الأكاديميون الفلسطينيون خريجو الاتحاد السوفياتي: تحولات ومساهمات في المجتمع الفلسطيني في الداخل
نبذة مختصرة: 

تُعتبر الأبحاث التي عالجت التحولات في توجه فلسطينيي الداخل (1948) نحو التعليم العالي في جامعات الاتحاد السوفياتي السابق، ضئيلة إلى حد ما، وإذا وُجدت فإنها لم ترتقِ إلى حجم تأثير ذلك وإسقاطاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، كما أن هنالك غياباً لقاعدة بيانات ومصادر ومعطيات تشير إلى عدد هؤلاء الطلاب. ومن أجل معالجة هذا النقص تمت المبادرة إلى هذا البحث المؤسس في هذا المجال بطلب من رابطة خريجي روسيا والاتحاد السوفياتي، والذي يهدف إلى تتبّع مسيرة الطلاب من فلسطينيي الداخل الذين تخرجوا من جامعات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وتسليط الضوء على مساهمتهم في بلورة المجتمع العربي الفلسطيني على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

النص الكامل: 

شكّل الاتحاد السوفياتي ودول شرق أوروبا سابقاً أحد مسارات الجذب الأساسية لمتابعة التعليم العالي لدى الطلاب في الداخل الفلسطيني الذين حصلوا على منح كاملة من الحزب الشيوعي ضمن مشروع تحصيل أكاديمي منظم لإتمام دراساتهم العليا. وتتناول هذه الدراسة ظاهرة خريجي التعليم العالي في الاتحاد السوفياتي سابقاً، فتسلط الضوء على دورهم الريادي في بلورة توجهات المجتمع الفلسطيني في الداخل على مختلف الصعد والمناحي الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية.

جرى تناول هذه الظاهرة بالبحث من خلال 20 مقابلة أُجريت مع خريجي الاتحاد السوفياتي سابقاً من أبناء المجتمع الفلسطيني في الداخل، واعتماد طريقة البحث النوعي (qualitative). وتشير نتائج البحث إلى أن فرصة الدراسة في الاتحاد السوفياتي كانت بمثابة نافذة مهمة لمتابعة التعليم العالي في ظل شحّ الإمكانات الاقتصادية، والإقصاء المبرمج للطلاب العرب من الجامعات الإسرائيلية. وتفيد النتائج أيضاً بأن الكادر الأول من المتخصصين بموضوعات مثل الطب، والحقوق، والهندسة، وعلم النفس وغيرها، كان من خريجي الاتحاد السوفياتي، ولأفراده الدور الريادي في تشكيل البنية التحتية للمجتمع الفلسطيني من خلال استلامهم مناصب مؤثرة في السلطات المحلية والبرلمان وإقامة جمعيات مدنية، إلى جانب مساهمتهم في بناء لَبِنات المشهد الثقافي. وسنطرح بتوسع دور الاتحاد السوفياتي في تشكل ثقافة النخبة في المجتمع الفلسطيني في الداخل.

أدت الحرب بين الحركة الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية في سنة 1948 إلى نكبة الشعب الفلسطيني، وتحول الأغلبية العربية التي كانت تسكن البلد أصلاً إلى أقلية، بعد أن جرى تهجير ونزوح العدد الأكبر من المجتمع العربي إلى الشتات، وقطع التواصل الجغرافي والثقافي بين فلسطينيي الداخل الذين أصبحوا قسراً مواطنين في دولة إسرائيل، وبين سائر مركبات الشعب الفلسطيني والعالم العربي، وذلك في أعقاب استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي، وإحالة شؤون المواطنين العرب الفلسطينيين إلى الحكم العسكري (Morris 1991). وكان الحكم العسكري يهدف إلى مراقبة وضبط تحركات السكان الفلسطينيين، باعتبارهم "طابوراً خامساً" يمسّ بأمن الدولة (Diab & Mi’ari 2007)، وردع نشاطاتهم "المعادية" لإسرائيل، وإفشال محاولة تنظيم حراكهم السياسي الاحتجاجي، وحظر عودة اللاجئين إلى بلداتهم وأراضيهم التي تمت مصادرتها بهدف استيعاب الهجرة اليهودية وتوطينها (Lustick 1980). وطالَب الحكم العسكري المواطنين العرب باستصدار تصاريح خاصة من أجل السماح لهم بالخروج من بلداتهم وقراهم (Ghanem 2001).

بناء على ما تقدم، فإن فقدان المجتمع الفلسطيني نُخَبه ممّن هُجّروا أو نزحوا خلال الحرب كان الدافع الأساسي إلى إكمال الطلاب الفلسطينيين تعليمهم العالي ودراستهم الجامعية، والانعتاق من حالة الهامشية والدونية التي زُجوا بها طوال فترة الحكم العسكري (Arar & Haj-Yehia 2016). وممّا لا شك فيه، أن نظام التصاريح والتقييدات مسّ بقدرة الطلاب العرب في إسرائيل على نيل التعليم العالي، بل حتى لو توفر لدى بعض العائلات الإمكانات المادية لإرسال الأبناء إلى الدراسة في الجامعات، فإن شروط القبول شكلت عائقاً آخر بحيث إن هؤلاء الطلاب لم ينالوا القبول في موضوعات ومساقات تعليمية مرموقة (Mar’i 1978). هذه العوامل مجتمعة دفعت الطلاب الفلسطينيين إلى البحث عن فرص جديدة لمواصلة دراستهم الأكاديمية.

علاوة على تلك العوامل نجد أيضاً: الشعور بالتمييز العنصري؛ تقييد حرية الحركة والتنقل، وخصوصاً إلى مدينة القدس؛ تدخّل الحاكم العسكري في شؤون الطلاب وحياتهم، حتى إن قرار قبول طالب أو رفضه للتعليم أو إيقاف تعليمه الجامعي، كان ضمن صلاحية الحاكم العسكري؛ أقساط التعليم المرتفعة؛ صعوبة إيجاد مساكن للطلبة نظراً إلى أن المواطنين اليهود يرفضون تأجير مساكن للطلاب العرب؛ صعوبات اللغة التي قد تؤدي إلى التسرب؛ مستوى التعليم المرتفع ومنهجية التعليم مقارنة بتلك التي ميزت التعليم الثانوي في المجتمع العربي؛ الصعوبة في إيجاد عمل بعد التخرج (Mar’i 1978).

لكن على الرغم من جميع تلك المصاعب، بدأ الطلاب العرب يطرقون أبواب الجامعات الإسرائيلية نظراً إلى أهمية التعليم العالي لدى قطاعات واسعة منهم. وتعاظمت هذه الظاهرة مع انتهاء الحكم العسكري وقيام الحزب الشيوعي بإعطاء أعضائه منحاً دراسية في الاتحاد السوفياتي وفي دول المعسكر الاشتراكي لاحقاً، حيث فُتحت نافذة جوهرية في مجال الدراسة الأكاديمية في المجتمع الفلسطيني.

من الجدير ذكره، أن للتعليم العالي لدى العرب في إسرائيل، أسوة بأقليات قومية أصلية أُخرى في العالم، دوراً مهماً وأساسياً في إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، إذ شكّل رافعة اقتصادية واجتماعية كونه بطاقة دخول إلى سوق العمل الإسرائيلية، فضلاً عن كونه لَبِنة أساسية في بناء الوعي الجماهيري، وركيزة لابتداع أدوات الصراع، وأساليب التعامل اليومي (Arar & Haj-Yehia 2016). وقد تشعبت توجهات الطلاب العرب في تعليمهم العالي، فمنهم مَن اكتفى بتحقيق حلمه في الجامعات الإسرائيلية، ومنهم مَن هاجر في طلب التعليم العالي في الجامعات الغربية (حاج - يحيى وعرار 2014ب).

