مقاربة سوسيولوجية ونظرية لتحولات في القوة التمثيلية للقيادات الفلسطينية في إسرائيل منذ النكبة حتى القائمة المشتركة
نبذة مختصرة: 

تُعنى هذه الدارسة بتقصي بعض التحولات والتطورات الجارية على القيادة السياسية العربية في إسرائيل من أجل محاولة الإجابة عن سؤال محوري يتعلق بمدى تمثيلها في أعين مجتمعها وتعليل نجاح القيادة المتمثلة في الأعوام الأخيرة في القائمة المشتركة، في كسب شرعية المجتمع الذي تمثله، على الرغم من عمليات الاستنزاف وسحب الشرعية المبرمجة والدائمة التي تقوم بها قيادات الدولة ضدها.

النص الكامل: 

أهمية الدراسة تنبع من أنه من المعتاد، في دراسة النخب والقيادات، أن نفترض قدرتها على تطويع الواقع القانوني والسياسي والاقتصادي لخدمة الحفاظ على مصالحها ومواقعها (Higley & Lengyel 2000). ومن أهم الآليات التي تستعملها النُّخب للحفاظ على تبعية المجتمع هي وسائل القمع التابعة للدولة، والقوة الإقناعية لوسائل الإعلام، ووسائل التعويض الاستبدالية للمجموعات غير المطيعة (Higley & Pakulski 2012). إلّا إن الحالة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني وقياداته في إسرائيل لا تسمح باستعمال هذه الآليات، لأن هذا المجتمع مجتمع أقلية في إطار دولة تستعمل مؤسساتها شتى الوسائل لإضعاف نخبها، ولسحب الشرعية عن قياداتها. غير أنه على الرغم من سياسات الدولة، أو ربما بسبب سياسات الدولة، فإن التساؤلات عن المميزات والتحولات الطارئة على القيادة العربية تصبح مهمة أكثر في استقصاء التعليلات الممكنة لمدى نجاحها في اكتساب ثقة جمهورها. بعبارات أُخرى تطرح هذه الدراسة أسئلة بشأن مدى تمثيل القيادة السياسية العربية لمجتمعها، وسبب نجاح هذه القيادة في الحصول على دعم جمهورها، وإلى أي مدى ينبع هذا الدعم من الدمج بين عاملين: أولاً، التطابق المتصاعد في خصائص ومميزات القيادة مع التحولات الجارية في المجتمع الذي تنتمي إليه؛ ثانياً، نوعية تفاعل القيادة مع جمهورها وتلبية توقعاته.

ومن أجل القيام بهذه الـمهمة، تقوم الدراسة بتحليل الجدلية القائمة بين الجوانب السوسيولوجية للقيادة، أي مواصفاتها الاجتماعية وعلى رأسها انتماؤها الطبقي والإقليمي والجندري والجيلي والثقافي والجوانب السياسية، من جهة، وكيفية تعاملها مع محيطها الاجتماعي من أجل كسب ثقته على المستوى الرمزي والرؤيوي والعملي، من جهة أُخرى. وفي هذا السياق يقوم التحليل التالي بفحص التحولات الجارية على النخب والقيادات السياسية العربية بحسب مفهوم التمثيل مثلما طرحته بيتكين (Pitkin 1967)، ويشمل جوانب وصفية وقيمية ورسمية ورمزية، ويضيف إلى ذلك عاملاً مهماً يتعلق بنوعية التفاعل بين المجتمع وقياداته، وخصوصاً في وقت الانتخابات (Burns 1978). ويُظهر هذا التحليل أن التمثيل السوسيولوجي، من حيث مواصفات الانتماء الأساسية، يشكل شرطاً ضرورياً لكن غير كافٍ لتعليل تمثيل القيادة لمجتمعها، لأن شرعية هذا التمثيل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أيضاً سلوك المجتمع تجاه القيادة، ونوعية التفاعل القائمة بينهما (Rehfeld 2006). لذلك تُظهر الدراسة أن استجابة القيادة لطموحات المجتمع ولو على المستوى الرمزي، وليس الاكتفاء بتمثيله على المستوى الوصفي - السوسيولوجي، من شأنها توفير تعليل جائز لنجاح القيادة في نيل ثقة مجتمعها، حتى إن لم تنجح هذه القيادة في تخطّي الصعوبات الماثلة أمامها عند العمل على إحقاق حقوق مجتمعها.

