إسرائيل: إلى أين تتجه الحياة السياسية بعد إقرار الميزانية؟
التاريخ: 
08/11/2021
المؤلف: 

كان أمام الكنيست الإسرائيلي حتى 14 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري كي تقدم حكومة بينيت-لابيد مشروع قانون ميزانية سنة 2021 ويجري إقراره، وإلا كان الكنيست سيحل نفسه بصورة تلقائية ويتم تحديد موعد لإجراء انتخابات خامسة جديدة في أقل من ثلاث سنوات في حدود شهر شباط/فبراير 2022. بيد أن هذه الحكومة نجحت في هذا الاختبار الصعب، وأقرّ الكنيست فجر يوم الرابع من هذا الشهر ميزانية سنة 2021 بقيمة 609 مليار شاقل، التي صوّت لصالحها 61 نائباً وعارضها 59، ثم أقرّ فجر اليوم التالي ميزانية سنة 2022 بقيمة 573 مليار شاقل، التي صوّت لصالحها 59 نائباً وعارضها 56. وكما قال إيمانيول نافون، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تل أبيب، فقد كانت هذه المعركة "معركة جسدية في حرم البرلمان"، تطلبت الكثير من الانضباط من أعضاء الائتلاف الحاكم، إذ كان غياب نائب واحد عن التصويت، أو نجاح المعارضة في كسب تأييد نائب واحد من الائتلاف، سيؤدي إلى خسارة هذه المعركة وسقوط الحكومة الائتلافية بالتالي[1]. وبحسب الصحافية كاترين دوبيرون، مراسلة صحيفة "لي زيكو"، فإن وزير المالية أفيغدور ليبرمان

"حرص على مقابلة كل نائب من نواب الائتلاف الحاكم، ولم يترك أي شيء للصدفة، وطلب، على وجه الخصوص، من البرلمانيين تناول الطعام الخفيف لتجنب الغفوة خلال المداولات". بينما لم تألُ المعارضة، بزعامة بنيامين نتنياهو، جهداً في محاولة جذب أحد أعضاء الائتلاف الحاكم إلى صفوفها، وهو ما أشار إليه النائب من حزب "يمينا"، يومتوف كالفون الذي صرّح للتلفزيون الإسرائيلي: "باستثناء منصب رئيس الوزراء، عرضوا عليّ كل شيء". كما نظمت المعارضة، في يوم الثلاثاء في 2 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أي في اليوم الأول من الجلسات العامة، مظاهرة في تل أبيب للتنديد بما وصفه البعض بـ "الميزانية الداعمة للإرهاب" بسبب المساعدات الممنوحة للقطاع العربي من السكان[2].

هل ضمنت حكومة بينيت-لابيد استمرارها؟

كانت ميزانية 2021 أول ميزانية تقرها إسرائيل منذ ثلاث سنوات. ففي الفترة الواقعة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2018 وحزيران/يونيو 2021، غرقت إسرائيل في أزمة سياسية غير مسبوقة أدت إلى إجراء أربع انتخابات مبكرة وحالت دون تمكن النواب من إقرار الميزانية. وكانت حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة قد سقطت جراء رفض نتنياهو القاطع لإقرار قانون ميزانية الدولة لسنة 2020، في محاولة منه لحرمان حليفه في الحكومة آنذاك بني غانتس من دوره المتفق عليه في رئاسة الوزراء.وعندما حلّ التحالف الحكومي بقيادة نفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" اليميني المتطرف، ويائير لبيد، زعيم حزب "يش عتيد"، في حزيران/ يونيو 2021، محل حكومة نتنياهو، لم يكن أحد في إسرائيل يتوقع أن يصمد هذا التحالف فترة طويلة، خصوصاً وأنه قام على قاعدة ائتلاف من ثمانية أحزاب متباينة إيديولوجياً ومتعارضة في كثير من القضايا، باستثناء رغبتها في طي صفحة حكم بنيامين نتنياهو الذي تواصل على مدى خمسة عشر عاماً، ولم يتمتع هذا الائتلاف، الذي ضم لأول مرة حزباً عربياً، سوى بتأييد 61 نائباً من أصل 120 من نواب الكنيست. بيد أن إقرار ميزانيتَي 2021 و2022 جاء ليعزز استقرار هذا التحالف الحكومي، بحيث سيكون من الصعب، كما يرى مراسل صحيفة "لوموند" في إسرائيل، لويس أمبير، على معارضي التحالف "إسقاطه خلال السبعة عشر شهراً القادمة"، شرط "أن ينجو من التناقضات الخاصة به"[3]. وهو ما يقرّب وزير الخارجية يائير لابيد خطوة من تولي منصب رئيس الوزراء في آب/أغسطس 2023 تماشياً مع اتفاق تقاسم السلطة الذي وقّعه مع نفتالي بينيت.ما هو مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي؟يعتقد كثير من المراقبين أن مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي بات على المحك الآن، خصوصاً إذا ما نجحت حكومة بينيت-لابيد في تجاوز تناقضاتها الداخلية وضمنت استمرارها.

فبحسب هافيف رتيغ غور، الصحافي في موقع "تايمز أوف إسرائيل"، "سيكون من الحماقة أن يتجاهل قادة الليكود الإحساس الناشئ بالهوية لدى الحكومة الجديدة لمجرد أنهم غير متأثرين بمزاعمها"، لا سيما وأن هناك "العديد من داخل الليكود الذين بدأوا يشعرون بقوة الهوية الجديدة لهذه الحكومة، ويشككون في مزايا القرار غير المسبوق الذي اتخذ العام الماضي بعدم تمرير قانون ميزانية الدولة لدعم مناورات نتنياهو السياسية"، وأن قادة الليكود باتوا يدركون "دور حزبهم في توفير شروط تشكيل الحكومة الجديدة وضمان الاستدامة الغريبة لها، ويبدو أنهم يعيدون التفكير في استراتيجيتهم"، معتبرين أنه "سيكون من الحكمة أن يتصرف الليكود بشكل مختلف إذا كان يرغب في إضعاف سبب وجود هذا التحالف والعودة إلى السلطة". ويقدّر الصحافي نفسه أن بعض حلفاء نتنياهو الآخرين صاروا أكثر "استعداداً صريحاً للتعاون مع التحالف الحاكم"، وخصوصاً في مجتمع الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة (الحريديم)، إذ أصبح بعض السياسيين في هذه الأحزاب "على استعداد متزايد لانتقاد نتنياهو علناً والتعاون علناً مع الائتلاف في الكنيست"، ومن بين هؤلاء رئيس حزب "يهدوت هتوراه"، عضو الكنيست موشيه غافني، الذي اعتبر أن "اعتماد الميزانية أمر مهم"، كما قال للجنة البرلمانية، وأضاف: "نحن نعلم الآن أننا ارتكبنا خطأ، كان ينبغي أن نعتمد الميزانية". وهذا التحوّل في مواقف بعض زعماء الأحزاب الدينية هو ما يفسر –كما يتابع الصحافي- "خطاب نتنياهو الحاد ضد الحكومة الجديدة "المخادعة" وذلك في محاولة منه للضغط على أحزاب الحريديم للبقاء في المعارضة، كما هي محاولة لتعبئة قاعدته الخاصة"[4]. ولكن مع إقرار الميزانية وابتعاد احتمال إجراء انتخابات جديدة، صارت الصحافة الإسرائيلية تشكك في المستقبل السياسي لرئيس الوزراء السابق البالغ من العمر 72 عاماً، والمتهم بالفساد والاختلاس في سلسلة من القضايا. وفي هذا السياق، قال يوناتان فريمان استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس لوكالة فرانس برس إن "اعتماد الميزانية سيزيد من إضعاف قبضة نتنياهو على الليكود"، وأضاف أن "الضغط على نتنياهو سيزداد لشرح ما ينوي فعله". وإذ تستحضر الصحافة المحلية أسماء خلفاء محتملين له على رأس الحزب، إلا أنه يظل، حتى الآن، متقدماً على غيره في استطلاعات الرأي الأخيرة في حال إجراء انتخابات جديدة[5].

هل الميزانية في صالح المواطنين العرب؟

صوّت نواب "القائمة العربية الموحدة" الأربعة لصالح الميزانية وساهموا، بصورة مباشرة، في ضمان تمريرها. وقد علّق رئيس القائمة وزعيم الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية، منصور عباس، على هذا التصويت بقوله: "هذه هي المرة الأولى التي يلعب فيها حزب عربي دوراً رئيسياً في تشكيل الائتلاف واعتماد الميزانية؛ إنها خطوة مهمة في عملية الاندماج السياسي للأقلية العربية الإسرائيلية"، معتبراً أن الميزانية خصصت مبالغ مالية كبيرة للإنفاق على القطاع العربي من السكان. وتجادل "القائمة العربية الموحدة" بأنها الآن "الحزب العربي الوحيد القادر على الدفع بإصلاحات لصالح الجمهور العربي الذي تم إهماله لفترة طويلة، وأن رفض القائمة المشتركة التعاون مع الحكومات المتعاقبة جعلها غير ذات صلة"[6].

وكان أعضاء "القائمة المشتركة" الستة قد صوتوا ضد الميزانية، لكونها تجعل ميزانية وزارة الحرب –كما أوردت صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية- "أكبر ميزانيات الوزارات"، إذ "وصل حجمها 78 مليار شيكل، وهذا قبل الزيادات المتوقعة حتى نهاية العام الجاري في فوائض ميزانيات الوزارات المختلفة، وهذا ما يجري كل عام، إذ أن جيش الاحتلال يستولي عادة على إضافة تتراوح ما بين 4 مليارات إلى 8 مليارات شيكل سنوياً من هذا الفائض"، كما تشمل الميزانية "زيادة بنسبة 50% في ميزانيات المستوطنات، التي تحولها وزارة الداخلية لمجالس المستوطنات، بموجب ما أعلنته وزيرة الداخلية العنصرية المتطرفة أييليت شكيد"، فضلاً عن "سلسلة من الضربات الاقتصادية التي ستقع على رأس الجمهور"، تحت عناوين مختلفة، مثل صحة الجمهور، وتنقية المناخ، وزيادة الضرائب وغيرها من الكوارث الاقتصادية، "وأول وأقسى الضربات رفع سن التقاعد للنساء تدريجياً من 62 إلى 65 عاماً". وخلصت "الاتحاد" إلى أن الضحية الأساس لكل هذه الضربات الاقتصادية، هم "الشرائح الفقيرة والضعيفة، ويشكل المواطنون العرب من هذه الشرائح حوالي 45%، رغم أن نسبتهم هي 18 % من السكان"[7].

أما أيمن عودة، رئيس "القائمة المشتركة"، فقد أشار في مقال نشره في "الاتحاد" إلى أن ميزانية دولة إسرائيل لسنة 2021 "ستكون 432 مليار شاقل للوزارات مباشرة، ولكنّها 610 مليارات شاقل تشمل الديون والالتزامات للسنة الحالية (2021)، والخطة الخماسية للمواطنين العرب 29,5 مليار شاقل لمدة خمس سنوات، أي أقل من 6 مليارات شاقل للسنة الواحدة من أصل 610 مليار وهي الميزانية العامة للدولة، أي أقل من 1% من هذه الميزانية العامة". وأخذ عودة على نواب "القائمة العربية الموحدة" الذين صوتوا لصالح الميزانية كونهم قايضوا "جزءاً صغيراً من حقّنا بالتصويت على ميزانية تضرب شعبنا والفقراء بالصميم"، أي صوّتوا "مع الاستيطان وحصار غزة وتقوية جيش الاحتلال وبناء 9 آلاف وحدة سكنية في القدس العربية، ورفع ضريبة الوقود، ورفع سن التقاعد الذي يخسر منه الفقراء أكثر لأنهم هم الذين يعملون بالأشغال الصعبة التي لا تتحملها أجسادهم التي تكبر بالعُمر، وزيادة أسعار السلع الأساسية مثل الخبز، والخضراوات والفواكه، وكذلك المواصلات العامة"، ليخلص إلى أن "عقلية الرعايا هذه والتي في أساسها نهج المقايضة على الحقوق وربطها بالمهادنة بالمواقف السياسية والوطنية، تعيد عقلية الحكم العسكري لأذهان المواطنين العرب والمؤسسة الحاكمة بتعاملها معنا على حدٍّ سواء، حيث تتم معالجة قضايا المواطنين العرب فقط بميزانيات مخصّصة لهم بعيداً عن الميزانية العامة وعن طريق لجنة برلمانيّة خاصّة لا تأثير لها تعنى بشؤونهم بعيداً عن اللجان الأخرى"[8].

 

[1] https://www.liberation.fr/international/moyen-orient/vote-du-budget-en-israel-victoire-totale-pour-le-nouveau-gouvernement-ko-pour-bibi-20211105_M4W45C5ECFEOTPNBIP7ADP6P5M/

[2] https://www.lesechos.fr/monde/afrique-moyen-orient/israel-vote-son-premier-budget-en-trois-ans-1361210

[3] https://www.lemonde.fr/international/article/2021/11/05/en-israel-le-gouvernement-bennett-promet-de-durer_6101051_3210.html

[4] https://fr.timesofisrael.com/budget-la-coalition-autrefois-fragile-prouve-quelle-peut-affronter-netanyahu/

[5] https://www.lexpress.fr/actualites/1/monde/israel-le-parlement-adopte-le-budget-victoire-cle-pour-le-nouveau-gouvernement_2161771.html-

[6] https://fr.timesofisrael.com/la-coalition-fete-ladoption-des-budgets-2021-et-2022p

 https://fr.timesofisrael.com/la-knesset-adopte-le-budget-2022-une-victoire-pour-naftali-bennett-et-sa-coalition/

[7] https://www.alittihad44.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%AA-%D9%8A%D9%82%D8%B1-%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A8%D9%84-2022-%D9%88%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9-%D8%B6%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82

[8]https://alittihad44.com/mulhaq/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B5%D9%85%D9%88%D8%AF-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%86%D8%A7-%D9%88%D9%88%D8%A7%D9%87%D9%86%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D9%85%D9%8A%D9%92%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%85%D9%86-%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9