التقاء أزمتَين: قراءة في الهبّة الكبرى
ملف خاص: 
النص الكامل: 

قد تكمن إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه أي محاولة للبحث في المقاومة وتأويلها، في أنها تنبثق على هيئة أنماط إبداعية مستجدة غير قابلة للاختزال التعريفي، ومن هنا تحديداً تنبع قوتها وقدرتها على المفاجأة والمبادرة، وفي أنها قادرة على نسج علاقتها مع البنى السياسية التي تسعى لاجتثاث إمكان نشأتها.

بهذا المعنى، فإن أي محاولة إنتاج مبنى مفاهيمي وتعريفي لماهية المقاومة تُضعف من قوة هذه الأخيرة، لأنها في حال اتخذت مبنى تعريفياً واضح المعالم تصبح قابلة للتطويع والإخضاع من طرف القوى التي تعمل على إخمادها وقتلها. بتعبير آخر، المقاومة متجذرة في أساليب الممارسة وآلياتها وتكتيكاتها التي تتباين في ظل فواعل زمنية ومكانية معقدة ومتداخلة، أي في ظل مصفوفة معقدة من المعازل المادية والرمزية والزمنية، والتي تُنتج بدورها أشكالاً مستجدة من الممارسة السياسية.

ولأن المقاومة متجذرة في الممارسة أساساً، فإن كل نمط من أنماطها، أكان منظماً أم عفوياً، عليه أن يحمل في طياته آليات لصناعة الجديد والمبدع وإنتاجهما، فمن دون تلك الآليات لا يمكن التأثير بشكل ملموس في البنية الاستعمارية والمؤسسات التابعة لها، أي لا يمكن للمقاومة تخريب وإعطاب الزمن الاستعماري وتوغله المستمر في الفضاء والزمان الفلسطيني.

لهذا لم تكن الأحداث التي وَلّدت إحدى أهم صفحات المواجهة في الانتفاضات الكبرى (الانتفاضتان الأولى والثانية، وهبّة رمضان في سنة 2021)، سوى حدث مكثف جديد ضمن سيرورة مستمرة من الانبثاق للفعل المقاوم. لقد شهد العقد الماضي توالي أشكال التمرد (حرب غزة في سنة 2014، وهبّة السكاكين والعمليات المنفردة، وهبّة باب الأسباط، وهبّة باب حطة وغيرها)، وفي كل مرة كانت تزداد حدة هذا التمرد وصخبه وتتنوع تكتيكاته وتتوسع العناصر المشكّلة للتحشيد والجموع المشتبكة فيه.[1]

وفي هذا السياق، سطرت الهبّة الأخيرة وحدة وطنية رمزية تجاوزت جغرافيات العزل والتقسيمات الاستعمارية ما بين داخل وضفة وغزة وشتات، ونستطيع لمس هذه الوحدة في العديد من المواجهات السابقة أيضاً، مثل هبّة العمليات المنفردة، والحملات المناهضة لمشاريع تطويعية كتلك التي رفضت مخطط بارفر، وغيرها من التحركات السياسية والاجتماعية، إلّا إننا لم نشهد وحدة مثل التي شهدناها في الهبّة الأخيرة. ولا يمكن أن نتغافل بصورة خاصة، عن دور مجتمع فلسطينيي الداخل الفاعل في زيارة الحرم الشريف، وهو أمر متواصل منذ الانتفاضة الثانية، ودوره أيضاً في الرفد البشري للقدس في ظل عزل المدينة عن الضفة الغربية، فكانت النتيجة حدثاً جامعاً، إذ تضاعفت القدرة التخريبية للمقاومات الفلسطينية المتعددة، جاعلة هبّة رمضان حدثاً مؤسساً، أي أنه حدث تحققت فيه عناصر الوحدة التي كثيراً ما كانت سعياً، ثم أصبحت واقعاً رمزياً ومادياً. علاوة على ما سبق، تنبع أهمية الهبّات المتتالية من أنها تعود وتولد من جديد على الرغم من ثلاثية القمع والتطويع في السياق الفلسطيني (استعمارية الرقابة بما تمتلك من أدوات الاعتقال والقتل؛ الاستمالة الاقتصادية؛ التعاون مع الاحتلال).

