سجن الدامون: واقع الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال
التاريخ: 
07/01/2022
المؤلف: 

تواصل سلطات الاحتلال احتجاز أربعة وثلاثين أسيرة فلسطينية حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر 2021، في ظل انعدام الظروف الإنسانية وتردّي الأوضاع المعيشية في سجن الدامون القابع على جبل الكرمل في الداخل الفلسطيني المحتل. وعلاوة على ذلك، تمارس إدارة مصلحة السجون والاستخبارات سياسات تعسفية وغير قانونية بحقهن، لردعهن عن السعي الحثيث لتحصيل الحقوق والمطالب، وارتفعت وتيرة التضييقات بعد نجاح ستة أسرى في انتزاع حريتهم من سجن جلبوع في السادس من أيلول/ سبتمبر.

 

عمل فني لحنين نزال

 

وثّقت مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الأسيرات الفلسطينيات في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر. بعد أن رفضت أسيرات الغرفة 11، ذوات الأحكام العالية، التفتيش الليلي من طرف إدارة المعتقل، نظراً إلى سوء الأحوال الجوية وتأخُّر الوقت، لتقوم إدارة السجن بقطع التيار الكهربائي عن القسم بالكامل والاعتداء على الأسيرات اللواتي رفضن الخروج إلى الساحة، وذلك بالضرب والسحل وإخراجهن بالقوة. بعد ذلك، جرى عزل نائبة ممثلة الأسيرات شروق دويات المحكومة بالسجن مدة 16 عاماً.

أبدت الأسيرات مساندتهن ورفضهن عزل دويات، بواسطة الطَرق على الأبواب في اليوم التالي، فقامت إدارة السجن باقتحام القسم وتفتيشه وسحب الأدوات الكهربائية، ثم بلّغت الأسيرات بقرار إعادة توزيعهن في الغرف وإجراء تنقلات فيما بينهن كل ستة أشهر، وبعد أن رفضت ممثلة الأسيرات مرح بكير القرار قاموا بعزلها وعزل الأسيرة منى قعدان.

في إثر ذلك، أعلنت الأسيرات نورهان عواد وميسون جبالي وشاتيلا عياد إضرابهن عن الطعام، تزامناً مع قيام إدارة السجن بإغلاق كافة مرافق القسم على الأسيرات ومنعهن من الخروج إلى الساحة، أو الذهاب للاستحمام، وحاولت إدارة مصلحة السجون الضغط عليهن من خلال نقل الأسيرتين دويات وقعدان إلى عزل سجن جلبوع، بينما نُقلت بكير إلى عزل سجن الجلمة.

وقالت الأسيرات لمؤسسة الضمير إن ظروف العزل سيئة للغاية ولا تتوفر فيها الخصوصية، إذ وُضعت الأسيرة مرح بكير في زنزانة محاطة بالكاميرات، لذلك، لم تتمكن من الاستحمام طوال أيام العزل، فطالبت بنقلها إلى زنزانة لا يوجد فيها كاميرات، لكنهم رفضوا مطلبها.

وأفادت الشهادات بأنه تم وضع كلّ من الأسيرتين شروق ومنى في زنزانة ضيقة تبلغ مساحتها 2*2 متر مربع وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ومرحاضها أرضي ويفتقر إلى الخصوصية؛ وكانت إدارة السجن تقوم بتقييدهما عند الخروج من الزنزانة للاستحمام، وتُجري تفتيشات مستمرة للزنزانة بعد كل وجبة، وأمضت الأسيرة شروق دويات فترة العزل بالنوم على الأرض لعدم وجود سلّم يصل إلى البرش العلوي.

تفرض سلطات الاحتلال سياسة العزل كعقوبة بحق الأسير/ة ، تمتد لغاية ستة أشهر بقرار من محكمة الاحتلال العسكرية، وتصل إلى 12 شهراً، بعزل الأسير برفقة أسرى آخرين، وتُعتبر هذه السياسة أداة للتعذيب النفسي والجسدي، إذ يجرَّد الأسير/ة من الوقت والمكان، ويوضع في قبو، ويُحرَم الزيارات العائلية، أو التواصل مع زملاء المعتقل، بالإضافة إلى حرمانه من الطعام الجيد أو توفير المستلزمات، مثل الأغطية والملابس، ويُستخدم هذا الأسلوب، عادة، لكسر صمود الأسرى، سواء في التحقيق، أو خلال تواجدهم في المعتقل.

وأضاف التقرير الصادر عن مؤسسة الضمير بأنه "تمت إعادة الأسيرات إلى سجن الدامون يوم الإثنين 20/12/2021، فأعيدت منى إلى القسم في اليوم التالي، بينما بقيت الأسيرتان مرح وشروق في عزل الدامون حتى الأربعاء 22/12/2021، وأنهت ثلاث أسيرات في القسم إضرابهن عن الطعام عند عودة الأسيرات المعزولات، في حين أنهت مرح إضرابها مساء الجمعة 17/12/2021، أمّا شروق ومنى فأنهتا إضرابهما عن الطعام مساء الأحد 19/12/2021، بناءً على تفاهمات مع مصلحة السجون".

أمتدت العقوبات على الأسيرات فمُنعن من زيارة عائلاتهن ومن الكانتينا مدة شهر، بينما ضوعفت العقوبات على أسيرات الغرفة 11، من خلال حرمانهن من زيارة العائلة ومن الكانتينا مدة شهرين، وفرض غرامة عليهن بقيمة 400 شيكل، وترفض إدارة السجن التعامل مع الأسيرة شروق كنائبة لممثلة الأسيرات.

