حي الشيخ جرّاح ومعركة البقاء
ملف خاص: 
النص الكامل: 

مقدمة

تعيش مدينة القدس عملية تطهير عرقي منظمة تشترك فيها أذرع الاحتلال المختلفة، سواء على المستوى الحكومي، أو على مستوى الحكم المحلي (بلدية الاحتلال)، وتشارك فيها بكثافة، الجمعيات الاستيطانية العنصرية، الممولة إمّا من الحكومة الإسرائيلية نفسها وبشكل مباشر، وإمّا من أثرياء يهود، وخصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية. ويجري هذا كله استناداً إلى منظومة قانونية تضم سلسلة من القوانين التي سُنّت بصورة واعية ومدركة تماماً، تلبية لحاجات التطهير العرقي، وقد تجند الجهاز القضائي الإسرائيلي بأكمله في خدمة هذه العلمية.

إن ما يجري في حي الشيخ جرّاح هو حلقة من مخطط أوسع سنأتي على ذكر بعض مكوناته، ويتشكل أساساً في المنطقة التي يُطلق عليها اسم "الحوض المقدس" (Holy Basin)، أي البلدة القديمة والمنطقة المحيطة بها التي تضم أهم المقدسات والمشهد التاريخي المقدس.

تهدف المشاريع الإسرائيلية في هذه المنطقة إلى حسم الواقع الديموغرافي والمشهد الحضاري فيها لمصلحة الاحتلال ورموزه الدينية و"القومية"، كي تبدو بقعة الصراع الأساسية، القدس ومحيطها القريب، كأنها مدينة إسرائيلية يهودية. ولا يمكن أيضاً فصل حي الشيخ جرّاح عمّا يدور في المسجد الأقصى، مثلما ظهر في هبّة الأقصى الأخيرة، فالمسجد الأقصى هو الحلقة الأكثر مركزية في هذا المخطط.

وكي يتم استيعاب معادلة الحوض المقدس هذه، وفهم الهجمة الشرسة عليه، يكفي القول إنه بعد 54 عاماً على احتلال الشطر الشرقي من المدينة، فإن أكثر من 90% من مجموع السكان في البلدة القديمة ومحيطها القريب المسمى "الحوض المقدس" هم من الفلسطينيين، وذلك على الرغم من تسخير جميع الأدوات المذكورة لتغيير التركيبة الديموغرافية والحضارية في هذه المنطقة لمصلحة المشروع الكولونيالي.

وبالتأكيد، يصعب أيضاً فهم ما يدور في حي الشيخ جرّاح بمعزل عن الأوضاع المتردية التي وصل إليها العالم العربي بحروبه الأهلية والبينية، والهرولة نحو إضفاء الشرعية على الاحتلال (التطبيع)، تحت مسوغات متنوعة، وعجز السلطة الوطنية الفلسطينية عن توجيه البوصلة بشكل يتلاءم مع المرحلة وتشكيل برنامج سياسي يتفاعل مع التطورات التي حدثت خلال العقدين الأخيرين، وبروز أشكال نضالية جديدة يمكن تسخيرها في الصراع. ومن الصعب أيضاً فهم ما يدور بمعزل عن الانقسام الفلسطيني الحاد، فهو أمر أتاح للاحتلال مساحة أوسع لفرض سياساته وتعزيز سيادته على الأرض والتصرف بحرية نسبية، سواء في الضفة الغربية عامة، أو في القدس خاصة. ويجب الانتباه كذلك إلى التغيرات الجذرية التي حدثت في المجتمع الإسرائيلي وانحياز أغلبيته الساحقة نحو اليمين واليمين المتطرف العنصري، والتي ساهمت بدورها في تسريع النشاطات الاستيطانية وبلورة السياسات العنصرية.

حي الشيخ جرّاح في التاريخ

يقع حي الشيخ جرّاح الذي يصعب تحديد حدوده بصورة دقيقة، على بعد 2 - 3 كيلومترات شمالي السور الشمالي للقدس القديمة، أي على بعد مرمى حجر عن باب العمود. ومن المحتمل أن القسم الجنوبي منه كان داخل القدس في الفترة الرومانية المبكرة (القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الأول للميلاد)، وقد انتشر في الحي في الفترة البيزنطية بعض الكنائس والأديرة، علاوة على بركتين حُفرتا في الصخر لجمع مياه الأمطار تعودان إلى الفترة الرومانية - البيزنطية، كما ضم كثيراً من المقابر التاريخية التي تعود إلى فترات متعددة، وأهمها قبور السلاطين.

يحتل الحي موقعاً جغرافياً مهماً نظراً إلى ربطه البلدة القديمة عبر شارع صلاح الدين وطريق نابلس المركزيين بالأحياء الشمالية للمدينة (شعفاط وبيت حنينا)، ومنهما إلى مدينة رام الله وشمال الضفة الغربية، ولذلك يُعتبر حلقة وصل مهمة، فضلاً عن أنه يضم عدداً كبيراً من المؤسسات الوطنية والدولية التي يعتمد معظم الشعب الفلسطيني على كثير منها، ليس في القدس فحسب، بل في سائر الأراضي الفلسطينية أيضاً.

وفي الفترة الأيوبية، بُني في الحي زاوية للصوفية فوق قبر يعود إلى حسام الدين الجرّاحي الذي كان طبيب صلاح الدين الخاص، وأحد أمرائه. ويذكر مجير الدين (في نهاية القرن الخامس عشر للميلاد) الزاوية الجرّاحية، فيقول: "زاوية بظاهر القدس من جهة الشمال، ولها وقف ووظائف مرتبة، ونسبتها لواقفها الأمير حسام الدين الحسين بن شرف الدين عيسى الجرّاحي، أحد أمراء الملك صلاح الدين يوسف بن أيوب، ووفاته في صفر سنة 598ه [1201م]، ودُفن في زاويته المذكورة، رحمه الله، وبظاهر القبلة قبور جماعة من المجاهدين يقال إنهم من جماعة الجرّاحي، والله أعلم."[1] وما زال قبر الجرّاحي ظاهراً،[2] ويُعتبر مكاناً مقدساً، ويشبه في مظهره سائر المقامات الإسلامية في فلسطين. ويبدو أن الزاوية أدت دوراً في الحركة الصوفية، واعتمدت على الأوقاف التي كانت موقوفة عليها، كما يبدو أن آخر المتولّين (القيّمون) على الزاوية كانوا من عائلة الديسي المقدسية، والذين ظلوا حتى اليوم يقيمون في الزاوية ومحيطها.

وذكر عارف العارف الزاوية وسمّاها "المدرسة الجرّاحية"، قائلاً إن لها وقفاً ووظائف مرتبة، ويبدو أنه تم رفع مكانة الجرّاحي في التراث الشعبي المحلي، إذ يُطلَق عليه صفة "النبي الجرّاح".[3] وفي سنة 1886م، بُني على طرف الزاوية مسجد بمئذنة يقوم بخدمة العدد المتنامي من السكان في الحي، ويُعرف بجامع الشيخ جرّاح، وهو ما زال قائماً حتى اليوم.

لا يُعرف على وجه التحديد، متى أُطلق على الحي اسم "الشيخ جرّاح"، لكن حقيقة وجود الزاوية الجرّاحية منذ مطلع القرن الثالث عشر للميلاد، ربما يكون مؤشراً إلى العمق التاريخي لهذه التسمية. وتظهر هذه التسمية باستمرار في كتابات وخرائط القرن التاسع عشر، كإحدى البنايات القليلة التي تقع خارج أسوار المدينة قبل انتشار الأحياء السكنية الحديثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والسجلات المحلية في القدس تشير إلى حي الشيخ جرّاح بهذه التسمية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

استمر استعمال منطقة الشيخ جرّاح في الفترة العثمانية كحقول زراعية ومصايف لأعيان القدس، وأُطلق على كثير من أراضيها تسمية "كرم" يتبعها اسم صاحب الكرم، وكثير من هذه التسميات تم الحفاظ عليه حتى اليوم مثل كرم أبو الخير وكرم الناظر وكرم المفتي وكرم الجاعوني، إلخ. وقد انتشرت عادة خروج أعيان المدينة مع عائلاتهم في فصل الصيف وأحياناً في نهايات الأسبوع، بحثاً عن الخصوصية والهواء الطلق والشمس، وهي من الأمور المفتقَدة في البلدة القديمة المكتظة والتي يفتقر كثير من بيوتها إلى التهوية الملائمة، وترتفع فيها درجات الرطوبة.[4]

زُرعت في الشيخ جرّاح الحدائق والبساتين وأشجار الزيتون والكرمة والتين، وضم بعضها طواحين ومعاصر عنب. وتحوّل بعض المساكن البسيطة أحياناً إلى قصور محصنة، وخصوصاً في القرن السابع عشر، مثل قصر العماوي الذي بقيت آثاره ظاهرة حتى سنة 1948، وكان يقع بالضبط إلى الجنوب الغربي من الزاوية الجرّاحية، وتشكَّل من طبقتَين مبنيتين من الحجر المهذب، وكان له مطحنة حبوب وآبار ماء، وتحوطه الحقول الزراعية المغروسة بالزيتون وكروم العنب.[5] وتحوّل هذا الأمر بعد ذلك إلى ظاهرة بارزة لأرستقراطية القدس، ازدادت اتساعاً في القرن التاسع عشر. ويظهر على خرائط منتصف القرن التاسع عشر قصر المفتي، ويبدو أنه كان موجوداً قبل سنة 1840م. ومع أنه كان متواضعاً،[6] إلّا إنه أقدم "القصور" التي بُنيت في وسط البساتين في القرن التاسع عشر. وقد بنى مفتي القدس الشيخ طاهر الحسيني،[7] والد المفتي الحاج أمين، قصراً فاخراً إلى الشمال من القصر السابق، وذلك نحو سنة 1890م. وتُظهر المصادر وجود قصور أُخرى في منطقة الشيخ جرّاح بُنيت قبل القرن التاسع عشر مثل قصر القطب وقصر الشهابي، لكن معلوماتنا بشأنها متواضعة ولا تمكّننا من عرضها، إلّا إنها تعبّر عن اتساع هذه الظاهرة.[8]

وبعد قيام عائلة الحسيني ببناء قصرها، انضمت إلى هذه الظاهرة كل من عائلة النشاشيبي، وهندية، وجارالله، والعارف، والخطيب، وغوشة، ومراد، والدجاني، وشرف، ونسيبة، وعائلات أُخرى تمثل جزءاً مهماً من عائلات القدس التي تمتعت بثراء نسبي.[9]

 

الجيش العثماني في طريقه إلى قناة السويس مارّاً بين مسجد الشيخ جرّاح وقصر العماوي، في سنة 1914

(المصدر: مكتبة الكونغرس)

 

