هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها الانتخابات بشكل متزامن على ضفتَي ما كان يُعرف باسم الخط الأخضر. انتخابات في إسرائيل وانتخابات في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967.
الانتخابات الإسرائيلية التي صارت دورية، تحمل دلالات العجز عن بلورة نصاب سياسي متماسك لليمين العنصري الذي يهيمن على مناخات الرأي العام الإسرائيلي. وهي تنتج معسكرات سياسية هشة وعرضة للانحلال، مثلما حدث مع تجربة "أزرق أبيض" البائسة.
هذا العجز يدور في حلقة مفرغة: مع نتنياهو أو ضده، وهي حلقة من دون أي مضامين. وحتى على المستوى التكتيكي، فإن الخلاف الذي يتمحور حول الشخص - الظاهرة، لا ينعكس على البرامج، ذلك بأن الانتهازية والبحث عن المواقع يسودان المستويات كافة.
قد يكون لهذه الانتخابات هدف من طبيعة مختلفة هو شطب فلسطينيي 1948 من المعادلة السياسية الإسرائيلية بعدما نجحت القائمة المشتركة في الانتخابات الماضية في تشكيل حالة نهوض سياسي لا سابق لها.
هذا هو المكسب المباشر الذي يسعى له نتنياهو، وهذا ما يرجو تحقيقه بفضل القائمة الانتخابية التي انشقت عن المشتركة، ويقودها منصور عباس.
واللافت الذي لم يعد التغاضي عنه ممكناً، هو أن ظاهرة هذا الانشقاق وخطابه الانبطاحي والطائفي يتصاديان، إن لم يكونا جزءاً من خطاب زمن الانحطاط العربي الذي وصل إلى ذروته في "اتفاقيات أبراهام".
ستشهد إسرائيل انتخابات ثالثة خلال عامَين، وهي انتخابات لا مكان فيها لمشكلة الاحتلال وتغوّل المستعمرات والضم الزاحف. فقد نجح اليمين بمختلف أطيافه في تحويل الاحتلال إلى جزء بديهي من الحياة اليومية، بحيث لم يعد تحدّيه ممكناً في الأوساط اليهودية الإسرائيلية.
بينما تعاني إسرائيل تخمة انتخابية، يجد الفلسطينيون في الضفة وغزة والقدس أنفسهم أمام أحجية انتخابات للمجلس التشريعي تجري بعد خمسة عشر عاماً من غياب الشرعية الشعبية للسلطة.
هل الانتخابات الفلسطينية، مثلما يخطط لها أن تكون، هي محاولة لشرعنة الأمر الواقع؟
وما هو الأمر الذي وقع ويجب شرعنته من جديد؟
سؤال الشرعية الانتخابية ليس الموضوع الوحيد، فعلى الرغم من ضرورة الانتخابات ورغبة الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين في إنجازها، فإن الشرعية لها مدخل آخر وأكثر أهمية اسمه الشرعية الوطنية، أي الشرعية المستمدة من رفض الاحتلال، ورفض الرضوخ للأمر الواقع الذي يفرضه من خلال التنسيق الأمني والتضييق على رواتب أُسر الشهداء والأسرى والتفرج على فصول النكبة اليومية التي تدور في الضفة الغربية.
هذا هو السؤال.
والسؤال متعدد الأوجه، وربما كان وجهه الأساسي هو تجديد دم الهيئات الفلسطينية المنتخبة بعناصر جديدة تعي أن السلطة تقف على المفترق الأخير: فإمّا التحول نهائياً إلى أداة بيد الاحتلال من أجل تنفيذ أجندة الضم الزاحف، وإمّا الانتقال إلى استئناف النضال باعتبار الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة تحرر وطني.
أسئلة الانتخابات الفلسطينية بالغة الصعوبة والحساسية. فمن جهة يجري الإعداد لشرعنة الانقسام ولو تحت مسمى الوحدة الوطنية، ومن جهة أُخرى يلوح أمل ضئيل بأن يتشكل قطب انتخابي وطني يقلب الطاولة.
المسألة غامضة، إذ ما هو دور الأنظمة العربية في العملية؟ وهل تفرز الانتخابات انقسامات جديدة بدلاً من إنهاء الانقسام؟
وما هو مستقبل الاعتراض السياسي الذي يقوده الأسرى وتلتفّ حوله مجموعات من المثقفين والمناضلين الذين يشعرون بأن لحظة التغيير آن لها أن تبدأ قبل فوات الأوان؟
هل هناك علاقة بين الانتخابات الإسرائيلية التي ستجري في 23 آذار / مارس 2012، وبين الانتخابات الفلسطينية التي قد تجري في أيار / مايو 2021؟
المؤشر الوحيد هو سعي نتنياهو لدى السلطة من أجل حثّها على دعوة الناخبين الفلسطينيين في إسرائيل إلى انتخاب قائمة الليكود! أو على الأقل عدم انتخاب القائمة المشتركة؟
هل يقدم هذا الطلب الليكودي مفتاحاً لفهم العلاقة بين الانتخابات في المكانَين اللذين صارا اليوم متداخلين، ويشكلان وجهَي نظام الأبارتهايد الذي تفرضه إسرائيل على فلسطين بأسرها؟
وهل نستطيع أن نقرأ التكامل بين محاولة الانقسام داخل صفوف فلسطينيي داخل الداخل، وهي محاولة يجب أن تفشل وعلى الجميع العمل على إخراجها من المعادلة، وبين الانقسام الفلسطيني بين سلطتين متنافستين في تكاملهما؟
صار انتظار الانتخابات الفلسطينية مملاً من طول هذا الانتظار.
ستكون الانتخابات الفلسطينية، سواء جرت أو لم تجرِ، وسواء عُدّل القانون الانتخابي الجائر أو لم يعدّل، مفصلية في رسم أفق المقاومة من أجل البقاء والحرية. فهل ستنمو المقاومة خارج بنية السلطة وضدها، أم إن الانتخابات ستحمل بارقة احتمال للتغيير؟
أمّا الانتخابات الإسرائيلية التي صارت مملة في تكرار المعزوفة اليمينية العنصرية نفسها، فلا تحمل سوى السؤال: هل سيعود نتنياهو أم لا؟ وفي الحالَين ستبقى فلسطين أمام مقصلة الضم والعنصرية المتعجرفة.