إن النظريات التي تشكل الإطار التحليلي لدراسة النخب تنعكس في ثلاثة مستويات تحليلية متباينة، لكن مترابطة: المستوى الأول هو التشخيصي الذي يركز على استقصاء مواصفات النخبة وتركيباتها الاجتماعية. وبما أن المجتمع هو حالة متغيرة ودينامية، فإن الأبحاث في هذا المستوى تركز على التحولات الطارئة على النخبة من خلال مواصفاتها، وتقدّم مجموعة من المعطيات عن المواصفات الديمـوغـرافية للنخبة (مثل الفئات العمرية للنخبة، ومستويات تعلمها، وتقسيماتها الجندرية، وانتمائها الإقليمي ومعتقداتها)، والتي نستطيع عبر عرضها على مدى فترات زمنية متعددة أن نفسح في المجال أمام قراءة التحولات الطارئة في المجتمع، وبالتالي تقديم صورة عميقة عن علاقات القوة وتجلياتها فيه (Khan 2012). المستوى التحليلي الثاني للنظريات النخبوية النقدية تتمحور حول استقصاء مصادر قوة النخبة، وفي هذا الصدد تقوم الأبحاث على التمييز بين عدة أنواع من مصادر النفوذ والتأثير، وعلى رأسها العقائدي والاقتصادي والعسكري والسياسي - الاجتماعي (Mann 1986). وتدور هذه الأبحاث على التحولات التاريخية الطارئة على مختلف المجتمعات من أجل سبر غور كيفية استغلال مصادر قوة مولودة أو معطاة في البنية الاجتماعية لترجمتها إلى نفوذ وقدرة على التأثير في تطور المجتمع (Mills 1959). أمّا المستوى الثالث للنظريات النخبوية النقدية، فيُعنى بالإجابة عن السؤال المهم المتعلق بكيفية استطاعة النخب المتنفذة الحفاظ على تأثيرها ونفوذها وقدراتها، كونها دينامية وتستخدم آليات متنوعة للحفاظ على مواقعها (Wedel 2017). وتركز الأبحاث، في هذا الصدد، على أهم آليات السيطرة والنفوذ لأن النخبة لا تحكم بالعنف، وإنما بواسطة آليات تسويغ أخلاقية وفكرية، وعلى رأسها ما سمّاه جيتانو موسكا (Mosca 1939) "المعادلة السياسية" (political formula)، أو ما أطلق عليه ميشيل فوكو في سياق آخر "القوة التأديبية" (disciplinary power)، (Foucault 1995).

وعلى الرغم من إرادة النخبة الحفاظ على تأثيرها ومقتدراتها، فإن من غير الممكن لأي تحليل نخبوي نقدي أن يتغاضى عن كون الواقع الاجتماعي متقلباً ومتغيراً، بما في ذلك النُّخب (Wedel 2017). فهنالك تصاعد دائم لنخب جديدة على حساب نخب قائمة، الأمر الذي يحوّل المجتمع إلى سيرورة تحول وتغير دائمين، لكن التحليل النخبوي يتطلب تعليلات تُعنى بالمسببات الأساسية لتلاشي نخب معينة وصعود أُخرى (Higley & Lengyel 2000). إن دينامية النُّخب والتحولات الجارية فيها وعليها مهمة جداً من أجل حيوية المجتمع ونجاحه في مواجهة التحولات الجارية في محيطه، غير أن شكل التحول والزخم الذي يجري فيه هذا التحول ومسبباته يصبح شأناً بحثياً مهماً من أجل فهم العلاقة بين هذه التحولات، ونجاح المجتمع بصورة عامة في مواجهة تحدياته والظروف التي تحيط به.

في هذا الصدد، من المهم الإشارة إلى أن نظريات النخب لا تولي قبول وتقبّل النخبة في المجتمع اهتماماً كافياً، وبالتالي فإنها تقلل من شأن الدور الذي يؤديه المجتمع في تحديد تركيبة قياداته. ولهذا من المهم لفت النظر إلى نظريات القيادة، وخصوصاً التفاعلية منها (transactional)، والتي تهتم بدينامية العلاقة بين مَن يحتلون المناصب العليا في المجتمع (وخصوصاً في الحقل السياسي)، وسائر أفراد المجتمع، لأن النخبة ليست بالضرورة فئة انتهازية غير مرغوب فيها اجتماعياً (Winters 2011). هذا الافتراض صحيح بلا ريب، إذا أخذنا بعين الاعتبار الحديث عن مجتمعات تجري فيها عمليات فرز ديمقراطية للقيادات النافذة (Oc 2018)، وهو ما يؤكد شرعية القيادة وكونها تعكس إرادة المجتمع وأفضلياته من خلال عمليات الاقتراع في الانتخابات (House, Javidan, Hanges & Dorfman 2002). وتدل نظريات القيادة على أن الربط بين خصائص القائد أو القائدة لا يشكل بمفرده عاملاً مستقلاً في تحديد ميزات القيادة، فهذه النظريات هي الوحيدة التي توفر تعليلاً مقنعاً لنجاحها في تبوّؤ منصبها، لأنها تعالج العلاقة التبادلية بين القيادة وجمهورها، وتُظهر كيف أن لسلوكيات الجمهور دوراً في تحديد ميزات القيادة المنشودة (Crossan, Vera & Nanjad 2008). ولهذا، فإن التمعن في سلوكيات المجتمع من خلال أنماط الانتخاب، من شأنه أن يساعدنا في فهم القيادة الناجحة، وبالتالي توفير تعليل تحليلي مقنع لمدى نجاحها.

وهنا، لا بد من استحضار جانب آخر لواقع النخبة لا يؤخذ بعين الاعتبار على نحو كافٍ في أدبيات النُّخب، وهو السياق الثقافي الذي تفعل فيه وتتحرك النخبة والقيادة، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن أن نفترض أن هنالك مميزات وخصائص شمولية للقيادة تعمل بالشكل نفسه في المجتمعات والثقافات كافة (Sun & Anderson 2012). إن فهم القيادة يتطلب النظر إلى عمليات التحشيد والإقناع والتأثير المألوفة في مختلف المجتمعات، كما يتعين على البنية الاجتماعية أن تؤدي دوراً مهماً في سلوكيات النخبة وأنماط قيادتها له، وبالتالي لا يمكننا توقّع نشوء قيادة أصيلة منقطعة عن ثقافتها المجتمعية. ومن هنا، لا يمكننا التغاضي عن أهمية أنماط الإقناع الفردية في المجتمعات الليبرالية في مقابل أهمية التوجهات ذات النزعة الجمعية والهوياتية، أكانت قومية أم حمائلية أم عشائرية أم قبلية، والتي ما زالت تؤدي دوراً مهماً في مجتمعات محافِظة، حتى لو كانت هذه المجتمعات تمارس عمليات الفرز الديمقراطية.

 التحولات الطارئة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل

وانعكاسها في نخبتها السياسية

يتميز المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل بتفاضل كبير في المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وبتحولات مركبة وعميقة في هيكليته وفي المفاهيم السائدة فيه. ففي العقود الأخيرة، وبعد حقبة طويلة من التعامل مع الهزيمة السياسية والشرخ الاجتماعي العميق الذي تسببت به النكبة، تظهر مؤشرات واضحة إلى التغلب على الأزمة (Jamal 2019). وهذه المؤشرات تنعكس في تشكل طبقة اجتماعية ميسورة الحال نسبياً، وفي مؤسسات اجتماعية وسياسية وثقافية تميز المجتمعات التي تخوض غمار مسارات تحديث متسارعة (حيدر 2018)، وهذه الطبقة الاجتماعية الجديدة تتميز بمستويات تحصيل علمي رفيعة تنتج منها مستويات دخل أعلى من المعدل. علاوة على ذلك، يمكن الحديث عن نمو مجتمع أعمال ذي دخل عالٍ في المدن والقرى، الأمر الذي يفضي إلى نمو ثقافة استهلاكية محلية تفوق المعدل (حداد حاج - يحيى 2017)، كما أن هناك تحولات جذرية في بنية العائلة العربية، إذ إن عدد أفراد الأسرة آخذ في التراجع، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع في مستوى المعيشة.

