أُسدل الستار عن الحرب الإسرائيلية التدميرية الرابعة على قطاع غزة، التي حملت هذه المرة اسم "حارس الأسوار"، بإعلان حكومة بنيامين نتنياهو من جانب واحد بعد 11 يوماً من القتال وقف إطلاق النار، وكانت حصيلتها مقتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين بلغ نحو 240، معظمهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 5000 فلسطيني وفلسطينية، وتدمير المرافق الحيوية في القطاع، من طرقات وأبراج ومنازل ومدارس ومصانع، بينما قتل في إسرائيل 12 شخصاً ما بين مدنيين وعسكريين، وجرح بضع مئات. وكما في الجولات القتالية الثلاث السابقة، صمد الفلسطينيون صموداً بطولياً، وعجزت الحكومة الإسرائيلية عن تحقيق الأهداف السياسية التي وضعتها لهذه الحرب، إذ استمر إطلاق الصواريخ الفلسطينية على المدن والبلدات الإسرائيلية حتى لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار، وبيّن فيديو وزعته حركة حماس أن "الإنجاز" العسكري "الكبير" الذي تباهى الجيش الإسرائيلي بتحقيقه خلال هذه الحرب، وهو تدمير ما سمي بـ "مترو الأنفاق"، لم يتحقق في الواقع. وعادت الحكومة الإسرائيلية لتتخبط في مواجهة السؤال ذاته الذي واجهته منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في حزيران/يونيو 2007، وهو: ما هي الاستراتيجية التي ينبغي انتهاجها تجاه هذه الحركة؟ فالحكومة الإسرائيلية لا تريد العودة إلى احتلال قطاع غزة بصورة مباشرة وتحمل مسؤولية مليوني فلسطيني يعيشون فيه، وهي تريد إبقاء الفصل الجغرافي قائماً بين قطاع غزة والضفة الغربية بغية إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية والحيلولة دون توفير شروط قيام دولة فلسطينية مستقلة.
لقد قدّر المحللون، بمن فيهم الإسرائيليون، أن حكومة إسرائيل، لعجزها عن تحقيق أهدافها من الحرب، ستواجه أزمة سياسية كبيرة، في الوقت الذي حققت فيه حركة حماس "إنجازات مهمة كانت تحلم بها"، إذ هي نجحت "في وضع القدس في مركز الاهتمام الدولي والفلسطيني"، وفي "تصوير نفسها كدرع للإسلام"، وأثارت "المواجهات" الواسعة وراء الخط الأخضر وفي القدس وفي الضفة الغربية، وهي إنجازات ستدفعها إلى العمل على إعادة بناء قدراتها التسليحية، وخصوصاً الصاروخية منها، و "بذل كل ما في وسعها لتحقيق رؤيتها بكل مكوناتها على أساس يحاكي نجاحها قبل المواجهة الحالية وخلالها"[1].
وبالعودة إلى نتائج الحروب الإسرائيلية التدميرية السابقة على قطاع غزة، يمكننا الافتراض بأن سكانه الفلسطينيين سيقومون الآن بلملمة جراحهم بكرامة، وسيسعون إلى إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية بتصميم، وسينتظرون أن تفكر الحكومة الإسرائيلية بعد فترة في اسم جديد تطلقه على حربها التدميرية الخامسة على قطاع غزة، ما دامت مستمرة في فرض حصارها الخانق على القطاع، وما دامت –وهذا هو الأهم- غير مستعدة للتوصل إلى حل سياسي يضمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كما أقرتها قرارات الشرعية الدولية.
حروب تدميرية ثلاث سابقة فشلت كذلك في تحقيق أهدافها السياسية
شنت حكومات إسرائيل منذ أواخر سنة 2008، وقبل هذه الحرب الأخيرة، ثلاث حروب تدميرية على قطاع غزة، فشلت جميعها في تحقيق أهدافها السياسية.