"تعاون" لتطويع الفعل الشعبي

يشكل عاملا "التعاون" و"الوساطة" أساسَين هما الأهم في عملية تحويل الفعل العفوي المقاوم المنتشر والمتصاعد إلى عمل منظم يملك قابلية خوض معارك منخفضة الوتيرة أو مكثفة، وتحمل عناصر ديمومة طويلة الأمد في مواجهة التوسع الاستيطاني في جغرافيا فلسطين كافة. فتيارات التعاون التي تشكلت عقب الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى)، اتخذت سياسة النجاة السلبية سبباً لتكوينها (raison d'être)، وقد وظفت مجموعة من التحالفات الداخلية – رأس مال ونخب سياسية وثقافية ضيقة - وتحالفات خارجية، بما فيها التعاون الأمني مع العدو، في مقابل خلق فضاء اقتصادي يقود إلى عملية تراكم رأسمال مالي لمصلحة تلك النخب، من خلال التدفق المالي الأوروبي والأميركي والعربي، ويساهم في قدرة تلك التيارات على خلق منظومة ريعية استطاعت تفكيك مختلف الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني وتفتيتها.[2] وتكمن قوة تلك التيارات في أنها نجحت في تشويه البُنى الطبقية والتغلغل الفاعل فيها على مستويات متعددة، علاوة على خلق شرائح داخل كل طبقة مرتبطة بها من خلال شبكات زبائنية، الأمر الذي يجعل أي حراك سياسي ضدها يصطدم بفواعل اجتماعية مضادة موجودة في معظم الشرائح الطبقية الفلسطينية المركزية.

تعطي التقسيمات الطبقية داخل السلطة نفسها أكبر دليل على قدرتها على خلق حالة انقسام، بما فيها داخل الطبقة الوسطى والطبقات العاملة وتلك غير المتعلمة التي تمنع الطبقة الوسطى من أداء الدور السياسي المعتاد وتشكيل نواة القيادة السياسية، وهو الدور الذي دأبت على القيام به تاريخياً، وعلى توظيف العاملين في أجهزة الأمن القادمين من خلفيات اجتماعية واقتصادية مهمشة (في الغالب) في عملية تمزيق الطبقة الأكثر قدرة على خلق وإنتاج الفعل المقاوم. وهذا الأمر ليس جديداً في السياق الاستعماري المولِّد لمجموعة متعددة من الردود في المجتمع المستعمَر، يمكن اختزالها بمَن يرى في المقاومة أفقاً للخلاص من الاستعمار، توظِّف في سبيله جميع الآليات الممكنة، وبمَن يتخذ من التعاون استراتيجيا نجاة عادة ما تكون مرتبطة بالموقع الطبقي والاجتماعي لشرائح اجتماعية تمتلك مصالح مادية واسعة تربطها بشكل وثيق مع الاستعمار.

هكذا، فإن ما شهدناه بعد وفاة ياسر عرفات، كان تجذير بقايا النخب السياسية والاقتصادية القريبة من منظمة التحرير انطلاقاً من نموذج "السلطة الأصلانية" (native authority)، مثلما يرى محمود ممداني.[3] وبينما بُني العديد من "السلطات الأصلانية" على أساس الهويات الفرعية كالعشيرة والقبيلة والانتماءات المناطقية والدينية في جغرافيات كالهند وغيرها، إلّا إنها في الحالة الفلسطينية شكل هجين يدمج بين ادعاءات وطنية تدور في فلك استحضار تاريخ منظمة التحرير كحركة تحرر وطنية، ومحاولة امتلاك الحاضر ورسم أفق نحو المستقبل من خلال استدعاء مشروع "بناء الدولة"، وبين كونها نموذجاً تقليدياً لشكل سلطة أصلانية يمارس فيها الاستعمار سلطته السيادية بشكل غير مباشر.

ما يهمنا هنا هو تشخيص "الأزمة" على المستوى الفلسطيني، وخصوصاً في ظل تصاعد وتيرة الهبّات وأشكال التمرد وتنوع المقاومات في جغرافيا فلسطين والشتات؛ أي أنها ليست أزمة استسلام مجتمعي فلسطيني أمام الاستعمار، ولا هي أزمة انقسامات أيديولوجية بين الحركة الوطنية والحركات السياسية الأُخرى على أهمية تلك الانقسامات، بل يمكن تشخيصها على أنها أزمة التمسك بالتعاون كنموذج للبقاء عند النخب الحاكمة، وقمع إمكان نشأة قيادات سياسية واجتماعية، ليس فقط عند الخصم السياسي لدى السلطة الفلسطينية المتمثل في الحركات الإسلامية، بل أيضاً من خلال خلق آليات العجز و / أو تطويعها داخل الامتداد الاجتماعي للحركة الوطنية نفسها.

وفعلاً، تكثفت خطابات "العجز والهزيمة" عند النخب السياسية التي تتربع على هرم "السلطة الاصلانية" في ظل وصول مشروع بناء الدولة إلى أفقه النهائي المتمثل في قبول الولايات المتحدة نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، وتأكيد الوسيط الأميركي على أن الدولة الفلسطينية المنشودة ليست إلّا إدامة للوضع القائم مع بعض الزخرفات الجديدة فيما سُمي "صفقة القرن". لهذا، وعلى الرغم من المشاركة الواسعة للضفة، فإن المواجهة احتدمت في جغرافيات القدس والداخل حيث لا تمتلك بُنى التعاون إمكان فرض عضلاتها الأمنية والاقتصادية.

