فلسطينيو يافا.. ثبات وحفاظ على الهوية الفلسطينية على الرغم من محاولات التهجير
التاريخ: 
27/09/2021
المؤلف: 

لقد عُرفت برقيّها الحضاري، وبأنها ملتقى الغرباء والنجوم والشخصيات العريقة، حتى أنها سُميت "عروس فلسطين". إنها مدينة يافا التي احتلتها القوات الصهيونية في ربيع 1948، والتي تحظى بالتقدير في الذاكرة الفلسطينية والعربية دوماً. ونظراً إلى طبيعة المنطقة الخلابة وحيويتها أُقيمت مدينة "تل أبيب" على مشارفها.

ما انفك أهلها يحافظون على تاريخها وروايتها عبر الأجيال؛ قيل عن أهلها سابقاً إنهم "أهل الإتيكيت"، واشتهرت المدينة بنشاطها الثقافي والفني الواسع، إذ كانت أول موطئ قدم للفنانة المصرية أم كلثوم في الأراضي الفلسطينية، والتي قدمت عرضاً في سنة 1935 في سينما "الحمراء."[1]  كما زارها كثيرون من النجوم العرب.

لكن كيف هي أحوال أهالي يافا الأصليون الآن، والذين لم يهاجروا منها عشية النكبة الفلسطينية سنة 1948، وبقوا فيها حتى اليوم؟

صمود وحفاظ على الهوية الوطنية

يقول المختص في التاريخ والشؤون اليافاوية السيد رامي صايغ: "هاجر 90% من سكان يافا خلال نكبة 1948، ولم يتبق منهم بعد الحرب سوى 4000 شخص من أصل 120 ألف فلسطيني[2]  من أبناء البلد الأصليين. فوضعتهم العصابات الصهيونية في حي العجمي، بعد أن أحاطت منافذه بالأسلاك الشائكة والحراسات، وذلك من أجل تجريف الأحياء الأُخرى وتحويلها إلى مشاريع سكنية استيطانية. ومن هذه الأحياء التي دُمرت وقتذاك: حي المنشية، والبلدة القديمة، ومنطقة درويش، وتل الريش، والحي التركي، وحي العريان".

ويضيف صايغ: "لم يبقَ من الأحياء الفلسطينية حالياً سوى حي العجمي، والجبلية، وحي النزهة، ويسكنها نحو 20 ألف عربي فلسطيني، وما زالت معالم التصميمات الفلسطينية العتيقة بارزة حتى الآن. ويحاول أهل يافا الحاليون الثبات والصمود والحفاظ على الوجود العربي فيها في مواجهة سياسات الدولة الممنهجة القائمة على التمييز العنصري والتهجير. وتقوم شركتا "عليمدار" و"حلميش" للعقارات الإسرائيلية بمحاولات دؤوبة لإفراغ  المنازل العربية المتبقية في حي العجمي من سكانها العرب بغية إعادة بنائها على شكل عمارات وشقق يتم بيعها لليهود الأغنياء". كما تم الاستيلاء على بعض منازل اليافاويين المهجرين سنة 1948 ومنحها لليهود الأوروبيين الذين تم إجلاؤهم عن مستوطنات قطاع غزة سنة 2005..

ينص القانون الإسرائيلي على السماح لأصحاب البيوت اليافاوية من الجيل الأول والجيل الثاني بتملُّك بيوتهم التي لم يرحلوا عنها، كما يذكر صايغ، بينما لا يسمح لأبناء الجيل الثالث بتملُّك هذه البيوت في حال فارق أولياء أمورهم من الجيل الأول والثاني الحياة. وعند ذلك، تُنقل الملكية لمصلحة شركات عقارية إسرائيلية، ويجبَر هؤلاء الأبناء على استئجار منازل بأسعار خيالية في مدن الداخل الفلسطيني، أو يلجأون إلى الضفة الغربية."[3] وقد تسببت هذه الإجراءات الاقتلاعية والتهويدية في الأعوام السبعة الأخيرة بنشوب صدامات عنيفة بين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر وبين السلطات الإسرائيلية ومستوطنيها، بلغت ذروتها في هبّة القدس الأخيرة في أيار/مايو 2021. وقد أبدت الحكومة الإسرائيلية مخاوفها من عدم قدرتها على السيطرة على الفلسطينيين في يافا، وأعلنت حظر التجوال على شواطئ يافا، بعد أن امتدت الصدامات إلى مناطق أُخرى في الداخل الفلسطيني، مثل مدينة اللد وحيفا وسخنين وغيرها من المدن والبلدات الفلسطينية.

وبادر إهالي يافا الفلسطينيون، في إطار تصدّيهم لمحاولات التهويد والاقتلاع، إلى تأسيس  منظمة لرعاية شؤون عرب يافا، وغيرها من المنظمات، ونظموا العديد من النشاطات الاحتجاجية والوقفات التضامنية مع الأسرى المعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما أوضح صايغ.

ومن المعروف أن مدينة يافا اشتُهرت عبر التاريخ بزراعة الحمضيات، وأدى ميناؤها دور حلقة وصل بين فلسطين والعديد من دول العالم، إذ كان برتقالها يصدَّر عبر هذا الميناء في صناديق خشبية إلى تركيا واليونان وبريطانيا وهولندا ودول المغرب العربي. وكان عشرات الآلاف من المزارعين الفلسطينيين يعملون في زراعة الحمضيات قبل النكبة. وبغية الحفاظ على هذه الأسواق التصديرية، سرقت إسرائيل العلامة التجارية للبرتقال اليافاوي (JAFA)، كما استخدمت رمز البرتقال على الطوابع البريدية وفي الإعلانات السياحية.[4]

وعلى الرغم من إغلاق ميناء يافا أمام حركات الاستيراد والتصدير، فإنه ما زال يشغّل عدداً من الأُسر الفلسطينية الصامدة في يافا، والتي تمتهن الصيد. ويقول الصياد سعدو زينة، الذي يعمل في هذا الميناء منذ عشرين عاماً، إن والده ورث مهنة الصيد عن جده الذي امتهنها خلال العهد العثماني، وأنه أخذ هذه المهنة عن أبيه الذي عمل فيها في ثلاثينيات القرن العشرين خلال الانتداب البريطاني. ويضيف أن أعمال الصيد انحسرت شيئاً فشيئاً بسبب مضايقات السلطات الإسرائيلية، بحيث لم يعد يعمل في هذه المهنة سوى 300 شخص تقريباً يستخدمون نحو 200 قارب صغير. وكانت السلطات الإسرائيلية دمرت سوق السمك في المدينة جرّاء الضرائب الباهظة التي تفرضها على استخدام شباك الصيد، وعلى كميات الأسماك التي يتم اصطيادها.

 

[1] انظر الرابط الإلكتروني.

[2] انظر الرابط الإلكتروني.

[3] انظر الرابط الإلكتروني.

[4] انظر الرابط الإلكتروني.

عن المؤلف: 

أمجد عرفات: كاتب من غزة.