ينهمك عدد من الشبان، بعضهم لا يزال على مقاعد الدراسة الجامعية، في زراعة محاصيل شتى في طولكرم، ضمن تعاونية "جذور الشمس" التي أبصرت النور قبل عدة أشهر.
وتتكون التعاونية من ستة شبان وفتيات، من ضمنهم علاء السروجي (31 عاماً) من سكان مخيم طولكرم، وهو متخصص في مجال الخدمة الاجتماعية.
يقول السروجي: نحن أساساً مجموعة من الخريجين الباحثين عن عمل، والطلبة الجامعيين، الذين ارتأوا العودة إلى الأرض في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في الأراضي الفلسطينية وارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى نحو 30%، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
ويضيف: عمدنا خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أي في ذروة بروز جائحة كورونا، إلى تنظيم أنفسنا ضمن تعاونية "جذور الشمس" التي اخترنا اسمها تكريساً لارتباط الفلسطيني بأرضه.
وشهدت الفترة الأخيرة انتشاراً للتعاونيات الزراعية الشبابية التي تسوّق منتوجاتها في أسواق بديلة في بعض المدن الفلسطينية، وتوفر منتوجات عضوية بديلة من المنتوجات الاسرائيلية التي تعالَج بمواد كيميائية مضرة بالصحة وتغرق السوق الفلسطينية.
وقام فريق التعاونية بداية باستئجار "ضمان" قطعة أرض في طولكرم، وتحديداً في ضاحية شويكة، وزراعتها بالزعتر. بعد تسويق المحصول، استأجر الفريق بيتاً بلاستيكياً زرعه بالفاصولياء، ومع النجاح الإضافي الذي حققه، استأجر مؤخراً نحو خمسة دونمات إضافية زُرعت بالفول وغيره من المحاصيل.
ويذكر السروجي أن تشكيل التعاونية لم يكن سهلاً، إذ كان لا بد من توفير قطعة أرض، وفعلاً تم استئجار واحدة بتكلفة 700 شيكل سنوياً، مضيفاً: "بعد تسويق محصول الزعتر، قمنا بسداد ما علينا من التزامات، واستأجرنا البيت البلاستيكي بتكلفة 5000 شيكل سنوياً".
ويلفت إلى دور بعض الدعم الذي قدمه ملتقى الشراكة الشبابي، ويشرف عليه مركز العمل التنموي "معاً" ومركز الفن الشعبي، في إعطاء دفعة قوية للتعاونية وتمكينها من المضي قدماً.
وتسوّق هذه التعاونية منتوجاتها عبر "حسبة التعاونيات" التي ينظمها مركز الفن الشعبي في البيرة دورياً، وتجد رواجاً من عدد كبير من المواطنين.
بيْد أن السروجي يعتقد أن التعاونيات بحاجة إلى حاضنة شعبية، علاوة على دعم من المؤسسة الرسمية، وبصورة خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على تثبيت أسعار عادلة للمنتوجات الزراعية.
ويضيف: يضطر المزارعون إلى بيع صندوق "بوكسة" الخيار أحياناً بثلاثة شواكل، بينما يبيعها التجار بمبلغ يصل إلى 20 شيكلاً.
وهو يرى أن تشكيل التعاونيات يمثل مغامرة في ظل الحالة الفلسطينية، لكنه يؤمن بقدرتها على تحقيق نجاح كبير، إذا ما حازت الاهتمام الذي تستحقه من شتى الأطراف.
ويقول: التعاونيات تمثل نموذجاً رائداً، لكن لا بد من دعمها، ولا سيما على الصعيد المادي، فنحن مثلاً توجهنا إلى شتى الصناديق والمؤسسات التي يُفترض أن تمد يد المساعدة إلى المشاريع والأفكار الريادية، لكننا فوجئنا بالشروط التعجيزية التي تضعها، مثل طلب كفلاء.
كما تشكل آليات الترخيص مسألة أُخرى تصطدم بها التعاونيات، من وجهة نظر السروجي الذي يقول: اشترط بعض المؤسسات الحصول على ترخيص للتعاونية في مقابل دعمنا، لكننا لم نتمكن من ذلك حتى اللحظة نظراً إلى ارتفاع التكلفة المالية المطلوبة لهذا الغرض، ولا سيما أننا مبادرة ناشئة، من هنا عمدنا إلى بلورة نظام خاص بنا، لكن من دون أن يكون هناك ترخيص.