لقد تضافرت عدة عوامل في انبثاق هبّة رمضان، يمكن تقسيمها على الشكل الآتي:

أولاً، استنفاد إمكان الوصول إلى أي اتفاق سياسي مع رأس الهرم في منظمة التحرير، سواء من خلال انتخابات تشريعية ورئاسية، أو إمكان اصلاح منظمة التحرير. لقد كانت الانتخابات خيار تيارات سياسية عريضة من ضمنها معظم الفصائل الفلسطينية، وتمثلت في الموافقة على عقد انتخابات غير تزامنية، والتماهي مع العديد من مطالب "المقاطعة" في رام الله فيما يخص العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمجلس التشريعي الجديد، مع حفاظ مؤسسة الرئاسة على الأجهزة الأمنية كضامن وبوصلة تأمين تحمي مصالح النخب السياسية والأمنية والاقتصادية في الضفة الغربية، حتى في حال خسرت تلك السلطة ومَن يدور في فلكها الانتخابات التشريعية. لكن الانتخابات لم تتحقق وبقيت رهينة خوف "المقاطعة" من عقاب انتخابي يطالها، فسارعت إلى تأجيلها. وهنا اجتمعت المصادفات متمثلة في تأجيل الانتخابات، مع حلول شهر رمضان وما تعنيه هذه المناسبة من إعادة تعريف الزمن اليومي للحياة الاجتماعية الفلسطينية.

ثانياً، الأزمة السياسية والاجتماعية في إسرائيل، والتي تمثلت في إجراء أربعة انتخابات متتالية تضمنت عدة محاولات لإسقاط رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو الذي تمسّك بالسلطة توجساً من المؤسسة القضائية والمحاكمات على خلفية الفساد المالي في عدة قضايا. هذه الأزمة السياسية أنتجت تخبطاً على مستوى القرار السياسي والأمني، وفراغاً للعديد من أجهزة الدولة البيروقراطية، وتسييساً لأُخرى، بما فيها أجهزة الأمن، وتسببت بتخبط واضح في اتخاذ القرار لدى المؤسسة الأمنية. وهكذا، تلاقت أزمتان: أزمة في العلاقة بين أطراف وتيارات عريضة تحاول إسقاط رئيس الحكومة الحالي في المجتمع الاستيطاني، وأزمة فلسطينية يدور فلكها في انحصار الحركة الوطنية وعدم قدرتها على حل العقدة المتمثلة في استمرار التعاون الأمني والاقتصادي في الضفة الغربية، وأثر ذلك في قدرة المجتمع الفلسطيني على إنتاج قيادات سياسية واجتماعية جديدة.

إذاً، توالي الأفعال الصغيرة أدى دوراً مهماً في تصاعد زخم الهبّة، وهو ما يحيلنا إلى أهمية الربط ما بين الماكرو والمايكرو على مستوى التحليل، إذ لا يمكن الحديث عن ديناميات انفجار هبّة رمضان من دون التطرق إلى تاريخ الفعل الحاضر الذي أنتجه العديد من الهبّات المتتالية التي أظهرت قدرة على اجتراح الفعل على الرغم من تعقد أدوات وآليات القمع والتطويع. كما لا يمكن تناول الهبّة من دون الدخول في ديناميات الحالة نفسها على مستوى الجيل المشارك بشكل واسع في الهبّة، وعلى المستوَيين الاجتماعي والاقتصادي للفئات المشاركة، وعلاقة الفعل بمفاهيم مثل الرجولة والبطولة، وصولاً إلى تعليل علاقة الهبّة بالفضاءات المتعددة التي ظهرت فيها، بما فيها دور التقسيم الزمني للحرم القدسي، والذي يعيد تقطيع الحياة اليومية في شهر رمضان.

وبالتالي، سنحاول تتبّع الهبّة من خلال تلك الأفعال الصغيرة، وصولاً إلى التقاء العفوية مع التنظيم والالتحام الذي سطّرته الهبّة بين قطاع غزة الذي يملك بؤرة متقدمة في صناعة وخلق واجتراح الفعل المنظم، وبين الداخل والقدس والضفة والشتات، حيث التعويل على قدرات التحشيد والتكافل والانقضاض من المسافة صفر.