الخلفية النظرية 

ظاهرة التعليم العالي في دول المعسكر الاشتراكي سابقاً

منذ سنة 1948، حتى انتهاء الحكم العسكري رسمياً في سنة 1966، لم يُسمح للفلسطينيين من مواطني دولة إسرائيل بالسفر إلى خارج البلد لاستكمال تعليمهم الجامعي، غير أن سبعينيات القرن العشرين شكلت تحولاً بارزاً في هذا المضمار بعد أن أصبح كل من دول الكتلة الشيوعية والمعسكر الاشتراكي عنواناً يقصده الطلاب الفلسطينيون بهدف إكمال تعليمهم العالي، وخصوصاً بعد أن قدم الحزب الشيوعي الإسرائيلي منحاً دراسية كاملة لأعضائه، وأرسل عدداً كبيراً منهم بشكل منظم إلى هذه الدول. علاوة على ذلك، تدفق الطلبة الفلسطينيون إلى دول أُخرى، كدول غرب أوروبا، مثل إيطاليا وألمانيا (Arar & Haj-Yehia 2016)، وبعد توحيد ألمانيا وارتفاع مستوى المعيشة فيها (حاج - يحيى 2007)، توجه الطلاب الفلسطينيون إلى رومانيا بصورة خاصة، ودول أوروبية أُخرى مثل: مولدوفيا؛ أوكرانيا؛ هنغاريا؛ الجمهورية التشيكية؛ تركيا؛ بولندا (Arar & Haj-Yehia 2016). وأُتيحت للطلاب العرب الفلسطينيين الفرصة أيضاً للدراسة في الجامعات الأردنية بعد توقيع اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن في سنة 1994 (حاج - يحيى وعرار 2014أ)، ثم كان التحول الأخير الذي بدأ في سنة 2007 بارتفاع نسبة الطلاب العرب الفلسطينيين في إسرائيل المتجهين إلى الدراسة في الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية (Arar & Haj-Yehia 2016).

لقد أدت البعثات الدراسية إلى الاتحاد السوفياتي دوراً مهماً في زيادة عدد الحاصلين على شهادات عليا، فالإحصاءات تظهر أن 60% من إجمالي الأطباء العرب في إسرائيل هم من خريجي الاتحاد السوفياتي سابقاً، وجامعات دول المعسكر الاشتراكي. غير أن هذا الأمر تغير بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في سنة 1991، وتوقُّف نظام المنح الدراسية، لكن الجامعات الروسية فُتحت أمامهم مجدداً بعد أن خصصت موسكو منحاً دراسية للطلاب العرب الفلسطينيين في إسرائيل ضمن مشروع المنح الدراسية الذي تخصصه الحكومة الروسية سنوياً لأكثر من 10,000 طالب أجنبي (حاج - يحيى وعرار 2014ب).

 

تحولات في توجهات التعليم العالي خارج البلاد لدى المجتمع الفلسطيني خلال الفترة 1929 – 2012

المصدر: Arar & Haj-Yehia 2017

 

الهجرة الدولية الموقتة بهدف الدراسة الأكاديمية

إن جون ماكدونالد وليتريس ماكدونالد (MacDonald & MacDonald 1964) هما أول مَن تناول ظاهرة الهجرة وقام بتعريفها، إذ وصفاها بأنها عملية انتقال للمهاجرين الباحثين عن فرص، إلى دولة جديدة بمساعدة مهاجرين سابقين، تؤمَّن لهم فيها المواصلات والسكن والعمل. كما أن الهجرة تقع بشكل دائم تحت تأثيرات دينامية داخلية تؤدي إلى تغيرات في سياقات الهجرة وأنماطها ومراحلها المتعددة (Castles 2010; De Haas 2010)، ولهذا يمكن تقسيم مراحل الهجرة إلى ثلاث مراحل أساسية نتجت من التغيرات في سياقاتها وأنماطها: تبدأ الهجرة في مرحلتها الأولى مع عدد قليل من المهاجرين الطلائعيين الذين تفسَّر هجرتهم بأنها تصرّف غير مألوف لمجموعة "غير ممتثلة" للطابع العام، أو هاربة من "رأس مال اجتماعي سلبي" مثل غياب الحريات الشخصية؛ المرحلة الثانية تتسارع فيها وتيرة الهجرة وتزداد عدداً؛ المرحلة الثالثة والأخيرة هي ما يمكن تسميتها مرحلة "الانطفاء والتآكل"، بحيث تتقلص الهجرة بسبب فقدانها سمة الانتقائية (De Haas 2010).

إن قرار الأقليات بالهجرة غالباً ما يكون سببه عوامل طاردة من بلد المنشأ، والتي تكون إمّا تاريخية، وإمّا استعمارية، وإمّا ثقافية، وإمّا اقتصادية، وإمّا جغرافية، بل قد يترتب على خيار الهجرة صعوبات مالية أو ثقافية أو لغوية، أو أُسرية ترتبط بالابتعاد عن العائلة والنواة الاجتماعية التي ترعرع فيها الأفراد (Arar & Haj-Yehia 2013). ولذا، يلجأ أفراد هذه الأقليات إلى البحث عن ملاذ آمن هرباً من التهميش والسياسات القمعية والتمييزية في أوطانهم وبلداتهم الأم، إلاّ إنهم يبقون في هوامش الحياة الأكاديمية أيضاً في جامعات الدول التي هاجروا إليها وقامت باستضافتهم (Brooks & Waters 2011). فخلال هجرتهم يحدث اللقاء الدينامي والسجال بين هويتَيهم الإثنية والعرقية الأصلية، وبين الهويات الجديدة التي ينكشفون عليها (King, Perez and Shim 2013; Khoury, Da’na and Abu-Saad 2012). وهنا، يبرز توتر ما، نتيجة التفاعلات اليومية في الحيزَين البيتي والأكاديمي، علاوة على تحوّل في مكانة الطلاب التي ترتبط مباشرة بالخلفيتَين الاجتماعية والثقافية للمجتمع الأصلي للطالب المهاجر (Case & Huisman 2016; King, Perez and Shim 2013). وبناء عليه، فإن الدراسة الأكاديمية لا تزيد في معرفة الشخص فقط، بل إنها تؤثر مباشرة في صقل شخصيته وتحديد توجهاته الفكرية أيضاً (Arar & Haj-Yehia 2017).

إذاً، يمكن القول إن هذه السيرورة تجعل الفرد يموضع نفسه بناء على معايير عرقية وطبقية وجندرية تجعله يعيد النظر في هويته الذاتية، وهو ما يتماشى مع منطلقات ما بعد الحداثة التي ترى أن الهوية تتبلور في ظل تفاعلها بالسياقات المتنوعة (Brooks & Waters 2011). إن الانكشاف على معارف وعلوم جديدة ومغايرة يقلل من شأن المعتقدات والأفكار القديمة، ويقوّض تأثيرها، وخصوصاً تلك المرتبطة بصوغ وبلورة الآراء ووجهات النظر بشأن الخير والشر، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً للخلفية والروابط الاجتماعية السابقة للمهاجر، ويؤثر في دينامية العلاقة الشخصية، ويدفعه إلى اعتماد ممارسات وسلوكيات تنمّ عن تبنّي نمط حياة جديد مخالف للذي كان عليه في السابق (Arar 2017)، وإلى إعادة تعريف لماهية انتمائه إلى مجموعته الإثنية (French et al. 2006). ويؤكد عرار (Arar 2017) ضرورة إيجاد توازن بين النزعات الفردانية والانتماءات الجمعية، وبين وعي الأفراد والتزامهم الماضوي مع الحاضر من أجل فتح نوافذ على المستقبل.