وبغضّ النظر عن دخول مجموعة من عائلات القدس إلى حي الشيخ جرّاح وتشييدهم منازل فاخرة فيه، فإن سيطرة عائلة الحسيني كانت واضحة، وخصوصاً في الجزء الجنوبي من الحي حيث شَيدت أكبر مجموعة من المنازل، ولهذا يمكن تسمية جزء مهم من حي الشيخ جرّاح بالحسينية. وليس من السهل تتبّع متى اقتنت هذه العائلة الأراضي في الشيخ جرّاح، لكن يمكن القول إن ذلك بدأ بصورة متدرجة منذ صعود نجم هذه العائلة في منتصف القرن السادس عشر، حين عُين كريم الدين أبو الوفاء (الحسيني) نقيباً للأشراف في القدس، ومن بعده ابنه عبد القادر، ثم جرى توارث هذه الوظيفة التي تحولت بالتدريج إلى أهم الوظائف في القدس. وظهرت قوة العائلة خلال الثورة التي حملت اسم "ثورة نقيب الأشراف" في سنة 1703م ضد الدولة العثمانية.[10] وعلى الرغم من النتائج المأسوية للثورة على عائلة الحسيني، فإنه تم تعيين محب الدين بن عبد الصمد ابن غضّية (الحسيني) نقيباً للأشراف في سنة 1705م، والذي استمر في وظيفته حتى سنة 1731م، أي إلى حين وفاته، وقد استطاع ابن غضّية جمع ثروة كبيرة مكّنته من توسيع المُلكيات العقارية للحسينية.[11] وشكلت هذه الثروة وغيرها من الثروات اللاحقة، قاعدة متينة لبداية توسيع المُلكيات العقارية للحسينية، ومن ضمن ذلك أيضاً تأسيس مصانع صابون في البلدة القديمة، وربما يكون بعض الأراضي في منطقة الشيخ جرّاح قد جرى شراؤه خلال تلك الفترة. وأضاف حسن بن عبد اللطيف الحسيني (1743 - 1809م)، وكان قاضياً ونقيباً للأشراف ومفتياً حنفياً، المزيد من الأوقاف الذرّية لثروة الحسينية.[12] وخلال العقود اللاحقة، راكمت عائلة الحسيني مزيداً من القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وامتدت استثماراتها إلى عدة مناطق من فلسطين شملت يافا وغزة وأرياف القدس ورام الله وأريحا وغيرها، وظهرت هذه الثروة في أملاك وتجارة موسى باشا الحسيني الذي عمل في نهاية القرن التاسع عشر في التجارة والمقاولات، وكان رئيساً لبلدية القدس.[13]

ظهرت مؤشرات الحداثة على آل الحسيني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فبدأوا بتشييد المباني الحديثة في حي الشيخ جرّاح. فعلاوة على قصور المزارع (الكروم) السابقة الذكر، قام رباح أفندي الحسيني (ت. 1886م)[14] في ستينيات القرن التاسع عشر ببناء أول فيلا عصرية مباشرة إلى الجنوب من زاوية الشيخ جرّاح، ثم عمد إلى توسيعها في سنة 1876م،[15] مؤسساً بذلك لسلسلة من مباني الحسينية في المنطقة الجنوبية من الشيخ جرّاح، والتي باتت تُعرف باسم "الحسينية" أو "حارة الحسينية". ومن أشهر بيوت الحسينية في المنطقة المذكورة فيلا بناها إسماعيل حقي الحسيني في سنة 1897م، والتي شهدت أحداثاً سياسية مهمة، ومن ضمنها حفل استقبال القيصر الألماني وليم الثاني في أثناء زيارته للقدس في سنة 1898م. وتحولت هذه الفيلا بعد سنة 1948م إلى فندق أصبح يحمل اسم "فندق الشرق الجديد" (New Orient House)، وهو الموقع الذي أصبح في ثمانينيات القرن العشرين مقراً لجمعية الدراسات العربية التي أسسها فيصل الحسيني، ثم أصبح المقر غير المعلن لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبدءاً بسنة 1990 أصبح المقر الرسمي والدبلوماسي المعلن لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعُرف باسم "بيت الشرق".

 

جزء من حي الشيخ جرّاح، في سنة 1948

(المصدر: أرشيف عصابة البلماخ)

 

جزء آخر من حي الشيخ جرّاح، في سنة 1948

(المصدر: أرشيف عصابة البلماخ)

 

ومباشرة إلى الشرق من بيت الشرق، بنى سعيد الحسيني منزلاً ضخماً وفاخراً في سنة 1902، ربما يكون من أضخم بيوت الحسينية في الشيخ جرّاح، وكان يضم حديقة واسعة ما زالت قائمة حتى اليوم، وقد اعتُبر منزلاً عصرياً من الطراز الأول، إذ ظهرت فيه جميع العناصر المعمارية التي مزجت ما بين التراث المحلي والطراز الأوروبي، وربما يكون المعماري التركي الشهير كمال الدين بيك هو الذي صمم المبنى، وذلك في أثناء إقامته في القدس عاملاً على ترميم قبة الصخرة.[16] وشيد هذا المهندس المعماري مجموعة من مباني القدس الجميلة مثل بيت زليخة الشهابي (المعهد الوطني للموسيقى حالياً)، وبيت الدقاق (فندق ومطعم الزهراء حالياً) في شارع الزهراء.

يطول الحديث عن بيوت الحسينية في هذا الحي،[17] لكن من المهم ذكر بعض الوقائع، فإلى الشمال من بيت سعيد الحسيني تقع مؤسسة دار الطفل العربي التي أسستها هند الحسيني في بيوت عائلتها لتكون مسكناً ومدرسة للأطفال الأيتام الناجين من مذبحة دير ياسين، ولتصبح لاحقاً مدرسة كبيرة للبنات بعد أن أضافت إلى المنزلَين التاريخيين الجميلين مزيداً من المباني، وبينها مبنى كبير أصبح كلية للبنات بعد أن شُيد في سنة 1982، وهو يستخدم اليوم ككلية للآداب تابعة لجامعة القدس (كلية هند الحسيني للآداب).[18] والمبنى الغربي هو بيت سليم أفندي الحسيني[19] الذي شيده في سبعينيات القرن التاسع عشر، أمّا المبنى الشرقي الذي هو أيضاً من أملاك سليم أفندي الحسيني، فبُني في الفترة نفسها لبناء المبنى الأول. وإلى الشرق من دار الطفل العربي، يقع هذا البيت الضخم والفخم الذي اشترته أم عبد القادر الحسيني وقامت بتوسيعه، وكان هو المُلك الوحيد لعبد القادر، والذي صادرته سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سنة 1967 بحجة أنه أملاك غائبين، لكنها لم تسلمه إلى المستوطنين، وهو يُستخدم الآن كمركز مجتمعي.

ومن أشهر بيوت حي الشيخ جرّاح، ما يُعرف اليوم بدار (قصر) إسعاف النشاشيبي، والذي يقع في الجزء الشمالي من الحي، وهو من أضخم وأجمل بيوت الشيخ جرّاح، ويتكون من ثلاث طبقات وحديقة ومرافق أُخرى، وقد زُخرفت واجهته بالبلاط القاشاني المقدسي. بناه إسعاف عثمان النشاشيبي[20] في سنة 1922 بعد أن صممه المهندس المقدسي الشهير سبيرو خوري، وتحول الدار بعد تأسيسه إلى صالون ثقافي مهم، على عادة أعيان القدس في نهاية الفترة العثمانية، واستمر ذلك خلال فترة الانتداب البريطاني، إذ سطع نجم إسعاف النشاشيبي، وزار الدار معظم أدباء فلسطين وضيوفها من أعلام الأدب العربي.[21] وبعد النكبة استُخدم القصر في مجالات أُخرى،[22] فكان قنصلية للمملكة العربية السعودية، ثم قنصلية فرنسية، وفي سنة 1964 أصبح مقراً لمدرسة الآثار الألمانية (نُقلت لاحقاً إلى مبنى يقع إلى الشرق من أوغستا فكتوريا على جبل الزيتون)، إلى أن استحوذت عليه مؤسسة دار الطفل الحسيني (هند الحسيني) في سنة 1982، وحوّلته في سنة 1986 إلى مركز للأبحاث التراثية والإسلامية تحت إدارة المؤرخ والأديب إسحق موسى الحسيني. وضم هذا المركز مكتبة مهمة ومجموعة معتبرة من المخطوطات، ويسمى المبنى الآن "دار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون والآداب"، حيث يجري تنظيم العديد من النشاطات الثقافية والفنية، وباتت مكتبته معتبرة جداً.[23]

على أي حال، كل بيت في حي الشيخ جرّاح له تاريخ مهم يستحق أن تُكتب بشأنه مقالة مخصصة له.[24] وتاريخ الحي جزء أساسي من التاريخ الجمعي للشعب الفلسطيني، فقد أدى الحي دوراً مهماً في الحياة السياسية والثقافية، وهو شاهد على التحولات الجذرية التي عاشتها القدس منذ منتصف القرن التاسع عشر، وسكنته مجموعة من أعلام فلسطين منهم، علاوة على أفراد الحسينية السابق ذكرهم، جورج أنطونيوس،[25] وراغب النشاشيبي،[26] وإسعاف النشاشيبي.[27] ويكفي القول إن الإحصاء العثماني لسنة 1905 يذكر وجود 167 عائلة كانت تسكن في حي الشيخ جرّاح، وهذا العدد تصاعد بشكل مطّرد مترافق بزيادة كبيرة في عدد المباني (القصور) خلال فترة الانتداب البريطاني، ليتحول الحي إلى واحد من أفخم أحياء القدس قبل منتصف القرن العشرين.

 

صورة جوية لجزء من حي الشيخ جرّاح، في سنة 1931

(المصدر: مكتبة الكونغرس - مجموعة ماتسون)

 

مؤسسات وطنية ودولية في الحي

استقطب حي الشيخ جرّاح عقب النكبة مزيداً من المباني والمؤسسات، وخصوصاً المباني العامة التي انتقلت إلى الحي بعد سقوط الشطر الغربي من المدينة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ويضم حالياً مجموعة من القنصليات منها: القنصلية السويدية؛ القنصلية التركية؛ القنصلية البلجيكية؛ القنصلية الإيطالية؛[28] القنصلية الإسبانية؛ القنصلية البريطانية؛ القنصلية الفرنسية.[29] كما كان يضم، حتى حزيران / يونيو 1967، القنصليات العراقية، واللبنانية، والسعودية، والمصرية، والسورية.

ويضم حي الشيخ جرّاح أيضاً مبنى "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا)،[30] ومكاتب منظمة الصحة العالمية، ومكاتب ممثلية الاتحاد الأوروبي، ومبنى جمعية الشابات المسيحيات، ومباني الصليب الأحمر الدولي، ومكاتب مؤسسة فريدريك إيبرت،[31] ومؤسسة فريديرك ناومن،[32] ومؤسسة التعاون البلجيكي، وكذلك المقر المركزي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى ("الأونروا"). كما يضم مدرسة خليل السكاكيني،[33] ومدرسة عبد الله بن الحسين،[34] ومدرسة الفتاة اللاجئة، ومستشفى العيون (سانت جون)،[35] والمستشفى الفرنساوي (مار يوسف)،[36] ومدرسة الآثار البريطانية (كاثلين كنيون)، وهناك فندقان عربيان، هما فندق الأمبسادور،[37] وفندق ماونت سكوبس.[38] ويمكن إضافة المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) الواقع على الطرف الجنوبي للشيخ جرّاح، وكان قبل ذلك سينما عُرفت باسم سينما النزهة. ويسكن في الحي، فضلاً عن الفلسطينيين، عدد كبير من القناصل وممثلي الدول المتعددة لدى السلطة الوطنية،[39] علاوة على عدد كبير من العاملين في المؤسسات الدولية في القدس ورام الله.

إن هذا التجمع الكبير من مؤسسات وطنية، خدمية ودولية، يجعل منطقة الشيخ جرّاح أكثر المناطق حساسية وأهمية في المدينة، وهو يخدم أعداداً كبيرة من الفلسطينيين سواء القاطنين في القدس أو خارجها، واستهدافه يعني التعدي على الرموز، وعلى بنى تحتية فلسطينية أساسية في القدس.

استيطان مبكر في الشيخ جرّاح بعد سنة 1967

بدأ الاستيطان الإسرائيلي المبكر بأشكال متنوعة في حي الشيخ جرّاح عقب احتلال سائر مدينة القدس في سنة 1967، وبداياته كانت باستيلاء الحكومة الإسرائيلية على مبنى إلى الشمال من مستشفى العيون كانت الحكومة الأردنية أنجزت هيكله الأساسي ليكون مستشفى حكومياً يُنقل إليه مستشفى الهوسبيس (النمساوي) الذي يقع في البلدة القديمة، وقد حوّله الاحتلال إلى مبنى حكومي،[40] وأصبح مركزاً لقيادة الشرطة القطرية الإسرائيلية، وتحول إلى نواة لسلسلة من المباني الحكومية الإسرائيلية التي جرى تشييدها في العقود اللاحقة إلى الشمال والشرق من المبنى المذكور، وما زالت أعمال إضافة مزيد من المباني جارية. فعلى بعد 300م تقريباً، إلى الجنوب الغربي من هذا المجمع، بُني مجمع إضافي ضخم هو المقر القطري لقوات حرس الحدود الإسرائيلية. وبهذا تم تحويل جزء أساسي من حي الشيخ جرّاح إلى مقارّ لقوات الأمن الداخلي الإسرائيلي، قالباً بذلك صورة الحي وتركيبته التاريخية والثقافية.