المصادفة والعفوية

كثيراً ما طرحت الحالات الثورية العفوية نقاشات وجدالات سياسية عن أثرها وفاعليتها، وخصوصاً لدى النخب المثقفة التي ترى في العفوية نوعاً من أنواع الفوضى غير المجدية التي سرعان ما تتبدد إذا لم يكن لها أهداف واضحة، أو وجهة سياسية تربط بين تكتيكات المواجهة، والأهداف المنشودة من المواجهة. لكن، ومثلما يوضح فرانتز فانون، فإن نقض العفوية هذا ليس بريئاً، بل إنه يعبّر أيضاً عن الشرخ الطبقي بين الطبقات البرجوازية المثقفة والطبقات المهمشة التي ترى في الفعل لحظة لاستعادة الذات، وموقعاً لإعادة تعريف العلاقة مع المستعمِر، أي أنها تشكل لحظة تعافٍ نفسي تعيد إلى الإنسان الفلسطيني توازنه في ظل علاقة تراتبية يحاول الاستعمار تأبيدها. بهذا المعنى، فإن الفعل المقاوم يتعدى منفعيته السياسية التي تربط بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي أو سياسي، لأنه أساساً ضرورة في ظل سياق استعماري عنيف.[4]

لكن، في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال علاقة الهبّات المتتالية في القدس بالحيّز، أي بالصراع الدائم على هذا الحيّز، ولا سيما في محيط البلدة القديمة والشوارع والطرق المؤدية إلى الحرم الشريف. ففي ظل تغييب التنظيم السياسي المقاوم، تتضافر الهبّات وتتوحد على أهداف محددة، وفي طليعتها منع أي تقدم جديد للآلة الاستعمارية، وتكبيل قدرتها على فرض سيطرتها على فضاءات جديدة. بهذا المعنى، تملك الهبّات التي نشهدها أهدافاً واضحة المعالم وقابلية لتحقيق إنجازات ملموسة، وهذا أمر يساهم في إضفاء زخم لها، لأنها لا تأتي بادعاءات كبرى بشأن التحرير أو إقامة الدولة، وإنما تسعى لحماية الوجود الفلسطيني في القدس، وتعزيز هذا الوجود من خلال آليات المواجهة المانعة لتمدد وتوغلات جديدة من طرف الاستعمار، أي أنها تركز على قدرتها على ردع الاحتلال.

يتوجب علينا توخي نقض العفوية من دون تعليل أسباب حضور الهبّات كحل للعلاقة المضطربة بين القيادة والمشاركة الجماهيرية في الحالة الفلسطينية، فهي تنبع كحلّ موقت وضروري في ظل غياب التنظيم السياسي، وفي ظل استفحال تعاون جهة سياسية منظمة مع الاحتلال في الضفة الغربية تحديداً. فالعفوية، بهذا السياق، حاضرة كنتاج لغياب و / أو تغييب التنظيم، علاوة على أنها رفض لنموذج التعاون الراسخ للنخب السياسية بتعاملها مع الاحتلال.

أمّا عملية التحشيد، فجرى حلّ مشكلتها من خلال تكنولوجيا الاتصالات التي شهدت تطوراً متتالياً وتصاعدياً، على مدى العقدين الماضيين، فقد تمكّن المجتمع الفلسطيني من خلالها من إيجاد بدائل للتحشيد والتعبئة والتنظير والتنظيم، بل حتى للتغطية الميدانية عبر التصوير والنقل المباشر للفعل، الأمر الذي ولّد أنماطاً جديدة من المحاكاة سرّعت من عملية انتشار الفعل من دون الحاجة إلى آليات تنسيقية معقدة.

ويمكننا تحديد نقطة انطلاق الهبّة الأخيرة في 20 نيسان / أبريل 2021، حين أقدم شابان من القدس على صفع مستعمِرَين في القطار الخفيف الذي يربط مستعمرات شرقي المدينة بالمستعمرات غربيّها.[5] فكان هذا الحدث العابر فاتحة مهمة صاغت نكهة الهبّة في القدس، وعززت من الاشتباك من المسافة صفر كنمط من أنماط الفعل المصاحب للهبّة التي تصاعدت في ظل حلول شهر رمضان، وعقب قرار الشرطة إغلاق باب العمود أمام التجمعات الاجتماعية الفلسطينية من خلال وضع حواجز حديدية في قلب العصب الاجتماعي للقدس.

فمنذ بداية الهبّة، استُخدمت تطبيقات تيك توك وغيرها من تطبيقات الفيديو القصيرة التي كانت وسيطاً مهماً ساهم في نقل أشكال الممارسة وتعميمها، بل تشكيل صورة جديدة للشرطي والمستوطن المهزوزَين والمتخبطَين.

 

لحظة عملية الصفع، والصورة مأخوذة من فيديو انتشر في موقع "تيك توك"

المصدر: Times of Israel، في الرابط الإلكتروني

 