ثلاثة أعوام إلى الخلف

يعيدنا المشهد إلى الخلف، إلى سنة 2018، مع قدوم لجنة "أردان" التي شُكِّلت بقرار من وزير "الأمن الداخلي" للاحتلال، والمكونة من أعضاء الكنيست وجهاز الاستخبارات، وعملت اللجنة على تضييق الخناق أكثر فأكثر على الأسرى، وتقليص المواد الغذائية في مقصف السجن "الكانتينا"، وفرض قيود جديدة على الكتب التي يتم إدخالها في أثناء الزيارات العائلية، وكذلك على التعليم داخل السجون، بالإضافة إلى حملة اقتحامات وتنكيل بالأسرى في مختلف السجون.

ولم تكن الأسيرات بمعزل عن الواقع الذي يعيشه آلاف الأسرى الفلسطينيين، إذ قامت لجنة "أردان" بإعادة تشغيل الكاميرات في سجن هشارون – سجن الأسيرات ذوات الأحكام العالية سابقاً- بعد أن كانت معطلة منذ سنة 2011، وبناءً عليه، رفضت الأسيرات الخطوة التي تنتهك خصوصيتهن وحقوقهن، فاعتصمنَ داخل الغرفة مدة شهرين من دون الخروج إلى ساحة السجن، فقامت إدارة المعتقل بنقلهن إلى سجن الدامون، وفشلت محاولات الإدارة فصل الأسيرات وتوزيعهن على غرف الدامون، لأن في ذلك انتهاك للحياة الخاصة ولرغبة الأسيرات ذوات الأحكام العالية، وبالتالي تحكُّم إدارة المعتقل بالتفاصيل الحياتية يفتح أفقاً للتوغل أكثر فأكثر، وهو ما رفضته الأسيرات وما زلن يرفضنه.

كان سجن الدامون في السابق اسطبلاً للخيول، وفي الوقت الحالي، هو لا يصلح للعيش الآدمي، حيث ترتفع الرطوبة داخل الغرف التي لا تصلها أشعة الشمس، وهو ما يتسبب بتعفّن جدران الغرف، كما أن ساحة المعتقل ملساء غير مناسبة للسير عليها في فصل الشتاء، إذ تعرضت الكثيرات من الأسيرات للإصابة نتيجة انزلاقهن في أثناء المشي، وأيضاً لا يوجد في الغرف مكان مخصص للاستحمام، وعلى الأسيرات استخدام الدوش الخارجي خلال أوقات "الفورة" (الاستراحة) القصيرة.

ساحة المعتقل درب من دروب التعليم والنضال

وعلى الرغم من أن الاستعمار استخدم جميع أدواته، من أصغر جزء في بنيته إلى أعْقدها، من السجّانين إلى المحاكم العسكرية التي تُشرعن الانتهاكات، فإنه لم يُثنِ الأسيرات عن مواصلة نضالهن على عدة أصعدة: الصعيد الأول، تحويل ساحة المعتقل إلى ساحة تعليمية وتثقيفية وقلب معادلة القهر والاضطهاد من خلال استكمال مرحلة التعليم الجامعي، على الرغم من تهديد إدارة المعتقل بعزل الأسيرات المنخرطات في العملية التعليمية، كما شنّت هذه الإدارة حملات تفتيش وقامت بمصادرة عدد كبير من الكتب التعليمية والروايات من غرف الأسيرات ومكتبة المعتقل خلال سنة 2020.

على صعيد آخر، قامت الأسيرات بتصعيد الضغوط، كإرجاع الوجبات وغيرها من الخطوات، من أجل انتزاع المطالب، بداية بإزالة الكاميرات من ساحة السجن، والتي تنتهك الخصوصية بشكل صريح، إذ لا تستطيع الأسيرات ممارسة الرياضة أو خلع الحجاب في الساحة لتلقّي أشعة الشمس التي لا تصل إلى الغرف؛ والمطالبة بإلغاء معبار الشارون الذي تُحتجز فيه الأسيرات الحديثات الاعتقال بحجة الحجر الصحي بسبب فايروس كورونا، في حين أن ظروف المعبار سيئة للغاية، ففي الزنازين رطوبة عالية ولا يوجد نوافذ لدخول أشعة الشمس ولا توفر إدارة المعتقل الملابس، بما فيها الداخلية للنساء، بالإضافة إلى تواجد المعتقلين الجنائيين في القسم نفسه، وهو ما يشكل ضغطاً نفسياً على الأسيرات؛ وأحد المطالب الذي يُعتبر حقاً من حقوق الأسيرات الفلسطينيات هو توفير هواتف للتمكن من إجراء مكالمات مع عائلاتهن، وتفاقمت الأزمة مع انعدام التواصل وانقطاع الزيارات العائلية بحجة انتشار فايروس كورونا. وبالتالي حُرمت الأسيرات معرفة الأخبار، وانقطعن عن العالم، واقتصر الاتصال على وسيلة واحدة، عبر الإذاعات والراديو.

عن المؤلف: 

ميس أبو غوش: صحافية وأسيرة محرَّرة. أمضت في سجون الاحتلال خمسة عشر شهراً، مسقط رأس العائلة هو قرية عمواس، قضاء الرملة.