فقد انسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بعد حرب، أطلق عليها اسم "الرصاص المصبوب"، استمرت أكثر من ثلاثة أسابيع (27 كانون الأول/ديسمبر 2008 - 21 كانون الثاني/يناير 2009) مخلفاً وراءه نحو 1400 قتيل و 5450 جريحًا في الجانب الفلسطيني ومقتل 10 جنود و 3 مدنيين في الجانب الإسرائيلي، فضلاً عن تدمير عدد كبير من المرافق الحيوية في القطاع من طرقات ومنازل ومدارس ومستشفيات ومساجد ومراكز "الأونروا".
وقد بررت الحكومة الإسرائيلية بزعامة إيهود أولمرت تلك الحرب بزيادة إطلاق الصواريخ من جانب حركة حماس ضد المناطق الجنوبية لإسرائيل، ورفضها تجديد التهدئة التي تم التوصل إليها في 19 حزيران/يونيو 2008 برعاية مصرية. إذ أعلنت قيادة حركة حماس في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2008 أن التهدئة المعلنة قبل ستة أشهر لن تجدد بسبب استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة والانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لهذه التهدئة.
وبحسب جان-فرنسوا لوغران، الباحث الفرنسي في المركز الوطني للأبحاث العلمية في مدينة ليون، فإن التبريرات التي قدمتها الحكومة الإسرائيلية لقيامها بشن عملية "الرصاص المصبوب" لا تصمد أمام الإحصائيات التي قدمها الجيش الإسرائيلي نفسه، إذ بينما كانت حركة حماس تطلق نحو 180 صاروخاً شهرياً في المتوسط قبل التوصل إلى التهدئة، فإنها توقفت عن إطلاق الصواريخ بصورة كلية ما بين شهري تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر 2008، على الرغم من استمرار الحصار الذي لم يرفع قط. ويتابع الباحث نفسه أن حرب "الرصاص المصبوب" عجزت عن تحقيق أهدافها، إذ قدّر عدد كبير من المحللين، بعد انتهائها، أنها لم تستطع تحقيق الأمن للمناطق الجنوبية من إسرائيل، وفشلت، رغم حصيلتها الإنسانية القاسية، في وضع حد لإطلاق الصواريخ، وأن تدمير البنية التحتية العسكرية لحركة حماس بصورة كاملة، كان سيتطلب إعادة احتلال كاملة وطويلة الأمد لقطاع غزة، وهو أمر لم يكن هناك اتفاق حوله داخل الدوائر السياسية والعسكرية في إسرائيل، بل تسربت معلومات، على الرغم من الطوق الذي فرض على نشر المعلومات، عن بروز خلافات حقيقية داخل هذه الدوائر حول الإجراءات التي يتوجب اتخاذها. وفي أيلول/سبتمبر 2009، قدم القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون، بتفويض من الأمم المتحدة ، تقريرًا يدين إسرائيل، ويخلص إلى أن الجيش الإسرائيلي تصرف "بازدراء لأرواح المدنيين" و "استخدم القوة المفرطة"، متهماً إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" أو حتى "جرائم ضد الإنسانية"، مما أثار غضب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. أما مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد دعا إسرائيل إلى مقاضاة الجناة الذين كشفهم التقرير بدون جدوى، في الوقت الذي أنكرت جميع التحقيقات التي شرع فيها القضاء العسكري الإسرائيلي حدوث "انتهاكات" للقانون الإنساني والقوانين الدولية التي أشار إليها تقرير غولدستون[2].
وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، شنت الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، عملية "عامود السحاب"، التي هدفت إلى تدمير المواقع التي يتم فيها تخزين الصواريخ طويلة ومتوسطة المدى التي تطلقها حركة حماس والمنظمات الفلسطينية الأخرى على البلدات والمدن الإسرائيلية، إذ قال نتنياهو عند بدء العملية إنه "لا يمكن لأي حكومة أن تتسامح مع وجود مليون من مواطنيها تحت التهديد المستمر بالصواريخ". وقد بدأت تلك العملية بتصفية قائد العمليات العسكرية في حركة حماس أحمد الجعبري. وخلال سبعة أيام، تم إطلاق 1500 صاروخ فلسطيني، طالت لأول مرة تل أبيب وجنوب القدس. وبعد أسبوع من الغارات الجوية، زعم الجيش الإسرائيلي أنه دمر خلالها ما يقرب من 1000 قاذفة صواريخ وأصاب 1500 هدف، بما في ذلك 19 موقع قيادة و 26 موقعًا لتصنيع وتخزين الأسلحة، تم التوقيع على وقف إطلاق النار في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. وقد أسفرت عملية "عامود السحاب" عن مقتل 177 شخصًا في قطاع غزة في أسبوع واحد، من بينهم 26 طفلاً على الأقل، وسقط أكثر من 1200 جريح فلسطيني، كما تم تدمير مقر حكومة حماس في غزة، و 200 منزل بالكامل وإلحاق الضرر بنحو 8000 منزل. بينما قتل جنديان وأربعة مدنيين في الجانب الإسرائيلي، وقُدرت الأضرار التي لحقت بإسرائيل بـ ـ1.2 مليار دولار[3].