تكمن أهمية تلك الفيديوهات في أنها حوّلت الأفعال اليومية إلى مادة سياسية قابلة للتعميم من خلال التوثيق، كما أنها أضحت حافزاً إضافياً على القيام بمخاطرات فردية نُشرت عبر فيديوهات، معيدة تعريف معادلة القوة بالعلاقة مع المستوطن والشرطي في أحياء القدس وشوارعها. والأمر الذي ساهم في توسيع رقعة المشاركة في مثل تلك الأفعال، يكمن في أنها ليست مقتصرة على الفعل البطولي النهائي، بل إنها غير مرتبطة بعمل يؤدي إلى الاسشهاد أو إلى الاعتقال طويل الأمد، وبالتالي إلى انحسار المشاركة الجماهيرية. إن ما وفره هذا الشكل من الفعل هو قابلية تحويل اليومي، أي السخرية والقدح والصفع، إلى بيان موثّق بالحركة والصورة والصوت في دلالة على رفض علاقات القوة القائمة في شوارع القدس. وبهذا تحول الشاب المقدسي المطارد والمحاصر اجتماعياً واقتصادياً إلى ذات تمتلك أدوات تعميم لحظات النشوة التطهرية التي ترتبط بأشكال الرفض اليومية. ففي شهر رمضان تحول المقدسي من مطارد وذات منبوذة تقبع على هوامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية في القدس، إلى صياد.[6]

لقد ساهمت المصادفة، أو "حجر النرد" - وفق تعبير محمود درويش - في إضفاء زخم على الهبّة، لتبدأ بالأفعال اليومية وقابلية تعميمها المرئية، ثم تحوّلها إلى حالة جماهيرية ترفض وضع الحواجز الحديدية، وإلى شعور عارم لدى المقدسيين ومَن ساندهم بأن الهبّة تستطيع الانتقال من فرض تراجع لسياسات الاحتلال عن تثبيت الحواجز الحديدية، إلى تحقيق إنجازات ملموسة في قضية الشيخ جرّاح ومنع التظاهرة السنوية للحركة الاستيطانية الدينية، والتي تمر من باب العمود.

يحيل "حجر النرد" إلى تعددية الاحتمالات والنتائج الممكنة، وفي هذه الحالة، فإن المصادفات والاحتمالات كلها أُلقيت مرة واحدة. فالتقاء الرزنامة المكتظة بتواريخ تحمل مدلولات رمزية وسياسية مع حلول شهر رمضان، ساهم في خلق إمكانات التحشيد التلقائي والمكتظ، والتي تبرز مع ليالي رمضان الطويلة، أي أنه ساهم في تعزيز وجود بشري كبير ليلاً بعيداً عن رتابة الأيام العادية وانشغالاتها المتعددة، لتتحول ليالي رمضان خلال الهبّة، وهي ليالي السهر واللقاء الاجتماعي الطولية، إلى زمن الاشتباك الليلي، وزمن امتلاك الليل على امتداد فلسطين التاريخية.

علاوة على ذلك، أدى انتشار "جدار بشري" ليّن ومرن في شوارع القدس، دوراً مهماً في إعادة تعريف العلاقة بالشرطة والمستوطن في القدس. فهذا التحشيد الليلي للمقدسيين ومَن ساندهم من جميع أنحاء الجغرافيا الفلسطينية، أبرز صورة لقوة الجماهير في لحظة الاشتباك والمواجهة، وهي صورة السعي لإحقاق القوة ولاكتشاف جديد لمكامنها المختبئة. لهذا كان منطق التدحرج السريع ضرورياً، فما بدأ ببعض الفيديوهات الساخرة تحول إلى رفض فرض سيطرة الشرطة على باب العمود، ثم إلى شعور عارم بقدرة الفلسطينيين، ولأول مرة، على منع تظاهرة الأعلام التي تمر من باب العمود، والتي تتزامن مع عيد الاستقلال الصهيوني، وفرض تأجيل القرار القضائي فيما يتعلق بتهجير أكثر من 500 فلسطيني من حي الشيخ جرّاح.[7]

بهذا المعنى تحديداً يمكن القول إن الأثر الملموس للإرادة الجماهيرية، أي خلق التأثير المباشر، هو الذي أدى إلى استمرار الحالة الجماهيرية.

 

شبان خلال تظاهرة ليلة رمضانية في نيسان / أبريل 2021

المصدر: "عربي بوست"، في الرابط الإلكتروني

 

 إن كل تمرد هو أساساً تمرد ذو علاقة بسلطة ما، لكن من أجل فهم نشأة وانتقال المواجهة إلى حالة شعبية عارمة في هبّة رمضان لا يمكننا فصل التمرد عن كونه في الأساس سعياً للوصل بين الإرادة وبين قدرتها على تحقيق القوة التي يلمسها المتمرد في الأثر الذي يحرزه من خلال استطاعته تخريب الزمن الاستعماري، وفي تمكّن هذا الأثر من تثبيت الوجود الفلسطيني وتأكيده كوجود فاعل ومقاوم.