من الممكن رصد التحولات الجارية في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل من خلال التمعن في مستويات التحصيل العلمي الآخذة في الارتفاع في صفوف شرائح سكانية معينة - ولا سيما في صفوف النساء – فهي تشكل عامل حراك اجتماعي قوياً يقف خلف فجوات الأجر الآخذة في الاتساع. وتُظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية أن الطلبة الجامعيين العرب شكلوا في العام الدراسي 2012/2013 نحو 12,9% من مجمل الطلبة الجامعيين في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل (مجلس التعليم العالي 2013)، بينما شكلوا في العام الدراسي 2016/2017 نحو 16,1% (مجلس التعليم العالي 2018). وهذه البيانات تبيّن ارتفاعاً متواصلاً في نسبة الطلبة العرب الذين يدرسون في مؤسسات التعليم العالي في إسرائيل، على الرغم من أن نسبتهم لا تزال متدنية مقارنة بنسبة السكان العرب من المجموع السكاني العام في إسرائيل، وخصوصاً في الفئة العمرية ذات الصلة، والتي تبلغ 26%.

إن الزيادة في أعداد الطلبة الجامعيين العرب تنسحب أيضاً على طلبة اللقب الثاني، إذ وصلت نسبتهم في العام الدراسي 2016/2017 إلى 13% من المجموع العام، فقد ارتفع عدد الطلبة العرب من 26,000 طالب في العام الدراسي 2010/2011، إلى 47,000 في العام الدراسي 2016/2017، أي بنسبة 80% تقريباً (مجلس التعليم العالي 2018). وهذه البيانات لا تشمل الطلبة العرب الذين يدرسون خارج دولة إسرائيل (في الضفة الغربية، والأردن، ودول أوروبا الشرقية والغربية وشمال أميركا)، ويبلغ عددهم نحو 15,000 طالب، لكنها تشير إلى ارتفاع متواصل في نسبة المتعلمين في هذا المجتمع، وبالتالي إلى عامل حراك قوي يترجَم بصورة عامة إلى تنافس وصراعات بشأن الفرص والمواقع والوظائف المتاحة.

لا شك في أن خريجي الجامعات يشكلون مخزوناً بشرياً مهماً لتَشكُّل طبقة متوسطة عربية متعلمة تحمل على أكتافها مشروعاً اجتماعياً ثقافياً يعمل على تحسين ظروف المواطنين العرب المعيشية، ويقف في مواجهة سياسة حكومية إقصائية تميّز ضدهم في جميع الـمرافق الحياتية، وأغلبية يهودية تسعى لوضع عراقيل أمام شرعية حضورهم في الحيز العام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في إسرائيل. وهذا الواقع له تأثير كبير في أنماط تشكل النخبة العربية يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند محاولة سبر غور التحولات الجارية فيها، وهو ما يتجلى في مبنى الفرص المتاحة التي تحددها السلطة الإسرائيلية بحسب مصالحها وحاجاتها. ومن أهم ما يجب لفت الأنظار إليه في هذا الصدد أن النخبة السياسية العربية والقيادات فيها هي منتخبة من خلال مؤسسات تابعة للدولة، وعلى رأسها البرلمان، ولهذا فإن التحليل التالي، وعلى المستوى المنهجي، سيعرض معطيات عن ميزات القيادات الحزبية المتمثلة في الكنيست، مع أن جزءاً منها لم يجرِ انتخابه ضمن قوائم أحزاب عربية.

قبل أن نتطرق إلى المعطيات التي يجري تحليلها في الرسوم البيانية المتعلقة بالنواب العرب، يجب الإشارة إلى أننا سنتناول هنا 93 نائباً تباينت فترات وجودهم في الكنيست، وتحليلاتنا ستعتمد هذا العدد في بعضها، بينما ستعتمد في بعضها الآخر تقسيمة النواب العرب بحسب الكنيست الذي كانوا أعضاء فيه، وهكذا، فإن مجموع عددهم سيرتفع إلى 245 مقعداً. ومثلما يُظهر الرسم البياني رقم 1، الذي يعتمد عدد النواب العرب بحسب الفترات الانتخابية المتعددة منذ سنة 1948 حتى سنة 2020، فإن القيادة العربية المنتخَبة في الأحزاب السياسية والمتمثلة في الكنيست مرت بتحولات عميقة ومتنوعة. والأهم في هذه التحولات هو الغياب المتدرج للزعامات التقليدية للعوائل والعشائر الكبرى في عدة مناطق من البلد، وصعود قيادات متعلمة ومثقفة، وهو ما يسهل علينا الافتراض أن القيادات الناشئة لا تعكس التحولات المجتمعية الطارئة في المجتمع فحسب، بل هي مدركة أيضاً لمحيطها الاجتماعي والثقافي والسياسي ومنغرسة فيه، وبالتالي فإن لها مصلحة مباشرة في أن تعمل جاهدة على انتزاع الموارد الأقصى لمصلحته، وتوفير الحماية القصوى له من أجل كسب ثقته والحفاظ على مكانتها في تمثيله.