ويردف السروجي: نحن نتطلع إلى توسيع نطاق التعاونية وعملها، لكن ذلك صعب عموماً.
وتُعتبر تعاونية "أرض اليأس" في بلدة صفا غربي رام الله، نموذجاً آخر للعمل التعاوني الشبابي.
أسس التعاونية سنة 2017 عدد من الشبان الذين وصل عددهم إلى تسعة حالياً. يقول سامر كراجة أحد المؤسسين: تشكلت التعاونية من مجموعة مصغرة من الشبان الذين يعشقون الأرض، ويرون فيها بديلاً اقتصادياً لتحقيق الاعتماد على الذات وتوفير سبل الحياة الكريمة.
ويتابع كراجة (24 عاماً)، الذي تخرج من جامعة بيرزيت سنة 2018 في مجال إدارة الأعمال: بدأت التعاونية بدونم ونصف زرعناها بازيلاء، واليوم يمتد نشاطها على نحو 30 دونماً في البلدة تنتج محاصيل متنوعة في كل موسم، وتشمل القمح، والفقوس، والبصل، والثوم، والحمص.
ويردف كراجة: نحاول عبر عملنا الوصول إلى نموذج للاستغناء عن العمل كموظفين.
عدد من مؤسسي هذه المبادرة ما زالوا يتلقون تعليمهم الجامعي حالياً، بخلاف آخرين يعملون في مطاعم، لكن كراجة يشدد على تطلُّع الأعضاء إلى ترك وظائفهم الحالية للتفرغ للتعاونية.
وكحال أية تعاونية، لم يكن طريق "أرض اليأس" مفروشاً بالورود، لكن تعاون المجتمع المحلي معها سهّل نشاطها.
عن ذلك يقول كراجة: كان هناك قطعة أرض مساحتها دونم ونصف قدمتها العائلة، فزرعناها بازيلاء، ثم انطلقت التعاونية بأربعة أشخاص قدم كل منهم مبلغ 85 شيكلاً، لنقرر لاحقاً توسيع التجربة في إثر النجاح الذي حققناه، وبالتالي قدم كل منا مبلغ 200 شيكل وظفناها في زراعة محاصيل شتى. ويشير كراجة إلى قيام عدد من أهالي البلدة بتقديم أراضٍ لتوظيفها لمصلحة التعاونية في ظل ثقتهم بمؤسسيها، وإمكان استرجاع الأرض عندما يحتاجون إليها.
كما يوضح أن الدعم الذي قدمه ملتقى الشراكة الشبابي لإقامة بيوت بلاستيكية وشراء شتول وبذور ساهم أيضاً في إنجاح هذه التجربة.
ويقول: عندما بدأنا هذه التجربة كنا نفتقر إلى الخبرة اللازمة في عدة مجالات، مثل كيفية تنظيم التعاونيات، وآليات الإدارة المالية، والمعلومات الزراعية، وخصوصاً أننا نعتمد على الزراعة العضوية، أي الخالية من استعمال المبيدات، وبالتالي فإن توفير هذه المسائل أمور أساسية لإنجاح التعاونيات.
ويضيف: تشكيل التعاونيات مسؤولية جماعية من وجهة نظري، وهي من دون شك تمثل نموذجاً للعيش الكريم، لكن لا بد من العناية بحاجات التعاونيات وتمكينها من التطور.
ويقول كراجة: عندما اخترنا اسم تعاونيتنا "أرض اليأس"، كان ذلك لإداركنا أن هناك مصاعب جمة ستواجهنا، لكننا نؤمن بأنه يمكننا تحقيق النجاح الذي نصبو إليه، عبر العمل بشكل متدرج ومدروس.
ويذكر منسق ملتقى الشراكة الشبابي رامي مسعد أن الملتقى، الذي وُجد سنة 2014، ركز خلال العامين الأخيرين على تعزيز ونشر فكرة التعاونيات الزراعية الشبابية، فتوِّج الجهد بوجود 12 مجموعة تعاونية في شتى أنحاء الضفة، جانب منها مختص بالإنتاج الزراعي "النباتي"، بخلاف أُخرى تركز على الإنتاج الحيواني.
ويقول مسعد: منذ عامين بدأنا بطرح بدائل تتعلق بالشباب، وبصورة خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة، وغياب الفرص أمام الكثيرين منهم، لذا ارتأينا تناول ملف التعاونيات، نظراً إلى ارتباطه بالبعد الوطني والاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من إدراكنا أن ذلك ليس سهلاً، في ظل هيمنة ثقافة تقوم على الاستهلاك والبعد عن العمل في الأرض خلال الثلاثين عاماً الماضية.
ويردف مسعد: استدعى ذلك منا جهداً كبيراً، سواء أكان على الصعيد الفكري أو الثقافي، عبر دراسة الفكر التعاوني والنماذج المرتبطة بهذا الشأن، وزيارة تعاونيات، وتنظيم حسبة التعاونيات، التي تلتئم مرة واحدة كل أسبوعين لتسويق منتوجات الكثير من التعاونيات الشبابية، ونحن نطمح إلى نقلها إلى مناطق أُخرى. ومن وجهة نظره، حققت هذه التعاونيات نجاحاً لافتاً، حتى أن بعضها يعمل ضمن مساحات واسعة تصل إلى 40 دونماً في ظل دعم واحتضان المجتمع المحلي لها بأشكال شتى، مثل توفير الأرض اللازمة لها مجاناً أو بأسعار رمزية.
وقدم الملتقى– ولا يزال- أشكالاً متعددة من التدخلات لمساعدة هذه التعاونيات، بما يشمل تدريب أعضائها على كيفية تنظيمها، وإكسابهم معارف وخبرات تتصل بالعمل الزراعي والإدارة المالية، علاوة على توفير جانب من حاجاتها، وتحديداً فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج.
ويضيف مسعد: تشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن 700 تعاونية زراعية لدينا، يهتم بمعظمها أشخاص كبار في السن، وبالتالي فإن المفهوم الذي ركز عليه الملتقى هو التعاونيات الشبابية، لأننا نحرص على إيجاد نماذج ناجحة تشجع المزيد من الشبان على الانخراط فيها.
ويلفت مسعد إلى عناية الملتقى بتكريس مفهوم التعاونيات الشبابية أفقياً وعمودياً، عبر تقوية القائم منها حالياً وإيجاد أُخرى جديدة، بيْد أنه يؤكد أن هذه المهمة ليست يسيرة.
ويقول: إن التعاونيات الشبابية تمثل نموذجاً يقوم على توزيع الأعباء، لكن لتكريس هذا المفهوم لا بد من تبيان مدى فعاليتها وحيويتها على الصعيدين الوطني والاقتصادي، وإيجاد استراتيجيا وطنية تحدد أدوار وتدخلات شتى الجهات الرسمية والأهلية، علاوة على تغيير قانون العمل التعاوني، بما يشمل تيسير آليات الترخيص، مثل اشتراط وجود 15 شخصاً ضمن القائمين عليها، إضافة إلى خفض الرسوم الواجب دفعها من الأعضاء، وخصوصاً أننا نتحدث عن جمعيات شبابية تستند إلى إمكانات أعضائها البسيطة.
ويذكر المنسق العام لائتلاف جمعيات حماية المستهلك صلاح هنية، أن التعاونيات الزراعية أثبتت أهميتها، وبصورة خاصة لجهة توفير منتوجات عضوية، بيْد أنه يرى أن جانباً من حيوية دورها يتمثل في طرح منتوجات بديلة من المنتوجات الإسرائيلية من الخضار والفواكه.
ويلفت هنية إلى أن التعاونيات، كما القطاع الزراعي، عانت منذ بداية الجائحة جرّاء عدة إشكاليات، ولا سيما فيما يتعلق بضعف سلاسل التوريد، وبالتالي عمل العديد من الهيئات، مثل جمعيات حماية المستهلك، على تنظيم فعاليات لتسويق منتوجات، مثل الحليب والأجبان والخضار وغيرها.