لقد تطورت ديناميات الهبّة بالحوار المباشر بين قوتين تخوضان صراع إرادات، وتمتلكان مجموعة من الأدوات المتنوعة التي تستخدمانها في صوغ شكل هذه الحوار العنيف وآلياته. وما حققته الهبّة هو إعادة تعريف موازين القوة في فلسطين، وتفكيك التراتبية الاجتماعية بين المستعمِر والمستعمَر، والتي يحاول الاحتلال فرضها من خلال توظيفه للقوة في عملية إخضاع المجتمع الفلسطيني، أي أن القوة ليست عملية حساب منطقية تقاس من خلال موازين اقتصادية وعسكرية فحسب، بل إنها أيضاً نمط من أنماط الإحساس أو المشاعر يتضمن تصورات اجتماعية تستطيع لحظة التمرد تعزيزها وتقويتها. فما تكشفه لحظة التمرد ليس فقط قدرة المجتمع على ابتداع وخلق آليات المواجهة والمقاومة، بل قدرته على كشف إرادة العدو أيضاً، واختبار إمكانات هذا الأخير لإعادة التوازن التراتبي الذي يساهم في تطبيع وجوده وتوسعه في فلسطين.

العفوية تلتقي مع التنظيم

لا يمكن التحدث عن الهبّة الأخيرة كمقاومة واحدة متمثلة في آليات وتكتيكات واحدة، أو منضوية في تنظيم سياسي واجتماعي واحد، بل يمكن القول إننا أمام مقاومات تختلف بحسب مواقع ظهورها وآليات الاشتباك التي تنتهجها، حتى إن امتلكت خطاباً سياسياً واجتماعياً مشتركاً.[8] وهذا الأمر لا يعبّر بالضرورة عن خيار سياسي، أي أنه لا ينبع من التقسيمات الحادة التي يجري تقديمها بشأن ضرورة اجتراح استراتيجيا في مقابل أُخرى، أي مقاومة شعبية في مقابل مقاومة مسلحة، وذلك لعدة أسباب:

أولاً، لأن أي استراتيجيا موحدة تحتاج إلى تنظيم اجتماعي وسياسي ناضج وقادر على تطوير وتصميم آليات تلك المواجهة، وهو أمر تفتقده الضفة الغربية والقدس والداخل لأسباب ترتبط بموقع القيادات السياسية كقيادات وسيطة لا ترى في المواجهة بجميع أنماطها، إلّا الكرنفالية منها، خلاصاً من الاحتلال.

ثانياً، صناعة الفعل تتكون عادة داخل مصفوفة معقدة من العوامل ترتبط بخصوصية العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر، ولا تكون فقط نتاج قرار قيادي أو عوامل سياسية كُبرى، فما يساهم في إنتاج شكل الاشتباك هو طبيعية اللقاء والاحتكاك مع الاحتلال، ذلك بأن تنوّع فضاءات الاحتكاك هو الذي يفرض اختلافاً في آليات المواجهة. فعلى سبيل المثال، لا تمتلك الضفة قدرة الاحتكاك المباشر في فضاءات مختلطة كالقدس والداخل، ولهذا تنتقل آليات المواجهة إلى مواقع محددة مسبقاً صُممت لاحتواء أثر المواجهة وإعطاب فاعليتها، فضلاً عن أن الاحتلال لا يتعامل مع تظاهرات الضفة مثلما يتعامل مع القدس. ففي القدس والداخل تعليمات إطلاق النار الحي الموجهة إلى الشرطة صارمة أكثر، ولذلك كان عدد الشهداء (ثلاثة) أقل من أولئك الذين سقطوا في مواجهات الضفة الغربية، وعددهم بالعشرات، حيث التعليمات متساهلة، ويمكن لجنود الجيش الإسرائيلي إطلاق النار من دون أن تكون حياتهم عرضة للخطر، بل وبلا سبب في كثير من الأحيان.

أمّا في غزة، فإن المقاومة، ومنذ حرب 2014، تسعى لفرض دور يتعدى آليات تخفيف أو تقويض الحصار المفروض عليها، إلى ما يضمن إعادة ربط المقاومة بقضايا تتعدى جغرافيا الحصار الذي يُراد منه فصل كل جغرافيا فلسطينية عن الأُخرى، وتحويل مطالب كل جغرافيا منها إلى مطالب معيشية واقتصادية يمكن للاحتلال التلاعب بها وتحديد سقفها بحسب التقسيمات التي أوجدها، ودرجات الفصل والعزل والإفقار التي يمارسها.

لهذا السبب لم تكن مشاركة المقاومة في غزة في المعركة التي تدور في القدس إلّا تجسيداً لضرورة رفض هذا الفصل، وإعلاء لدور المقاومة العسكرية المنظمة كفاعل سياسي وطني قادر على الالتحام والمساهمة في المواجهة السياسية في القدس والضفة والداخل.

لقد أمّنت الهبّة الأخيرة التقاء المقاومة العسكرية في غزة مع الكل الفلسطيني، فالتحمت العفوية مع التنظيم. فالتهديد المتصاعد الذي مثلته المقاومة في غزة عبر إمكان دخولها إلى المعركة، ساهم في خلق إرباك لدى إسرائيل، وحقق، بالتوازي مع تصاعد زخم المشاركة الجماهيرية في القدس، انتصارات صغيرة متتابعة وصلت ذروتها إلى إغلاق السبل أمام تظاهرة الأعلام (للمستوطنين المتطرفين)، ومنعها من المرور من العصب الاجتماعي للقدس، أي من باب العمود.