ومثلما تُظهر معطيات الرسم البياني رقم 1، فإن المستوى التعليمي لدى قيادة المجتمع القُطرية ارتفعت مع الوقت، ومن دورة إلى أُخرى، وبلغت ذروتها في العقد الأخير. وإذا ما قورن هذا الواقع مع ما سبقه، أي منذ الكنيست الأول في سنة 1949 حتى الكنيست الثالث عشر الذي انتُخب في سنة 1992، فإننا نرى تبايناً شاسعاً وتحولات عميقة لا يمكن التغاضي عن أهميتهما، لأن هذا يعني أن النواب العرب يتحدرون من خلفيات اجتماعية - اقتصادية متنوعة، ولا ينحصرون في طبقة اجتماعية عليا كانت وما زالت مهيمنة على المجتمع، وأنهم نتاج لحراكات وتحولات طرأت على المجتمع الفلسطيني بعد النكبة، وتبلورت في العقود الأخيرة. إن الخلفيات الاجتماعية التي نتحدث عنها تتمثل في كون أغلبية النواب العرب في العقدين الأخيرين من خلفيات عائلية ذات دخل معتدل أو متدنٍّ، إلّا إنهم نجحوا في الوصول إلى قيادات أحزابهم، وممّا لا شك فيه أن للمستوى العلمي والتجربة الجامعية دوراً مهماً في ذلك.

 

الرسم البياني رقم 1

 

إذا نظرنا إلى الرسم البياني رقم 2، سنرى أن ما يقارب 14% من أعضاء الكنيست العرب، منذ سنة 1948، هم من حملة لقب الدكتوراه، وأن هذه الشريحة تشكل 28% من مجمل النواب منذ سنة 1996، الأمر الذي يعني حدوث ارتفاع كبير في العقدين الأخيرين. وهذه الصورة تتكرر عندما نتناول حاملي اللقب الأكاديمي الثاني (MA)، إذ إن نسبة هؤلاء من مجمل أعضاء الكنيست تبلغ 11%، لكنهم يشكلون 19% من النواب منذ سنة 1996 حتى سنة 2020؛ كما نرى أن نسبة حاملي اللقب الأكاديمي الأول (BA) من مجمل النواب العرب منذ سنة 1948 حتى سنة 2020 هو 38%، لكنهم يشكلون 49% من مجمل النواب العرب في الفترة الواقعة بين سنتَي 1996 و2020. ولا شك في أن هذه التحولات في المستوى التعليمي تعبّر عن النقلة النوعية التي يشهدها المجتمع الفلسطيني في الداخل، وعلى رأسه القيادة القُطرية، وهو ما من شأنه أن ينعكس في وعي هذه القيادة وقدراتها على مواجهة تحدياتها وإن على المستوى السجالي؛ إذ إنها متمكنة لغوياً وعلمياً، وبالتالي تستطيع إيصال رسالتها وتمثيل جمهورها على نحو أقوى.

 

الرسم البياني رقم 2

 

إن تنوّع القيادة القُطرية العربية، وتعدد تجربتها العلمية، يتجليان من خلال المؤسسات العلمية التي حصلت فيها على شهاداتها. فإذا نظرنا إلى هذا المعطى بحسب الرسم البياني رقم 3، فسنرى أن التنوع كبير، إذ إن 21,2% من مجمل الذين حصلوا على شهادة جامعية درسوا في الجامعة العبرية، و18,8% منهم حصلوا على شهاداتهم من جامعة حيفا، و18,2% من جامعة تل أبيب، و13,6% منهم حصلوا على شهاداتهم من جامعات خارج البلد، أي أنهم يتحدثون لغات أجنبية، وعلى رأسها الروسية والإيطالية والفرنسية والرومانية وغيرها.