ويشير كل من لورا خوري وسيف دَعْنا وإسماعيل أبو سعد (Khoury, Da’na and Abu-Saad 2012 ) إلى أهمية السياق الذي تتشكل به هوية الشخص الفردية والجمعية، ففي حالة العرب الفلسطينيين هنالك أهمية بالغة للسياق الإسرائيلي نظراً إلى هامشية الهوية الفلسطينية فيه. وعلى النقيض من ذلك، أشار الفيلسوف الكندي تشارلز تايلور (تايلور 2005) إلى أن بلورة الهوية وتشكلها هو شأن عابر للثقافات، ويشكل أساساً للحوار بين الأفراد من مختلف الأرضيات والفضاءات الثقافية. ولذا، فإن للتعليم العالي والحياة الأكاديمية دوراً مهماً ومحورياً في بناء وتشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي لدى المجتمعات والأفراد (Flum & Kaplan 2016; King, Perez and Shim 2013).

في بداية سبعينيات القرن الماضي، كانت الدول الاشتراكية، ولا سيما دول الاتحاد السوفياتي سابقاً، الوجهة الأولى إلى التعليم العالي خارج البلد لدى الطلاب العرب في إسرائيل الذين حصلوا على منح دراسية في هذه الدول عن طريق الحزب الشيوعي الإسرائيلي (حاج - يحيى 2002) الذي هدف إلى تسليحهم بالشهادات الجامعية وتخطي عقبات سوق العمل الإسرائيلية، وخصوصاً في موضوعات مرموقة وذات قيمة اجتماعية كالطب، وطب الأسنان، والحقوق، والهندسة بجميع تفرعاتها، وعلم النفس العلاجي، علاوة على العلوم المجتمعية. لكن بعد سنة 1991، حين انهارت الأنظمة الاشتراكية في دول شرق أوروبا، وتجمدت المنح الجامعية، توقفت رحلة الطلاب العرب من إسرائيل إلى التعليم العالي في هذه الدول، وازداد الطلب على الدراسة الجامعية في دول غرب أوروبا وفي جامعات إسرائيلية وفلسطينية (حاج - يحيى 2002).

ساهم التعليم في الاتحاد السوفياتي في بلورة هوية الطلاب العرب الشخصية والاجتماعية، وأدى دوراً مهماً في كسر الحصار العلمي المفروض على المجتمع العربي في إسرائيل بعد أن وجد الطلاب الفلسطينيون أنفسهم ينخرطون في مشروع ثقافي كوني وأممي عابر للهويات القومية والجغرافية والدينية بعيداً عن التقييدات التي فرضتها عليهم الحكومات الإسرائيلية. ومثلت هذه التجربة علامة فارقة في حياة الفلسطينيين في الداخل، إذ ساهمت في بلورة هويتهم، وأدت إلى تشكل نخبة متعلمة في صفوفهم أخذت على عاتقها مسؤولية مجتمعية، وكان لها دور نهضوي فاعل داخل بلداتها (Arar & Haj-Yehia 2016). 

منهجية البحث وآلياته

يهدف البحث إلى تتبع ظاهرة الأكاديميين الفلسطينيين في إسرائيل، خريجي الجامعات والمعاهد الأكاديمية في الاتحاد السوفياتي سابقاً، كما يرمي إلى توضيح المساهمة الخاصة لهذه النخبة في رسم وتحديد ملامح المجتمع الفلسطيني في الداخل بأبعاده الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. وأكثر دقة وتحديداً، حاولنا الإجابة عن السؤالين التاليين:

1 - ما هي التحولات التي حدثت نتيجة ظاهرة إرسال بعثات إلى الدراسات العليا في الاتحاد السوفياتي سابقاً؟

2 - كيف ساهم هذا المحور الدراسي الأساسي في تطور المجتمع الفلسطيني في إسرائيل؟

سعياً لفهم ظاهرة البحث على تنوع اتجاهاتها وأبعادها جرى اعتماد أسلوب البحث النوعي (qualitative) الذي يمكّن من فهم القضية بعمق، وتتبّع التفصيلات فيها (Creswell 2007)، وذلك من خلال فهم تجارب المشتركين في البحث، ومحاولة تقصّي المعاني التي يعطونها لهذه التجارب، كل من وجهة نظره الخاصة، بحيث يمكن فهم الموضوع بشموليته (Bryman 2012). ولهذا الغرض، قمنا باستخدام المقابلة شبه المفتوحة، والتي تكونت من قسمين: الأول يحتوي على 19 سؤالاً تتمحور حول قضية البحث من خلال تسلسل زمني لثلاث مراحل أساسية هي: مرحلة ما قبل الخروج إلى الاتحاد السوفياتي للدراسة، ومرحلة التجربة الدراسية في الاتحاد السوفياتي، ومرحلة ما بعد العودة، علاوة على عرض مساهمات خريجي المجتمع الفلسطيني في التحولات وغيرها. أمّا القسم الثاني فيحتوى على تفصيلات شخصية للمشتركين. 

المجموعة المشتركة في البحث

اشترك في هذا البحث 20 خريجاً يُظهر الجدول أدناه أعدادهم ونِسَبهم المئوية:

 

الجندر

الجيل (سنوات)

مدينة الدراسة

إشغال منصب*

رجال

نساء

46-52

53- 60

61- 67

لنينغراد

موسكو

كييف

خاركوف

نعم

لا

17 (85%)

3 (15%)

6 (30%)

6 (30%)

7 (40%)

8 (40%)

6 (30%)

5 (25%)

1 (5%)

12 (60%)

8 (40%)

سنوات الخروج

موضوع الدراسة

1970-1979

1981-1990

محاماة

طب

علوم اجتماعية

هندسة

علم نفس

إخراج سينمائي

صحافة

إعلام وتصوير

8 (40%)

12 (60%)

7 (40%)

6 (30%)

2 (10%)

1 (5%)

1 (5%)

1 (5%)

1 (5%)

1 (5%)

                                     

* لم يتم ذكر المنصب الإضافي الذي يشغله المشتركون حفاظاً على سرّية البحث.

 

تحليل النتائج

حُلّلت المقابلات التي أُجريت بطريقة تحليل المحتوى والمضمون مع تشخيص وتحديد الجزئيات التي تحمل معنى ودلالات خاصة في كل مقابلة على حدة، وتسجيل الملاحظات على الهامش (coding)، والتي جرى تحليلها بهدف الحصول على أفكار رئيسية محورية (axial coding) ترتبط فيما بينها، أو تندرج تحت الموضوع نفسه (Marshall & Rossman 2012)، ووفقاً لهذه الأفكار تم تحديد الفئات الرئيسية والثانوية (Smith 1995). إن منهجية البحث التي اعتمدت طريقة جمع المعلومات ومراحل تحليلها، ترفع مستوى الصدقية والثبات فيما أفرزه البحث من نتائج (Yin 1989). 

النتائج النوعية

عند تتبّع ظاهرة الهجرة من أجل الدراسة الأكاديمية بصورة عامة، والدراسة في الاتحاد السوفياتي بصورة خاصة، نلحظ مرحلة فريدة في حيثياتها ومميزاتها ونتائجها. ولهذا بدأنا بعرض العوامل، الطاردة منها والجاذبة، التي دفعتهم إلى هذه الهجرة الموقتة، ثم عرض تجربة الدراسة، لننتهي بنتائج وآثار هذه البعثات الدراسية في رسم ملامح المجتمع الفلسطيني، مع تتبّع أهم التغيرات التي حلّت بهذا المسار الدراسي. 

I - العوامل

نمطان من العوامل دفعا الطالب الفلسطيني إلى التوجه إلى الدراسة في الاتحاد السوفياتي: عوامل طاردة وأُخرى جاذبة. وفي مقابل كل عامل من العوامل الطاردة نجد عامل جذب لبّى حاجة لدى الطلاب الفلسطينيين. 