هذا التصاعد الدائري، أي الذهاب إلى المواجهة وتحقيق الإنجازات، ثم العودة إلى المواجهة وتحقيق إنجازات إضافية، ولّد أفقاً لانتقال الحالة من مواجهة مقدسية يؤدي فيها الداخل دور السند من خلال المشاركة في النشاطات التي تجري في القدس، إلى مشاركة في المدن والتجمعات الفلسطينية في الداخل المحتل. وقد احتدمت المواجهة في البلدات والتجمعات المختلطة في الأراضي المحتلة منذ سنة 1948، والتي تعاني عديداً من القيود والعوائق، مثل الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي ومحدودية فرص التعليم وعمليات التطهير العرقي البطيء في يافا وعكا واللد.[9] فخلال الأعوام القليلة الماضية، تشكلت شريحة واسعة من الشبان الفلسطينيين العاملين في السوق غير الرسمية - السوق السوداء - وفي عوالم الإجرام التي عادة ما تستلزم تطوير أدوات وتكتيكات التمرد، بما فيها اقتناء السلاح والحيلة والمراوغة والإلمام بالقانون، وغيرها من الأدوات.

لهذه الأسباب، اتخذت الهبّة في الداخل شكل مواجهة تضافر فيها التنظيم الاجتماعي للبلدات المبنية على العائلة والحارة، مع قدرات رفد هذا التنظيم الاجتماعي بالمعارف المكتسبة من خلال العيش على الهوامش الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أعلنه جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (شين بيت)، كاشفاً أن شريحة واسعة من الشبان المشاركين في الهبّة هم ممّن يملكون ملفات جنائية سابقة أو من جيل صغير السن، علاوة على مشاركة فاعلة من الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح.[10]

لا يخفى على أحد أن هذا الإعلان يأتي كمحاولة لعزل الطبقة الوسطى المتضررة من بعض ممارسات السوق غير رسمية في الداخل عن المواجهة، ولإضفاء نسق إجرامي يسعى لنزع البعد السياسي عن مشاركة الداخل في الهبّة، مع ضرورة الاعتراف بأن تلك الشريحة ساهمت في إدخال آليات دفاع تضمنت السلاح، رداً على الهجمات الاستيطانية على المناطق العربية في اللد وعكا ويافا، وسطّرت نقطة تحول في اكتشاف المجتمع الفلسطيني في الداخل لمواضع قوته وقدرته على الصمود خارج إطار المشاركة السياسية في الكنيست.

 

مشهد من مدينة اللد بعد المواجهات في أيار / مايو

المصدر: موقع "حبر"، في الرابط الإلكتروني 

 

أمّا غزة، فخاضت مواجهتها على مستوى الحوار العسكري، وأظهرت تطوراً ملحوظاً لدى المقاومة على مستوى الإنتاج الصاروخي وتنوعه والقدرة على الضرب الكثيف والمتزامن ليصل إلى أكثر من 100 صاروخ في رشقة واحدة، فارضة على الجيش الإسرائيلي التعويل على سلاح الجو في المواجهة، وعدم اللجوء إلى معارك برية مباشرة. كما أن المقاومة استطاعت تفادي كمين استراتيجي كان يرمي إلى استهداف أكثر من 400 مقاتل في ضربة واحدة فيما أطلق عليه العدو اسم "عملية المترو". وبعيداً عن المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال، فإنه فشل في ادعاء نصر واضح يعود به إلى مجتمعه. لقد كان هذا الاختبار الأول الكبير لرئيس هيئة الأركان الجديد أفيف كوخافي الذي أدى، وما زال، دوراً مركزياً في محاولة إعادة تنظيم صفوف الجيش، وتحضيره لمواجهة مختلف التحديات الاستراتيجية في شمال فلسطين المحتلة وجنوبها.

وتكمن أهمية المواجهة التي خاضتها المقاومة في غزة في أنها أدخلت الجيش الإسرائيلي، المؤسسة الأهم في إسرائيل، في قلب المواجهة، وساهمت في إضعاف قدرته على تحقيق إنجازات ملموسة تعيد ثقة الإسرائيليين به. وإذا كانت الهبّة في الداخل والقدس تمكنت من خلخلة الثقة بجهاز الشرطة، وتسببت بارتفاع الأصوات من أعلى المستويات القيادية الصهيونية الداعية إلى ضرورة زجّ الجيش في المواجهات التي دارت في المدن والبلدات الفلسطينية في الداخل، فإن المقاومة في غزة استطاعت تحدي المنظومة العسكرية، أي تحدي العصب الأساسي لحماية الوجود الاستيطاني في فلسطين. وهذه المرّة لم تتنافَ المقاومة المسلّحة مع الهبّة الشعبية أو تتعارض معها، ولم تخلق شرخاً بين المواجهة العسكرية وبين الاشتباك المدني المباشر، وإنما كانت المواجهات الليلية في العديد من المناطق، بما فيها الضفة، تحتدم وتشتد مع كل صلية صواريخ.