وجرت السيطرة أيضاً على الشريط الغربي من حي الشيخ جرّاح، والذي كان يقع في المنطقة الفاصلة بين شطرَي المدينة خلال الفترة 1948 – 1967، والمسماة المنطقة الحرام، وبُني في جزء منها فندقان ضخمان، في الجهة الواقعة إلى الغرب من فندق الأميركان كولوني، كما بُني مبنى ضخم للهستدروت (نقابة العمل في إسرائيل)، بينما تحوّل الجزء الأكبر منه لاحقاً إلى عيادة طبية. أمّا الجزء الآخر من المنطقة الحرام، فشُيد عليه الشارع العريض المسمى "الشارع رقم 1"، والذي شُيد ليخفي خط الهدنة، ويساهم في ضم الجزء الشرقي منها.

وفي سنة 1985، اشترى المليونير اليهودي الأميركي إيرفينغ موسكوفيتش (Irving Moskovitz)[41] فندق شبرد (قصر المفتي)[42] والأرض المحيطة به من الحكومة الإسرائيليه بهدف إنشاء مستعمرة في موقعه. ويُذكر أن السلطات الإسرائيلية كانت قد صادرت القصر على اعتبار أنه أملاك غائبين، على الرغم من وجود مجموعة معتبرة من ورثة المفتي في القدس.[43] وخطّط موسكوفيتش لهدم قصر المفتي الحاج أمين الحسيني التاريخي، وذلك بهدف هدم جزء من التاريخ الوطني الفلسطيني، ونكاية بما يمثله الحاج أمين، وبناء 122 وحدة سكنية استيطانية في الموقع.

 

قصر المفتي القديم (أسفل يمين الصورة)، وقصر المفتي الجديد (فندق شبرد) في مركز الصورة، في سنة 1933

(المصدر: مكتبة الكونغرس)

 

وعلى الرغم من الاعتراضات كلها، فإن لجان التخطيط والبناء الإسرائيلية أجازت في سنة 2010 بناء 28 وحدة سكنية[44] جرى لاحقاً مضاعفة عددها لتصبح 56 وحدة سكنية استيطانية. ولم يُهدم القصر التاريخي، إلّا إنه تحول إلى كنيس، وذلك بعد أن هُدمت جميع الإضافات المحيطة به، والتي شُيدت قبل أو بعد تحول القصر إلى فندق. ولمواجهة الضغوط الخارجية،[45] وزعت وزارة الخارجية الإسرائيلية صور الحاج أمين الحسيني مع هتلر (1941) لتبرير هدم القصر من جهة، وتشريع إنشاء المستعمرة من جهة ثانية، وذلك عقب سلسلة من الانتقادات الدولية لبناء مستعمرة في هذا الموقع بين المؤسسات والقنصليات الأوروبية.[46] وكان واضحاً أن استهداف قصر المفتي كان ذا أبعاد رمزية، فالحاج أمين كان زعيم فلسطين حتى النكبة، وبالتالي، فإن الهدف من الانقضاض على قصره هو ضرب رمز من رموز فلسطين التاريخية في قلب القدس. لقد أُنجز هذا المشروع الاستيطاني بشكل كامل، وتسكنه الآن 56 عائلة استيطانية تتمتع بمنظر خلاب يشرف على البلدة القديمة من ناحية الشمال، وتحظى ببنية تحتية متطورة ليس لها مثيل في الشطر الشرقي كله من المدينة.

شكلت هذه المستعمرة جزءاً من حزام شمالي يرسم حدود ما يسمى الحوض المقدس، وقد وصلت بين ما وصفناه أعلاه بالمجمع الحكومي غرباً، وبالجامعة العبرية وهداسا شمالاً، وبذلك نجحت في تفتيت التواصل بين الأحياء الفلسطينية في المنطقة. ويجب النظر إلى جميع المكونات الآنف ذكرها كوحدة واحدة متكاملة، وليس كنقاط استيطانية متفرقة، كي تتضح الصورة بشكل شامل.

وإلى الجنوب الشرقي من قصر المفتي ثمة قطعة أرض يبلغ ما تبقّى من مساحتها 25 دونماً، وهذا بعد اقتطاع جزء منها لبناء مدرسة المأمونية التي لم يتم افتتاحها. فبعد أن انتُهي من تشييد المبنى، جرى تحويله إلى مقر لوزارة الداخلية الإسرائيلية، وذلك لمنع وجود أعداد كبيرة من الطلبة في منطقة حساسة تتجمع فيها مؤسسات أمنية إسرائيلية، وللحيلولة دون أن تشكل المدرسة، لو تم افتتاحها، مشكلة للمستعمرات التي كان مزمعاً تشييدها في المنطقة نفسها.

كذلك استولت السلطات الإسرائيلية على كرم المفتي الذي يُنسب إلى طاهر أفندي بن مصطفى الحسيني (ت. 1866م)، والذي كان مفتياً للحنفية في القدس.[47] فقد صادرت بلدية الاحتلال في القدس هذه الأرض لمنع البناء الفلسطيني عليها، وكذلك بحجة أنها من أملاك الغائبين، وقررت أخيراً إنشاء حديقة فوقها، على أن يتم إنجازها خلال عامَين، أي سيتم الانتهاء منها في سنة 2023، لتكون حاجزة بين المستعمرة وحي وادي الجوز[48] الذي يقع إلى الشرق منها.

مستعمرة شمعون الصِّدّيق

شمعون الصِّديق (Shimon HaTzadik) في التراث اليهودي هو حاخام أكبر (الكاهن الأكبر) عاش في القدس في الفترة الإغريقية، وينسب إليه هذا التراثُ استقبالَ الإسكندر المقدوني في سنة 332 ق.م. حين غزا القدس، وهذا أمر لا يوجد له أي أساس تاريخي، إذ لم يثبت قط وصول الإسكندر المقدوني إلى القدس في أثناء غزوه فلسطين، كما لم يثبت مثل هذا اللقاء في أي مكان آخر في فلسطين، لأن الإسكندر عبر فلسطين في اتجاه مصر، بينما قامت قوة عسكرية إغريقية صغيرة باحتلال القدس. على أي حال يُذكر شمعون الصِّديق في التلمود والمشناة.

يعود ظهور تراث تشخيص قبر شمعون الصِّديق في مغارة في الشيخ جرّاح إلى العصور الوسطى، علماً بأن القبر القديم الموجود فعلاً في المغارة المذكورة يعود إلى سيدة رومانية اسمها جوليا سابينا (Julia Sabina)، وذلك بناء على نقش كتابي. ويذكر تشارلز كليرمونت غانو (في سنة 1871م) هذا الموقع فيقول: "ما يسمى قبر شمعون الصِّديق" (so-called Simon the Just)، ويتوصل إلى نتيجة أن تاريخ المغارة يعود إلى قرون بعد فترة حياة شمعون الصِّديق، وأن التاريخ الأقرب لهذا القبر هو القرن الأول للميلاد وليس قبل ذلك، ويصل إلى نتيجة أن ربط الموقع بشمعون الصِّديق هو محض أسطورة.[49]

 

مخطط ومقطع طولي للمغارة والقبور الرومانية داخلها، مثلما كانت في نحو سنة 1880م

(المصدر: Warren and Conder, Survey of Western Palestine)

 

ومن الجدير بالذكر أن مغارة الشيخ جرّاح لم تكن الموقع الوحيد الذي ذُكر فيه قبر شمعون الصِّديق، فالرحالة اليهودي الأندلسي بنيامين التطيلي (Benjamin of Tudela) (ت. 1173م) يذكر في القرن الثاني عشر أن القبر يقع في منطقة بين طبرية وجبل الجرمق (ميرون).[50]

وأول تحديد تقريبي لموقع قبر شمعون الصِّديق في القدس لم يقم به يهود فلسطين، وإنما قام به رحالة يهود غربيون في القرن الثالث عشر، لكن هذا التحديد الأولي لم يتم إسناده في العقود اللاحقة، إذ كان عدد اليهود في القدس هامشياً، علاوة على أن عدد الحجّاج اليهود كان قليلاً جداً. وفي نهاية الفترة المملوكية، حين زاد عدد اليهود نسبياً في القدس، وردت رواية عند رحالة يهودي، نحو سنة 1490م، تحدد موقع قبر شمعون الصِّديق في الشيخ جرّاح،[51] لكن هذا الموقع لم يكتسب أهمية تُذكر، وربما يكون السبب هو عدم الاتفاق بين اليهود على موقع القبر. ويبدو أن الموقع اكتسب أهمية في الفترة العثمانية، وذلك ضمن توسع ظاهرة المقامات لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين، إذ كانوا يزورونه ويتبركون به، وذلك كجزء من التقاليد الشعبية التي انتشرت كثيراً في حينه.

ويذكر واصف جوهرية في مذكراته في نهاية الفترة العثمانية، تحت عنوان فرعي: "شطحة اليهود في القدس"، ما نصه: "يوجد مغارتان واقعتان في حي الشيخ جرّاح بالقدس بجوار أراضي وقف أبو جبنة تعتقد اليهود بأنهما قبور للصِّديق شمعون، وكانت اليهود تزور هذه المقابر، أعتقد مرتين في السنة، ويقضون النهار تحت ظل أشجار الزيتون، وكانوا أكثرهم من اليهود الشرقيين الذين يحافظون على العوائد الشرقية، وخصوصاً العربية في البلاد، ومنهم جوقات موسيقية وترية أذكر حاييم عازف العود والكمان، وزاكي من حلب ضارب الدف وله الصوت العالي المشبع ويغني غالباً الموشحات الأندلسية [....]. وهكذا كان العرب من أهالي القدس المسلمين والمسيحيين يشاركون الجماهير اليهودية فتذهب العائلات ويقضون الشطحة التي تُعرف عند العرب بشطحة اليهودية، فيكون الجبل في ذلك الموقع إلى الوادي مزدحماً بالأهالي على اختلاف أنواعها والباعة المتجولة بينهم، وكنت وإخواني لا نضيع الفرص أبداً."[52] الجوهرية يتحدث عن زيارة القبر مرتين في العام، وهذا الأمر لا يختلف عن فكرة زيارة المقامات في فلسطين في مواسم محددة، غير أنه لا يأتي على ذكر وجود مستعمرة يهودية في الموقع. لكن من الواضح أن تراث زيارة هذا القبر كان قد أصبح معروفاً، ويرافقه طقوس محددة تأخذ شكل الاحتفالات الشعبية التي كانت تجذب إليها المشاركين من مختلف الطوائف الدينية.[53]

ويقدم ويلسون (نقلاً عن Ewald) وصفاً تفصيلياً للموقع، فيذكر أنه محفور في الصخر، ويحدد البقعة التي دُفن فيها شمعون الصِّديق، ويقول إنه بالقرب من القبر هناك بئر ماء، وإن اليهود المتدينين يزورون الموقع أيام الجمعة بصورة خاصة مع مطلع كل شهر قمري، وخصوصاً بعد مضي 33 يوماً من عيد الفصح، ويحتفلون مع أطفالهم الذين يحلقون لهم شعرهم لأول مرة.[54]