أ - الوضع الاقتصادي في مقابل المنحة الدراسية الشاملة

على رأس هذه العوامل نجد المستوى الاقتصادي المتدني الذي رزح تحت نيره المجتمع الفلسطيني بأكمله، والذي دفع أفراداً منه إلى الهجرة طلباً للعلم. وقد علل ذلك المحامي ربيع بقوله: "ليس سراً أن عدد الطلاب الذين كان لديهم القدرة على مواصلة الدراسة في البلد هو عدد قليل جداً، فالعائق الاقتصادي هو ما وقف في طريق الطلاب للدراسة. إن مجتمعنا زراعي لا يستطيع الأهل فيه تأمين تكاليف دراسة أبنائهم." ويضيف فهد (مخرج سينمائي) موضحاً العلاقة بين السياسة التي مورست ضد المجتمع الفلسطيني، والوضع الذي عايشوه، فيقول: "اهتمت الحكومات الإسرائيلية بجعلنا نركض ونفكر فقط في لقمة العيش، كي لا يتسنى لنا التفكير في أمور أُخرى كالدراسة."

وإذا نظرنا في المقابل إلى عوامل الجذب، فسنجد أن الدراسة في الاتحاد السوفياتي ممولة بالكامل من طرف الدولة، علاوة على الدخل الشهري، وهذه النافذة شكلت الحل الأمثل للطلاب الفلسطينيين، إلى جانب أنها لبّت الحاجة الجوهرية في مسار تعليمهم الأكاديمي، وهو ما أكده الصحافي حاتم بقوله: "هذا قرار لا يحتاج لكثير من التفكير، أنت ستحصل على منحة دراسية كاملة كي تسافر وتتعلم مجاناً، حتى إنك ستحصل على دخل شهري. لا يمكن رفض عرض كهذا." أمّا سامي (طبيب) فيصف فرصة الحصول على منحة بقوله: "المنحة فرصة ذهبية، فوالدي كان يدفع تكاليف دراسة اثنين من إخوتي، ولهذا، فإن الاعتبار الاقتصادي له وزنه وأهميته." 

ب - شروط القبول التعجيزية في الجامعات الإسرائيلية

في مقابل حرية اختيار الموضوع

عند الحديث عن تخصصات مرموقة كالطب والهندسة والمحاماة، فإن الطلاب العرب واجهوا في الجامعات الإسرائيلية شروط قبول شبه تعجيزية جعلت من هذه التخصصات الاختيار الأول للدراسة في الخارج كونها تضمن لهم فرص مزاولة مهنة مستقلة خارج نطاق المؤسسة، وتمنحهم ضماناً اقتصادياً ومكانة اجتماعية مرموقة. يقول فراس، وهو محامٍ: "الطب والحقوق والهندسة وعلم النفس موضوعات تتيح العمل في مهن حرة، وهو ما لم يكن متاحاً بما يكفي في البلد للطلاب الفلسطينيين، كما أن شروط القبول لهذه الموضوعات كانت شبه تعجيزية." ويصف الطبيب سامي الأمر بقوله: "إن القبول في تخصصات ذات مكانة اجتماعية مرموقة كالطب والمحاماة والهندسة كان صعباً جداً في الجامعات الإسرائيلية، وهو ما دفعنا إلى التوجه إلى الاتحاد السوفياتي." 

ج - الملاحقة السياسية والتمييز في مقابل المساواة والاحترام

مثلما هو معروف، فإن المنح الدراسية كانت توزع على المنتمين إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وبالتحديد الناشطين في صفوفه، وكثيراً ما كان هؤلاء الأفراد وعائلاتهم عرضة للملاحقة السياسية بسبب انتمائهم السياسي ونشاطهم الحزبي، الأمر الذي حال دون تقدمهم الدراسي وقبولهم في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. ويورد الطبيب نادر دليلاً على ذلك بقوله: "كوننا في القائمة السوداء لم يكن في إمكاني الدراسة في الجامعات الإسرائيلية." وكانت الجامعة في حالات أُخرى، تلغي قبول طالب لأسباب سياسية، مثلما حدث مع ورود (محامية) التي تقول: "بعد أن أنهيت دراستي الثانوية قمت بالتسجيل في جامعة حيفا وقُبلت، فذهبت إلى الجامعة حيث علمت أن اسمي شُطب، وأنني رُفضت لأنني كنت في القائمة السوداء، وتبيّن لي أنني لن أُقبل للتعليم."

في مقابل هذه الملاحقة السياسية والأمنية نجد أن فرصة الدراسة في الاتحاد السوفياتي منحت الطلاب العرب الفلسطينيين فرصة ذهبية مع إمكان الانكشاف ومعايشة واقع مغاير يقوم على احترام الإنسان والمساواة، وهو واقع لم يعهده هؤلاء الطلاب. وهذه المقارنة يبيّنها المحامي وسام موضحاً: "نحن الفلسطينيين، كنا هنا إذا خرجنا من القرية، أو دخلنا إلى الجامعة، نشعر بأننا غير مرغوب فينا، بينما الوضع هناك كان عكس ذلك، فالشعب في الاتحاد السوفياتي يحترم الآخرين الغرباء، بحيث تشعر بأنك لست فقط مساوياً لهم، بل إنك تُحترم أكثر من الشعب الأصلي." ويقول أيمن، (محامٍ): "عندما تصل تشعر بقيمتك كإنسان يحظى بالاحترام." 

د - دوافع أيديولوجية واجتماعية وثقافية

إن الحصول على منحة دراسية في الاتحاد السوفياتي كان منوطاً بالانتماء السياسي إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الأمر الذي جعل السفر إليه والدراسة فيه حلماً يسعى لتحقيقه كل مَن انتمى إلى هذا الحزب وآمن بهذا الفكر. ويضع وسام (محامٍ) بين أيدينا تفسيراً لذلك بقوله: "الطلاب الذين تم اختيارهم للخروج إلى الاتحاد السوفياتي هم طلاب تمثل لهم هذه الدولة حلماً لأنها تعكس فكرهم الاشتراكي، وهو حلم الدراسة وحلم الوصول إلى المكان المثالي في نظرهم من ناحية فكرية وأيديولوجية." وتضيف المحامية ليلى، موضحة: "أردت أن أتعلم في مكان يعكس توجهاتي الفكرية والأيديولوجية، ولم أكن أفكر قط في أن هناك مكاناً أفضل من الاتحاد السوفياتي."

بعد عرض العوامل التي دفعت بالطلاب الفلسطينيين إلى الدراسة في الاتحاد السوفياتي، الدافعة منها والجاذبة، تبدأ مرحلة جديدة في حياة هؤلاء الطلاب بسفرهم وخوضهم تجربة الدراسة في ذلك البلد. 

