فلسطين في قصصي ورواياتي المكرّسة للأطفال
التاريخ: 
10/11/2021
المؤلف: 

1

بدأتُ الكتابة للأطفال في أواسط سبعينيات القرن العشرين؛ وأنجزت حتى الآن كتابة سبع روايات، وست وثلاثين قصة ومجموعة قصصية، وأربعة نصوص مسرحية، وستة كتب أُخرى تراوحت بين السيرة وأدب الرحلة وأدب الرسائل والحكاية الشعبية.

انصبّ اهتمامي في الدرجة الأولى، وأنا أكتب قصصاً وروايات للأطفال، على الهمّ الوطني. كنت معنياً باجتذاب الأطفال إلى حب الوطن والتعلق بالأرض، بما يكفل لأطفال بلادي العيش في حرية وأمن وسلام. وقد ألهمتني تضحيات الشعب الفلسطيني وانتفاضاته المتكررة ضد الاحتلال، كتابة قصص للأطفال وروايات  تتحدث عن التظاهرات ومنع التجول وفرض الحصار، وعن مقاومة الاحتلال بالحجارة وبغيرها من الوسائل والأشكال.

 

لوحة للفنانة سهيلة خالد

 

كتبت قصصاً عن أطفال حقيقيين استشهدوا على أيدي جنود الاحتلال، من أمثال الطفل علي عفانة والطفل جمال الزين. كتبت هذه القصص محاولاً ما أمكن تجنُّب المباشرة غير الفنية، وكنت معنياً بإيصال الفكرة إلى الأطفال من دون شعارات طنّانة أو خطب بليغة، ومن دون إسراف في رصد مشاعر الحزن، بل في الحدود التي تجعل الطفل متفهماً للأسباب التي أدت وتؤدي إلى ذلك.

ضمن هذا السياق، كتبت قصة "الجندي واللعبة" التي استوحيت مادتها مما وقع لطفلتي أمينة على الجسر، وهي عائدة مع أمها إلى القدس من عمّان، وبالطبع، فإنني لم أكتفِ بالمادة الخام لتشكيل القصة، وإنما تصرفت بهذه المادة على النحو الذي أحالها إلى قصة ذات أبعاد فنية.

كانت مع أمينة دمية على شكل عروس، وحين وقفت هي وأمها أمام أحد الجنود، راح يفتش كل شيء تحمله الأم، وفي هذه الأثناء قدّم لأمينة قطعة من الحلوى؛ ثم قرّر أن يفتش الدمية. قال إنه يريد التأكد من عدم وجود متفجرات في جوفها. قبض عليها وشقّ رقبتها وبطنها بسكين، ولم يجد في داخلها شيئاً، فألقى بها على الأرض. بكت أمينة وانحنت تلتقط دميتها الممزقة، ثم انتبهت إلى قطعة الحلوى التي في يدها. حدقت في الجندي ورمت قطعة الحلوى على الأرض، ثم مضت مع أمها مبتعدة.

كتبت قصصاً أُخرى، بينها قصة "كلب أبيض ذو بقعة سوداء". تحدثت فيها عن كلب لأسرة يهودية تعيش في مستوطنة مُقامة على أرض الفلسطينيين. كان الكلب مربوطاً في الصباح بحبل في حديقة البيت، أخذ يتقافز مرات عدة، فانفلت الحبل وغادر الحديقة، ثم غادر المستوطنة، واقترب من حي فلسطيني خارج أسوار القدس القديمة.

اقترب منه طفل مقدسي اسمه أسامة؛ أطعمه خبزاً، وأخذه للعب معه ومع  الأولاد والبنات. بعد العصر جاء جنود الاحتلال ومعهم أفراد الأسرة بحثاً عن الكلب، اتهم أحد الجنود الأطفال المقدسيين بسرقة الكلب، رفض الأطفال التهمة، وظل الكلب حائراً بين الطرفين، ثم انتهت القصة بما يوحي بأن الكلب هرب مرة أُخرى ولم يسلّم نفسه للقيود.

كتبت قصة طويلة عن مدينة أريحا موسومة بـ "بنت وثلاثة أولاد في مدينة الأجداد"، بمناسبة مرور عشرة آلاف عام على تأسيس أقدم مدينة في التاريخ، وفيها تأكيد لخصوصية المكان الفلسطيني ولما يتسّم به من عراقة وتاريخ وجمال. 

2

كتبت رواية للفتيات والفتيان فيها خيال وفانتازيا موسومة بـ "أنا وجمانة"، عرضت فيها فكرة نقل المستوطنين اليهود وهم نائمون على متن الغيوم إلى أوغندا، التي كانت مرشحة لإقامتهم بها قبل قرارهم بالهجرة إلى فلسطين.

ثمة فتى في الثانية عشرة، اسمه جواد، يعود هو وأسرته إلى رام الله من الجزائر. جواد يبدو متذمراً من كثرة الترحال مع والده الذي أبعده الإسرائيليون عن وطنه بسبب نشاطه الوطني ضد الاحتلال؛ يحلم جواد ذات ليلة بأنه ذهب إلى القدس والتقى فيها القائد صلاح الدين الأيوبي. لذلك، قرر وهو يتذكر حلمه في الصباح، أن يذهب إلى القدس. لكنه ظل يتكتم على الخطة التي اتفق عليها مع الطفل الجزائري مصطفى، وللأسف، فإن قوى شريرة متآمرة على الشعب الفلسطيني تحبط الخطة قبل تنفيذها.

كتبت رواية موسومة بـ "أنا وصديقي والحمار"، عن حمار فقده صديقي ثم استعاده بعد غياب،  وفي أثناء ذلك تحدثت عن معاناة الشعب الفلسطيني جرّاء الغزوة الصهيونية لبلادنا، وقد اختيرت هذه الرواية في سنة 2018، بتنسيب من المجلس العالمي لكتب اليافعين؛ فرع فلسطين، لتكون على قائمة الشرف ضمن مئة كتاب من العالم للفتيات والفتيان.

وكتبت رواية عن ذوي الحاجات الخاصة موسومة بـ "في انتظار الثلج"، تحدثت فيها عن الفتى محمود الذي يعاني تخلفاً عقلياً، وعن همومه المختلفة واهتماماته، وعن شغفه بالثلج، وعن زياراته إلى الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وعن مشاهداته ممارسات جنود الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين في المدينة.

في رواية "أحلام الفتى النحيل" تطرقت إلى فترة المراهقة وما فيها من تحولات تصيب الطفل الذي يدخل في هذه الفترة الحرجة، واستقصيت فيها حياة الفتى مهند وعلاقته بعزيزة ونادية، وتصرفاته معهما، وكذلك في المدرسة والبيت والشارع والمجتمع، وكانت القدس المكان الرئيسي الذي تدور فيه أحداث الرواية.

وقد تضمنت رواية "حمام السطح" مجموعة رسائل غير مباشرة، منها ما هو تربوي أخلاقي مكرّس لحفظ النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني، وحمايته من تفاقم الخلل والخراب فيه، ومنها ما له علاقة بوجود الاحتلال واضطهاده للناس، ومنها ما هو مكرّس للمتعة والاستمتاع، وبصورة خاصة في تصرفات أحمد الراغب في الهجرة إلى السويد.

كتبت أربعة نصوص مسرحية للفتيات والفتيان، بينها مسرحية "جمانة والأولاد"، وفيها عرض للخوف الذي يسببه الاحتلال وعساكره للأطفال الفلسطينيين، فيها كذلك دعوة غير مباشرة إلى ضرورة انصراف الأطفال إلى دراستهم وألعابهم، وتأجيل مشاركتهم في مقاومة الاحتلال إلى أن يبلغوا سن الرشد.

3

أبطال قصصي ورواياتي في الأغلب الأعم هم من الأطفال والبشر العاديين، وأهتم بإبراز دور البنت تماماً مثل اهتمامي بدور الولد، وأهتم بدور المرأة مثل اهتمامي بدور الرجل. وألجأ في بعض قصصي ورواياتي إلى أنسنة الحيوانات والطيور والاستعانة بها لأداء أدوار البطولة في هذه القصص.

أميل في بعض قصصي ورواياتي إلى الاهتمام بعنصر الفكاهة والسخرية لإمتاع الطفل في أثناء القراءة، كما أميل إلى العناية بعنصر الخيال، وإلى استخدام اللغة الفصحى السهلة، ولا أحبّذ استخدام العامية في النص القصصي والروائي. أما في المسرح فقد عرضت مسرحياتي للفتيات والفتيان باللهجة العامية، وهو ما أحبّذه على خشبة المسرح، وحينما قمت بإعداد نصوص هذه المسرحيات للطباعة في كتاب، حوّلتها إلى الفصحى، مع  استثناءات طفيفة.

حاولت الاستفادة من التراث في بعض قصصي ورواياتي. ففي رواية "أنا وجمانة" استحضرت شخصية صلاح الدين الأيوبي الذي رافقه بطل الرواية، الطفل جواد، في أثناء تجوالهما في القدس وزيارتهما بيت جده في قرية عين كارم.

وفي رواية "كلام مريم" جعلتُ صوت البنت مساوياً لصوت الولد داخل النص، وجعلته مكرساً في العنوان، وجعلت كنعان العائد إلى الجزء المتاح من الوطن يدرك فداحة أن يكون الوطن مكبلًا بحواجز وقيود.

وفي رواية "كوكب بعيد لأختي الملكة" ثمة ميل إلى الفانتازيا والتخيّل، وإلى قدر من السخرية والكوميديا، وثمة استناد إلى التراث الإسلامي، ممثلاً في التذكير بالخليفة عمر بن الخطاب، كذلك ثمة استناد إلى التراث الإنساني، ممثلاً في التذكير برواية "الأمير الصغير" التي كتبها الفرنسي أنطوان دو سانت اكزوبيري.

في روايتي "حديث عن القدس" وما تتعرض له من تهويد، ثمة ذكر للحواجز العسكرية الإسرائيلية، ووصف للدمار الذي أصاب مدينة جنين ومخيمها على أيدي الإسرائيليين. 

4

أعددت للفتيات والفتيان نصّاً سردياً موسوماً بـ "فدوى طوقان.. الرحلة الأبهى" عن شاعرة فلسطين؛ بالاعتماد على كتابيها المكرّسين لسيرتها الذاتية. وكتبت كتاباً للفتيات والفتيان هو سيرة للقدس بعنوان "القدس مدينتي الأولى"، وكتاباً آخر هو سيرة لرام الله بعنوان "رام الله التي هناك"، وهما المدينتان اللتان عشت فيهما وعملت فيهما أكثر من أي مدينة فلسطينية أُخرى.

كما أعددت للفتيات والفتيان نصاً سردياً موسوماً بـ "بيت من ألوان.. إسماعيل وتمام"، عن الفنان التشكيلي إسماعيل شموط وزوجته الفنانة التشكيلية تمام الأكحل شموط، بالاعتماد على كتابها " العين ترى والقلب يرسم"، وفي النص عرض لما عاناه إسماعيل وتمام من تهجير قسري على أيدي العصابات الصهيونية التي شردتهما من يافا واللد سنة 1948، مثلما شردت مئات آلاف الفلسطينيين من وطنهم؛ فلسطين.

عن المؤلف: 

محمود شقير: كاتب فلسطيني من القدس، يكتب الروايات والقصص للكبار والفتيان والفتيات.