناء المخيمات الفلسطينية؟
الهلال الأحمر ومحاربة كورونا
تعمل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان على تقديم خدماتها الطبية عبر مستشفياتها ومراكزها المنتشرة داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها، إذ تعتبر إدارة الجمعية في لبنان أنه في وضع لبنان الذي يعاني صعوبات في تأمين المواد واللوازم الطبية، لا بد من أخذ الأمور بجدية أكثر.
وأكد المدير العام للهلال الأحمر في لبنان الدكتور سامر شحادة أن الجمعية تعتمد في مواجهة الكورونا على "التخفيف من التجمعات إلى أقصى حد ممكن، والالتزام بشكل أكبر بالإجراءات الوقائية، والتشديد على دعوة اللاجئين إلى أخذ اللقاحات المضادة للفيروس وجرعاتها الداعمة أيضاً، وأضاف شحادة أن الهلال الأحمر الفلسطيني "يقوم بتشغيل مركز لمعالجة الكورونا في مستشقى الشهيد محمود الهمشري في صيدا جنوب لبنان، بسعة 16 سريراً للعناية الفائقة، و6 أسرة للحالات الخفيفة، ومنذ بداية هذا العام، تم تشغيل قسم لمعالجة مصابي كورونا في مستشفى صفد في مخيم البداوي في مدينة طرابلس شمال لبنان، بسعة 8 أسرة للعناية الفائقة و7 أسرة عادية".
وتقوم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان بإجراء فحوص عشوائية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية كل فترة للوقوف عند حالة التفشي في أوساط اللاجئين الفلسطينيين، وذلك لامتلاك الجمعية أجهزة الكشف عن الفايروس في مستشفى الهمشري ومستشفى صفد ومستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة في بيروت، وأوضح الدكتور سامر شحادة لموقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن الأجهزة ستتوفر أيضاً خلال العام الجاري في "مستشفى الناصرة في منطقة البقاع، وفي مستشفى الشهيد ياسر عرفات في مخيم البص في مدينة صور جنوب لبنان، والذي لا يزال في قيد الإنشاء." وأشار شحادة إلى أن الأجهزة المتوفرة لدى الهلال الأحمر الفلسطيني لا تشمل متحور أوميكرون، فالفحص الخاص بهذا المتحور متوفر فقط في مستشفى الجامعة الأميركية.
بين الأونروا والهلال الأحمر
التعاون الطبي بين الأونروا وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني قائم منذ وقت طويل، وتعزَّز خلال جائحة كورونا، ويوضح الدكتور شحادة أن "الوكالة تغطي تكلفة علاج مرضى كورونا في الوقت الحالي في مستشفى الشهيد محمود الهمشري في صيدا، لوجود القسم الخاص بالعلاج، كما أنها تدعم الجمعية بكميات من الألبسة الواقية، كالبدلات والقفازات والكمامات، بالإضافة إلى تزويد الجمعية بكميات من فحوصات الـ " PCR.
تستمر الجهات المسؤولة عن الوضع الصحي والطبي للاجئين الفلسطينيين في العمل من أجل تقديم خدمات استشفائية جيدة وتحفظ كرامة اللاجئين، بحسب إمكانات كل جهة، هذه الإمكانات التي تبدو قليلة مقارنة بمتطلبات اللاجئين مع عودة تفشّي الكورونا في لبنان والأزمة الاقتصادية التي يمر بها منذ نحو عامين، تضع اللاجئ الفلسطيني في لبنان أمام خيارين، إمّا قبول الاستشفاء المتوفر وإمّا الاستسلام للمرض والموت في حال كان المرض خطيراً كما حدث مع السيدة إلهام دكور.
[1] توفيت السيدة إلهام دكور في ١٩/١ بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وكنا أجرينا المقابلة معها قبل نحو 15 يوما من وفاتها.