II – تجربة الدراسة في الاتحاد السوفياتي

عند تتبع نتائج البحث نجد أن تجربة الدراسة في الاتحاد السوفياتي تبدأ لحظة الخروج من مجتمع زراعي فقير عانى عقوداً جرّاء الحكم العسكري، ويفتقر إلى مقومات الحياة الثقافية الحضارية، وهو مجتمع يرزح تحت وطأة سياسة التهميش والتمييز والعنصرية، ثم الوصول إلى بلد هو مركز ثقافي وحضاري وفكري لتكون لحظة الانفعال والانبهار مثلما وصفها الأخصائي النفسي كريم بقوله: "في المرة الأولى التي وصلت بها إلى موسكو شعرت بانفعال كبير، أردت أن أعرف الناس هناك، أن أتعرف إلى هذا العالم العظيم والكبير، إلى الثقافة الروسية، إنه الانبهار الأول والانفعال الحقيقي." هذا الاختلاف، بين بلد المنشأ والمجتمع الجديد، ولّد فجوة لمسها الطلاب الفلسطينيون، ولا سيما من الناحية الثقافية المتمثلة في الجهل التام بالفنون والمسارح والمتاحف وغيرها، والتي تُعتبر من صلب حياة الشعب الروسي وعماده، على الرغم من تميز الطلاب الفلسطينيين بالثقافة السياسية والوطنية والقومية، وهو ما وصفه الطبيب نادر بعبارات دقيقة: 

لا شك كان هناك رهبة لأنك كنت في أصغر مكان في العالم، وفجأة تجد نفسك في أكبر مكان، أغنى مكان حضارياً وثقافياً. كان لدينا شعور بالخجل. كنا أمّيين من الناحية الثقافية، والموسيقية، وقراءة الكتب، والمتاحف، والمسارح. كنا نخجل لأننا كنا نعتقد أننا مثقفون، لكن الحقيقة غير ذلك، فنحن مثقفون في مجال واحد لا غير، المجال السياسي الوطني القومي.

 لهذا، ترى الطبيبة نبيلة أن الفترة الأولى هي الأصعب تأقلماً واندماجاً، فتقول: "الفترة الأولى هي الأصعب، وخصوصاً السنة الأولى، إذ إن كل شيء يتغير دفعة واحدة. لكن بعد عام تتعلم اللغة، وتعتاد هذه التغيرات كلها." هذا التأقلم والاندماج بسهولة وسلاسة، كانا بفضل التنظيم الحزبي القوي في الجامعات، والذي يولي الطلاب اهتماماً دائماً ومستمراً. يقول المحامي فراس: "في الجامعات برامج وفاعليات وأنشطة تساعد في عملية التأقلم، كما أننا كنا منظمين، الأمر الذي ساعد جداً في التعامل مع الفجوة، والتغلب عليها في إطار زمني قصير نسبياً." ويضيف وسام (محامٍ)، قائلاً: "مرافقة مندوبي الحزب لنا من اللحظة الأولى التي خرجنا بها من البلد، حتى لحظة الوصول إلى أماكننا، جعلتنا نشعر كأننا في البيت. أعضاء الحزب لم يسمحوا بأن نشعر بالضياع أو الغربة."

ولإبراز أهمية الجانب الثقافي لتجربة الدراسة في الاتحاد السوفياتي يصف المحامي ربيع المسارَين الأكاديمي والثقافي كمسارَين متوازيين لا يمكن الفصل بينهما، أو الاستغناء عن أحدهما، فيقول: "لا يمكن الفصل بين الجانب العلمي الدراسي والجانب الثقافي، فهما مثل خطين متوازيين يسيران معاً في الاتجاه نفسه، وأنت تتطور في كليهما."

وضمن هذه التجربة، تعرّف الطلاب الفلسطينيون على ثقافات شعوب من مختلف أصقاع العالم وأقطابه، وأنشأوا علاقات وروابط شملت الطلاب من مختلف الدول العربية، مع أن العلاقات معهم اتسمت بالبداية بالنفور والاتهام بالخيانة، وهو ما تبدل بعد فترة. تصف ليلى (محامية)، تلك العلاقات، فتقول:

في بداية الأمر كانت العلاقات مشحونة مع الطلاب من الدول العربية، لكن كان لدينا أسلوب إقناع، وصبر على الإقصاء والمشادات، واستطعنا إقناع الطلاب من الدول العربية بقضيتنا ومنطلقاتها، وتحولت العلاقات إلى قوية جداً. كما أننا كنا أصحاب رسالة إنسانية وسياسية سامية، فكانت تربطنا علاقات قوية جداً بسائر الشعوب

بعد هذه التجربة الغنية بجوانبها المتعددة كان على الطلاب الفلسطينيين العودة إلى مجتمعهم الأم والتأقلم مرة ثانية، وهو ما ستتطرق إليه النتائج التالية. 

III - ما بعد تجربة التعليم في الاتحاد السوفياتي

بداية، كان على الخريجين التأقلم من جديد في مجتمعهم الذي لم يفز بالتجربة الفريدة التي خاضوها، ولم يتقدم بخطوات واسعة كالتي خطوها. فالفجوة التي واجهها الخريجون عند ذهابهم كطلاب إلى الاتحاد السوفياتي، شعروا بها في الاتجاه العكسي عندما عادوا إلى مجتمعهم كخريجين عليهم الانخراط فيه مجدداً ثقافياً واجتماعياً ومهنياً، حتى إن بعضهم اعتبرها أصعب من تجربة التأقلم في المجتمع السوفياتي. يقول ربيع (محامٍ)، واصفاً رحلة العودة من جديد: "عشت في مجتمع معين [الاتحاد السوفياتي] تأقلمت معه وتعلمت منه، وكنت في الوقت نفسه أفكر في أن مجتمعي كله يتقدم معي في الاتجاه ذاته، وأنه يتطور مثلي. لكن عندما عدت رأيت أن المجتمع ما زال يقبع في الخلف في مكان بعيد، وهذه كانت صدمة بالنسبة إليّ." أمّا جمال (مدير وحدة النهوض بالشبيبة) فيقول مؤكداً: "كان من السهل عليّ التأقلم في الاتحاد السوفياتي أكثر من التأقلم مجدداً في مجتمعي."

فيما يتعلق بالناحية المهنية، نرى أن قسماً من الخريجين التحق بعمل أمّن له مستقبله مادياً، أو تابع نشاطه السياسي كوسيلة للتخفيف من وطأة الفجوة وصعوبة الاندماج. وتصف ورود (محامية) تلك المرحلة قائلة: "بعد عودتي مارست نشاطي السياسي والاجتماعي على الفور. لم أشعر بالاغتراب قط... استطعت الاندماج من خلال عملي المهني ونشاطي السياسي، فنحن في النهاية أبناء هذا المجتمع."

مع عودة الخريجين واندماجهم من جديد في مجتمعهم، بدأ أكثرهم بتوفير الخدمات المتنوعة، ثم توالت التغيرات من حراك اقتصادي إلى آخر سياسي. وفي هذا السياق، يقول حاتم (صحافي): "أستطيع أن أعدد لك أسماء قرى وبلدات كان فيها الطبيب الأول، والمهندس الأول، والمحامي الأول، من خريجي الاتحاد السوفياتي." ويسهب قاسم (طبيب)، بتطرقه إلى أثر الخريجين فيقول داعماً ومفسراً: 

الدراسة في الاتحاد السوفياتي أثّرت بشكل كبير جداً في تطور المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، من مجتمع مقهور يرزح في أدنى درجات السلم الاقتصادي والاجتماعي، إلى تكوّن شريحة وفئة عملت في مهن مرموقة ذات دخل كبير نسبياً. وقد أصبح لهذه الفئة تأثير اقتصادي، إذ ساهمت في رفع مستوى المعيشة، وتوفير الخدمات اللازمة أيضاً

هذه النتائج تُظهر أن تأثير الخريجين لم يقتصر على المجتمع الفلسطيني خدماتياً واقتصادياً فقط، بل تخطى ذلك أيضاً إلى الحقل السياسي، وتجلّى في تولّيهم زمام الأمور وقيادة المجتمع. ويجمل يوسف (طبيب)، إنجازات الخريجين في عدة مناحٍ، فيقول: "خريجو الاتحاد السوفياتي خاضوا معارك نضالية وكفاحية، وشغلوا مناصب قيادية من أجل إحداث تغيير مجتمعي. ونحن لدينا أعضاء كنيست، ورؤساء وأعضاء سلطات محلية، ورؤساء ومديرو جمعيات، ورؤساء أقسام ومستشفيات، إلخ."

