نوع الخبر: 
السيَر والمذكرات واليوميات: دراسة فلسطين من أطرافها
التاريخ: 
15/02/2021

تُعتبر السيَر والكتب التي تندرج ضمن حقل "الذاكرة"، سواء الشخصية لأفراد أو لأمكنة فلسطينية وجماعات، وثيقة ومصدراً للتعبير عن الهوية الفلسطينية وإعادة بعثها، وحفظها وأرشفتها ونقلها كرواية كتابية بموازاة الرواية الشفوية التي عمل عليها عدد من الباحثين الفلسطينيين، الذين وثّقوا جزءاً مهماً من الرواية الفلسطينية التي كادت تندثر بفعل النكبة والشتات والانكسار، وساهم هؤلاء الباحثون في تأطير منهجية دراسات التاريخ الاجتماعي والهوية والنكبة والفقدان والانتكاسات والانتصارات. لقد ساهمت إعادة بعث الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ما يقارب عقدين من النكبة في حفظ الذاكرة الجماعية الفلسطينية والفردية، عبر تدوينها وتجسيدها في أعمال فنية وأدبية وتاريخية وغيرها.

أصدرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية مجموعة من الكتب التي تهتم بالسيَر واليوميات والتراجم وكتب الذاكرة كمصادر لكتابة التاريخ الاجتماعي الفلسطيني، كما نشرت حتى اليوم ضمن المسرد الزمني التفاعلي للقضية الفلسطينية الذي تعده  ٨٨ سيرة لأعلام من الفلسطينيين والفلسطينيات. وبرز سليم تماري وعصام نصار وعدد آخر من الباحثين الذين وظفوا كتب الذاكرة والسيَر واليوميات كمصدر لدراسة الحياة اليومية والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية في فلسطين، وأصدرت المؤسسة مجموعة من الدراسات والكتب التي نهلت من المذكرات والتراجم وبنت عليها، منها (دراسات في التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام: قراءات في السيَر والسيَر الذاتية، عام الجراد: الحرب العظمى ومحو الماضي العثماني من فلسطين، وغيرها). وانشغلت مجلة "حوليات القدس" (2003-2014) ومحررها المرحوم سميح حمودة في هذا المضمار، وبرز عدد من طلبته وزملائه المهتمين بالسيَر والمذكرات، ومنهم: بلال شلش؛ علي موسى وآخرون.

كما عملت مجموعة من المؤسسات على الاهتمام بالرواية الشفوية الذاتية والجماعية، وحولتها إلى رأسمال طباعي في حقل الذاكرة، كسيَر فردية جماعية للفلسطينيين وقراهم، وخصوصاً العمل التأريخي المهم الذي أنجزه مركز دراسة وتوثيق المجتمع الفلسطيني التابع لجامعة بيرزيت، سواء سلسلة القرى الفلسطينية المدمرة أو سلسلة صفحات من الذاكرة الفلسطينية. وبرزت في العقود القليلة الماضية مجموعة من الاتجاهات الباحثة ودور النشر والمؤسسات المهتمة بهذا النوع من الإنتاج المتعلق بالسيَر والمذكرات؛ أو ما يمكن وسمه بحقل الذاكرة الفلسطينية بمعناها الواسع، مثل: مشروع ذاكرة فلسطين- المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات، وتوجهات الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع وعلم الإنسان لتوثيق تجربة علماء الاجتماع والإنسان في فلسطين، وجهود فردية وذاتية في كتابة السيَر الذاتية والمذكرات واليوميات، ومؤخراً أعلن المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية- مدى الكرمل في حيفا، عقد ورشة متخصصة تحت عنوان "الصهيونية والحركة الوطنية الفلسطينية: قراءات في مذكرات المستعمِر والمستعمَر"، تبدأ في حزيران/يونيو 2021 ضمن مسارات ورشاته المتخصصة بدراسة الصهيونية والاستعمار الاستيطاني والمقاومة الفلسطينية للاستعمار.

ساهمت التجارب التي خاضتها المؤسسات الفلسطينية وعدد من الباحثين في إعادة الالتفات من جديد إلى أهمية السيَر والمذكرات وكتب الذاكرة، وبرزت مجموعات بحثية ونقدية فلسطينية تستند إلى السيَر والمذكرات واليوميات في أعمالها البحثية في حقول الاجتماع والتاريخ والسياسة والثقافة وغيرها؛ وساهمت تلك الأعمال البحثية والمنهجيات في إعادة الاعتبار إلى الفواعل الفلسطينية من الهوامش، أو التي كانت في المركز وجرى تهميشها بفعل التحولات السياسية التي عصفت بالفلسطينيين وحركتهم الوطنية ومشروعهم النضالي التحرري.

يساهم هذا الملف في الإضاءة على عدد من السيَر والمذكرات واليوميات والتراجم وكتب الذاكرة التي صدرت في السنوات القليلة الماضية عن فلسطين والفلسطينيين، سواء كانت سيَراً ذاتية أو سيَراً غيرية وغيرها من كتب الذاكرة.

أحمد عز الدين أسعد

news Image: