أثر سياسات المعرفة في الخطاب البحثي الأكاديمي
النص الكامل: 

وُلدت دوافع هذه الدراسة في إحدى الجامعات التركية حيث كانت طالبة فلسطينية تُعدّ رسالة الماجستير عن الخطاب الإعلامي للاحتلال الصهيوني في فلسطين، وذلك عندما واجهت الطالبة تحدياً من طرف الأستاذ المشرف على الرسالة، والذي طلب منها استبدال كلمة الاحتلال بمفردة أُخرى، تجنباً للوقوع في مأزق التحيّز والتعاطف، فتفقد الرسالة مضمونها وشفافيتها الأكاديمية، الأمر الذي أثار حفيظة الطالبة التي دافعت عن موقفها وتعبيرها بقولها للأستاذ إن العالم كله يقول إن ما يجري في فلسطين هو احتلال.

لكن عن أي عالم تتحدث؟ ثمة عوالم متغايرة سيميائياً في هذا العالم، فهناك مَن يطلقون على جهاز القوة والسيطرة الخاص بدولة الكيان الصهيوني "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بينما يطلق آخرون عليه الجيش الإسرائيلي، فأي من هذين التعبيرَين يحمل أكبر قدر ممكن من الشفافية والحياد الأكاديميَّين؟

هذا الحادث الأكاديمي الملتبس يُظهر مدى التفاوت والتعارض بين مختلف المواقع والأطر الأكاديمية والمعرفية، والتي يمكن اختزالها بمفهومَين ما فتئا يحكمان سير الأبحاث والأطر والمواقع الثقافية والمعرفية والأكاديمية، وهما مفهوما المركز والمحيط، أو العالم الأول والعالم الثالث، أو الحضارة الغربية وما يحيط بها، الأمر الذي شكّل في النهاية بنى ودوائر تُنتج بدورها المعايير والمعتمدات الخاصة بها ضمن علاقاتها بأجهزة السيطرة والقوة.

إلّا إن العلة الأولى، إذا جاز التعبير، لهذا الحادث الأكاديمي هو الخطاب الأكاديمي الغربي الذي أخذت ملامحه تتحدد وتتضح ضمن السياق المركزي الأوروبي الكولونيالي، فهو خطاب المركز الذي نجح في صوغ معاييره ومعتقداته ومقاييسه بما يكفل استخدامها من طرف المثقف والباحث والطالب القادمين من خارج المركز، بل اعتمادها في إنتاج خطابهم الذي يتوخوا فيه الدقة والأمانة والحياد العلمي والموضوعي، كي ينالوا في النهاية تذكرة العبور إلى مصافي النخب الأكاديمية والمعرفية في الحضارة الغربية. وعليه، فإن تتبّع أصول الخطاب الأكاديمي الغربي ومدى حياديته وموضوعيته في رؤيته إلى العالم، يطرح عدة تساؤلات تسعى هذه الدراسة للإجابة عنها بمنهجية نقدية تحليلية، من أهمها:

ما هي ملامح الخطاب المعرفي الحداثي في السياق المركزي الأوروبي الكولونيالي؟ وكيف تصادمت المعتمدات التي أفرزها هذا الخطاب مع دراسات ما بعد الكولونيالية؟ وإلى أي حد ساهم باحثو ومفكرو ما بعد الكولونيالية في تفسير مفاهيم التحيّز والحياد والعطف والتعاطف، ومدى تأثير ذلك في نشوء تيارات معرفية جديدة ليست خاضعة لهيمنة المعرفة الأكاديمية الغربية؟

فضلاً عن ذلك، تسعى الدراسة لتسليط الضوء على دور نظريات جديدة مثل نظرية السيمياء الاجتماعية وعلم الاجتماع الانتقادي وعلم الإثنوتاريخ والتاريخ الشفوي في بناء وقراءة التمثيلات الإنشائية والمعرفية والبحثية، وذلك في إطار السؤال المركزي لهذه الدراسة، والذي يقضي بقياس مدى تأثير سياسات المعرفة في الخطاب البحثي الأكاديمي.

من هنا، فإن هذه الدراسة تفترض أن ثمة أثراً كبيراً لسياسات المعرفة في تشكيل التمثيلات المعرفية والخطابات البحثية الأكاديمية. وفي السياق نفسه، تكمن أهمية الدراسة في المساهمة بتوفير إطار نظري يعزز من قدرة الباحثات والباحثين العرب أو اللامنتمين إلى العالم المعرفي الغربي، على إعلان تحيزهم النقدي إلى إطارهم الثقافي المعرفي، وجرأتهم في التعبير عن هذا الواقع ضمن خطابهم المعرفي البحثي الإنساني.

أولاً: ملامح الخطاب المعرفي الحداثي في السياق المركزي الأوروبي

لم يكن القرن التاسع عشر في أوروبا قرن الثورات والقوميات فحسب، بل إنه القرن الذي جرى فيه تحديد ملامح العالم بأسره أيضاً، بل إعادة تمثيله، عبر إنتاج عصر العقلانية الأوروبية لتحفته الرائعة وهي الخطاب بجميع تجلياته وتمثيلاته، إذ إنه وفي خضمّ الحراك المعرفي والتقني الأوروبي، جرى خلق الصلات والروابط التي نجحت في إقامة علاقة بين البنى المعرفية والبنى السلطوية كي تتجلى الحداثة.

هذه الحداثة التي ساهمت بدورها في خلق المجتمعات الأوروبية الحاضرة، ضمن مقولات حقيقتها الخاصة بها والمتمثلة في الدستور وعلم الاجتماع والديمقراطية ورأس المال وحتى الاشتراكية والسيادة الشعبية وغيرها من المقولات المعرفية الباهرة التي نشأت ضمن سياق الصراع الطبقي، وهو ما يؤكده كلود ليفي شتراوس في قوله إن الحداثة ما إن تؤكد وتحقق مقولاتها المتركزة حول الديمقراطية، حتى يسعى مجتمع الديمقراطية "بكل ما أوتي من قوة إلى الحفاظ على فروقه ومسافاته الاجتماعية الداخلية بالغزو الاستعماري للشعوب الضعيفة."[1]

وهنا تكمن بالتحديد مشكلة الخطاب الحداثي الناشىء في السياق الكولونيالي، وهي مشكلة الانتقال لأول مرة في تاريخ الحضارة البشرية من إدارة البشر (أي من المجتمع والإنتروبيا [Entropy] المتنامية) إلى إدارة الأشياء (أي الثقافة وخلق نظام يغتني ويتطور ويتعقد باستمرار).[2]

وهذا الصراع الذي نشأ في خضمّ الحداثة جرى حسمه عبر توثيق العلاقة بين المعرفة والسلطة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى خلق نظام للمعنى الكولونيالي، وهو نظام من البنى المعرفية والمعيارية جرى التوافق على صوغها وإنتاجها وتمريرها بما يخدم محرك الكولونيالية الهائل الذي لم يقرر فقط السيطرة والاستحواذ على عالم الآخر، بل إعادة خلقه وتمثيله وتشفيره أيضاً. وإذا كان شتراوس تحدث عن شرط منهجي للحداثة يتمثل في تذويب الإنسان من أجل تأسيس معرفة علمية به، فإن الخطاب الكولونيالي المعرفي ذوّب العالم المحيط بالمركزية الأوروبية من أجل إعادة خلقه وتمثيله بأدوات وتقنيات معرفية حداثية.