عدا ذلك، كان الخريجون الأوائل مثلاً يُحتذى به، ومصدر إلهام للشباب الفلسطينيين في الداخل. ويعبّر نبيل (مهندس) عن ذلك بقوله: "إن أهم ما قدمه خريجو الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً الأوائل منهم، هو كونهم مثلاً أعلى يُقتدى به، فالشباب أرادوا أن يخوضوا مجال الدراسة مثلهم، وأن يصبحوا أطباء أو مهندسين."

تُعتبر تجربة الدراسة في الاتحاد السوفياتي تجربة فريدة أفرزت شريحة مجتمعية ذات مميزات خاصة نتيجة تأثر كل من أفرادها وتفاعله مع التجربة التي خاضها. يقول نزار (طبيب): "هذه التجربة كانت استمراراً وتعزيزاً لتوجهاتي الفكرية ومنطلقاتي الاجتماعية والسياسية." ويتطرق سالم (مدير قسم معارف) إلى مميزات الخريجين فيضيف: "معظمنا يحمل فكراً تقدمياً وإنسانياً، خالياً من أي تعصب. فنحن لدينا انتماء ومسؤولية كبرى وحب عطاء كبير جداً لشعبنا ولمجتمعنا، وهي سمة أساسية في مركّبات شخصيتنا."

هذه الفترة الذهبية من دعم الاتحاد السوفياتي للمجتمع الفلسطيني في الداخل أفرزت كادراً من الأكاديميين الأوائل، وقدمت خدمات حُرم منها المجتمع الفلسطيني في إثر انهيار المنظومة الاشتراكية، لتعود وتتجدد بطرق بديلة. 

IV - التحولات التي حلت بهذا المسار الدراسي وأهميته

شكّل انهيار الاتحاد السوفياتي مرحلة مفصلية بالنسبة إلى موضوع المنح الدراسية من حيث العدد، فقبل الانهيار كان العدد في تزايد دائم يصل إلى أربعين منحة سنوياً، أمّا بعده فقد قلّ العدد إلى حين إنشاء رابطة الخريجين التي تعمل على توفير عدد أكبر من المنح للطلاب. يقول أشرف (إعلامي): "النقطة الفاصلة هي مرحلة الانهيار، انهيار الاتحاد السوفياتي." ويضيف أسامة (محامٍ) متناولاً الموضوع بقوله: 

في فترة الاتحاد السوفياتي كان عدد الطلاب الحاصلين على منح دراسية في الاتحاد السوفياتي كبيراً جداً. وبعد انهياره في التسعينيات، وقبل إنشاء رابطة الخريجين، بات عدد الطلاب هناك ضئيلاً جداً، وذلك لانعدام المنح والتنظيم الذي نَعِم به الطلاب قبل الانهيار

فيما يتعلق بالموضوعات التي تمت دراستها، فإنها لم تتغير، بل إن دراسة الطب بقيت هي الاختيار الأول لدى الطلاب بسبب المكانة الاجتماعية المرموقة للطبيب في مجتمعنا. يقول حاتم (صحافي): "من حيث الموضوعات، ظل التوجه هو نفسه في اختيار الموضوعات ولم يتغير." ويوضح ربيع (محامٍ) ماهية هذه الموضوعات قائلاً: "الموضوعات التي تمت دراستها هي الطب، والهندسة، والمحاماة، والصحافة، بينما درس عدد قليل من الطلبة علم النفس."

وعلى الرغم ممّا حل بهذا المسار الدراسي من تغيرات، فإنه شكّل النافذة الأولى للمجتمع الفلسطيني التي استطاع من خلالها التواصل مع العالم الخارجي بعد أعوام من الحكم العسكري، وبالتالي، فإن المجتمع الفلسطيني قدّر ما قدمه الاتحاد السوفياتي. يقول فراس (محامٍ)، مظهراً أهمية هذه النافذة: 

هذه النافذة من أهم المساهمات في إثراء الثقافة الفلسطينية في الداخل، من حيث إغناء مدارك الطلاب من خلال انكشافهم على الآخر المختلف من جميع القوميات والفئات. كما أنها كانت ملتقى للفلسطينيين في المناطق المحتلة، مع الفلسطيني من مخيمات الشتات، وكذلك مع الإخوة العرب من مختلف الدول العربية. لقد شكلت تبادلية عظيمة للمعرفة المتبادلة، وكي يعرف العالم العربي عامة عن وجودنا وصمودنا كأقلية وطن. 

من هنا نخلص إلى نتيجة فحواها أنه، وفي مقابل سياسة الإقصاء عن مشهد التعليم العالي الإسرائيلي، شكّل الاتحاد السوفياتي من خلال المنح الدراسية حاضنة أكاديمية وثقافية، وكان بمثابة رافعة رائدة في تكوين نخبة أكاديمية أدت دوراً مميزاً في بناء نسيج المجتمع الفلسطيني في الداخل بمفهومه الشمولي. 

نقاش واستنتاجات

يهدف هذا البحث إلى تتبّع ظاهرة الطلاب العرب الفلسطينيين في الداخل الذين تخرجوا من جامعات الاتحاد السوفياتي سابقاً، وإلى تسليط الضوء على المساهمة الخاصة لخريجي هذه الجامعات في بلورة المجتمع العربي الفلسطيني على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي.

وبيّنت نتائج البحث أن اتخاذ الطلاب العرب القرار بالخروج للدراسة في الاتحاد السوفياتي من أجل متابعة تعليمهم العالي كان بفعل دوافع واعتبارات متباينة، منها اعتبارات شخصية ذاتية، كالطموح والرغبة في تحقيق الذات، واعتبارات أيديولوجية فكرية (Carling & Collins 2018)، فضلاً عن اعتبارات نابعة من السياق الخاص بالمجتمع الفلسطيني (Van Hear, Bakewell & Long 2018)، كعوامل الطرد التي ميزت واقع الأقلية الفلسطينية من وضع اقتصادي صعب وتهميش وتمييز وعدم مساواة (De Haas 2010). وفي مقابل ذلك أيضاً، نرى عوامل الجذب التي اتسمت بها فرصة الدراسة في الاتحاد السوفياتي، وأهمها القبول لدراسة موضوعات مرموقة (Brooks & Waters 2011)، الأمر الذي منح الطلاب إمكان مزاولة مهنة مستقلة بعيداً عن سيطرة المؤسسة، وجعل من الهجرة المنفذ الوحيد لتحقيق الطموح والذات من خلال الدراسة الأكاديمية (Altbach 2010; Diab & Mi’ari 2007; Mar’i 1978).

علاوة على ذلك، اعتُبرت الدراسة في الاتحاد السوفياتي لدى الطلاب الذين نالوا المنحة وكانوا من المنتسبين الفاعلين في الحزب الشيوعي الإسرائيلي، بمثابة رحلة إلى منبع الفكر الاشتراكي الذي آمنوا به. فالمنحة الدراسية شملت القسط التعليمي والسكن والمصروف الشهري، مع الاهتمام بتنقلات الطلاب وتوفير جميع مستلزماتهم بمساعدة طلاب آخرين كانوا قد سبقوهم إلى هذه التجربة (MacDonald & MacDonald 1964)، الأمر الذي زاد في الشعور بالألفة بينهم وبين المكان الجديد الذي يتوافق مع فكرهم الاشتراكي الشيوعي لتحقيق طموحاتهم (Scheibelhofer 2018). لقد كان الانتماء السياسي عاملاً جوهرياً في الحصول على المنحة التي وزعها الاتحاد السوفياتي على طلاب من مختلف دول العالم، والتي كان يهدف من ورائها إلى جعل هؤلاء الطلاب وكلاء لنشر الثقافة والفكر الشيوعيَّين بعد عودتهم إلى أوطانهم التي كانت في أغلبيتها، من دول العالم الثالث غير المتطورة (Brooks & Waters 2011). وتشير آخر المعطيات في مجال الهجرة من أجل الدراسة، إلى أن ما يقارب المليون طالب أنهوا دراستهم في الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حتى اليوم، وفي المجتمع الفلسطيني يوجد نحو 3000 خريج يشغل عدد كبير منهم مناصب مرموقة من ناحية اجتماعية وسياسية (بقاعي 2017).