خلاصة القول، لم يثبت تاريخياً أن مغارة الشيخ جرّاح ترتبط بأي شكل من الأشكال بشمعون الصِّديق، فالقبر يعود إلى امرأة رومانية اسمها جوليا سابينا، وذلك بناء على نقش كتابي (شاهد قبر) محفور في الصخر داخل المغارة، وأغلب الظن أن القبر يعود إلى نهاية القرن الأول للميلاد، وليس إلى فترة قبل ذلك. لقد بدأ التراث اليهودي في القرن الثاني عشر على شكل افتراض، وأصبح القبر في نهاية الفترة المملوكية مزاراً، وفي الفترة العثمانية، وخصوصاً في القرن التاسع عشر، أصبح تراثاً واضحاً ارتبط به بعض الطقوس المتعلقة بالزيارة، والتي اشتملت على إضاءة الشموع وعزف الموسيقى والرقص، تماماً مثل بعض المواسم الإسلامية، مثل موسم النبي موسى بين القدس وأريحا، والنبي روبين في يافا، أو المواسم المسيحية مثل موسم الخضر. وكان الموقع، بما فيه المغارة، مُلكية عربية، وأغلب الظن أن زوار المغارة كانوا يدفعون للمُلّاك رسوماً من أجل الزيارة، وكان المُلّاك يُحضرون المفتاح لفتح المغارة، ولذلك كانوا يتلقون رسوماً في مقابل هذه الخدمة.[55]

الدين في خدمة الاستيطان في الشيخ جرّاح في القرن 19

كان الدين اليهودي، منذ نشوء الحركة الصهيونية، واجهة مهمة في المشروع الاستيطاني كله في فلسطين، إذ تم البناء على كثير من الروايات التوراتية من جهة، وعلى الأبحاث والمسوحات الأثرية والجغرافية الإفنجيلية المسيانية وغيرها التي تمت في القرن التاسع عشر من جهة أُخرى، والتي عملت جاهدة على تحديد كل موقع ذُكر في العهد القديم وربطه بجغرافيا فلسطين. وفي هذه الحالة، لا تؤدي "الحقيقة التاريخية" دوراً، وهذه عملية شاهدنا تأثيرها في جذب المستوطنين اليهود إلى فلسطين، وخصوصاً إلى القدس والخليل وطبرية وصفد، وبالتالي، جرى استغلال تحديد موقع شمعون الصِّديق من طرف بعض الرحالة اليهود في العصور الوسطى، مثلما رأينا، وتحويل هذه الأسطورة إلى دافع إلى الاستيطان في منطقة الشيخ جرّاح. وفي الحقيقة لم يختلف الأمر كثيراً بعد سنة 1967، فقد استند كثير من المستعمرات في بنائه في الضفة الغربية إلى مسوغات دينية، عبر الربط بشخصية أو أُخرى ذُكرت في نصوص العهد القديم أو التلمود أو المشناة، أو حتى بالمواقع التي كَرّم فيها المسلمون الأنبياء، وكثيرون منهم مذكورون في العهد القديم، وتم بناء مزارات / مقامات لهم، فتبنّاها اليهود بعد ذلك واعتبروها من أماكنهم المقدسة، وهناك عشرات من هذه المزارات في ريف نابلس.

بدأ مشروع استيطان الشيخ جرّاح عندما شكّل رئيس مجلس الطائفة السفاردية ورئيس مجلس الطائفة الأشكنازية في القدس في سنة 1876م ائتلافاً من أجل شراء / استئجار مغارة شمعون الصِّديق والمغارة المجاورة التي تحمل اسم مغارة سنهدرين الصغرى (Small Sanhedrin)،[56] والأرض التابعة للمغارة والبالغة 17,5 دونماً والمعروفة باسم "كرم الجاعوني". وقد حصل الائتلاف على عقد (تحكير!) في مقابل مبلغ وقدره 16,000 فرنك، وسُجل العقد في السجلات العثمانية تحت اسم الحاخام الأكبر أفراهام أشكنازي (Rabbi Avraham Ashkenazi) ممثلاً عن الطائفة السفاردية، والحاخام الأكبر مئير أورباخ (Meir Auerbach) ممثلاً عن طائفة الأشكناز.[57] ووُضع حجر الأساس لمستعمرة "شمعون هتسديق" في سنة 1890م في الجزء الذي يتبع السفارديم، وربما يكون كونراد شيك (Conrad Schick) الألماني هو الذي قام بتقسيم قسائم الأرض ووضع مخططات المستعمرة، وذلك على الجهة الشرقية من شارع نابلس. وصُممت المباني لاستيعاب فقراء اليهود، ولذلك جاءت صغيرة ومتلاصقة ووظيفية، ومن دون أي مظاهر معمارية جذابة. وبلغ عدد سكان هذه المستعمرة في سنة 1916، نحو 45 مستوطناً، موزعين على 13 منزلاً. أمّا الجزء الذي يتبع اليهود الإشكناز، فلم يُبنَ عليه شيئاً، وبقي أرضاً فارغة، وهي التي بنى عليها الإسكان (28 منزلاً) في سنة 1956، مثلما سنبيّن لاحقاً.

في سنة 1891م بدأ تأسيس مستعمرة أُخرى لا تبعد أكثر من 200م عن قبر شمعون الصِّديق، إلى الغرب من شارع نابلس، عُرفت باسم ناحالات شمعون (Nahalat Shimon)، وتُعرف بين سكان القدس باسم "كبّانية أم هارون".[58] وقد استأجرت الأرض (تحكير) شركة استثمارية استيطانية يهودية وقسمتها إلى قسائم قامت ببيعها إلى عائلات يهودية، وبنت عليها منازل متواضعة جداً لهم، وسكان هذه المستعمرة هم من أصول يمنية وحلبية وجورجية، وقد بلغ عددهم في سنة 1916 نحو 259 فرداً. ويبدو أن مستوى البناء، والفقر الشديد الظاهر الذي عاشه سكان هذه المستعمرة، حوّلاها إلى خربة، وذلك بعد أقل من عقدَين على وضع حجر الأساس لها، بحيث أصبحت غير قابلة للسكن.[59]

لم يستقر عدد المستوطنين في المستعمرتَين، وإنما تراجع بسبب تردي الأوضاع فيهما، علاوة على التأثيرات العميقة التي أصابتهما جرّاء ثورة البراق في سنة 1929، وكذلك الثورة العربية الكبرى خلال الفترة 1936 - 1939، إذ غادرهما كثير من العائلات، بعد حرب 1948، كونهما تقعان في القدس الشرقية، وقد نقلت كل من منظمة الهاغاناه وشرطة الانتداب البريطاني مَن تبقّى منهم إلى الأحياء اليهودية في الشطر الغربي من المدينة، وأسكنتهم في الأملاك الفلسطينية التي اقتُلع سكانها منها، ليُطوى هذا الملف لفترة وجيزة حتى سنة 1967.

محاولات السيطرة على كرم الجاعوني ("مغارة النقطة")

جرت أولى المحاولات العملية للسيطرة على منطقة كرم الجاعوني في سنة 1999، وذلك عندما تم تشخيص مغارة قريبة من مغارة شمعون الصِّديق والمسماة بالعربية "مغارة النقطة"[60] (يبلغ طولها 19م، وعرضها نحو 20م، وارتفاعها 3,5م)، والتي ادعت جمعيات استيطانية صهيونية أنها "مغارة رمبان" (Ramban)[61] التي صلّى فيها رمبان في القرن الثالث عشر للميلاد. وترافق ذلك مع محاولة السيطرة على قطعة أرض تقع إلى جانب مغارة شمعون الصِّديق، تعود مُلكيتها مع المغارة المذكورة إلى عائلة أبو جبنة المقدسية (وقف أبو جبنة الذري).

بدأت مجموعات دينية يهودية تتوافد إلى الموقع لإقامة شعائر دينية، وتوجهت هذه المجموعات إلى السلطات الإسرائيلية، وإلى القضاء الإسرائيلي، مطالبة إياهما بإعلان المغارة مكاناً يهودياً مقدساً. وعلى الأثر سيّجت عائلة أبو جبنة الأرض حفاظاً على حقوقها في المُلكية، ومع أن مُلكيتها تعود إلى العائلة الفلسطينية، إلّا إن وزير الشؤون الدينية الإسرائيلي عمد، في سنة 2000، إلى إعلان المغارة موقعاً دينياً يهودياً ينطبق عليه أحكام قانون حماية الأماكن المقدسة لسنة 1967. وفي مسعى لوقف هذا الاعتداء على مُلكيتها الخاصة، رفعت عائلة أبو جبنة القضية إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، معترضة على هذه الإعلان، ورافضة تحويل مُلكيتها الخاصة إلى مكان مقدس، وحرمانها من حقها في المنفعة من الأرض التي تُعتبر من أغلى الأراضي في القدس نظراً إلى وقوعها في الشيخ جرّاح على الشارع الرئيسي الرابط بين القدس ورام الله، وبُعدها نحو 2 كم فقط عن الأسوار الشمالية للبلدة القديمة (باب العمود)، علماً بأن الأرض تصلح لكثير من الاستعمالات التجارية، وخصوصاً بناء فندق عليها.

وبعد صراع مرير ومكلف دام ثمانية أعوام في المحاكم الإسرائيلية، استطاعت عائلة أبو جبنة ومعها دائرة الأوقاف الإسلامية في سنة 2008، انتزاع حقها في الأرض،[62] ومُنع المستوطنون من الدخول إلى المغارة على اعتبار أنها أملاك خاصة.[63] ويبدو أن المحكمة لم تقتنع بحجج "قدسية" الموقع، كما أن مسألة المُلكية كانت واضحة ولا لبس فيها ومعززة بالأوراق الثبوتية، الأمر الذي اضطر المحكمة إلى قبول اعتراض عائلة أبو جبنة ودائرة الأوقاف الإسلامية.

لقد كانت هذه القضية مؤشراً إلى ما ستتجه إليه الأمور في منطقة الشيخ جرّاح، إذ بُدىء بنبش الأساطير الدينية أولاً، ثم اعتمادها "حقائقَ" وتعزيز ذلك بإقامة الصلوات اليهودية التي جرى تحويلها إلى مهرجانات تجعل حياة السكان الفلسطينيين في المنطقة صعبة جداً. وكان يتلو ذلك، عادة، اتخاذ إجراءات "أمنية" من طرف الشرطة الإسرائيلية، ونصب كاميرات مراقبة لحماية المصلين اليهود، وانتشار الشرطة الإسرائيلية على طول مسار المستوطنين من الشطر الغربي وصولاً إلى حي الشيخ جرّاح، علاوة على نصب نقاط تفتيش دائمة وأُخرى موقتة، وإغلاق لبعض الشوارع المحيطة بالموقع، وصولاً إلى خَلْق واقع على الأرض يصعب إعادته إلى الوراء. وقد تكرر هذا السيناريو في كثير من المواقع في القدس القديمة ومحيطها، مشكلاً نمطاً واضح المعالم.