هذا التذويب المزدوج للإنسان الأوروبي المستعمِر من جهة، وللإنسان المستعمَر من جهة أُخرى، أفرز مقولة الحقيقة الخاصة بالحداثة، من أجل تمكين الحداثة وترسيخ مبناها الشاهق، ثم تشييده على صخرة الحقيقة الخاصة بها. وهذه الحقيقة التي جرى إسباغ ممنهج للسلطة عليها بما يكفل إحالتها إلى حقيقة معرفية كولونيالية صائبة، تواجه المعرفة الزائفة، وهو ما تصدى له ميشيل فوكو بتعريف آخر للحقيقة بأنها "مجموع القواعد التي يمكن بمقتضاها فرز ما هو حقيقي ممّا هو خطأ.[3]

وفي اشتغاله في حقيقة الحداثة، يسلط فوكو الضوء على خصائص الاقتصاد السياسي للحقيقة في مجتمعات الحداثة، وهي: (1) تعتمد مجتمعات الحداثة على الخطاب العلمي الذي تنتجه المؤسسات والمراكز في عملية إيقاف الحقيقة عليه وحصرها فيه؛ (2) الحقيقة ليست غاية في مجتمعات الحداثة بل تقنية تمتلكها جهات قوة كممارسة السلطة السياسية والإنتاج الاقتصادي؛ (3) الحقيقة هي حقيقة استهلاكية واستخدامية ودائمة النشر والتوزيع عبر مؤسسات التربية والإعلام؛ (4) الحقيقة يجري إنتاجها بإشراف وهيمنة مؤسسة سياسية واقتصادية مثل الجامعة والجيش والإعلام.[4]

وهذه الحقيقة التي تمثل مقولة الحداثة، أسست أيضاً الفسق المعرفي الخاص بمجتمع الحداثة الذي يطلق عليه فوكو "الأبستيم" (épistémè) الذي تتشكل فيها المعارف والعلوم وتُبنى عليه، وبهذا تغدو الكولونيالية حقيقة قائمة بحد ذاتها، قادرة على التقسيم وإعادة التقسيم، لا عبر حقيقتها فقط، بل من خلال ما تفرزه من معتمدات ومعايير تكفل بدورها السيطرة والاستحواذ وإعادة تمثيل الخيال الاجتماعي إلى المجتمعات المسيطَر عليها، وبهذا تغدو الكولونيالية خالقة لزمنها التاريخي الضارب في القدم، إلى درجة أنها تبدو كأنها الخلاص بذاته الذي يصعد بالإنسانية نحو الارتقاء والتقدم، ويمحق أي ثورة تهدد زمنيتها ووجودها.

وبما أن الحقيقة تهدف إلى التمدد والانتشار والتحكم، فهي تسعى في السياق نفسه لحماية وجودها، لا عبر الاستحواذ على السيطرة والعنف فقط في الطابع الكولونيالي المسيطر، بل من خلال إنتاج المعنى والخطاب والمبنى المعرفي، فضلاً عن تصفية وتنقية ما يجب قوله وإخماد وإسكات ما لا يجب قوله. ويُعيّن فوكو في هذا السياق ثلاثة أنواع تُعد بمثابة إجراءات لمراقبة الخطاب والسيطرة عليه، وهي: الإجراءات الخارجية؛ الإجراءات الداخلية؛ إجراءات التقليل من عدد الذوات المتكلمة.

أمّا مراقبة الخطاب والتحكم فيه من خارجه، فإنها عملية تعتمد على منظومات الأبعاد الثلاثة وهي بحسب فوكو:[5]

1 - المنع والحظر: تمارس المجتمعات أشكالاً من المنع والتحريم على الخطاب بحيث إنها تمنع التداول في بعض المضامين والموضوعات، وإذا ما سمحت بالحديث في أي موضوع فإنها تحلله في ظروف معينة، وتحرّمه في ظروف أُخرى، كما أنها تعطي بعض المتكلمين صلاحية الحديث في تلك الموضوعات.

2 - التقسيم والرفض: وهي معادلة الأنا والآخر، وتحديد الهوية على أساس الاختلاف والرفض والإلغاء والتصنيف، وهذا هو جوهر خطاب الحداثة.

3 - إرادة الحقيقة: تمارس إرادة الحقيقة القسر والإكراه على الخطاب، وترتكز على الفصل بين ما هو حقيقة وما هو خطأ، وعليه فإن هذا الفرز تعكسه علاقات الهيمنة والقوة والسيطرة، فما هو حقيقة في فترة تاريخية معينة هو باطل وخطأ في فترة أُخرى.

أمّا بشأن إجراءات مراقبة الخطاب من داخله، فهي:[6]

1 - التعليق: يفترض فوكو أن جميع المجتمعات لديها نظام تراتبي خاص بالخطابات، فثمة خطابات مؤسِّسة، وأُخرى ثانوية في السياق العام للخطابات المؤسِّسة، يتمحور دورها في التعليق على الخطابات الأساسية وإغلاقها عبر "حصر معانيها في المألوف والمعتاد والعادي من المعاني التي لا تتعارض مع وجود تلك المجتمعات."

2 - وظيفة المؤلف: "إن الخطاب لا يكون شرعياً، أي لا يكون خطاباً معترفاً بأهليته في مجالات اجتماعية معينة كمجالات العلم والأدب مثلاً، إلّا إذا أُسند إلى مؤلف [....] إننا في وظيفة المؤلف أمام لعبة هوية تتجسد في أنا المؤلف، هوية يُقصد بها السيطرة على صدفوية الخطاب ومفاجآته (بإسناد الخطاب إليه وقصره عليه)." وكي تتعزز معادلة خطاب الحقيقة وحقيقة الخطاب، فإنه لا بد من القيام بإجراءات التحكم في الخطاب وأسس تداوله وإلقائه والسماح بنشره من خلال التقليل من عدد الذوات المتكلمة. وهذه الإجراءات هي:[7]

1 - طقوس الكلام: أي أن تعددية المعرفة وإشاعتها في المجتمعات الغربية وتبادل الخطابات بحسب فوكو، "إنما يتم في إطار منظومات الحصر التي تتمثل في الطقوس المصاحبة للخطاب وتمارس عليه إكراهاً، تلك الطقوس التي تحدد المواصفات والأدوار والسلوكيات التي يلزم أن تتصف بها الذوات المتكلمة وهي تستعمل الخطاب وتتبادله وتتداوله."

2 - جمعيات الخطاب: اقتصار الخطاب وتقنياته على جماعات معينة وحصره بها.

3 - المجموعات المذهبية: "إخضاع الذوات المتكلمة للخطابات، وإخضاع الخطابات لجماعة الأفراد المتكلمين، ولو كانت جماعة ضمنية."

4 – التملكات الاجتماعية: إذا كانت الخطابات خاضعة لنظام تراتبي أساسي وثانوي، فإن أفراد المجتمع أيضاً يخضعون لتراتبية في تملّكهم الاجتماعي للخطابات.