وكسابقتها، فشلت هذه الحرب التدميرية الثانية في ردع حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى والقضاء على قدراتها التسليحية، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو في 8 تموز/يوليو 2014 إلى شن حرب جديدة حملت اسم عملية "الجرف الصامد". وبينما يحدد معظم المحللين بدء تلك الحرب في 8 تموز/ يوليو 2014، يرى الباحث جان-فرانسوا لوغران أن هذا التاريخ هو التاريخ "الرسمي الإسرائيلي الذي يجعل الحرب عملاً للدفاع عن النفس جراء قيام حركة حماس بإطلاق الصواريخ على إسرائيل في ذلك اليوم"، علماً أن هذا الإطلاق كان، بالنسبة لحركة حماس "مجرد رد على قيام الجيش الإسرائيلي بتصفية ستة من مقاتليها في 6 تموز/يوليو". ويعود الباحث نفسه إلى تسلسل الأحداث الذي سبق اندلاع هذه الحرب والعوامل التي ساهمت في اندلاعها، فيذكر أنه في 23 نيسان/أبريل 2014 ، توصلت كلٌ من حركتي فتح وحماس في القاهرة إلى اتفاق للمصالحة بغية وضع حد لانقسام السلطة الفلسطينية المستمر منذ سبع سنوات، وذلك بعد أن توصل الرئيس محمود عباس إلى قناعة بفشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية برعاية أميركية، وقرر التوجّه إلى الأمم المتحدة بهدف رفع تمثيل دولة فلسطين وتعزيز مكانتها داخل الهيئة الدولية وضمان انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) كعضو كامل العضوية. وفي 2 حزيران/يونيو 2014 تمّ تشكيل حكومة "وفاق وطني" مؤلفة من شخصيات تعتبر مستقلة، وتبع ذلك حدوث تغيّر في مواقف المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بإظهارهما الاستعداد للتعاون المحتمل مع هذه الحكومة الفلسطينية الجديدة، وهو تغيير أثار غضب الحكومة الإسرائيلية. وفي 12 حزيران/يونيو 2014، حصل تطوّر خطير تمثل في اختطاف ثلاثة شبان إسرائيليين وقتلهم بالقرب من الخليل، وهي عملية نفت حركة حماس في غزة مسؤوليتها عنها، لكن حكومة نتنياهو حملتها المسؤولية، وبدأت تحضّر لشن حرب "دفاعية" مقبلة. وعلى الرغم من أن حركة حماس، في مواجهة المخاطر المتزايدة، حاولت - ولكن دون جدوى – تجنب المواجهة، حتى بعد قيام مستوطنين يهود بخطف وحرق الطفل محمد أبو خضير، من مدينة القدس، في 2 تموز/يوليو، ولم تعلن مسؤوليتها عن إطلاق أي صاروخ قبل 8 تموز/يوليو، فأن إسرائيل رفضت سماع رسالتها، وأعلنت حكومتها عن "اكتشاف" المخابرات الإسرائيلية قيام حركة حماس ببناء شبكة أنفاق، دفاعية وهجومية، جاعلة من هذا "الاكتشاف" ذريعة لشن الحرب، وصرّح رئيسها نتنياهو أن العملية الإسرائيلية "ستهدف إلى تدمير الأنفاق التي تمر تحت الحدود"[4].