كان وجود الطلاب الفلسطينيين بمعية عدد ليس بالقليل من الطلاب من مختلف الانتماءات بمثابة تجربة دولية عابرة للثقافات والقوميات أثْرت مقوماتهم الشخصية الذاتية، وعززت انتماءهم السياسي والثقافي والفكري (حاج - يحيى وعرار 2014أ؛ Pratt & Yeoh 2003; Silvey 2004). كما أنها فسحت أمامهم المجال لطرح قضيتهم على المنصات المكشوفة عالمياً عن طريق الحوارات السياسية التي كانت تدار ضمن هذا اللقاء، واستغلالها لإيجاد قناة تواصل بين الأقلية الفلسطينية والعالم الخارجي، فعرض الطلاب الفلسطينيون قضيتهم وادعاءاتهم ومواقفهم المتعددة. أضف إلى ذلك أن هذا اللقاء مكّن الطلاب الفلسطينيين من توحيد هوياتهم الفردية والجماعية، ومن التعريف برؤية اجتماعية عملوا على تحقيقها عند عودتهم إلى الوطن بعد فترة هجرتهم (Case & Huisman 2016).

وعلى الرغم من التقارب بين الفكر الذي حمله الطلاب الفلسطينيين، والفكر السائد في دولة المقصد، الاتحاد السوفياتي، فإن هؤلاء الطلاب مروا بما يسمى "صدمة ثقافية"، لأنهم في أغلبيتهم كانوا ينتمون إلى مجتمعات قروية محافظة، ثم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في دولة هي مركز ثقافي وصناعي وأكاديمي، فلزمهم وقت للتأقلم والانخراط بشكل تام في مجالات الحياة كلها (Faist 2000). إن خوض التجربة ذاتها لدى هؤلاء الطلاب، وتأثرهم بها من ناحية ثقافية واجتماعية وفكرية، دفعاهم إلى تنظيم أنفسهم، وإقامة رابطة خريجي الاتحاد السوفياتي التي استطاعوا من خلالها الحفاظ على تواصل دائم مع الدولة التي منحتهم فرصة للتقدم على المستوى الشخصي والمهني والسياسي من خلال مبادرات تهدف إلى بعث الثقافة الروسية والشيوعية من جديد (حاج - يحيى وعرار 2014أ؛ بقاعي 2017).

وبعد انقضاء تجربة الدراسة الأكاديمية في الاتحاد السوفياتي، عاد المئات من الطلاب الفلسطينيين إلى مجتمعاتهم التي لم تكن توازي المجتمع السوفياتي تقدماً، الأمر الذي جعلهم يواجهون مشكلات التأقلم من جديد في مجتمعاتهم بعد النقلة التي أحدثوها في حياتهم بعد انكشافهم على العالم. غير أن هؤلاء الخريجين، ومع هذه الصعوبات كلها، وظفوا ما اكتسبوه من معارف ومهن في خدمة مجتمعهم، وعملوا على تلبية حاجاته من حيث الخدمات الطبية والهندسية والقانونية وغيرها (مكاوي 2002؛ Meyer 2018 )، وبالتالي أحدثوا حراكاً اقتصادياً في محيطهم القريب، كونهم مجموعة ذات مكانة اقتصادية جيدة تميزهم من أغلبية المجتمع الفلسطيني. لقد تميزت هذه المجموعة من الخريجين بالوعي السياسي والمكانة الاقتصادية الجيدة، عدا أنهم نالوا احترام المجتمع لأنهم خاضوا تجربة لم تُتح الفرصة لخوضها إلاّ لقلة قليلة، كونها تجربة انتقائية جداً، لذا كان من المفهوم ضمناً أن يشغلوا مناصب قيادية في جميع المجالات كالطب والقانون والصحافة (Van Hear, Bakewell & Long 2018; Kandel & Massey 2002). وهكذا كان لفرصة الحصول على منحة للدراسة في الاتحاد السوفياتي، والهجرة الموقتة، مساهمة في إنتاج حراك اجتماعي - اقتصادي، وفي صقل الوعي السياسي لمجتمعهم (بقاعي 2017؛  Khoury, Da’na & Abu-Saad 2012).

بناء على الأدبيات التي تتبّعت موضوع الهجرة، فإن كل هجرة تنتهي بانطفاء وتآكل بطيء إلى أن تتلاشى كلياً بسبب عدم رؤية الهجرة كفرصة لتحقيق الذات (De Haas 2010). إلاّ إن مثل هذه النهاية المتدرجة لم يشهدها مسار الهجرة الرابط بين المجتمع الفلسطيني في الداخل وبين الاتحاد السوفياتي، وإنما كانت نهاية حادة بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي ووقف تمويل المنح الدراسية (Castles 2010; De Haas 2010).

وقد خصص الاتحاد الروسي في الأعوام الأخيرة 7000 منحة لطلاب من خارج حدودها يدرسون 250 موضوعاً مختلفاً في جامعاتها ومؤسساتها الأكاديمية المتنوعة، وقسم من هؤلاء الطلاب هم من العرب الفلسطينيين في الداخل الذين حصلوا على المنحة عن طريق رابطة خريجي الاتحاد السوفياتي.

خلاصة القول أن ظاهرة الدراسة في الاتحاد السوفياتي شكلت بديلاً من المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية التي لم يستطع الطلاب الفلسطينيون في الداخل الالتحاق بها. وقد تحولت هذه الظاهرة إلى عامل رئيسي في نشوء الجيل الأول من المثقفين في المجتمع الفلسطيني، والذي يستطيع تسلّم زمام الأمور، وقيادة هذه الأقلية التي نُكبت وبقيت من دون نُخبها، والعمل على بناء المؤسسات الثقافية من جديد لتمثل مصالح مجتمعهم في المسارَين، القومي والقومي - السياسي المحلي.

وتكمن المساهمة الأساسية لهذا البحث في كونها تتناول ظاهرة ذات أهمية ومساهمات جوهرية في المجتمع الفلسطيني من حيث تشكيلها وعيه الجماعي، وإفرازها قيادة ما زالت تؤثر في مستقبله حتى اليوم في عدة مجالات، فضلاً عن تتبّعها مسار الهجرة من بدايته إلى نهايته، الأمر الذي يُنتج إضافة معرفية إلى أبحاث الهجرة بهدف الدراسة الأكاديمية بصورة عامة.

 

*يشكر البروفسور خالد عرار كلاً من السيد محمد خلايلة على المساعدة في جمع معطيات البحث، والدكتور قصي حاج - يحيى على قراءة ومناقشة بعض نتائج البحث الأولية.

 

المراجع:

بالعربية

بقاعي، محمود (2017). "رابطة خريجي جامعات روسيا والاتحاد السوفياتي توزع المنح الدراسية". موقع "المدار"، في الرابط الإلكتروني. 

حاج - يحيى، قصي وخالد عرار (2014أ). "تدويل التعليم العالي: دراسات في حراك الطلاب العرب من إسرائيل خارج البلاد". رام الله: مؤسسة الأيام. 

حاج - يحيى، قصي وخالد عرار (2014ب). "ما لم يفعله السياسيون فعله الطلاب: دراسة الطلاب العرب من إسرائيل في الجامعات الفلسطينية" (في قيد النشر). 