اللجوء واللجوء من جديد

اتفقت وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية مع الأونروا على بناء 28 وحدة سكنية للاجئين الفلسطينيين في كرم الجاعوني الذي يقع إلى الجنوب من مغارة شمعون الصِّديق، وذلك على قطعة الأرض التي وضعتها الحكومة الأردنية تحت إدارة حارس أملاك العدو (حارس أملاك الغائبين). وينصّ الاتفاق على تقديم الحكومة الأردنية الأرض للبناء، بينما تقوم الأونروا بتمويل أعمال البناء. وتعاقدت الوزارة المذكورة مع 28 عائلة فلسطينية لاجئة لبناء منازل لهم فيها، من دون أن يتنازلوا عن حقهم في العودة والتعويض أو أن يتنازلوا عن تعريفهم كلاجئين، في مقابل تنازلهم فقط عن الخدمات التي تقدمها الأونروا، أي التنازل عمّا عُرف باسم "بطاقة الإعاشة". كما وُقّعت مذكرة تفاهم بين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية والأونروا من جهة، وبين وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية والمستفيدين من المشروع من جهة ثانية، في تموز / يوليو 1956. وبناء على ذلك تم تشييد 13 بناية كل واحدة منها مكونة من شقتين من طبقة واحدة، علاوة على بنايتين كل واحدة منهما مكونة من شقة واحدة فقط. والشقق صغيرة جداً، معدل مساحتها 60 متراً مربعاً، وتشمل غرفتين بينهما ممر ومطبخ وحمّام، وبُني كل منزل على أرض تبلغ مساحتها نحو 350 متراً مربعاً. ومن شروط العقد أن مدته ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر تنتهي في 30 أيلول / سبتمبر 1959 (عقد أولي)، على أن تدفع كل شقة أجرة سنوية رمزية (دينار أردني واحد) لوزارة الاقتصاد والتنمية الأردنية إلى حين تسجيل الشقق بأسماء أصحابها لمدة 30 عاماً قابلة للتمديد 33 عاماً أُخرى. وهكذا تم تشييد هذه المباني وانتقلت العائلات إليها واستقرت فيها وبَنَت حياة جديدة.[64]

سقط الشطر الشرقي من القدس في يد الاحتلال الإسرائيلي في حزيران / يونيو 1967، واستولت القوات الإسرائيلية على سجلات حارس أملاك العدو الأردنية وسلمتها إلى الحارس العام لأملاك الغائبين في وزارة العدل الإسرائيلية التي أصبحت تتابع جميع الأملاك اليهودية التي كانت قبل سنة 1948 في الضفة الغربية، بما فيها القدس.

بدأت أول النشاطات الإسرائيلية للسيطرة على حي الشيخ جرّاح في سنة 1972، بعد نجاح المجلس السفاردي في القدس والهيئة العامة للكُنُس في إسرائيل، في تسجيل الأرض المذكورة في دائرة أراضي إسرائيل (شهادة تحرير)، وتم ذلك من دون إعلان رسمي أو إبلاغ مُلّاك العقارات القاطنين فيها والبالغ مساحتها 17,5 دونماً (17,500 متر مربع). ومن المثير أن التسجيل جرى من دون اعتماد مخطط للموقع، الأمر الذي يؤكد وجود تواطوء كامل من طرف دائرة أراضي إسرائيل. وبعد عشرة أعوام من التسجيل، أي في سنة 1982،[65] رُفعت أول قضية من جانب "مدعي مُلكية الأرض" ضد 23 عائلة من سكان الحي طالبتهم بإخلاء منازلهم، باعتبار أن الأرض التي بُني عليها المشروع هي مُلكية يهودية مسجلة رسمياً (قانونياً) في دائرة أراضي إسرائيل.

أوكلت عائلات الحي المحامي الإسرائيلي يتسحاك توسيا كوهين للترافع عنها، وقد توصل هذا المحامي (في سنة 1989) إلى تسوية، ومن دون استشارة أهالي الحي، يتم بمقتضاها الاعتراف بمُلكية الجمعيات الاستيطانية لرقبة الأرض، واعتبار سكان الحي مستأجرين محميين من الإخلاء، في مقابل دفعهم الأجرة التي سيتم الاتفاق عليها بشكل منتظم. وقد أقرّت المحكمة الإسرائيلية هذه "التسوية"، لكن السكان رفضوها واعتبروها تواطؤاً آخر بين المحامي والجمعيات الاستيطانية، وأعلنوا أنهم لا يعترفون أصلاً بأن الأرض مُلكية يهودية، وأنهم بنوا منازلهم بناء على قرار المملكة الأردنية صاحبة السيادة في حينها، وأنهم لن يدفعوا أجرة للمستوطنين.

أنهت عائلات الحي علاقتها بالمحامي كوهين، وكلفت في سنة 1993 المحامي الفلسطيني حسني أبو حسين للترافع عنها. وفي سنة 1994 ادعى سليمان درويش حجازي مُلكية الأرض التي يقوم عليها الحي، وحاول إثبات أن المُلكية هذه تعود إلى أجداده وفق كواشين طابو وأوراق رسمية عثمانية، وأن عائلة حجازي باعتها إلى المواطن الفلسطيني حنا البندك في سنة 1939، وأن البندك قام بتسجل مُلكيته لهذه الأرض وأثبتها في أعمال المساحة والتسوية الأردنية في سنة 1959 وفق الكواشين والأوراق الرسمية. ونتيجة ذلك، حصل سليمان حجازي على قرار من المحكمة المركزية بإجماع قضاتها الثلاث: بأنه لا يمكن رفع يد حجازي أو إخلائه من مُلكية الأرض إلى حين البتّ نهائياً في قضية مُلكية الأرض، وجاء ذلك في رد الدعوى التي تقدمت بها جمعية السفارديم في القدس والهيئة العامة لكُنُس إسرائيل، والتي تطالب المحكمة المركزية بالحصول على قرار بمُلكية الأرض.

ويمكن الاسترسال في شرح المسار الطويل والمتعب والمكلف الذي سارت عليه عائلات الحي، مسنودة بمَن دعمها، في محاولة لإثبات حقها في عقاراتها، إذ عُقدت عشرات الجلسات في مختلف المحاكم وعلى المستويات القضائية كافة. وعلى أي حال، ردت المحكمة الإسرائيلية العليا طلب حجازي بإثبات مُلكيته لرقبة الأرض، وجرى بعد ذلك إخلاء أول عائلة فلسطينية (عائلة فوزية الكرد / أم كامل)، وفي 4 آب / أغسطس 2009، اقتُلعت عائلتا حنون والغاوي من منزلَيهما بالقوة، ودخلت الجمعيات الاستيطانية[66] هذه المنازل واستعمرتها.[67] وجاء الإخلاء بحجة عدم دفع هذه العائلات الأجرة للجمعيات الاستيطانية، علماً بأن هذه العائلات، كغيرها من العائلات القاطنة في الحي، لم تعترف أصلاً بمُلكية الجمعيات الاستيطانية لرقبة الأرض، واعتبرت نفسها هي المالكة القانونية للعقار. وهكذا بدأت عملية الاقتلاع بدعم من المحاكم الإسرائيلية وبحماية الشرطة الإسرائيلية، بعد مرور نحو سبعة عقود على وجود العائلات الفلسطينية في تلك المنازل، ونمو جيلين على الأقل فيها.

هل المشكلة قانونية وحلّها قانوني؟

مع أن سكان الحي خاضوا معركة قانونية شرسة في المحاكم الإسرائيلية، فإن المشكلة ليست قانونية مطلقاً، وإنما سياسية بامتياز، وتنتظم ضمن إجراءات الفصل العنصري والتطهير العرقي. كما أن العقد الذي أُبرم مع اليهود في نهاية القرن التاسع عشر ربما يكون تحكيراً، أي تأجيراً طويل الأمد قد يصل أقصاه إلى 99 عاماً، وأغلب الظن أنه كان كذلك،[68] غير أن هذا موضوع شائك من ناحية قانونية، ففقهاء القانون ينقسمون في فهم هذا النوع من العقود بين مَن يقول إنه عقد تأجير ينتهي بانتهاء مدته المصرح بها في العقد، وخصوصاً أنه يرتبط بأجرة سنوية منصوص عليها فيه، وبين مَن يقول إنه عقد بيع وشراء عادي، سُمي حكراً للالتفاف على القانون لعدم القدرة على بيع العقار، إمّا بسبب كونه وقفاً خيرياً أو وقفاً ذرياً، وإمّا لأن القوانين أحياناً لا تسمح ببيع العقارات لغير العثمانيين في حينه.

ويمكن المحاججة أيضاً بأن الأردن، وبدعم من الأونروا، قام بإجراءات قانونية، على خلفية أن المملكة كانت الدولة صاحبة الولاية في خمسينيات القرن العشرين، وبالتالي كان يحق لها التصرف في العقارات. ولنفترض جدلاً أن الأرض كانت فعلاً مُلكية يهودية قبل سنة 1948، فماذا يترتب على ذلك؟

بغضّ النظر عن تفسيرات العقود المتعددة ذات العلاقة بالموضوع، فإن النقطة الجوهرية التي يجب نقاشها والتمسك بها هي أن عائلات الشيخ جرّاح هم من اللاجئين الذين اقتُلعوا من بيوتهم في سنة 1948، وكثير منهم اقتُلع من الشطر الغربي للقدس، وبعضهم اقتُلع من حيفا ويافا، ويتم الآن اقتلاعهم للمرة الثانية من بيوتهم. فأي قانون (في هذه الحالة القانون نفسه ويعود إلى الدولة نفسها) يحرمهم من حقهم، وحتى من مجرد المطالبة بعقاراتهم التي تبعد عدة أمتار عن الشيخ جرّاح في الشطر الغربي من المدينة، في الوقت الذي يبيح للجمعيات الاستيطانية استرداد الأملاك اليهودية في الشطر الشرقي من المدينة؟ ففي دولة لا يسودها القوانين العنصرية، سيكون من المفروغ منه تطبيق القوانين ذاتها على السكان الخاضعين للولاية القانونية نفسها، ولا أعتقد أن سكان حي الشيخ جرّاح سيرفضون ذلك من حيث المبدأ، أي إخلاء بيوتهم في الشيخ جرّاح لمصلحة مَن تثبت مُلكية الأرض له، على أن يستعيدوا أملاكهم بالمنطق نفسه في الأرض المحتلة منذ سنة 1948.

إذاً المشكلة ليست قانونية، لأن القانون الإسرائيلي وُضع كي يخدم الاستيطان الكولونيالي، ويحرم الفلسطينيين من حقهم في العودة إلى أملاكهم.[69] وقد حُصّنت هذه القوانين العنصرية منذ النكبة، ودُعّمت بمزيد من القوانين الأُخرى والإجراءات التي حالت دون استرداد فلسطينيي الأرض المحتلة منذ سنة 1948 حقّهم، علماً بأنهم يُعتبرون مواطنين إسرائيليين بموجب القانون الإسرائيلي. ومع هذا، فقد صودرت عقاراتهم أو تم تدميرها، فبعضهم على سبيل المثال يسكن في الناصرة الآن، لكنهم مهجرون من قرية صفورية التي تبعد ستة كيلومترات عن الناصرة، ولم يتمكن أي منهم من استرداد عقاراته، وظلوا يعيشون كلاجئين[70] في الناصرة، وهو أمر ينطبق على نحو نصف فلسطينيي الأرض المحتلة منذ سنة 1948. ويمكن الاسترسال في سرد مزيد من الأمثلة، واستحضار قصة أهالي كفر برعم في الجليل الأعلى، الذين استطاعوا استصدار قرارات من المحاكم الإسرائيلية تقرّ بحقهم في العودة إلى قريتهم، إلّا إنهم بعد أكثر من سبعة عقود على تهجيرهم لم يتمكنوا من ذلك حتى الآن.

من المهم الاستمرار في المعركة القانونية حتى النهاية وذلك في سبيل كشف عنصرية القوانين الإسرائيلية، لكن يجب أساساً النظر إلى قضية الشيخ جرّاح كقضية سياسية، وبالتالي التعامل معها كذلك، والبحث عن الأدوات السياسية الملاءمة لخوض المعركة. إن خسارة أو كسب معركة الشيخ جرّاح لهما أبعاد كثيرة، وخصوصاً على حي سلوان الذي يضم ثلاثة مواقع بقصص مشابهة أو قريبة من ذلك، وهي: وادي حلوة، وحي البستان، وبطن الهوى، فكل موقع منها له قصته وخلفيته الخاصة به، لكنها جميعاً تشترك مع الشيخ جرّاح في أنها تقع داخل ما يسمى الحوض المقدس الذي تعمل أذرع الاحتلال المتنوعة على السيطرة عليه وصولاً إلى فرض أغلبية يهودية فيه، إذ إن نسبة المستوطنين (بما في ذلك البلدة القديمة) هي أقل من 10%، علاوة على وجود أملاك يهودية فيها تعود إلى ما قبل النكبة. إن كسب ملف الشيخ جرّاح سياسياً (أو قانونياً) له إسقاطاته أيضاً على الأحياء المذكورة، فضلاً عن تأثيره المباشر في الموقع القريب الذي أشرنا إليه سابقاً، وهو "كبّانية أم هارون".

تشكلت على مدار الأعوام العشرة الأخيرة حركة تضامن محلية ودولية مع سكان الشيخ جرّاح، ومن ضمنها مجموعة تقدمية إسرائيلية يهودية معتبرة ومؤثرة ومثابرة، اعتاد أعضاؤها خلال عقد كامل التظاهر أسبوعياً في الشيخ جرّاح تضامناً مع سكان الحي، مُبقين على القضية حيّة في الضميرَين المحلي والعالمي. وقد أظهرت هذه الاحتجاجات عدالة قضية سكان الشيخ جرّاح، وتصميمهم على عدم اقتلاعهم من جديد بعد اقتلاعهم أول مرة في سنة 1948، وأظهروا عناداً غير مسبوق في التشبث بأرضهم وبيوتهم، مترافقاً بصراع في المحاكم الإسرائيلية، كما زُجّ بالأردن في الصراع على اعتبار أن السكان استمدوا حقوقهم في منازلهم عبر الاتفاق مع الحكومة الأردنية في سنة 1956. وزُجّت تركيا في الموضوع أيضاً من خلال أرشيفاتها العثمانية، علاوة على أن وقوع الحي بين عدد كبير من المؤسسات الدبلوماسية الدولية، مثلما ذكرنا، جعل صوت سكان الحي يصل إلى عدة أبعاد، مستندين في ذلك إلى عدالة قضيتهم.

وممّا لا شك فيه، فإن معركة الشيخ جرّاح تُعتبر محطة مهمة أظهرت ليس فقط قدرة سكان القدس من الفلسطينيين على النضال والبقاء والتحدي والتمسك بالمدينة، بل هشاشة الاحتلال أيضاً وعدم قدرته، على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها أهل القدس، على السيطرة عليهم، كما أظهرت الإمكانات الكامنة في الحراك الشعبي وقدرته على فرض إرادته على الاحتلال وإجباره على التراجع، مثلما حدث في معركة باب العمود، ومعركة البوابات في باب الأسباط، ومعركة باب الرحمة، وغيرها من المعارك.

إن ما يميز حراك الشيخ جرّاح أنه لم يرتبط بشكل مباشر بالمسجد الأقصى، فجميع المعارك التي ذكرناها آنفاً، ارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بالمسجد الأقصى ومحاولات الاحتلال السيطرة عليه أو على أجزاء منه، لكن معركة الشيخ جرّاح ربما تكون أولى المعارك الجماهيرية الواسعة التي تمت بخلفية "مدنية"، وليس دينية، وذلك منذ أكثر من عقدين من الزمان. صحيح أنه يمكن استحضار المعارك التي قادها فيصل الحسيني، مثل معركة جبل أبو غنيم وغيرها، لكنها على الرغم من أهميتها لم تستطع استقطاب أعداد كبيرة من الجماهير، واقتصرت في كثير من الأحيان على النخب السياسية والاجتماعية، في حين أن معركة الشيخ جرّاح بامتدادها الجماهيري تشبه إلى حد كبير معارك المسجد الأقصى. فهل ستكون هذه المعركة فاتحة جديدة في القدس؟ ربما يكون الجواب بنعم هو الجواب المنطقي، فالشباب في القدس، ومعهم الشباب في الداخل الفلسطيني، لم يعودوا يهابون قوات الاحتلال ولا أدوات قمعه، والمتابع للمشاهَد التي انتشرت في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة، يدرك تماماً أن مرحلة جديدة بدأت، وليس من السهل التكهن بمداها.

من المفيد هنا استحضار دور وسائل التواصل الاجتماعي في الربط بين الشباب بسرعة البرق، وعدم قدرة الاحتلال على التحكم في تدفق المعلومات، فالصورة لم تعد محبوسة في أدراج الرقيب العسكري. لقد شكلت تجربة يوم 26 رمضان درساً مهماً، فحين منعت الشرطة الإسرائيلية عشرات الحافلات القادمة من الداخل الفلسطيني لقضاء ليلة القدر في المسجد الأقصى من الوصول إلى المدينة وأوقفتها على بعد نحو 20 كم غرب القدس، وخلال دقائق معدودات، وصل إلى تلك المنطقة مئات من السيارات القادمة من القدس إلى الطريق السريع الذي يربط بين القدس ويافا، وقامت بإغلاقه في الاتجاهين، وهو المحور المركزي الذي يربط القدس بتل أبيب، وفرضت على الشرطة الإسرائيلية فتح الطريق عنوة، وأوصلت آلاف المعتكفين إلى المسجد الأقصى، حيث استضافتهم القدس ونشر أهلها الموائد في أرجاء المدينة.

قد يظهر للبعض أن هذه المسألة معركة صغيرة عابرة انتهت بليلة القدر، لكنها بالتأكيد ليست كذلك، فقد اكتشفت الجماهير قدرتها على فرض واقع جديد في المدينة، وامتد نجاحها إلى باب العمود والشيخ جرّاح والمسجد الأقصى. ويمكن القول، وذلك قبل نشوء معركة "سيف القدس"، إن القدس بمعاركها الأخيرة: الشيخ جرّاح وباب العمود والمسجد الأقصى، استطاعت استعادة مكانة القضية الفلسطينية على الصعيدَين العربي والدولي، وقضت على آمال جميع الذين اعتقدوا أن ما جرى في العالم العربي من تطورات وحروب أهلية ونزاعات إقليمية وتطبيع قد طوى القضية الفلسطينية ضمن ملفات النسيان. كما أثبتت التطورات التي شهدتها القدس فشل الاستراتيجيا الإسرائيلية في خلق عدو (إيران) سيؤدي إلى تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة تجعل القضية الفلسطينية في خبر كان. ومن المؤكد أن الحرب على غزة عبّرت عن هذا كله.

إن النظرة الشاملة إلى الأمر لن تنسينا أن معركة الشيخ جرّاح لم تنتهِ. صحيح أن الاحتلال اضطر إلى تجميدها إلى حين، وذلك في محاولة للسيطرة على الأحداث من جهة، وللحيلولة دون تفجّر انتفاضة واسعة، وإرضاء لعدة مطالبات عالمية من جهة أُخرى، لكن من الخطأ اعتبار ذلك نهاية للأمر. وربما تكون الفرصة سانحة الآن للبحث عن طرق تجعل إخلاء الحي مستحيلاً، وهو ما يتطلب تضافر جهود مجموعات متنوعة، واستمرار الضغط على الاحتلال الإسرائيلي بالطرق كافة. إن معركة الشيخ جرّاح لها تأثيراتها العميقة في سائر معارك البقاء في القدس.

ولا بد من التذكير بأن عائلات حي الشيخ جرّاح عاشت خمسة عقود من القهر والملاحقة وعدم الاستقرار الاجتماعي والضغط النفسي، وكانت معاناتها لا تطاق، علماً بأن أغلبية العائلات قامت بتوسيع بيوتها لتوفير سكن لأبناء العائلة الذين تزوجوا، بحيث أصبح عدد العائلات القاطنة في الحي أكثر من ضعف العدد الأصلي. خمسة عقود من المعاناة، لكنها أيضاً فترة صمود ونضال وإصرار على البقاء.

لقد شكلت معركة الشيخ جرّاح بداية لمرحلة جديدة، باستعمال أدوات جديدة، وللنضال من أجل إنهاء الاحتلال، وأظهرت أن ذلك ممكن.

معركة أولى تستجرّ أُخرى أكبر

فتحت معركة الشيخ جرّاح ملفات نكبة فلسطين، وخصوصاً ملفات حق العودة واسترداد الممتلكات الخاصة والوقفية في الأرض المحتلة منذ سنة 1948، فإذا كانت إسرائيل مصرة على استرداد الأملاك اليهودية في الشطر الشرقي من المدينة، وهي قليلة جداً وتقع في الشيخ جرّاح (كرم الجاعوني وكبّانية أم هارون)، وفي سلوان (بطن الهوى ووادي حلوة)، ورأس العمود ومناطق أُخرى، علاوة على جزء صغير من حارة اليهود في البلدة القديمة، فإن مساحات واسعة من الشطر الغربي من القدس هي أملاك فلسطينية.[71] ومن باب المنطق أن يتم تحضير الملفات الفلسطينية فيما يتعلق بالأملاك في الشطر الغربي من المدينة، ووضع الموضوع كله على الطاولة، ومن ضمن ذلك رفع قضايا أمام المحاكم الإسرائيلية، وتعميق الوعي العالمي بشأن الموضوع، وبحث إمكان رفع قضايا ضد إسرائيل أو ضد الأفراد الذين يسكنون هذه العقارات أمام محاكم خارج فلسطين. وإلى جانب فلسطينيي القدس، يمكن أن يقوم بذلك، وعلى نطاق واسع، أهلنا في الداخل الفلسطيني. لقد فتح الإسرائيليون هذا الباب، باب استرداد الأملاك ما قبل سنة 1948، وعلينا الدخول عبره وبشكل واسع ومكثف. صحيح أن النظام القضائي في إسرائيل قد يغلق الأبواب وهو أمر معروف مسبقاً، لكن يجب المحاولة وبشدة، كما يجب النظر إلى هذه المحاولات ليس من الباب القانوني البحت، وإنما من الباب النضالي وإحراج المؤسسات الإسرائيلية على المستويات كافة. ومع أن هذه النشاطات قد لا تؤدي إلى استرداد الأملاك الفلسطينية حالياً وبهذه الوسيلة، إلّا إنها على أقل تقدير، ستؤدي إلى كشف نظام الأبارتهايد الذي تجذر في إسرائيل وعُزز قانونياً.

لقد نجحت قضية الشيخ جرّاح في المسّ بشرعية دولة إسرائيل، ويجب عدم التنازل عن هذا الإنجاز، بل علينا تسليط الضوء على سائر البؤر الاستيطانية في القدس والحديث عنها بشكل مكثف، والتأكيد أن القدس هي أرض محتلة بموجب القوانين الدولية، وأن نقل المُلكيات، وبغضّ النظر عن شكلها، يتعارض مع القانوني الدولي.

إذاً، وعلى غير ما اشتهت إسرائيل، فإن معركتها في الشيخ جرّاح أكدت أن القدس غير موحدة وتخضع لنظامَين قانونيين مختلفين: الأول مصمَّم لليهود ولخدمة مصالحهم، والثاني مصمَّم للسيطرة على الفلسطينيين واقتلاعهم من بيوتهم. فبعد معركة الشيخ جرّاح بات شعار "القدس الموحدة عاصمة إسرائيل" مجرد شعار فارغ من محتواه.

صحيح أن الهدف الإسرائيلي من وراء الاستيطان داخل الأحياء الفلسطينية وبينها، هو السيطرة على المدينة ومنع إمكان تقسيمها في المستقبل، إلّا إن الاستيطان داخل الأحياء الفلسطينية سيحول المدينة كلها إلى حالة يسود فيها عدم استقرار، وسيؤدي أيضاً إلى تقسيم الأحياء عبر نقاط التفتيش والسواتر والكاميرات، كما أن الصراعات اليومية ستهيمن على المدينة، ولا سيما أن المستوطنين في هذه الأحياء يُعتبرون من عتاة المستوطنين من أتباع الأحزاب العنصرية، وهم متفرغون تماماً للسكن في البيوت المسيطَر عليها ويتلقّون رواتب شهرية في مقابل سكنهم في هذه البيوت، بحيث تحول الاستيطان في هذه الحالة من عمل يدار بدوافع أيديولوجية، إلى مهنة يعتاش منها كثير من عائلات المستوطنين في القدس القديمة وسلوان والشيخ جرّاح. ويمكن مراقبة الظاهرة نفسها لدى المستوطنين الذين يقومون، بحماية الشرطة الإسرائيلية، باقتحام المسجد الأقصى يومياً، إذ إن هناك مجموعة متفرغة لذلك، مهنتها اقتحام المسجد، وهي تتلقى راتباً شهرياً في مقابل هذه المهنة.

من خلال قضية الشيخ جرّاح، وغيرها من القضايا المشابهة، يمكن أن يكون العالم قد أصبح أكثر انفتاحاً على نقاش مسألة عدم ائتمان إسرائيل على إدارة أكثر مدن العالم قدسية، إذ أثبتت في هجومها على المسجد الأقصى والاعتداءات الأخيرة على المسيحيين في سبت النور ومنع المصلين من الوصول إلى كنيسة القيامة، أنها لا تحترم حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وأنها تهدد مقدسات المدينة، وتخلق توتراً دائماً وصراعات لا نهاية لها، وبذلك تضع المقدسات المسيحية والإسلامية في دائرة الخطر الدائم.n

 

خريطة لحي الشيخ جرّاح تُظهر المستعمرات والمخططات الاستيطانية

(المصدر: مؤسسة القدس الدنيوية)

 

صورة جوية تُظهر أماكن الاستيطان والمواقع المتوقع اقتلاع سكانها والمخططات الاستيطانية

(المصدر: حركة السلام الآن)

 

نص الاتفاقية بين الحكومة الأردنية والأونروا بشأن إسكان حي الشيخ جرّاح

 

المصادر:

[1] مجير الدين الحنبلي، "الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل"، تحقيق محمود الكعابنة (الخليل: مكتبة دنديس، 2009)، المجلد 2، ص 100 - 101.

[2] هناك نقش حجري (شاهد قبر) بالخط النسخي الأيوبي، مثبت في جدار الزاوية، ينص على: "بسم الله الرحمن الرحيم كل / مَن عليها فانٍ ويبقا وجه ربك ذو / الجلال والإكرام هذا قبر الأمير حسام الدين / الحسين بن عيسى الجرّاحي رحمه الله ورحم مَن ترحم / عليه توفي على رحمة الله تعالى في سفر سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائة" (لم يتم تصحيح الأخطاء في النقش لأنها أصلية)، انظر: كامل العسلي، "أجدادنا في ثرى بيت المقدس" (عمّان: مؤسسة آل البيت، 1981)، ص 104 - 106.

[3] عارف العارف، "المفصل في تاريخ القدس" (القدس: مكتبة الأندلس، الطبعة الخامسة، 1999)، ص 239.

[4] شهدت منطقة البقعة التي تقع إلى الجنوب الغربي من القدس القديمة، الظاهرة نفسها في الفترة العثمانية، وقد احتُل حي البقعة وهُجّر سكانه في سنة 1948.

[5] انتقلت مُلكية القصر إلى عائلة نُسيبة.

[6] استُعمل لفترة طويلة نادياً، وسُمي نادي الخريجين العرب الذي تخصص بالنشاطات الثقافية، ويقع الآن بتصرّف أصحاب فندق الأمبسادور.

[7] طاهر أفندي الحسيني (ت. 1865م)، كان مفتي الحنفية. وللمزيد انظر: عادل مناع، "أعلام فلسطين في أواخر العهد العثماني 1800 - 1918" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط 2، 1995)، ص 111 - 112.

[8] بشأن هذه الظاهرة، انظر:

Ruth Kark and Shimon Landman, “The Establishment of Muslim Neighbourhoods in Jerusalem, outside the Old City, during the Late Ottoman Period”, Palestine Exploration Quarterly, vol. 112 issue 2 (1980), pp. 113–135.

[9] Joshua Ben Arieh, A City in Reflection of an Era: Jerusalem in the Nineteenth Century (Jerusalem: Yad Yitzhak Ben-Zvi, 1977), pp. 476-477 (Hebrew); Kark and Landman, op. cit., pp. 191-192; Salim Tamari, Jerusalem 1948: The Arab Neighbourhoods and their Fate in the War (Jerusalem: Institute of Jerusalem Studies and Badil Resource Center, 1999), p. 55.

[10] بشأن وظيفة نقيب الأشراف ودور العائلة الحسينية في القدس، انظر: عادل مناع، "تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 - 1918" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، طبعة 2، 2003)، ص 26 - 41.

[11] المصدر نفسه، ص 41 - 46.

[12] المصدر نفسه، ص 109 - 110.

[13] المصدر نفسه، ص 120.

[14] المصدر نفسه، ص 123. وقد يكون هذا التاريخ متأخراً، فهناك اعتقاد بأن الفيلا بُنيت في سنة 1865، ووُسعت في سنة 1876. انظر على سبيل المثال:

David Kroyanker, Jerusalem Architecture: Arab Construction outside the Old City Walls (Jerusalem: Keter Publishing, 1991), pp. 177-182. (Hebrew)

[15] أصبحت هذه الفيلا وملحقاتها فندق "الأميركان كولوني"، إذ اشترته مجموعة دينية مسيانية أميركية وسويدية في سنة 1895م. وشمل المجمع أيضاً قصر سليم بن حسين الحسيني (القصر الجنوبي) الذي حوّلته تلك المجموعة إلى مقر لها ضم ورشاً ومزارع ومحترفاً للتصوير، ومضافة للزوار، لكنه تحول لاحقاً إلى فندق ما زال يُعتبر أفخم فنادق القدس.

[16] عن قصة بيت سعيد الحسيني ووصفه المعماري، انظر:

Diala Khasawneh, Memories Engraved in Stone: Palestinian Urban Mansions (Ramallah: Riwaq Center for Architectural Conservation and Institute of Jerusalem Studies, 2001), pp. 97-103.

[17] بشأن حي الحسينية في الشيخ جرّاح، انظر:

Mahdi Sabbagh, “The Husayni Neighborhood in Jerusalem: Space of Self-Invention”, Jerusalem Quarterly Journal, vol. 72 (Winter 2017), pp. 102-114.

[18] استُخدم المبنى الغربي من مجمع دار الطفل العربي، والذي يعود إلى مطلع القرن العشرين، متحفاً للتراث الشعبي، وهو من أجمل متاحف القدس، وأسسته هند الحسيني في سنة 1962.

[19] كان رئيساً لبلدية القدس حتى سنة 1897م، وأمضى في هذا المنصب أكثر من عقد ونصف عقد.

[20] كان عثمان النشاشيبي عضواً في مجلس المبعوثان العثماني ومثقفاً بارزاً، وكان على علاقة واسعة بمثقفي العالم العربي في عصره، وله صالون ثقافي، وقد ورث ابنه إسعاف عنه هذه العلاقات وسار على الطريق نفسه، وذاع صيته.

[21] منهم معروف الرصافي من العراق، وأحمد شوقي وأحمد حسن الزيّات وعبد الوهاب عزام من مصر، وغيرهم. ويذكر الموسيقي المقدسي واصف جوهرية في مذكراته، أنه كان يقضي في قصر النشاشيبي الليالي مع مجموعة من أدباء ووجهاء ليس مدينة القدس فحسب، بل أدباء ووجهاء البلاد العربية أيضاً، وأن النشاشيبي جمعه في قصره بالموسيقار المصري محمد عبد الوهاب أكثر من مرة.

[22] توفي الأديب إسعاف النشاشيبي في القاهرة في سنة 1948.

[23] ضمت المكتبة مجموعات تم التبرع بها، منها مكتبة إسحاق موسى الحسيني، ومكتبة عارف العارف، ومكتبة ناصر الدين النشاشيبي، ومكتبة فوزي يوسف (صاحب مكتبة الأندلس)، وفريد موسى كاظم الحسيني، وزينب جواد الحسيني، وأحمد سعد الدين العلمي، وآخرين. وأضيف إلى المكتبة لاحقاً، مزيد من الكتب الحديثة.

وبشأن تاريخ إسعاف النشاشيبي والدار والنشاطات المتنوعة التي تنظمها، انظر الرابط الإلكتروني.

[24] لمزيد من التفصيلات عن الأراضي والوقفيات والكروم في حي الشيخ جرّاح، انظر: محمد هاشم غوشة، "القدس الإسلامية" (عمّان: منتدى الفكر العربي، 2009).

[25] جورج أنطونيوس مثقف ومهندس ومؤرخ ودبلوماسي، ولد في دير القمر في لبنان في سنة 1892م، ودرس في جامعة كامبريدج، وعمل مهندساً في بلدية الإسكندرية. هاجر إلى فلسطين حيث عمل أولاً في المعارف، ثم سكرتيراً لحكومة الانتداب البريطانية، لكنه ما لبث أن استقال من عمله، والتحق بالعمل الوطني دفاعاً عن فلسطين، وألّف كتابه الشهير "يقظة العرب". توفي في القدس في سنة 1942، وما زال قبره ظاهراً في المقبرة الأرثوذكسية على جبل صهيون.

[26] راغب النشاشيبي (1880 - 1951)، سياسي مقدسي، كان نائباً في مجلس النواب العثماني، ورئيساً لبلدية القدس بعد إقالة موسى كاظم الحسيني في سنة 1920، وقد شغل لاحقاً عدة مناصب وزارية في الحكومة الأردنية.

[27] محمد إسعاف النشاشيبي (1885 - 1948)، مثقف وأديب وعالم باللغة العربية، له مجموعة واسعة من المؤلفات.

[28] أصبح المبنى يحتضن مؤسسة التعاون الإيطالي بعد تفعيل مبنى القنصلية في حي البقعة في الشطر الغربي من القدس.

[29] احتضن المبنى الملحق الثقافي الفرنسي كجزء من القنصلية الفرنسية، بينما أعيد تشغيل القنصلية القديمة التي تقع في منطقة فندق الملك داود في الشطر الغربي من القدس.

[30] United Nations for the Coordination of Humanitarian Affairs (OCHA).

[31] Friedrich Ebert Stiftung، وهي مؤسسة تابعة للحزب الاشتراكي الألماني (PDS)

[32] Friedrich Naumann Stiftung، وهي مؤسسة تابعة للحزب الليبرالي الألماني (PDF)

[33] حل اسم مدرسة خليل السكاكيني محل اسم المدرسة القادسية. والمبنى الأصلي قديم ويعود إلى نهاية القرن التاسع عشر ويمتلك إطلالة رائعة على البلدة القديمة.

[34] بَنَت الحكومة الأردنية هذه المدرسة في ستينيات القرن العشرين على أرض وقفية شملت ملاعب واسعة، ومن ضمنها ملعب كرة القدم الأكبر في القدس (ملعب عبد الله بن الحسين)، واستمر دورها كمدرسة إعدادية للبنين، إلى أن تم تحويلها بقرار من بلدية الاحتلال في القدس ووزارة المعارف إلى مدرسة للبنات، وذلك لإبعاد الشباب (الذكور) عن منطقة الشيخ جرّاح، تمهيداً لتوسيع البؤر الاستيطانية. وجرى أيضاً إلغاء ملعب كرة القدم ومصادرة أرضه لتوسيع الشوارع المحيطة، وبقي منه قطعة ما زالت تُستخدم ملعباً صغيراً.

[35] تأسس هذا المستشفى في القدس القديمة في سنة 1882م، أمّا المبنى الحالي في الشيخ جرّاح فأقيم في سنة 1960، على أرض واسعة تبرعت بها عائلة النشاشيبي. ومؤسسة سانت جون هي مؤسسة خيرية كنسية بريطانية. وللمستشفى فروع في الضفة الغربية وقطاع غزة.

[36] أسست راهبات مار يوسف هذا المستشفى في سنة 1948.

[37] بُني الفندق في سنة 1955 في موقع قصر رشيد النشاشيبي.

[38] أُغلق الفندق بعد الانتفاضة الثانية وتحول إلى مبنى يضم مكاتب.

[39] تقع مباني الممثليات الأجنبية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله، لكن أغلبية العاملين فيها من الأجانب تسكن في القدس، وخصوصاً في أحياء الشيخ جرّاح وشعفاط وبيت حنينا، وهي الأحياء التي تقع على الشارع الرئيسي الذي يربط القدس برام الله.

[40] اعتبرت إسرائيل نفسها "المالك الطبيعي والقانوني" لجميع الأملاك الحكومية والبلدية من مقارّ رسمية ومستشفيات ومدارس وأراضٍ فارغة أو أي استثمارات حكومية، وبهذا القرار استطاعت السيطرة على جزء مهم من العقارات في الشطر الشرقي من القدس. وإذا كان هذا الأمر لا يكفي لمخططات السيطرة على المدينة، فإن قانون "المصادرة للمصلحة العامة" يقوم بالباقي، وهذا علاوة على طرق أُخرى سنعرض بعضها ضمن هذه الدراسة.

[41] المليونير موسكوفيتش (1928 - 2016) نشط في دعم الاستيطان اليهودي في الشطر الشرقي من القدس بهدف الوصول إلى أغلبية يهودية فيها، واستثمر أموالاً طائلة عبر الجمعيات الاستيطانية مثل عطيرت كوهنيم وإلعاد وشركات وهمية مسجلة في بنما أو غيرها، والتي تهدف إلى السيطرة على العقارات الفلسطينية في القدس.

[42] سكن قصر المفتي بعد سنة 1948 المؤرخ العربي جورج أنطونيوس.

[43] خاضت عائلة الحسيني معركة قانونية من أجل منع هدم القصر واسترداد العقار، إلّا إن المحاكم الإسرائيلية صادقت على الهدم مع الحفاظ على البيت التاريخي، وهدم ما تبقّى من الملاحق. وللمزيد عن القصر، انظر: ميرفت صادق، "إسرائيل تهدم بيت مفتي القدس"، موقع قناة "الجزيرة".

[44] أُعلن هذا القرار بتاريخ 23 / 3 / 2007، وذلك قبل ساعات قليلة من لقاء رئيس الحكومة نتنياهو بالرئيس الأميركي براك أوباما في البيت الأبيض، وجاءت هذه الموافقة بتوقيتها كردّ على المطالبات الأميركية بوقف المشروع في القدس. وللمزيد انظر:

Massimo Calabresi, “Shepherd’s Hotel Demolished; U.S. Peace Efforts in the Debris”, Time Magazine,

[45] استخدم محامو عائلة الحسيني حجة الحفاظ على التراث الثقافي لمنع هدمه، وكتب مؤلف هذه المقالة مطالعة مطولة عن الموضوع قُدمت ضمن الوثائق إلى المحكمة بشأن القيمة التراثية والتاريخية للمبنى، ولذلك قررت المحكمة الإسرائيلية عدم هدم الجزء التاريخي، لكن سمحت بهدم جميع المباني الملحقة به.

[46] انظر:

Donald Macintyre, “Israel Uses Hitler Picture to Sell its Settlement Expansion”, Independent, 23 October 2011.

 [47] منّاع، "أعلام فلسطين..."، مصدر سبق ذكره، ص 111 - 112.

[48] سيتعرض حي وادي الجوز الذي يقع إلى الشرق من حي الشيخ جرّاح، لمشروع استيطاني ضخم، لا تزال جميع أبعاده غير واضحة حتى الآن، لكنه يهدف إلى هدم نحو 200 منشأة تجارية فلسطينية. وأُعلن أن الهدف من وراء المشروع هو "تطوير منطقة وادي الجوز"، ونحن ندرك تماماً أن خلف اصطلاح "تطوير" يأتي "الاستيطان". وفي سنة 2020، أُقرّت المخططات في بلدية الاحتلال في القدس، وأرسلت الإخطارات إلى السكان وأصحاب الورش والمحلات التجارية، وبالتالي ستبدأ قريباً معركة كبيرة اسمها "وادي الجوز". ووادي الجوز أقرب إلى أسوار المدينة من الشيخ جرّاح. للمزيد انظر: جميل السلحوت، "بدون مؤاخذة: تهويد وادي الجوز في القدس"، في موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية (المدونات).

[49] Charles Clermont-Ganneau, Archaeological Researches in Palestine during the Years 1873–1874 (London: Palestine Exploration Fund, 1899), vol. I, pp. 267–270.

[50] Marcus Nathan Adler (editor), The Itinerary of Benjamin of Tudela (London: Oxford University Press, 1907), p. 29.

[51] Marcus Nathan Adler, Jewish Travellers in the Middle Ages (New York: Dover Publications, 1930), p. 119.

[52] واصف جوهرية، "القدس العثمانية في مذكرات الجوهرية"، تحرير سليم تماري وعصام نصار (القدس: مؤسسة الدراسات المقدسية، 2003)، ص 74.

[53] بشأن المناخ العام الذي ساد في نهاية الفترة العثمانية في فلسطين عامة، وفي القدس خاصة، انظر:

Salim Tamari, “Ishaq al-Shami and the Predicament of the Arab Jew in Palestine”, Jerusalem Quarterly File, issue 21 (August 2004), pp. 10-26.

[54] John Wilson, The Lands of the Bible Visited and Described (Edinburgh: William Whyte, 1847), vol. I, p. 492.

[55] Yitzhak Reiter and Lior Lehrs, The Sheikh Jarrah Affair: The Strategic Implications of Jewish Settlement in an Arab Neighborhood in East Jerusalem (Jerusalem: The Jerusalem Institute for Israel Studies, 2010), p. 17.

[56] سنهدرين عبارة عن مجلس الشرع أو مجلس الشورى اليهودي.

[57] لم يتسنَّ لنا مشاهدة هذه الوثيقة، لذلك نذكرها هنا ولا نجزم بصحتها، كما ليس من السهل نفيها نظراً إلى بناء المستعمرة على هذه الأرض. والشيء الذي يجب الوصول إليه هو هل كان العقد "تحكيراً" أم بيعاً؟

[58] لن نتطرق إلى هذه المستعمرة بصورة تفصيلية، مع أنها تقع في المنطقة نفسها وتواجه المصير ذاته، وقد نعالجها في مقالة مستقلة في المستقبل.

[59] Reiter and Lehrs, op. cit., pp. 18-19.

ويعتمد المؤلفان في هذه المعلومات على المصادر العبرية وعلى أوراق الحركة الصهيونية، وللأسف ليس لدينا مصادر عربية لنقارنها بها. كما لم يتم العثور على شهادة تسجيل الأرض في السجلات العثمانية، فقد حاول محامو حي الشيخ جرّاح الوصول إلى هذه الوثائق، لكن بلا طائل.

[60] أغلب الظن أن المغارة كانت محجراً لاستخراج حجارة البناء، مثلما تُبيّن المقاطع الصخرية داخلها.

[61] لا يُعرف أين دُفن رجل الدين اليهودي هذا، إذ هناك مَن يحددون الموقع في سلوان، وآخرون في الخليل وغيرهم في عكا، فإذا كان مكان الموقع غير معروف، فكيف إذاً تم تحديد أنه صلى في هذه المغارة؟ وهنا يتضح كيف تسخَّر الأسطورة لخدمة الاستيطان. ورمبان هو لقب، أمّا الاسم الحقيقي فهو موشيه بن نحمان (1194 - 1270م تقريباً)، وهو رجل دين وطبيب وفيلسوف سفاردي شهير من كاتالونيا (إسبانيا) له أتباع حتى اليوم، ويُنسب إليه هجرته إلى القدس وبداية تأسيس الوجود اليهودي فيها في الفترة الأيوبية.

[62] انظر قرار المحكمة باللغة الإنجليزية في:

Court: Ramban’s Cave Belongs to the Muslim Waqf”, The Yeshiva World, December 21, 2008.

[63] Michael Wygoda, “The Three Kinds of Holy Places in Jewish Law: The Case of Nachmanides’ Cave in Jerusalem as a Third Kind”, in Holy Places in the Israeli-Palestinian Conflict: Confrontation and Co-existence, edited by Marshal J. Breger, Yitzhak Reiter, & Leonard Hammer (London and New York: Routledge, 2009), pp. 93-104.

[64] تقول العائلات إنه تم التفاهم مع الأردن على تسجيل المنازل في دائرة العقارات (الطابو) باسم مُلّاكها، لكن طول الإجراءات الإدارية الأردنية وتعقيدها امتدا إلى فترة طويلة، ولذلك لم يتم الانتهاء منها، وجاءت حرب حزيران / يونيو 1967 فتوقفت العملية.

[65] مرت القضية قبل هذا التاريخ بعدة جلسات في مختلف المحاكم، أدت بصورة عامة إلى رفض ادعاءات الجمعيات الاستيطانية التي استمرت في رفع القضايا من جديد. وبعض القرارات التي صدرت عن بعض المحاكم أكد صحة الإجراءات الأردنية، معترفاً بأنها كانت قانونية، إذ إن الأردن كانت هي الدولة صاحبة الولاية.

[66] ذكر الصحافي الإسرائيلي نداف شرغاي أن المجلس السفاردي في القدس، وهيئة الكُنُس في إسرائيل، باعا العقار إلى جمعية استيطانية هدفها تهويد الشيخ جرّاح تسمى حوموت شاليم (Homot Shalem)، وذلك في مقابل ثلاثة ملايين دولار أميركي. انظر: نداف شرغاي، "خطة لاقتلاع السكان العرب من بيوتهم من حي شمعون الصِّديق"، "هآرتس" (بالعبرية)، 12 / 10 / 2001.

[67] للمزيد بشأن الإجراءات القانونية وجلسات المحاكم، انظر: "نكبة وتهجير قسري ثانٍ حلّ على أهالي الشيخ جرّاح: شرطة الاحتلال الإسرائيلي تُخلي عائلتَي حنون والغاوي من منازلها"، إعداد مركز أبحاث الأرض – القدس، في موقع "Eye on Palestine"، 14 / 8 / 2009، في الرابط الإلكتروني.

[68] أكد خبير الأراضي في القدس خليل التفكجي، خلال مقابلة مع الكاتب في 23 / 5 / 2021، أن السجلات العثمانية لا تحتوي على وثائق توضح شكل العقد، كما أنه لم يتم اكتشاف تسجيل لهذه الأرض في سجل الطابو، ومن الصعب معرفة ما إذا كان العقد تأجيراً طويل الأجل أو بيعاً صحيحاً، أو إذا كانت الأرض ملكاً خاصاً، أو وقفاً ذرياً.

[69] يبيح القانون الإسرائيلي في بعض الحالات طلب تعويض في مقابل الأملاك الخاصة بسعرها مثلما كانت عليه في تشرين الثاني / نوفمبر 1947، لكنه لا يبيح للفلسطيني استرداد العقارات. ولم يتمكن الفلسطينيون من ممارسة هذا "الحق" القانوني على اعتبار أنهم يطالبون بحق العودة إلى عقاراتهم.

[70] لم يتمتع هؤلاء حتى بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولم تشملهم الأونروا ضمن أعمالها.

[71] يذكر عدنان عبد الرازق الذي وثّق الأملاك الفلسطينية في الشطر الغربي من القدس، أن 33% من مساحتها هي أملاك فلسطينية خاصة، وأن 4503 عقارات هي أملاك فلسطينية خاصة، بينما 30% هي أملاك يهودية، و15% هي أملاك كنسية مسيحية، وبقية المساحة هي مبانٍ عامة وطرق وحدائق وسكك حديد. انظر: عدنان عبد الرازق، "الازدهار المعماري العربي في غربي القدس المحتلة" (القدس: جمعية الدراسات العربية، 2010)، ص 85. ويشكل كتاب عبد الرازق مدخلاً مهماً لفهم العقارات، ولاستخدام ما ورد فيه للتوعية المحلية والعالمية.

السيرة الشخصية: 

نظمي الجعبة: أستاذ مشارك وعضو هيئة أكاديمية في دائرة التاريخ والآثار - جامعة بيرزيت.