في 26 آب/أغسطس 2014، توصلت إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، برعاية مصرية، إلى هدنة أنهت حرب الـ"51" يوماً، وتضمنت بنود الهدنة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة في غضون شهر واحد من بدء سريان وقف إطلاق النار. وقد بيّنت الحرب التدميرية الجديدة التي شنتها إسرائيل في الأيام الماضية على قطاع غزة أن عملية "الجرف الصامد" أخفقت كذلك في تحقيق الأهداف السياسية التي وضعت لها، وذلك على الرغم من أنها أسفرت عن مقتل 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً و489 امرأةً و102 مسن، وفق إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية كما تسببت بإصابة نحو 11 ألفًا بجروح، أصيب 3303 منهم بإعاقة دائمة. في المقابل، كشفت بيانات رسمية إسرائيلية عن مقتل 68 عسكريًا و4 مدنيين، إضافة إلى عامل أجنبي واحد، وإصابة 2522 إسرائيلياً بجروح. وقدّرت وزارة الاقتصاد الفلسطينية خسائر الحرب الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنى التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في غزة بكافة قطاعاته بـ 5 مليارات دولار تقريباً[5].
وماذا بعد: إلى متى سيظل فلسطينيو القطاع يتحملون هذه المعاناة؟
لقد ذكرت سابقاً أن سكان قطاع غزة سينتظرون اسم الحرب التدميرية الخامسة ما دامت حكومات إسرائيل مستمرة في فرض حصارها الخانق على القطاع، من جهة، وما دامت غير مستعدة للاستجابة لمتطلبات سلام "العدل الممكن"، المتوافق مع قرارات الشرعية الدولية، من جهة ثانية.
وكما ذكر الصحافي في صحيقة "لوموند" بنيامين بارت، في مقال كتبه تعقيباً على عملية "الجرف الصامد"، فإن احتلال قطاع غزة لم ينتهِ، كما تزعم إسرائيل، برحيل آخر جنودها في 11 أيلول/سبتمبر 2005 عن القطاع، ذلك أن إسرائيل ما زالت في الواقع "تفرض سيطرتها على كامل مجالات الحياة في غزة: السجل المدني، المياه الإقليمية، الأجواء، والمعابر..إلخ". كما أن الجيش الإسرائيلي يمنع جميع سكان القطاع تقريبًا من دخول الضفة الغربية في انتهاك صارخ لاتفاقات أوسلو، التي جعلت الأراضي الفلسطينية كيانًا قانونيًا واحداً، كما تمنع إسرائيل سكان القطاع من دخول "المنطقة العازلة"، وهي شريط بعرض 500 متر إلى كيلومتر واحد على طول الحدود مع إسرائيل، حيث يمتلك عدد من هؤلاء السكان أراضٍ زراعية فيها، ومن يخاطر منهم بدخول هذه المنطقة يتعرض لإطلاق النار بشكل منهجي. ويستشهد الصحافي نفسه بعالم الأنثروبولوجيا جيف هالبر، وهو شخصية من معسكر السلام الإسرائيلي، الذي يشبّه قطاع غزة بالسجن ويلخص التأثير المتناقض لعملية فك الارتباط الإسرائيلي به التي جرت في سنة 2005، فيكتب: "في السجن أيضًا، يسيطر النزلاء على معظم المساحة، ومع ذلك فهم ليسوا أحراراً ".
ويخلص الصحافي نفسه إلى أن لا مبالاة المجتمع الدولي أدّى إلى تفاقم هذا الحصار الخانق على القطاع، الأمر الذي جعل معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاماً يصل إلى 58٪ في النصف الأول من سنة 2014، وجعل 70٪ من السكان يعتمدون على توزيع المساعدات الإنسانية من أجل بقائهم على قيد الحياة. وهو يرى أن جميع الهدنات التي تم التوصل إليها في الماضي بين إسرائيل وحركة حماس تضمنت بنوداً حول رفع أو تخفيف الحصار، وإعادة فتح المعابر، وتوسيع منطقة الصيد. لكن هذه البنود تمّ تجاهلها، جزئيًا أو كليًا ، من قبل إسرائيل. وبسبب معاناتها من الحصار"تميل حركة حماس على فترات منتظمة- كما يتابع- إلى استعادة صورتها كحركة مقاومة من خلال تحدي إسرائيل". أما الطريقة الوحيدة لكسر هذه الحلقة المفرغة فهي تتمثل، في رأيه، في إعادة إطلاق عملية سلام حقيقية، لا تنطوي على عملية ابتزاز وفق قانون الأقوى، كما جرى في معظم جلسات التفاوض خلال العشرين عامًا الماضية، وإنما تكون المفاوضات فيها بين طرفين متساويين وتجري على قاعدة مرجعيات القانون الدولي[6].