بالأجنبية 

Altbach, Philip G. (2010). “Globalization and the University: Realities in an Unequal World”. In: Philip G. Altbach, Liz Reisberg & Laura E. Rumbley (2010). Trends in Global Higher Education: Tracking an Academic Revolution. Rotterdam: Sense Publications. 

Arar, Khalid (December 2017). “Academic Spheres: Students’ Identity Formation, and Social Activism among Palestinian Arab Students in Israeli Campuses”. Journal of Diversity in Higher Education, vol. 10, no. 4, pp. 366-380. 

Arar, Khalid & Kussai Haj-Yehia (2013). “Higher Education Abroad: Palestinian Students from Israel Studying in Jordanian Universities”. Journal of Applied Research in Higher Education, vol. 5, no.1, pp. 95-112. 

Arar, Khalid & Kussai Haj-Yehia (2016). Higher Education and the Palestinian Arab Minority in Israel. New York: Paglrave Macmillan. 

Arar, Khalid & Kussai Haj-Yehia (2017). “Higher Education Abroad: Trends among the Indigenous Palestinian Arab Minority in Israel”. In: Handbook of Research on Study Abroad Programs and Outbound Mobility. Edited by Donna Velliaris & Deb Coleman-George. Sydney: Advances in Higher Education and Professional Development (AHEPD) Book Series, pp. 66-87. 

Brooks, Rachel & Johanna Waters (2011). Student Mobilities: Migration and the Internationalization of Higher Education. New York: Palgrave Macmillan. 

Bryman, Alan (2012). Social Research Methods. Oxford: Oxford University Press, 4th edition. 

Carling, Jorgen & Francis Collins (2018). “Aspiration, Desire and Drivers of Migration”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 44, no. 6, pp. 909-926.  

Case, Jennifer M. & Jeroen Huisman, eds. (2016). Researching Higher Education: International Perspectives on Theory, Policy and Practice. London: Routledge.

Castles, Stephen (June 2010). “Understanding Global Migration: A Social Transformation Perspective”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 36, issue 10, pp. 1565-1586. 

Creswell, John W. (2007). Qualitative Inquiry and Research Design. Thousand Oaks, California: Sage Publication. 

De Haas, Hein (2010). “The Internal Dynamics of Migration Processes: A Theoretical Inquiry”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 36, issue 10, pp. 1587-1617. 

Diab, Khansaa & Mahmoud Mi’ari (2007). “Collective Identity and Readiness for Social Relations with Jews among Palestinian Arab Students at the David Yallin Teacher Training College in Israel”. Intercultural Education, vol. 18, no. 5, pp. 427-444. 

Dolby, Nadine & Fazal Rizvi (2008). “Introduction: Youth, Mobility and Identity”. In: Youth Moves: Identities and Education in Global Perspective. Edited by Nadine Dolby & Fazal Rizvi. New York: Routledge. 

Faist, Thomas (2000). The Volume and Dynamics of International Migration and Transnational Social Spaces. Oxford, UK: Oxford University Press. 

Flum, Hanoch & Avi Kaplan (2016). “Higher Education in a Transforming Society: The Case of Arabs in Israel”. International Journal of Educational Research, vol. 76, 

French, Sabine Elizabeth, Edward Seidman, La Rue Allen, & J. Lawrence Aber (2006). “The Development of Ethnic Identity during Adolescence”. Developmental Psychology, vol. 42, no. 1, pp. 1-11. 

Ghanem, As’ad (2001). The Palestinian-Arab Minority in Israel, 1948-2000: A Political Study. Albany, New York: State University of New York Press. 

Kandel, William & Douglas S. Massey (2002). “The Culture of Mexican Migration: A Theoretical and Empirical Analysis”. Social Forces, vol. 80, no. 3, pp: 981–1004. 

Khoury, Laura, Seif Da’na & Ismael Abu-Saad (2012). “The Dynamics of Negation: Identity Formation among Palestinian Arab College Students inside the Green Line”. Social Identities: Journal for the Study of Race, Nation and Culture, vol. 19, issue 1, pp. 32-50, 

King, Patricia M., Rosemary Perez & Woo-Jeong Shim (2013). “How College Students Experience Intercultural Learning: Key Features and Approaches”. Journal of Diversity in Higher Education, vol. 6, no. 2, pp. 69-83. 

Lustick, Ian (1980). Arabs in the Jewish State: Israeli’s Control of a National Minority. Austin, Texas: University of Texas Press. 

MacDonald, John S. & Leatrice D. MacDonald (1964). “Chain Migration, Ethnic Neighborhood, Formation and Social Networks”. The Milbank Memorial Fund Quarterly, vol. 42, no. 1, pp. 82-97.

Makkawi, Ibrahim (Summer 2004). “National Identity Development among Palestinian Student Activists in the Israeli Universities”. International Journal of Educational Policy, Research, & Practice, volume 5, no. 2, pp.19-59,  

Mar’i, Sami (1978). Arab Education in Israel. Syracuse, New York: Syracuse University Press. 

Marshall, Catherine & Gretchen Rossman (2012). Designing Qualitative Research. Thousand Oaks, California: Sage Publications. 

Meyer, Frank (2018). “Navigating Aspirations and Expectations: Adolescents’ Considerations of Outmigration from Rural Eastern Germany”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 44, no. 6, pp: 1032–1049. 

Morris, Benny (1991). The Birth of the Palestinian Refugee Problem, 1947-1949. Cambridge: Cambridge University Press. 

Pratt, Geraldine & Brenda Yeoh (2003). “Transnational (Counter) Topographies”. Gender, Place & Culture, vol. 10, issue 2, pp: 159–166. 

Scheibelhofer, Elizabeth (2018). “Shifting Migration: Aspirations in Second Modernity”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 44, no. 6, pp: 999–1014. 

Silvey, Rachel (2004). “Power, Difference and Mobility: Feminist Advances in Migration Studies”. Progress in Human Geography, vol. 28, no. 4, pp: 490–506. 

Smith, Jonathan A. (1995). “Semi-Structured Interviewing and Qualitative Analysis”. In: Rethinking Methods in Psychology. Edited by Jonathan A. Smith, Rom Harré, & Luk Van Langenhove. London: Sage Publication. 

Svasek, Maruska (2010). “On the Move: Emotions and Human Mobility”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 36, no. 6, pp: 865–880. 

Van Hear, Nicholas, Oliver Bakewell & Katy Long (2018). “Push-Pull Plus: Reconsidering the Drivers of Migration”. Journal of Ethnic and Migration Studies, vol. 44, no. 6, pp: 927–944. 

Yin, Robert K. (1989). Case Study Research: Design and Methods. London: Sage.

 

بالعبرية

الحاج، ماجد (1996). "التعليم بين العرب في إسرائيل: سيطرة وتغيير اجتماعي". القدس: مطبوعات ماغنس. 

حاج - يحيى، قصي (2002). "الأحلام والواقع: دراسة عن الخريجين الفلسطينيين في الداخل من جامعات ألمانية". تل أبيب: رموت. 

حاج - يحيى، قصي (2007). "لماذا الدراسة في ألمانيا؟ دراسة عن خريجين فلسطينيين في الداخل من جامعات ألمانية". في: خالد عرار وقصي حاج - يحيى (محرران). "جامعيون والتعليم العالي بين الفلسطينيين في إسرائيل: قضايا ومعضلات". تل أبيب: رموت. 

تايلور، تشارلز (2005). "سياسات الإدراك". في: "تعدد الحضارات: اختبار الهوية الإسرائيلية". تحرير أ. تانهومي. القدس: مطبوعات ماغنس.

السيرة الشخصية: 

خالد عرار: أستاذ في كلية القاسمي الأكاديمية.

فادية إبراهيم: أستاذة في جامعة تل أبيب - قسم التربية.