ومن هنا فإن التفاوت في حلقات الخطاب هو ما يعزز الهيمنة، ويشد من عزيمة روابط وعلاقات القوة والسيطرة والمعرفة، بحيث تصبح الحقيقة مسلحة بهذا التفاوت، ذلك بأن تقنيات المراقبة والسيطرة والتحفيز الدائم لهذه العلاقات تعبّر عن صيرورة المبنى الأكاديمي الحداثي في سياق المركز الأوروبي الكولونيالي، هذا المبنى الذي يفسر الحياد الأكاديمي بما يسمح بتمثيل واقع الاحتلال الكولونيالي على أنه مهمة حضارية وإنسانية وانتدابية، الهدف منها تخليص المجتمعات البدائية المسيطَر عليها، من تخلفها ورجعيتها. وبالتالي فإن التذويب الكولونيالي ينطلق من أسس حقيقية الحداثة، وصولاً إلى تعزيز تقنياته بسياسات المعرفة الغربية، بينما تُعدّ سياسات المعرفة التي تنشأ كتصدٍّ للحقيقة الكولونيالية، تحيّزاً وانغلاقاً وعنصرية وغياباً للنزاهة العلمية، وتحريضاً على الكراهية.

ثانيا: تأثيرات تيار ودراسات ما بعد الكولونيالية

في خطاب الحقيقة الكولونيالية

يُعدّ نشوء دراسات ما بعد الكولونيالية مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالتيار المعرفي الخاص بما بعد البنيوية - وأحياناً يطلق عليه ما بعد الحداثة - والذي كان من أهم رواده ميشيل فوكو، إذ إن تأسيس هذا الأخير لمسار ما بعد الحداثة اعتمد على رفضه التنوير الذي أفرز الحداثة وحقائقها وخطابها الخاص بالمعرفة الحقيقية الموضوعية عن العالم. فقد رأى فوكو بدلاً من ذلك، "أن ما تعتبره حقيقة هو في الواقع دائماً من إنتاج طريقة معينة في تصوير وتمثيل الواقع، أي (خطاباً) معيناً. والخطاب هو نظام للمعنى له بنية يشكل ما ندركه ونفكر به ونفعله."[8]

ومن هنا، فإن الخطاب الكولونيالي لا يتمدد منتشراً ومؤشراً من خلال ممارساته الملموسة فقط والمتمثلة في السيطرة المادية والعنف المباشر، بل من خلال ما ينتجه من حقائق تتعلق بالكائن الكولونيالي الخاضع، تلك الحقائق التي تتغلغل في الكائن إلى درجة إيمانه بها، بحيث تغدو جزءاً من منظومته المعرفية حتى في خضمّ صراعه مع المنظومة الكولونيالية المسيطرة. وفي هذا الصدد، يرى فوكو في رفضه لسياق الحداثة والتنوير أن "الخطابات والممارسات والمؤسسات يجري توليدها في أحشاء علاقات السلطة التي تتخلل العلاقات الاجتماعية، بما في ذلك إحساسنا الذاتي بأنفسنا المتجذر في الشعور الحديث القائل بأننا إلى حد كبير أفراد مستقلون نحكم أنفسنا وعقلانيون."[9]

كما أن ثمة تحولاً آخر مهماً إلى جانب دراسات ما بعد الكولونيالية، وهو التحول الخاص الذي يطلَق عليه تعبير الانعطافة اللغوية التي تعتمد على أن "اللغة - والمقصود بها أي نظام متماسك وذي بنية يحمل معنى من اللغات البشرية الفعلية إلى العادات الاجتماعية، إلى علم اقتصاد التيار الرئيسي، إلى الماركسية، إلى الاستشراق، إلى البيولوجيا - توفر أفضل مجاز للمجتمع والعلاقات الاجتماعية."[10]

ومن هنا، جرى التعامل مع اللغة ضمن رؤية جديدة لا تنظر إليها على أنها خير ممثل وناقل للواقع ومعبّر عنه كوسيط شفاف، إنما، وبفعل تأثيرات ميشيل فوكو الـ "ما بعد الحداثية"، جرى التعامل مع اللغة على أساس جديد يطرحه جون توز (john towse)، "كنظام متكامل بذاته من (العلامات) التي يتحدد معناها بعلاقاتها ببعضها البعض، لا بعلاقتها بموضوع أو ذات (متعالية) أو خارجة عن اللغة [....] ويبدو أن مثل هذا الالتزام يتضمن أن اللغة لا تشكل الواقع المجرب فحسب، وإنما تؤسسه، وأن اللغات المختلفة تخلق عوالم مختلفة وغير متصلة وغير قابلة للقياس [....] وأن خلق معنى أمر غير شخصي، يعمل (من خلف وظهر) مستعملي اللغة الذين تستطيع أفعالهم اللغوية أن تكون مجرد أمثلة، فحسب، لقواعد وإجراءات اللغات التي يقيمون فيها ولكنهم لا يسيطرون عليها، وأن استعمالات اللغة المتخصصة في ثقافة ما (علمية، وشعرية، وفلسفية، وتاريخية) تتحدد وبالمثل بموضوعاتها المزعومة وتؤسسها."[11]

أمّا التجليات البحثية والمعرفية للانعطافة اللغوية التي نشأت في سياق دراسات ما بعد الكولونيالية، فثمة دراسة رائدة لتيموثي ميتشيل (Timothy Mitchell)، بعنوان استعمار مصر (Colonising Egypt, 1988)، أشار إليها زاكري لوكمان في كتابه "تاريخ الاستشراق وسياساته"، قائلاً إن ميتشيل تناول الكولونيالية بطريقة جديدة عبر تحليله الحالة المصرية، مخالفاً الدراسات التي دأبت على الانطلاق من أن ربط مصر بالأسواق العالمية في القرن التاسع عشر أدى إلى احتلالها من طرف بريطانيا الكولونيالية. فقد استعمل ميتشيل "مصطلح (استعمار) بشكل مختلف كثيراً، [و] فهمه كعملية بزوغ النظام الجديد للسلطة والمعرفة نفسه، الذي استكشف فوكو ظهوره في أوروبا الغربية، في مصر في القران التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بدرجة أو بأُخرى. وقد تجلت هذه العملية في مؤسسات عديدة (تشمل الجيش الحديث، والمدارس، والمستشفيات العامة الحديثة، وقرى الفلاحين، وإعادة تشكيل الفضاء الديني)، وخطابات جديدة (من بينها الإصلاح، وترقية الطبقات الدنيا اجتماعياً، وتطورات جديدة في السلطة السياسية، وأخيراً القومية المصرية)، وممارسات جديدة (مثل أنماط الكتابة، والتعليم، والتنشئة الاجتماعية)."[12]

ومن جهة أُخرى لم تعد دراسات ما بعد الكولونيالية تهتم فقط بالنصوص المعرفية الخاصة بالغرب عن الشرق، بل ثمة مقاربات جديدة ركزت على كيفية تشكل الخطاب الكولونيالي، "فنحن لا نستطيع أن نفهم حقاً كل تصور (الغرب) من غير أن نأخذ في الحسبان طرق تشكل هذا المفهوم، استناداً على التفاعلات التي دخل فيها هؤلاء الذين أصبحوا يعتبرون أنفسهم غريبين، وبالمثل يجب أن نعتبر العلاقات بين المستعمَرين والمستعمِرين دائماً، هي علاقات معقدة ومتناقضة وتبادلية."[13]

أمّا الأهداف الفكرية لدراسات ما بعد الكولونيالية، فيمكن استخدامها وإيجازها من كتاب روبرت يونغ (Robert C. Young, 2001): "أولاً استكشاف إلى أي مدى كان التاريخ الأوروبي، بل أيضاً الثقافة والمعرفة الأوروبيتان، جزءاً من ممارسة الاستعمار وأداة له، وآثاره المستمرة. وثانياً التعرف بشكل كامل على وسائل وأسباب الحرمان والاستغلال الدوليين المستمرين وتحليل آثارهما الأبستمولوجية والنفسية. وثالثاً تحول هذه الأبستمولوجيات إلى أشكال جديدة للإنتاج الثقافي والسياسي تعمل خارج بروتوكولات التقاليد المتروبولية، وتتيح المقاومة والتحويل الناجحين للتفسخ وعدم العدالة المادية اللذين تظل الشعوب والمجتمعات المنزوعة القدرة خاضعة لهما."[14]

وفي هذا المناخ البحثي ما بعد الكولونيالي، نشأ العديد من الرؤى والأطر الرافضة لهيمنة حقيقة الحداثة، علاوة على الخوض في حقول معرفية وإعادة قراءتها بمنهجية مغايرة ومنفضّة عن تلك الحقيقة، ومن أهم هذه القراءات والدراسات كتاب "الاستشراق" لإدوارد سعيد الذي يُعدّ نقطة تحول مهمة في تأسيس معرفة أُخرى عن الشرق، مستفيداً في هذا الجانب من المسار الذي تكوّن في أوروبا، وتحديداً في فرنسا، بعد الثورة الطالبية في سنة 1968، وما قام به ميشيل فوكو من قراءة مغايرة للمبنى الحداثي المركزي الأوروبي. فهل خرج سعيد عن الحياد والموضوعية حين كتب "الاستشراق"، أم هل كان يعبّر عن سياسات معرفة محددة حين تمحور بحثه حول كون الاستشراق "أسلوباً غربياً للسيطرة على الشرق وإعادة بنائه وامتلاك سلطة عليه؟"[15]

إن البحث في علم أكاديمي غربي، يُعدّ درة تاج الحداثة، فهو لا ينبع فقط من سياسة معرفة تحدد ملامح رؤية المفكر الباحث في العالم وحقائقه، بل من قراءة ما بعد كولونيالية لهذا العلم الأكاديمي، تحيله إلى أسلوب معرفي مرتبط بدوره بسياسات معرفة، بل بسياسات حقيقة سلّط فوكو الضوء عليها وقام بتفكيكها، وبهذا يصبح الاستشراق بحسب سعيد "أسلوباً في الفكر قائماً على تمييز أنطولوجي وأبستمولوجي بين (الشرق) في معظم الأحوال والغرب."[16]

كما أن سعيد لم يتوقف عند كتابه "الاستشراق" كمرجع مؤسس في تيار دراسات ما بعد الكولونيالية، وإنما عزز من توجهه المتحرر من الحقيقة والمعتمد الغربيين في كتابه المرجعي "الثقافة والإمبريالية"، والذي اتضحت فيه المنهجية التفكيكية، إذ إن القراءة التفكيكية التي يمارسها سعيد في "الثقافة والإمبريالية" تؤسس لاستراتيجيا قراءة جديدة يُصطلَح على تسميتها "القراءة الطباقية" التي تطرح نفسها قراءة بديلة من المعتمد الغربي وطابعه الأحادي. فهي تهتم بوعي متزامن باستقصاء نمط إنتاج الغرب للآخر وتفكيكه، وبتوضيح سرديات الآخر، وأبرزها تمثيل الآخر التابع للغرب، وذلك من خلال إعادة الاعتبار إلى تواريخ وثقافات شعوب المستعمرات التي ظلت عرضة للتهميش من خلال فرض حالة الإسكات الكولونيالي عليها.

في السياق نفسه يسلط سعيد الضوء على قراءة أوروبا للعالم، أي قدرتها على تمثيل العالم انطلاقاً من ارتباطات المعرفة بالقوة، إذ إن "علاقات التداخل بين البحث (أو الأدب في هذا الخصوص) ومؤسسات القومية لم تُدرس بما تقتضيه من جدية، لكن من الواضح، رغم ذلك، أن معظم المفكرين الأوروبيين حين احتفوا بالإنسانية أو بالثقافة، كانوا بشكل رئيسي يحتفون بأفكار وقيم نسبوها إلى ثقافاتهم القومية الخاصة، أو إلى أوروبا متمايزة عن الشرق."[17]

وبهذا، فإن سعيد يؤكد "الطابع النسقي لهذه التمثيلات والصور النمطية في السرد الإمبراطوري، ذلك بأنها لا تمثل وعياً فردياً خاصاً بالكاتب، بل تشكل تمظهراً للافتراضات الأبستمولوجية الإمبريالية التي كانت جزءاً من نسق فكري شمولي يشكل جوهر الاستراتيجية التي يتّبعها الغرب في التعرف على الآخر."[18]

وعليه، فإن قراءة سعيد في النهاية، هي قراءة نقدية مغايرة للمعرفة الحداثية الأوروبية، استخدم فيها أدوات ومناهج معرفية جديدة متحررة من المعتمد الرسمي للحداثة. فسعيد في النهاية، وعلى الرغم من اعترافه بأنه كائن كولونيالي نشأ في طفولته في مستعمرتَين كولونياليتين هما مصر وفلسطين، ومعتزاً بأصله الفلسطيني، فإنه في الوقت نفسه يُعتبر، بموقفه الثقافي والمعرفي، داخل الأكاديميا الأميركية، فهل كان إنتاج سعيد البحثي متميزاً؟

ثالثاً: نظرية السيمياء الاجتماعية والحياد العلمي

ترتكز نظرية السيمياء الاجتماعية في رؤيتها على أن "التمثيل ليس محايداً على الإطلاق، وإنما هو متحيز في جميع أحواله، فضلاً عن كونه أيديولوجياً على وجه التحديد."[19] إن هذا التعريف المختزل للنظرية يجعل من الضرورة بمكان عرض لمحة عامة تتناول المبادىء الأساسية بمنهجية الدراسة السيميائية الاجتماعية، وفق ما استعادته الباحثة نوريت بيليد - إلحنان من أعمال المفكرين تريستان فان ليوين (Tristan van leeuwen)،[20] وغونتر كرس (Gunther Kress)، وبإيجاز على النحو التالي:[21]

1 - منهجية الدراسة السيميائية الاجتماعية "ليست نظرية خالصة أو حقلاً قائماً بذاته"، وعليه فإنها ليست أيديولوجيا تقدم إجابات أو حلولاً جاهزة، وإنما تصوغ أسئلة عن المعاني التي يعمل الإنسان على تشكيلها من خلال تشكيل الإشارات.

2 - وفق فان ليوين، فإن تعدد الاختصاصات والحقول المعرفية وتنوعها يُعتبران خاصية أساسية لا يُستغنى عنها في التحليل السيميائي الاجتماعي.

3 – أمّا بحسب كريس فإن الفرضية الأساسية التي تقوم عليها السيمياء الاجتماعية تكمن في أن المعاني "تتألف من الإشارات أو تراكيب الإشارات بصور متمايزة في صيغ محددة، ليس منها أي إشارة تَرِدُ على سبيل الاعتباط."

4 - "لا تُعامَل أي إشارة في التحليل السيميائي الاجتماعي على أنها كيان محدد سلفاً، وإنما بوصفها كياناً تحركه المصالح ووجهات النظر والقيم والمواقف التي يحددها صانع الإشارة فيما يتصل بالرسالة ومتلقّيها، لأن الإشارات تُصنع لكي تفعل فعلها في التواصل."

5 - "تعكس الإشارات الأيديولوجيا، وهي تتأثر بالاستخدام، وتحديداً بتاريخها في ثقافة ما، كما تعكس القراءة والتفسير المصالح والمعتقدات التي يحملها المفسر في سياق ثقافة وتاريخ محددَين."

6 - ويرى ميشال ألكسندر كيركوود هاليداي (Michael Alexander Kirkwood Halliday) أن السيمياء الاجتماعية تهتم بدراسة "الطريقة التي تُستخدم فيها المصادر السيميائية في سياقات تاريخية وثقافية ومؤسسية معينة."

7 - اللغة من أهم الأنظمة التي تنتج المصادر السيميائية، "فاللغة ليست مجرد منظومة من القواعد التي نراعيها في إنتاج الجمل الصحيحة، وإنما هي عبارة عن مورد لا ينضب من تشكيل المعاني وصناعتها."

8 - يؤكد فان ليوين وجود "أنظمة سيميائية" في مختلف المجتمعات، "وهذه عبارة عن أنواع تمييزية من القواعد تنظم استعمال المصادر السيميائية. وقد تحظى هذه القاعد بصفتها الشرعية من السلطة اللاشخصية كالتقاليد، أو نصوص الكتاب المقدس أو القوانين أو الأيديولوجيا، غير أنها تحتاج بمجموعها إلى عوامل تنقذها. ولذلك فالمجال مفتوح دائماً للتفسير الشخصي."

9 - في الأنظمة السيميائية، وحده مَن يملك القوة يملك التحكم في المصادر السيميائية، الأمر الذي يؤكد إمكان الهيمنة ووجود أشخاص خاضعين لها ومحرومين من المشاركة في "لعبة اللغة أو السيمياء"، كما أنهم يعاقَبون على استخدام "المصادر السيميائية لتشكيل إشارات جديدة خاصة بهم."

10 - وبحسب كريس فإن على المعهد السيميائي أن يفي بثلاثة متطلبات هي: "تمثيل الوضع القائم في العالم (الوظيفة الفكرية)، وتمثيل أو إقامة العلاقات بين القارىء والكاتب المتحدث والمستمع (الوظيفة الشخصية)، [و] تمثيل كل ذلك بوصفه رسالة - كيان، أي في اعتبار أنه نص مترابط من الناحية الداخلية ويترابط مع البيئة المحيطة به (الوظيفة النصية)."

إن استخدام المنهجية السيميائية الاجتماعية في تحليل خطاب الحركة الصهيونية ذات الأبعاد الكولونيالية، يُبرز النمط التاريخي الخاص بهذا الخطاب المكون من استخدام مصطلحات توراتية لإسباغ ما يسميه المؤرخ بيير نورا (Pierre Nora) "هالة من القداسة" على "الممارسات الكولونيالية اليهودية" في حقّ الفلسطينيين، مثل الهجرة العليا أو دولة إسرائيل الحالية – الهيكل الثالث، و"خلاص صهيون" بداية الخلاص. وهيمنة هذه الهالة المقدسة التوراتية على الممارسات الكولونيالية الصهيونية، تشرعن لاإنسانيتها ويؤكد خطابها وامتداده.[22]

بناء عليه، فإن أهمية الخطاب الصهيوني الكولونيالي ومدى نجاحه يكمنان في التوزيع الاجتماعي لهذا الخطاب عبر عملية أو مسار هيمنة شاملة ضمن نظام سيميائي متماسك يحدد "نوع الخطاب الذي يمكن استخدامه، ومَن يستطيع استخدامه، والمواضع التي يُستخدم فيها كذلك."[23]

وهكذا، فإن أشكال الخطاب لا تعكس الممارسات، "بل تغيرها بغية حماية المصالح التي تتعرض للخطر في سياق اجتماعي معين."[24]

وهذا ما يتجلى فيما تقوله بيليد – الحنان، إذ "يشرعن الخطاب المتصل بالأمن والخلاص ممارسات القمع والاضطهاد، التمييز والاغتيال، ويحولها إلى ممارسات تنطوي على الدفاع والردع ومقابلة الأذى بمثله."[25]

هذه الطاقة السيميائية المنبعثة من خطاب الحقيقة الصهيونية، تُنتج في النهاية معتمداتها ومعاييرها التي تلتقي مع خطاب الحقيقة القاضي بأن ممارسات التطهير العرقي الزاحف التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني الكولونيالي، هي دفاع عن النفس وعن الوجود التاريخي لليهود في فلسطين. وبهذا لا يجري اعتماد تعبير جيش الاحتلال الإسرائيلي في المعتمد الأكاديمي الغربي، لأنه متحيز، لا بل إنه سيميائياً، أضعف من تعبير جيش الدفاع الإسرائيلي.

إن نظرية السيمياء الاجتماعية لا تشرعن، بأي حال من الأحوال، التحيز الأعمى في الخطاب الأكاديمي، والنفي التام للحيادية كأسطورة بحثية، بل إنها تؤكد عدم التعامل مع المعتمد الأكاديمي (canon) على أنه نص مقدس. فمثلما تشكَّل المعتمد المعرفي الغربي، تشكلت أيضاً في دراسات ما بعد الكولونيالية معتمدات أُخرى يجري استخدامها في الأبحاث والدراسات ذات القراءة المغايرة التي تمثل المسكوت عنه، وتطمح إلى اكتناه الملامح الحقيقية لواقعها بعيداً عن تمثيلات واختلافات الكولونيالية السردية، الأمر الذي يضع على المحك مسألة أخلاقية الحياد العلمي والتحيز، عندما يجري التمييز ما بين الواقعة (fact) والقيمة (value)، إذ إن الواقعة طابعها تقريري ومرجعها الواقع الموضوعي، بينما القيمة طابعها تقديري لا يحمل امتيازاً مادياً.[26] فإذا ما أطلقنا إمكانات الحياد الموضوعي بحسب معتمد حقيقة الحداثة والخطاب الكولونيالي، فَتَحْتَ أي حكم نضع تعبير الاحتلال الصهيوني لفلسطين، تحت الواقعة أم القيمة؟

وبالتالي فإن دراسة الباحثات والباحثين الفلسطينيين - على سبيل المثال -لتأثيرات الاحتلال الصهيوني في تنمية الشباب في فلسطين ليست انحيازاً إلى الواقع بقدر ما هي تمثيل وتعبير عنه، لا بل تأكيد مدى ارتباط الأخلاق التي تحتمل تماهيها مع سياسات المعرفة في تمثيل وقائع معينة. وهذا ما يؤكده ويوضحه هيلاري بوتنام عبر سعيه لتقليص الفجوة بين الوقائع والقيم ليثبت "أن العلم والأخلاق يشتمل كلاهما على قيم، وبالتالي ما عاد مقبولاً ولا سائغاً أن ننسب الموضوعية للعلم ونستثني الأخلاق بدعوى أن العلم قلعة مشيدة في الهواء تتناول الوقائع في حال نقائها وصفائها بعيداً عن أي حضور للذوات التي تدرسها سواء عن قريب أو عن بعيد، وأن محل ما تغرزه العلوم الإنسانية من نتائج، لا يعدو أن يكون وعياً، خصوصاً حول الوقائع، وليس هو الوقائع ذاتها."[27]

رابعاً: سياسات المعرفة والخطاب الأكاديمي

في إثر الارتدادات الفكرية والمنهجية، برز العديد من التوجهات والتيارات المعرفية والنقدية في مسار ما بعد الحداثة بجميع تمثيلاته، ويأتي مفهوم سياسات المعرفة في هذا السياق ليرتبط إلى حد ما بعلم الاجتماع الانتقادي، وبمدرسة التاريخ الجديد، اللذين يعتمدان على إعادة اكتشاف صوت الآخر وتسليط الضوء على المسكوت عنه. وبهذا هيمنت نسبية المعرفة على علم الاجتماع الانتقادي الذي هجر التوجه الموضوعي في حقبة ما بعد الحداثة - ما بعد الكولونيالية.

ويمكن سحب هذه الرؤية الجديدة إلى التاريخ وعلم الاجتماع الانتقادي، على تمحور تيار علم الاجتماع الانتقادي في دولة الكيان الصهيوني حول ثلاثة اتجاهات، وهي: العرب الفلسطينيون؛ المهاجرون الشرقيون؛ يهود أوروبا. فهذا التيار ينتقد المألوف الصهيوني، كمقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وغيرها من المقولات والمرتكزات الأساسية للمبنى المعرفي الصهيوني، كي يؤسس سردية جديدة تسلط الضوء على المصلحة الذاتية لـ "الييشوف القديم" في مقابل تهميش دور ونهب وطرد "آخرين".[28]

أمّا مصطلح سياسة المعرفة المرتبط بعلم الاجتماع الانتقادي، فإن ادعاءه الأساسي هو أنه "في دراسة الإنسان والمجتمع لا وجود لإنتاج ونشر واستيعاب المعرفة بمنأى عن التموضع ضمن وجهة نظر اجتماعية"،[29] الأمر الذي يعني بالضرورة أن "سياسة الهوية وسياسة المعرفة مرتبطتان ببعضهما البعض."[30]

غير أن الدافع الحقيقي وراء ارتباط سياسة المعرفة بعلم الاجتماع الانتقادي، يفككه أوري رام في تأطيره النظري للهوية في حقبة ما بعد الحداثة، متبيّناً "أن إحدى دلالات أزمة التمثيل هذه، هي تخلخل مسلّمات موسيولوجية وتأريخية قومية وتقليدية، ونشوء قصص بديلة وقصص عن هويات أُخرى ومن آخرية الهوية الذاتية - تخلخل أو تكمّل قصصاً بما يتناسب مع تجارب أو وجهات نظر جماعات (خاسرة) مستضعفة، هامشية أو مهملة، أو كذلك جماعات تنافس النخب الحاكمة. وهذه القصص تضيء من زاوية أُخرى، هوية (المنتصرين) أيضاً."[31]

ومن هنا فإن الباحث أو الناقد أو المثقف أو المفكر، في حقبة ما بعد الحداثة، لا يمكن التعامل معه وفق معايير ومعتمدات الحداثة، أو حتى إقصاؤه عن متنه الثقافي والهوياتي الذي ترعرع فيه. وفي هذا السياق، تنقل نوريت بيلد - إلحنان عن الفيلسوف ميخائيل وولتزر مدى أهمية عدم تجريد الناقد أو الباحث من انحيازه وأخلاقياته الموضوعية، "فالنقاد ليسوا أفراداً متحررين لا يتأثرون بما يدور حولهم من أحداث، بل هم أعضاء في مجتمعات وفئات اجتماعية محددة يُبدون اهتمامهم بما يجري حولهم، ويملكون وجهات نظر محددة."[32]

أمّا زاكري لوكمان، فيتحدث في مقدمة كتابه "تاريخ الاستشراق وسياساته" عن إشكالية سياسات المعرفة، ودورها في تشكيل وإنشاء رؤية إلى العالم، أو إلى الوقائع عبر التمييز وعدم الخلط "بين توجه نظري أو تفسيري معين، وبين الانحياز أو الحكم المسبق أو التنميط أو العنصرية."[33] وهذا الأمر يتطلب "أن نميز بوضوح بين مثل هذه المشاعر مهما كانت منفرة أو خبيثة، وبين الإطار التفسيري الذي يحتضنه باحث فرد أو مجموعة من الباحثين في حقل، غير أن الإطار التفسيري بدوره لا يخلو، لا بل ليس بمنأى عن تأثيرات سياسة المعرفة كمحدد هام من محددات السياق الفكري والتاريخي الثقافي الخاص بالباحث أو الناقد."[34]

وعليه، إذا لم يكن التحيز تعبيراً حقيقياً عن الواقع، فإن الباحث المنطلق من موقف مسبق، أو من موقع سياسة معرفة معين، يميل إلى تأويل وتفسير الوقائع بناء على إطاره التفسيري الذي لا يخلو من العنصرية والأحكام المسبقة.[35] وهنا تكمن أهمية تمثيل الوقائع ومدى ارتباطها بالإطار التفسيري، "وبالتالي لا تستقل الوقائع... أبداً، وإنما يصبح لها معنى داخل إطار نظري أو تفسيري يحدد أنها وقائع بالفعل."[36]

وللخروج من إشكالية سياسات المعرفة ومدى تأثيرها في الإطار التفسيري للبحث العلمي، فإن المطلوب هو "الالتزام بما يمكن أن نسميه معايير الجماعة العلمية، للحقيقة، أي الطرق المتفق عليها بشكل واسع لاختيار ومعالجة البيانات المتصلة بالموضوع وتكوين الحجج وتدعيمها وتحديها والاعتراض عليها، وكذلك إجراءات تجنّب التشويه الفادح، ناهيك عن الاختلاف."[37] غير أن التحيز وارتباط سياسة المعرفة وانطلاقاً منها في توصيف البحث العلمي، يتطلبان من الباحث التقيد بما يمكن أن نسميه التميز النقدي المفتوح، وهو بعيد كل البعد عن تشريع العنصرية الذي نتجت منه قومية مضطهدة أو مهذبة تسيّدت المظلومية الإنسانية، وهو ما يعبّر عنه إدوارد سعيد في رؤيته إلى سياسات المعرفة، حين يؤكد كونية الثقافة وتسطيح القومية حتى في حقبة ما بعد الكولونيالية. يقول سعيد: "ففي كل الأحوال، فإن سياسات المعرفة القائمة أساساً على تأكيد الهوية تشبه كثيراً تلك القومية التي يهتدي بها اليوم كثير من الدول ما بعد الكولونيالية، بل وترتبط بها ارتباطاً مباشراً، فهي تؤكد على نوع من الانعزالية التي لا تريد سوى أن تلفت الانتباه إلى نفسها، متجاهلة تالياً تكامل وعي الذات المكتسب والمحقق في (موعد النصر)."[38]

يحذّر سعيد في هذا الجانب من انغلاق التميز على ذاته ووقوعه في فخ العنصرية وإغراءات القومية التي تبرر الإقصاء والتهميش والتقسيم، مؤكداً كونية العذابات الإنسانية فأن "نشهد على تاريخ من الاضطهاد هو أمر ضروري، غير أنه لا يكفي إن لم يُعَد توجيه ذلك التاريخ في سيرورة فكرية، ويُكونَنَ ليعانق كل العذابات. ومن ثم، فإن الشهادة على الاضطهاد كثيراً ما تغدو مجرد تبرير لمزيد من القسوة واللاإنسانية، أو النفاق الفاقع والمواقف (الواثقة من صوابيتها) ليس غير."[39]

أمّا جلبير الأشقر فيسلط الضوء في كتابه "العرب والمحرقة النازية" على إشكالية الحياد والموضوعية وموازاتها للعاطفة والأفكار المسبقة، وذلك في أثناء تحديده تسمية عنوان بحثه، أيكون "المحرقة النازية" أم "الهولوكوست"، متناولاً إشكالية الكلمات، والمسميات الخاصة في هذا الجانب إذ إن جميع الكلمات لتسمية إبادة اليهود إنما هي متمثلة في الإيحاءات، وليست أي كلمة من هذه الكلمات محايدة. بل إن الصيغ التي يبدو أنها تستلهم شرط إميل دوركايم العلمي الذي يوجب تحاشي "الأفكار المسبقة" في التعامل مع "الوقائع الاجتماعية"، كصيغة راؤول هيلبيرغ المتماسكة في عنوان كتابه "القضاء على اليهود الأوروبيين"، لا شك في أنها نتاج خيار صعب هو، على وجه التحديد، خيار إخضاع الموضوع محل الدراسة لنظرة متحفظة إكلينيكية. وفي الواقع، فإن هيلبيرغ يعلن بوضوح تام، في مقدمة الطبعة الأولى لكتابه: "أننا لن نسهب في الحديث عن المعاناة اليهودية..."، وهذا خيار محترم تماماً، بل إنه خيار لا بد منه عندما لا يشير التحفظ العلمي إلى انعدام التعاطف، وإنما يعبّر عن رغبة في السيطرة على المشاعر بما يسمح بمواصلة التمسك بالموضوعية إلى أبعد مدى ممكن.[40]

إن المشاعر في هذا الجانب، وإذ تعبّر عن قيمة أخلاقية في أثناء تمثيل وقائع معينة، لا تُعدّ انتهاكاً لصدقية البحث العلمي وشفافيته، فالموضوعية تتجلى هنا في ارتباطها الوثيق بالواقع، كواقع الاحتلال الصهيوني في فلسطين، أو عدم الحاجة إلى جماعة علمية تحدد إطاراً تفسيرياً معيناً للاتفاق على أن ما وقع لليهود في أوروبا وفي ألمانيا النازية، إنما هو محرقة وإبادة جماعية ممنهجة ومتسلحة بحقيقة الحداثة ومقولاتها العقلانية "الإكلينيكية". كما أن تأثيرات دراسات ما بعد الكولونيالية وسياسات المعرفة والهوية، تجد لها أصداء في المنهج الإثنولوجي البنيوي الذي يعتمد على الملاحظة والحوار المفتوح وتلقّي خطاب الآخر، وهو ما أدى إلى نشوء علم جديد هو الإثنوتاريخ (ethnohistory) المكون من التاريخ والإثنولوجيا، والذي يعتمد على التاريخ الشفوي كأداة معرفية "باعتباره أفضل معبّر عن العواطف الصامتة والأفكار المكبوتة، والمواقف الممنوعة أو المحاربة من الفكر السائد أو التاريخ السائد."[41]

ويمكن القول إن سياسات المعرفة تجد لها مناخاً ملائماً في صعود وتحديد مسار التاريخ الشفوي كعِلْم معرفي تاريخي معترف به، إذ أدى هذا إلى نشوء "تيار المعرفة الاجتماعية المباشرة والمناضلة"، والذي يدور في فلكه علم اجتماع المعرفة وعلم اجتماع الثقافة وعلم الاجتماع السياسي. وتمتد جذور هذا التيار إلى موجة الاحتجاجات الطالبية في فرنسا في أواخر ستينيات القرن الماضي، فقد طالت هذه الاحتجاجات نقد البرامج الأكاديمية المقننة والتصفوية، ونقد الخطأ في معالجة الأقليات والمهمشين والنساء والملونين.[42] كما أن التحيز يلامس إلى حد ما بعض المفاهيم الأُخرى مثل التعاطف والعطف، فيميز شين فيلد، بين كلمة التعاطف (empathy) وكلمة العطف (sympathy). فبحسب قاموس أكسفورد، فإن التعاطف يعني "القدرة على فهم مشاعر الآخر ومقاسمته إياها"، أمّا العطف فيعني "الشعور بالإشفاق [....] لمصيبة شخص آخر"،[43] كما أن التعاطف في سياق علم التاريخ هو "القدرة على التواصل الخيالي مع الذوات البشرية في الماضي"،[44] بحيث يغدو التعاطف في هذا الجانب "أداة للفهم"، وبالتالي يصبح على نقيض مع المعرفة كعلم موضوع وفق حقيقة الحداثة الراسخة. ويشير شين فيلد إلى أي حد يغدو التعاطف مرغوباً فيه في التاريخ، وخصوصاً التاريخ الشفوي، مسترشداً برؤية دومينيك لاكابرا الذي يرى "أن ممارسة التعاطف تحتاج إلى أن تجتمع مع (مسافة نقدية)، وهذا ينطوي على وعي دورنا المهني كباحثين."[45]

وبالعودة إلى ارتباط سياسات المعرفة بالمنتج البحثي والأكاديمي من الناحية القيمية، فإن هذه السياسات ليست نقية أو موضوعية جرى تصميمها وتحديدها ضمن معايير واضحة وثابتة. وفي هذا السياق، تنقل أميرة سلمي عن تيري إيجلتون أنه "ليس هناك شيء يسمى معرفة حقيقية سابقة على معرفة مشوهة بالمصالح والأحكام القيمية، ويكون إنتاج المعرفة مدفوعاً باهتمام معين، والمعرفة المنتجة تكون مشكّلة بالمصالح التي لا تكون (مجرد تحيزات) تجازف بها. والادعاء أن المعرفة تكون (خالية من القيمة)، هو بحد ذاته حكم قيمي."[46]

إن الادعاء الموضوعي الذي نشرته مقولات حقبة الحداثة وفحواه أن المعرفة والعلم وضرورة الالتزام بمعايير ومعتمدات الأمانة والنزاهة العلمية في أروقة المبنى المعرفي، أدى بحسب إسماعيل ناشف إلى القول إن "التزام المثقفين المستعمَرين بالقوالب المنهجية والنظرية الغربية، يجعل هؤلاء غير قادرين على إنتاج معرفة بديلة عن مجتمعاتهم، بل يعيدون إنتاج معرفة متمركزة أوروبياً غير ممثلة للمجتمع المستعمر، بحيث تكون دراساتهم مشروعاً منافساً في سوق المعرفة السائدة لا بديلاً."[47] وهذا الأمر يتطلب في النهاية منهجة التحرر من مواقع الثقافة الغربية المشيدة على بُنى وأطر حقيقة الحداثة، والانطلاق من الرؤى ما بعد الحداثية والكولونيالية من أجل إعادة البحث في الواقع بحيّزَيه الزماني والمكاني على أسس معرفية قيمية تتجنب الوقوع في مآسي القوميات المغلقة، وإعادة اختلاق السرديات الكبرى والشمولية، بحيث تنفتح هذه الرؤى والمناهج على قراءة كونية نقدية تساهم بدورها في تشكيل إطار تفسيري للعلم؛ إطار مفتوح دوماً على التصويب والنقد والإرشاد.

خاتمة

إن ما حاولت هذه الدراسة السعي له يتمثل في كيفية تعزيز الباحثات والباحثين في "العالم ثاني" أو العربي أو الشرقي أو المنعتق من الكولونيالية، لموقعهم الثقافي، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى فإن الحاجة البحثية تتمثل اليوم في كيفية بلورة وصوغ معايير علمية تُقرّها جماعة علمية لا تجابَه من خلالها المعتمدات والحقائق المركزانية الغربية بقدر ما تساهم هذه المعايير في إعادة قراءة نقدية للواقع والتاريخ والثقافة الخاصة بالشعوب المضطهدة الواقعة تحت الاحتلال، كالاحتلال الصهيوني الكولونيالي للأرض الفلسطينية، أو بالشعوب المنعتقة من الكولونيالية. وتُعدّ مدرسة علم الاجتماع الجديدة في الهند المعروفة باسم مدرسة التابع نموذجاً رائداً في تأسيس السياق المعرفي الاجتماعي النقدي لاستعادة ملامح الواقع الكولونيالي وما بعد الكولونيالي.

 

المصادر:

[1] عبد السلام حيمر، "في سوسيولوجيا الخطاب" (بيروت: الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1، 2003) ص 165.

[2] المصدر نفسه، ص 166.

[3] انظر المصدر نفسه، مستشهداً بميشيل فوكو، "حوار مع مجلة لازك"، ص 176.

[4] المصدر نفسه، ص 177.

[5] انظر المصدر نفسه، مستشهداً بميشيل فوكو، "نظام الخطاب وإرادة المعرفة"، ص 229 - 236.

[6] المصدر نفسه، ص 233-234.

[7] المصدر نفسه، ص 235 - 236.

[8] زاكري لوكمان، "تاريخ الاستشراق وسياساته: الصراع على تفسير الشرق الأوسط"، ترجمة شريف يونس (القاهرة: دار الشروق، 2006)، ص 299.

[9] المصدر نفسه، ص 301.

[10] المصدر نفسه، ص 323.

[11] المصدر نفسه.

[12] المصدر نفسه، ص 326.

[13] المصدر نفسه، ص 330.

[14] المصدر نفسه، ص 336.

[15] انظر المصدر نفسه، ص 298، مستشهداً بكتاب إدوارد سعيد، "الاستشراق".

[16] المصدر نفسه.

[17] محمد بوعزة، "تأويل النص: من الشعرية إلى ما بعد الكولونيالية" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، ص 145 - 146.

[18] إدوارد سعيد، "الثقافة والإمبريالية"، ترجمة كمال أبو ديب (بيروت: دار الآداب، 1997)، ص 112.

[19] بوعزة، مصدر سبق ذكره، ص 158.

[20] وردت التعريفات في تقديم أنطوان شلحت لكتاب نوريت بيليد – إلحنان، "فلسطين في الكتب المدرسية في إسرائيل: الأيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم" ترجمة ياسين السيد (رام الله: مدار - المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، ط1، 2012)، ص 12.

[21] بيليد – إلحنان، المصدر نفسه، ص 57 - 58.

[22] المصدر نفسه، ص 64-65.

[23] المصدر نفسه، ص 65.

[24] المصدر نفسه، ص 65-66.

[25] المصدر نفسه، ص 66.

[26] عبد القادر ملوك، "من تعددية الأخلاق إلى أخلاق التعددية: هيلاري بوتنام؛ يورغين هابرماس؛ طه عبد الرحمن" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص 19.

[27] المصدر نفسه، ص 21.

[28] أوري رام، "الذاكرة والهوية: سوسيولوجيا نقاش المؤرخين الجدد في إسرائيل"، في "ذاكرة وهوية: دراسات انتقادية حول الصهيونية وإسرائيل"، تحرير أنطوان شلحت (رام الله: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية / مدار، 2002)، ص 23 - 39.

[29] المصدر نفسه، ص 25.

[30] المصدر نفسه.

[31] المصدر نفسه، ص 26.

[32] بيلد - إلحنان، مصدر سبق ذكره، ص 22.

[33] لوكمان، مصدر سبق ذكره، ص 36.

[34] المصدر نفسه.

[35] المصدر نفسه، ص 37.

[36] المصدر نفسه، ص 38.

[37] المصدر نفسه، ص 39.

[38] إدوارد سعيد، "تأملات حول المنفى"، ترجمة ثائر ديب (بيروت: دار الآداب، 2004)، ص 219.

[39] المصدر نفسه، ص 224.

[40] جلبير أشقر، "العرب والمحرقة النازية: حرب المرويات العربية الإسرائيلية"، ترجمة بشير السباعي (القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2010)، ص 35.

[41] مجموعة من المؤلفين، "التاريخ الشفوي – المجلد الثالث: مقاربات في الحقل السياسي العربي (فلسطين والحركات الاجتماعية)"، تنسيق وإعداد وجيه كوثراني ومارلين نصر (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015)، ص 15.

[42] المصدر نفسه، ص 16.

[43] شين فيلد، "التعاطف والعاطفة والاختلاف: التاريخ الشفوي بعدالعنف في جنوب أفريقيا ما بعد الفصل العنصري"، في "التاريخ الشفوي..."، مصدر سبق ذكره، ص 208.

[44] المصدر نفسه، ص 209.

[45] المصدر نفسه، ص 211.

[46] أميرة سلمي، "عن النساء والمقاومة: الرواية الاستعمارية" (رام الله: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية / مواطن، 2009)، ص 87.

[47] المصدر نفسه، ص 101.

السيرة الشخصية: 

باسم خندقجي: أسير فلسطيني في سجن "جلبوع" في بيسان المحتلة.