أما جان-فرانسوا لوغران، فيؤكد من جهته أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة تندرج ضمن منطق إسرائيلي يريد الحؤول دون التوصل إلى أي اتفاق مع الفلسطينيين يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة وإيجاد تسويات مقبولة لقضيتَي القدس واللاجئين، معتبراً أن الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة كان ضمن هذا المنطق، كما اعترف بذلك لصحيفة هآرتس، في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2005، دوف ويسجلاس، مستشار رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون، بقوله إن ذلك الانسحاب كان "لمنع أي عملية سياسية مع الفلسطينيين". ويخلص الباحث نفسه إلى أن المجتمع الدولي هو الوحيد القادر على إنهاء النزاع من خلال مشاركته السياسية والعسكرية الفعالة، بما يضمن قيام دولة فلسطينية كاملة الصلاحيات إلى جانب دولة إسرائيل، والتوصل إلى حل عادل لقضية اللاجئين، وفقاً للتصوّر التقليدي الذي تتباه الأمم المتحدة، وإرسال قوة تدخل عسكرية إلى مسرح الأحداث لضمان حماية السكان[7].
لكن التوصل إلى مثل هذا الحل، الذي يتمناه كلٌ من بارت ولوغران، سيتوقف في التحليل الأخير على موقف القيادة الفلسطينية وعلى مدى استعدادها لتوظيف هذا الصمود البطولي في قطاع غزة، وهذه الهبة الجماهيرية العارمة في كل فلسطين التاريخية، وهذا التضامن الشعبي العربي والدولي الذي لا سابق له مع نضال الشعب الفلسطيني، توظيفه في سياسة مختلفة كلياً عن السياسة التي انتهجتها إلى اليوم، سياسة جديدة تقوم على انهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتستند إلى الوحدة التي عبّر عنها الشعب الفلسطيني في أماكن وجوده كافة، وتبقي شعلة الهبة التي فجّرها متقدة من خلال توفير قيادة وطنية موحدة لها تكون قادرة على تحويلها إلى انتفاضة شعبية عارمة؛ سياسة جديدة تقف سداً في وجه المناورات، وخصوصاً الأميركية، التي بدأ التحضير لها، والتي تهدف إلى إعادة هذه القيادة إلى دوامة المفاوضات الثنائية العقيمة، التي لن تنطوي العودة إليها سوى إلى مزيد من المعاناة يتحملها فلسطينيو قطاع غزة ومجموع الشعب الفلسطيني.
[1] عاموس غلعاد، "بمواجهة "حماس" الجيش ينجح والسياسيون يفشلون"؛ عاموس هرئيل، "بايدن يزيد الضغط، لكن لنتنياهو أسباباً تدفعه إلى محاولة كسب الوقت"، مختارات من الصحف العبرية، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، العدد 3567، 20/5/2021.
[2] Jean-François Legrain, «Pour une autre lecture de la guerre de Gaza », EchoGéo [En ligne], le 13 février 2009.
[3] Benjamin Barthe, «Israël-Gaza : pourquoi l’histoire se répète».
[4] Jean-François Legrain, « Gaza 2014, les paradoxes d une guerre pas comme les autres».
[5] Camille Drouet, «Troisième guerre à Gaza en moins de six ans».
انظر كذلك: "الذكرى الثالثة لحرب 2014 على غزة..أرقام وحقائق".
[6] https://www.lemonde.fr/procheorient/article/2014/07/15/le-compte-a-rebours-avant-la-prochaine-confrontation-israelo-palestinienne-a-deja-commence_4457496_3218.html
[7] https://orientxxi.info/magazine/gaza-2014-les-paradoxes-d-une-guerre-pas-comme-les-autres,0961