ما أكثر الذين ماتوا في 4 آب وبقوا أحياء!!
التاريخ: 
03/08/2021
المؤلف: 

لم يكن انفجار الرابع من آب 2020 هو الأول الذي أصاب بيروت على مر السنين ولن يكون الأخير على ما يبدو. وإذا كان الانفجار الذي اغتيل فيه رفيق الحريري في شباط 2005 هو الأقرب لهذا الانفجار من حيث قوته وتأثيره في قلب حياتنا رأساً على عقب، فإن الفارق الأكبر هو أن انفجار آب 2020 جعل منا أمواتاً من دون أن نكون في عداد الضحايا المئتين الذين حُملت أشلاؤهم في نعوش. نحن كذلك! أصبحنا أمواتاً لا فرق لدينا ما إذا كنا نسير يومياً على الطرقات لنؤدي طقوسنا اليومية أو حُملنا في نعش ودُفنا في مكان ما من هذه الأرض.

نحن في لبنان الموت مصاحب لنا في كل خطوة نخطوها أو عمل نقوم به فهو ليس غريباً عنا ولم يعد خبر الموت بمستغرب، فيمكننا أن نموت لأن مواطناً ما قرر أن يضع قانون سير خاصاً به، أو قرر أن يطلق النار فرحاً بعرس أو لنجاح ابنه، أو قرر أن يقطع الكهرباء أو يحتكر الدواء.... ولكن أن تموت في 4 آب 2020 فله بُعد مختلف.

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً وتشعر في لحظة وكأن بيروت لم تعد تحتمل ما يجري عليها فاغتاظت من أهلها وساكنيها وزلزلت الأرض تحت أقدامهم قبل أن تلفظ انفجارها الهائل في وجههم.

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً وتستفيق من الانفجار لتجد نفسك في سيارتك لا تدري أين أنت وماذا حدث، تحاول فتح الباب فتجد أن حائطاً قد استراح على مقدمة السيارة، فتنظر إلى المرآة وترى وجهك مغطى بالدماء، فتخرج بعد جهد جهيد من سيارتك لتمشي في الشارع علّك تجد من يقلك بسيارته إلى أقرب مستشفى فترى السيارات وقد انقلبت رأساً على عقب والناس يركضون في كل اتجاه، لا يدرون ماذا حدث، وماذا يفعلون، وإلى أين يذهبون. وتستمر أنت بالسير علّك تجد من تحدثه أو تسأله عمّا حدث فتبقى في تيهك لا تدري كيف تستفيق من هذا؟ هل هو كابوس، حلم مزعج وتستفيق منه؟ هل هو الموت وهذا هو يوم الحساب؟

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً تنتظر في قريتك وصول ابنك الشاب سائق التاكسي الذي تكلمت معه قبل قليل وأخبرك أنه سينهي آخر توصيلة له ويأتي إليك، ولكنه مازال هناك في الجميزة ينتظر قالب الحلوى الذي اختلط بأشلائه ودمائه ليوصله ويعود إليك.

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً تنتظر ابنك ذا الـ 15 ربيعاً أن يفتح باب المنزل ويدخل على عجل ليسأل ما هو الغداء اليوم أو يطلب الإذن للذهاب إلى سهرة مع أصدقائه. أو تنتظر ابنتك الصغيرة ذات الثلاثة أعوام كي تستفيق من قيلولة الظهيرة لتسمع ضحكاتها تملأ أرجاء المنزل وتبث فيه الحياة من جديد، ولكن لا تجد سوى الصمت الرهيب.

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً لتتفقد منزلك الذي تضرر بالانفجار، فيدور بك الوقت ويتوقف في أوائل صيف سنة 1988 عند عودتك من ملاذك الآمن خارج لبنان بعد توقف القصف على بيروت، فترى المنظر نفسه: الطرقات مفروشة بحجارة المنازل التي قُصفت بقذائف الـ 240 ملم والتي لم تُبق زجاجاً أو باباً أو نافذة في مكانها، وكذلك اليوم، الشارع مفروش بالحجارة والزجاج وقد تدلت النوافذ والأبواب من الشرفات.

أن تموت بانفجار 4 آب 2020 هو أن تبقى حياً وترى المستقبل الذي حاولت أن ترسمه بمخيلتك الركيكة لأولادك في بيروت، وأنت تجاهد لأن تفصل نفسك عن الواقع الاجتماعي والسياسي، قد تلاشى وتناثر كتناثر الحجارة والأشلاء والزجاج وأصبح جلّ همك أن تلملم ما تبقى من أمل وتجمعه في علبة تحتفظ به للمناسبات الكبيرة و"السعيدة"!!

ما أكثر الذين ماتوا في 4 آب وبقوا أحياء!!

لوحة للفنان سيروان باران
خالد فرّاج
تصوير مروان طوطح
المعتصم خلف
النهار،5-8-2020
أحمد ليلى
زاهر أبو حمدة
لوحة للفنان سيروان باران
أيهم السهلي
طه يونس
أحمد الصباهي
رويدا الصفدي