بأجساد تمتد بكامل أناقتها، تنفض الهواء من حولها ثم تنتشر فوق كامل الأرض؛ عملية استعادة موقتة للحرية من خلال التعبير يطرحها مهرجان الرقص المعاصر في نسخته الخامسة عشرة في الفترة الممتدة بين 8 و 16 تموز/ يوليو، تحت شعار "البعيد عنك قريب"، بتنظيم من سرية رام الله الأولى. يحاول المهرجان تقريب المسافات التي طرحها الواقع وفرضها وباء كورونا، وكسر الحواجز التي تفصل ما بين الفلسطينيين أنفسهم وما بين الفلسطينيين والعالم. تجتمع في هذا المهرجان 19 فرقة رقص، منها 16 فرقة فلسطينية من فلسطين والشتات، وتضيء العروض على حياة الفلسطيني والتحديات التي يواجهها يومياً.
مهرجان الرقص المعاصر ٢٠٢١
وفي مقابلة مع المدير التنفيذي لسرية رام الله خالد عليان قال إن حركة الجسد هي لغة تعبير، وأنها لغة قوية وُجدت قبل الكلمة. وأن الأجساد التي تشارك في المهرجان هي ذاتها الأجساد التي تواجه الاحتلال وتتعرض للاضطهاد، وتنكمش تحت القصف، وتضرب الحجارة وتنتفض، وتعبّر عن رغبتها في الحياة بكافة الوسائل المتاحة. وأن العروض مرآة ستعكس واقع الراقصين وحاضرهم وما يتوقون إليه. فمثلاً في الهبّة الفلسطينية الأخيرة توحّد الفلسطينيون بصورة جميلة جداً، وهذا سيكون حاضراً في المهرجان. وأضاف عليان أن مهرجان الرقص لهذا العام يستعيد الموروث الشعبي الفلسطيني ويسلط الضوء على الهوية الفلسطينية، ويواصل عمله الذي بدأه منذ خمسة عشر عاماً على تطوير الفنون الأدائية والتعبيرية.
مهرجان الرقص المعاصر ٢٠٢١
يقدم المهرجان عشرة عروض أدائية مباشرة تسعى لإعادة العلاقة بين الجمهور والراقص، بعد غياب طويل فرضه واقع الوباء على العروض الحية، وثلاثة عروض "أون لاين" في تجربة أولى تخضع فيها ردة فعل الجمهور للتقييم. وستُعرض عشرة أفلام رقص تروي حكايات مختلفة كان قد موّلها المهرجان ضمن مشروع دعم الراقصين في مشاريعهم الشخصية، بحيث تضيء على تجارب مختلفة للراقصين. وأشار خالد عليان إلى أهمية الورشات التي تُنظّم على هامش المهرجان، وهي أربع ورشات تتحدث عن واقع الرقص في المجتمعات وأهمية القدرة على التعبير، كما تتناول التحديات التي يواجهها الراقصون في ظل الوباء والاحتلال والظروف السياسية والاجتماعية. ويطلق المهرجان مؤتمر الرقص والمجتمع الذي يناقش مشاركة الراقص موهبته مع المجتمع، والعلاقة التي تجمع ردة فعل المجتمعات تجاه نشاط الراقصين، ومضمون التبادل الذي يجب أن يرصد من خلاله الراقص حياة مجتمعه اليومية وطريقة تعبيره عنها بواسطة جسده. ويطلق المهرجان أيضاً ملتقى الرقص العربي للشباب، والذي يشارك من خلاله الشباب للتعبير عما يواجههم من تحديات.
مهرجان الرقص المعاصر ٢٠٢١
وبشأن التحديات التي واجهها المهرجان هذا العام أكد خالد عليان أن الاحتلال هو أكبر تحدٍ، ليس فقط للمهرجان بل لكل فلسطيني، وأن كل خطوة ثقافية يعبّر فيها الفلسطيني عن وجوده هي خطوة مهمة، وأن الاحتلال يحاول من خلال ممارساته اليومية فرض واقع صعب على المشاركين وعلى المؤسسات الثقافية، بهدف الحد من المشاركة الفلسطينية في النشاط والحوار الثقافي العالمي من خلال فرض واقع الحصار والتأجيل، وإلغاء النشاطات الفلسطينية، والتضييق على المشاركين. ومن بين الإجراءات التي قام بها الاحتلال مؤخراً اعتقال الشاب عطا خطاب الذي كان من المشاركين في المهرجان هذا العام، والذي اعتُقل بصورة تعسفية تسببت بإلغاء عرضه الذي كان من المقرر تقديمه ضمن المهرجان. ويضيف أن الاحتلال يحاول من خلال هذه الإجراءات ترهيب المشاركين وفرض لغة القوة على نشاطات يبحث فيها الفلسطيني عن طريقة للتعبير عن نفسه، كما يفرض أسلوب القمع الممنهج الذي يحرص من خلاله على نشر مفهوم الخوف المستمر. لكن على الرغم من كل ذلك، فإن المهرجان يعبّر عن الحرية، ويضيء على جوانب تواجه هذه الهيمنة بل وتتحداها، وكل ذلك ببساطة من خلال أجساد تتحرك على المسرح في استقبال للحياة واحتمالاتها، في محاولة دائمة لتقول إننا هنا وحكايتنا مستمرة.
تجمّع "نفس" الفني، يقدم عرض "هابيتوس" في مؤسسة عبد المحسن القطان، وسوف تشاركهم في اليوم نفسه كرمل سليمان في عرض "حلم"، ورند طه وحلا سالم في عرض "موازِ"، وستكون المشاركات بين عروض وجاهية تقدَّم جميعها في مدينة رام الله بالإضافة إلى بث إلكتروني مباشر وعروض فيديو. وسيُفتتح المهرجان في قصر رام الله الثقافي بعرض وجاهي تحت عنوان "رحلة إلى القدس" تقدمه فرقة ستيريو 48 من نابلس وسيُبث إلكترونياً.
مهرجان الرقص المعاصر ٢٠٢١
وتشمل العروض الوجاهية عرضاً تحت عنوان "متاهة الشام"، وعرض "+970" لمسرح الحرية في جنين، وعرض "مساحة جسد" الذي تقدمه فرقة رماز للرقص المعاصر من كفر ياسيف، وعرض "متّهم" الذي تقدمه فرقة فن من القلب من نابلس، وجميع هذه العروض ستكون في المسرح البلدي في رام الله. أما عرض "موازِ" لرند طه وحلا سالم من القدس ودير حنا فسيقدَّم في مؤسسة عبد المحسن القطان.
وفي اليوم الخامس من المهرجان، سيتم توجيه تحية إلى أيمن صفية من قصر رام الله الثقافي، من خلال عرض "صدى" لفرقة شادن للرقص من الناصرة، وعرض "سولو (قيد الإنشاء)" لرمز صيام من القدس، وعرض "حارة (قيد الإنشاء)" لفرقة باي من الرامة والقدس.
ومن المقرر تقديم مجموعة من العروض الأدائية المسجلة بالفيديو، والتي سيتم عرضها وجاهياً في المسرح البلدي وفي مؤسسة عبد المحسن القطان، وهي عرض "في النهاية" لمحمد ديب، وعرض "هذا المكان" لفرقة شادن للرقص، وعرض "حلم" لكرمل سليمان من سورية/فلسطين، و"هابيتوس" لفرقة نفس (نضال عبدو) من فرنسا/فلسطين، وعرض "ضجيجي هنا" لسلمى عطايا من أيرلندا، و"لا مستحيلا" لفرقة الفرسان للفنون من غزة. وتعرض فرقة سي تولا ليمنايوس من ألمانيا العرض الأدائي "ايسون" من خلال بث مباشر في المسرح البلدي في رام الله.
وفي أمسية الأفلام القصيرة يُعرَض في مركز خليل السكاكيني فيلم "آثار" للراقصة نتالي سلسع، وفيلم "مستمر" للراقصة فرح صالح، و"بلية" لإيمان حسين من مصر، و"الصحوة الكاذبة" لفرقة ستيريو 48.