 

صاروخ أطلقته المقاومة من غزة

المصدر: "العربي الجديد"، في الرابط الإلكتروني

 

ما بعد سيف القدس

الأمر المميز في الهبّة الأخيرة، أنها أقحمت المؤسسة الأمنية الصهيونية برمّتها في قلب المواجهة، وأعادت تعريف حدود الاشتباك لتشمل جغرافيا فلسطين التاريخية، متعدية ذلك إلى تظاهرات حاشدة في الشتات. كما أن الفلسطينيين باتوا يعون حالة التخبط في القرارَين السياسي والأمني الإسرائيليين، بمجرد دخول الهبّة منطقاً دائرياً في العلاقة مع الاحتلال، أي أن المواجهة مع كل إنجاز كانت تعيد إنتاج نفسها وتتوسع جغرافياً وعددياً. وأظهرت الهبّة أيضاً مدى عمق الخوف عند الاحتلال من تصاعد الأحداث ووصولها إلى مصافي انتفاضة كبرى، وبالتالي اضطرار المستوى الأمني إلى المراوغة والمرونة في لحظة أزمته السياسية الداخلية والمتأثرة بفواعل خارجية، بما فيها الفعل الفلسطيني المقاوم. بمعنى آخر، كانت لحظة انقضاض ومبادرة فلسطينية في ظل ضعف وفراغ وصراع سياسي داخلي إسرائيلي.

لم نسعَ في هذه المقالة لأن نكون ممثلين عن الهبّة أو التحدث باسمها بقدر ما تتبّعنا ديناميتها. فقد أرتنا الهبّة مواجهات عمّت فلسطين كلها، وأعادت السؤال الاقتصادي إلى الواجهة، وزعزعت العديد من الأوهام، بما فيها إمكان القيام بعملية إصلاح للسلطة في ظل قيادتها الحالية، لكن أهم ما أظهرته وكشفته، هو علاقات القوة المتغيرة والمتبدلة في الصراع مع المجتمع الصهيوني، وقدرة المجتمع الفلسطيني على اجتراح وسائل متعددة ومستجدة في المواجهة مع الاحتلال.

ختاماً، يجب الاعتراف أيضاً، بأن الحالة في الضفة تشير إلى فشل المخيلة في خلق أدوات وآليات مؤثرة تستطيع تحقيق تأثير ملموس في المواجهة مع الاحتلال، وقادرة على رفد صراع الإرادات بإمكان المواجهة الشعبية الواسعة في أكبر كتلة ديموغرافية في فلسطين التاريخية، بما فيها قدرة نموذج "السلطة الأصلانية" على احتواء الهبّات وإعطاب إمكان تعاظمها وتدحرجها لتتحول إلى انتفاضة كبرى، أي أن الهبّة لم تصل إلى حد حل الأزمة الفلسطينية والتشرذم القائم بين نموذجَي "المقاومة" و"التعاون".

 

المصادر:

[1] محمد عبد الله، "حول المشاع السياسي الخلّاق في فلسطين المحتلة"، موقع "حبر"، 1 آذار / مارس 2021، في الرابط الإلكتروني

[2] Toufic Haddad, Palestine Ltd.: Neoliberalism and Nationalism in the Occupied Territory (London; New York: I.B. Tauris & Co. Ltd., 2nd edition, 2018).

[3] Mahmood Mamdani, Citizen and Subject: Contemporary Africa and Legacy of Late Colonialism (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 1996).

[4] Frantz Fanon, The Wretched of the Earth, translated by Constance Farrington (New York: Grove Press, 1961).

[5]East Jerusalem Teenagers Arrested on Suspicion of Slapping Haredi Boys on Train”, Times of Israel, 20 April 2021.

[6] Grégoire Chamayou, Manhunts: A Philosophical History (New Jersey: Princeton University Press, 2012).

[7] هنادي قواسمي، "مسرحية الرقص بالأعلام"، موقع "متراس"، 12 أيار / مايو ٢٠١٨، في الرابط الإلكتروني

[8] محمد عبد الله، "الأعجوبة التنظيمية: المقاومة دون قيادة"، موقع "حبر"، 16 تموز / يوليو ٢٠١٧، في الرابط الإلكتروني.

 [9] رازي نابلسي، "اللد: سجن عربي في مدينة محتلة"، موقع "حبر"، 19 أيار / مايو، ٢٠٢١، في الرابط الإلكتروني. 

[10] Amos Harel, “Israel Gave up Sovereignty in Arab Cities: Everyone Paid the Price”, Haaretz, May 28, 2021.

السيرة الشخصية: 

عبد الجواد عمر: محاضر في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت.