ميخا غودمان ومصطلح "تقليص" الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
التاريخ: 
12/08/2021
المؤلف: 

لم يكن مفاجئاً أن يتبنى نفتالي بينت بعد تسلمه رئاسة الحكومة الإسرائيلية مصطلح "تقليص" الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أو تخفيف حدته؛ فهو كان منذ دخوله المعترك السياسي من أنصار فكرة التعايش مع هذا الصراع لأنه، بحسب وجهة نظره، صراع لا حل له.

وقد استعار نفتالي بينت بعد وصوله إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية مصطلح "تقليص" الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من أستاذ التاريخ الإسرائيلي ميخا غودمان الذي نشر في 15 تموز/يوليو 2021 مقالاً باللغة الفرنسية بعنوان: "إجماع إسرائيل المفاجئ على القضية الفلسطينية"*، سأورد فيما يلي ترجمة كاملة له:

إن حكومة إسرائيل الجديدة هي حكومة هجينة - مزيج من اليسار واليمين والوسط. وبينما يعاني معظم الحكومات الهجينة من الشلل التام، فإن لدى حكومة إسرائيل فرصة جيدة لأن تكون فعالة.

في الولايات المتحدة الأميركية، يوجد انقسام بين الليبراليين والمحافظين، وهو انقسام ينعكس في الانقسام بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وفي معظم الدول الغربية، يعكس الانقسام السياسي انقساماً إيديولوجياً في المجتمع. أما إسرائيل، فهي مثال على مفارقة سياسية غريبة: فالاستقطاب السياسي فيها لا يعكس انقساماً داخل المجتمع، بل يخفي حقيقة أن الانقسام الإيديولوجي في المجتمع الإسرائيلي قد اختفى.

هناك قضيتان قسمتا إسرائيل تقليدياً إلى معسكرات أيديولوجية: العلاقة بين الدين والدولة، والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يحب معظم الإسرائيليين، بمن فيهم اليهود الأرثوذكس المتطرفون، والتقليديون والعلمانيون، اليهودية ويسعون إلى بعض الارتباط بتقاليدهم. في الوقت نفسه، يكره معظم الإسرائيليين المؤسسة الدينية ويعارضون الإكراه الديني. كيف نحوّل هذا الإجماع المزدوج إلى سياسة؟ يتفق معظم الإسرائيليين على الصيغة التالية: المزيد من التعليم اليهودي، ولكن مع التقليل من الإكراه الديني؛ معرفة أزيد، وسلطة أقل.

لكن الأهم من ذلك بكثير هو الإجماع غير المرئي الذي ظهر حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لا يريد معظم الإسرائيليين السيطرة على حياة 2.6 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية أو، كما يسميها الكثير من الإسرائيليين، يهودا والسامرة. في الوقت نفسه، لا يرغب معظم الإسرائيليين في الانسحاب من هذه المنطقة خوفاً من جعل بلدهم صغيراً من الناحية الجغرافية بحيث لا يمكن الدفاع عنه. إنهم يتفقون على مفارقة - لا يريدون السيطرة على حياة سكان هذه الأرض، ولا يريدون الانسحاب منها - وهذه المفارقة يمكن أن تفضي إلى الشلل والركود. ولكن ليس بالضرورة. ففي السنوات الأخيرة، شهد الجدل السياسي الإسرائيلي نقلة نوعية على مستوى البرادايم نحو فكرة تعرف باسم "تقليص الصراع"، والتي يمكن أن تحوّل هذا الإجماع غير العادي إلى خطة عمل فعالة من شأنها أن تحوّل الواقع.

إن مفهوم تقليص الصراع يعني السعي وراء كل سياسة من شأنها أن تعزز بشكل كبير الحكم الذاتي الفلسطيني دون تهديد الأمن الإسرائيلي. في صميم خطة تقليص الصراع هذه، سيُبذل جهد لخلق تواصل جغرافي بين الجزر الفلسطينية المتمتعة بالحكم الذاتي في الضفة الغربية، وربط هذا الحكم الذاتي الفلسطيني ببقية العالم، وتعزيز الازدهار الاقتصادي والاستقلال الذاتي الفلسطينيين. والهدف من هذه الاستراتيجية هو تحويل الشبكة المجزأة والهشة لجزر الضفة الغربية المتمتعة بالحكم الذاتي إلى نظام سياسي متواصل ومزدهر. إن تقليص الصراع من شأنه أن يمنح الفلسطينيين ما يفتقرون إليه حالياً: كتلة حرجة من الحكم الذاتي.

من المهم أن نلاحظ أن هذا لن يكون في سياق معاهدة سلام، ولا يتوجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن مطالبهم بـ "حق العودة" أو الاعتراف بإسرائيل. فالأمر يتعلق بتقليص الصراع وليس إنهاءه.

إن تعزيز الحكم الذاتي الفلسطيني سيحقق المستحيل. وهذا من شأنه أن يلبي رغبتين متعارضتين للجمهور الإسرائيلي: ستمارس إسرائيل سيطرة أقل بكثير على الفلسطينيين مما هي عليه الآن، لكنها لن تكون مهددة من قبلهم أكثر مما هي عليه الآن. إن مبادرة رامية إلى تقليص الصراع من شأنها أن تعبر عن الإجماع الإيديولوجي الإسرائيلي غير المرئي وغير المعلن. كما أن تقليص الصراع لن يدفن حلم التوصل إلى اتفاق سلام شامل، بل سيفعل العكس تماماً. فبمجرد استقرار الحكم الذاتي للفلسطينيين، قد يكون من الممكن تحويله إلى دولة مستقلة تماماً في إطار معاهدة سلام. لكن هذا لن يكون الخيار الوحيد. إذ يمكن أن يكون هذا الحكم الذاتي أيضاً جزءاً من كونفدرالية مع إسرائيل، أو يمكن أن يعود خيار الاتحاد السياسي مع الأردن إلى طاولة المفاوضات.

إن قيام فلسطين المزدهرة والمكتفية ذاتياً أمر جوهري لتبلور اتفاق حول الوضع النهائي. وسيفتح تقليص الصراع جملة خيارات.

إن حكومة إسرائيل الهجينة الجديدة ليست حكومة أحلام كبيرة، ولكنها حكومة إجراءات عملية. إلى أين ستؤدي هذه الخطوات؟ لا يحتاج الإسرائيليون للاتفاق على الوجهة النهائية الآن. يمكنهم فقط البدء في المضي قدماً.

 

* https://xn--mobilis-hya.es/le-consensus-surprenant-disrael-sur-la-question-palestinienne