 

الرسم البياني رقم 3

 

وعند الحديث عن التمثيل المناطقي والمجتمعي للنواب العرب، وكونهم يعكسون التركيبة السكانية للمجتمع العربي بجميع مركباته، نرى أنهم يتحدرون من عدة مناطق، ومن مختلف مركبات المجتمع الفلسطيني الطائفية، مثلما يُظهر الرسم البياني رقم 4. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: إلى أي مدى هذه التركيبة هي محض مصادفة، أم إننا بصدد هندسة اجتماعية مقصودة من خلال نظام حصة نسبية ("كوتا") رسمي ظاهر للعيان أو خفي؟ ولا شك في أنه معلوم أن القيادة العربية في الأحزاب تجري هندستها بقدر الإمكان كي تأخذ بعين الاعتبار تمثيل قطاعات المجتمع العربي كافة. ففي جميع الأحزاب يؤخذ بعين الاعتبار الانتماء الإقليمي للمرشح أو المرشحة، كما أنه في بعض الأحزاب، وخصوصاً العلمانية منها (مثل الجبهة والتجمع)، تجري مراعاة انتمائهم الطائفي إلى حد كبير، إذ ثمة إصرار على أن تكون الطوائف الفلسطينية كلها متمثلة بقدر الإمكان. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن بعض النواب العرب يجري انتخابه في أحزاب صهيونية، فإننا هنا نرى تمثيلاً طائفياً متنوعاً، مع أنه في الأعوام الأخيرة شرع ينحسر، غير أنه ما زال يتمحور حول تمثيل محدود لممثلين وممثلات من الطوائف المسيحية والإسلامية، وفي الأغلب من الطائفة الدرزية.

 

الرسم البياني رقم 4

 

مثلما نرى في الرسم البياني رقم 4، فإن التمثيل الطائفي لا يعكس النسب السكانية الصحيحة للطوائف العربية، إذ إن هنالك تمثيلاً فائضاً نسبياً للمنتمين إلى الطوائف الصغيرة، المسيحية والدرزية، لأن بعض هؤلاء النواب جرى انتخابه في أحزاب صهيونية على حساب أصوات ليست من المجتمع الفلسطيني، أو في أحزاب عربية، الأمر الذي رفع نسبة التمثيل بصورة عامة. وأهمية هذا الموضوع - على الرغم من التحسس منه في بعض الأوساط - تنبع من أنه يعكس التنوع القائم في القيادة العربية من جهة، كما يعكس البنية الطائفية القائمة ويعزز وجودها من جهة أُخرى.

وعندما نلقي نظرة على التوزيعة الجغرافية للنواب العرب في الكنيست، نرى أنها تشمل مناطق البلد كلها ومن دون استثناء، وبنسب قريبة من الوزن الديموغرافي لكل منطقة تقريباً باستثناء النقب، إذ إن نسبة النواب الذين يقطنون في منطقة الشمال هي 61,3%، ونسبة الذين يقطنون في منطقة المثلث هي 23,7%، ونسبة الذين يقطنون في مدن الساحل التاريخية وفي الأساس عكا وحيفا ويافا هي 9,7%، ونسبة الذين يقطنون في النقب هي 5,4% وهي الأقل بين سائر المناطق بالنسبة إلى عدد السكان. ومثلما يعكس الرسم البياني رقم 5، فإن هنالك مدناً وقرى لديها تمثيل قوي في قائمة النواب، وأُخرى أقل، فالناصرة، ومثلما هو متوقع، تتصدر القائمة لأنها المدينة العربية الأكبر وتُعتبر عاصمة المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، تليها الطيبة وهي المدينة الأكبر في منطقة المثلث الجنوبي، والتي ينحدر منها 8 من النواب العرب، ثم وبشكل مفاجىء لجميع المعطيات، تحتل قرية بيت جن الموقع الثالث، وهي قرية صغيرة في جبال الجليل. واللافت للنظر أنه وعلى الرغم من أننا نتحدث عن قرية درزية أنماط التصويت فيها أقرب إلى المجتمع اليهودي منها إلى المجتمع العربي، فإن اثنين من أصل خمسة نواب يمثلون أحزاباً عربية غير صهيونية، الأمر الذي يدل على أن التمثيل في الأحزاب العربية لم يأخذ بشكل طوباوي الوزن الديموغرافي لمركبات المجتمع العربي كعامل أساسي في توليفة القائمة المشتركة التي تتنافس في الانتخابات في الكنيست، بقدر ما نبع التمثيل من الحراك العفوي داخل الأحزاب العربية، وهو ما يدل على مميزات القيادة وترفّعها عن الانصياع إلى التركيبة الديموغرافية الطائفية، والتي شكلت "عقب أخيل" لهذا المجتمع الذي تم استغلاله من طرف الدولة الإسرائيلية في سياسات "فرّق تسد" التي تتّبعها من أجل شق صف المجتمع العربي، والحد من إمكان نشوء قيادة قطرية قادرة ولها بعد تمثيلي حقيقي.

 

الرسم البياني رقم 5

 

التعددية العقائدية والأيديولوجية والحزبية

على خلفية التغييرات الديمـوغرافية الجارية في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، تتطور تيارات فكرية اجتماعية وسياسية جديدة ترتبط بخصائص اجتماعية متفردة، في مقدمها الانتماء الفلسطيني والأصلانية والثقافة والدين الإسلاميان. وممّا لا شك فيه أن هذه التيارات الفكرية ترتبط بنمو الطبقة الوسطى في هذا المجتمع، وما النخبة السياسية والفكرية الجديدة إلّا انعكاس للتباينات العقائدية والمشارب الأيديولوجية في المجتمع، وهو انعكاس يُظهر تعددية هذا المجتمع. وقد قمنا بمحاولة إظهار هذه التعددية في النخبة السياسية المتمثلة في النواب العرب منذ سنة 1948 حتى اليوم من خلال عاملين مهمين: الأول، الانتماء الأيديولوجي مثلما يظهر في الرسم البياني رقم 6؛ الثاني، نسبة التدين مثلما هي الحال في الرسم البياني رقم 7.

 

الرسم البياني رقم 6

 

يُظهر الرسم البياني رقم 6، أن النواب العرب منقسمون إلى معسكرين أساسيين: الأول، هو ممثلو الأحزاب العربية والعربية – اليهودية، وبالتالي غير الصهيونية، والثاني، هو قطاع ممثلي الأحزاب الصهيونية الذين تتحدر أغلبيتهم من الطائفة الدرزية، ويجري انتخابهم بأصوات غير عربية على الأغلب.

أمّا فيما يتعلق بنسبة التدين، فإننا نرى تغيرات من شأنها أن تدل على ما يجري في المجتمع بأكمله، وعلى أن النواب العرب يمثلون قطاعات مجتمعية متباينة ومختلفة، مثلما يُظهر الرسم البياني التالي رقم 7. كما أن دخول الحركة الإسلامية أو جزء منها في المعترك السياسي القُطري ينعكس في كون ما يتراوح بين 20% و25% من النواب هم من المتدينين.

 

 الرسم البياني رقم 7

 

التمثيل النسائي

تضاف إلى هذه الصراعات مسألة مكانة المرأة والمساواة بين الجنسين، والتي تشكل قاعدة خلافات عميقة في المجتمع. فأعداد النساء اللواتي يُقتلن في كل عام تشكل مؤشراً واضحاً إلى الصراع الثقافي والاجتماعي الدائر في هذا المجتمع، لكن حالات القتل هذه ما هي إلّا غيض من فيض العنف البطريركي (الأبوي) الذي يتجسد في قمع النساء وإبعادهن عن الحيز العام. وعلى الرغم من الارتفاع المتواصل في أعداد النساء اللواتي ينخرطن في سوق العمل، ولا سيما في جهاز التربية والتعليم والخدمات الاجتماعية، فإن النساء ما زلن يعانين جرّاء الإقصاء عن محاور صنع القرار في الحكم المحلي وفي الأحزاب السياسية، فقلّة من النساء تنافس على رئاسة أو عضوية السلطات المحلية، أو على تمثيل أعلى في المؤسسات ذات البعد التمثيلي (نحو: القائمة المشتركة؛ لجنة المتابعة العليا؛ لجنة رؤساء السلطات المحلية)، وهو ما يُظهر أن الحيز العام ما زال ذكورياً في سواده الأعظم. ويتجلى هذا الواقع في المعطيات التي تظهر في الرسم البياني رقم 8، والتي تبيّن على نحو قاطع أن النساء استطعن أن يدخلن وكر الرجال السياسي في العقدين الأخيرين بنسبة ضئيلة جداً، إذ - في المعدل - لم تنجح إلّا امرأة واحدة في الحصول على مقعد في صفوف الأحزاب العلمانية، كما أنهن غبن حتى الانتخابات الاخيرة عن المشهد في الأحزاب الدينية أو المحافِظة. وهنا من المهم الإشارة إلى أن المرأة العربية الأولى التي نجحت في دخول الكنيست عضواً فيه كانت تمثل حزباً صهيونياً هو حزب ميرتس، وأن امرأتين اثنتين أُخريين من مجموع النساء العربيات دخلتا الكنيست ضمن إطار حزب العمل وحزب "كاحول - لافان"، كما أن هناك خمس نساء عربيات نجحن في الترشح ودخول البرلمان (في دورات انتخابية أُخرى تالية) من خلال الأحزاب العربية، مثلما يُظهر الرسم البياني رقم 8. وقد جرى تحليل الانتماء الجندري بناء على عدد أعضاء الكنيست العرب الذين دخلوا البرلمان، لكن ليس بحسب عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب، ولا سيما العربية بينها، وذلك بسبب المتغيرات التي جرت خلال مختلف دورات الكنيست، وعلى رأسها الكنيست العشرون.

 

الرسم البياني رقم 8

 

استناداً إلى الرسم البياني رقم 8، نرى أن التمثيل البرلماني بقي خالياً من النساء حتى سنة 1999، لكن نسبتهن بعد تلك السنة لم تتعدَّ 7,7% من مجمل أعضاء البرلمان العرب، أي 9 عضوات من مجمل 93 عضواً. إلّا إنه في الدورة الأخيرة من الانتخابات، أي في آذار / مارس 2020، تضاعف تمثيل النساء في القائمة المشتركة، ووصل إلى أربع عضوات من مجمل أربعة عشر عضواً عربياً، كما دخلت امرأة أُخرى إلى البرلمان من خلال حزب صهيوني، الأمر الذي يجعل عدد النساء يرتقي إلى خمس عضوات من مجمل سبعة عشر عضواً عربياً في الكنيست الـ 23. وعند النظر إلى مستوى النائبات العربيات التعليمي، نرى فرقاً لا يمكن التغاضي عنه مقارنة بالرجال، فمثلما يُظهر الرسم البياني رقم 9، فإن التحصيل العلمي للبرلمانيات العربيات أقل من نظيره لدى الرجال، وهو ما يعكس الوضع الاجتماعي العام، مع أن هذا الوضع قد يتبدل في العقود المقبلة، إذ إن نسبة الطالبات العربيات في الجامعات أعلى كثيراً من نسبة الطلاب الذكور.

 

الرسم البياني رقم 9

 

الأجيال الشابة

عند الحديث عن نخبة المجتمع وقياداته، لا بد من لفت الأنظار إلى عامل السن، فمن جهة أولى يكون متوقعاً أن تنحصر النخبة في أجيال متقدمة في السن، مثلما هي الحال في أغلبية المجتمعات البشرية، ومن جهة أُخرى، فإن التحولات الجارية على الأجيال الشابة، والبعد الشاسع والتباين بين الأجيال، يفرضان علينا أن نلفت النظر إلى مدى انخراط بعض الشباب في مراكز قيادية في المجتمع. وفي هذا الصدد، من المهم أن نشير إلى أن نمو جيل "النيو - ميديا" الجديد، والتغيرات التي تترتب على هذا الأمر على المجتمع العربي، ربما يفضيان إلى تغيرات في طابع القيادة العربية.

من المهم الإشارة إلى أن أي تحليل جيلي للمجتمع يطرح التساؤل بشأن الحد الفاصل الجيلي بين الشباب والكبار، وفي سبيل ذلك اتبعنا ما هو مألوف في أدبيات عدة: جيل الشباب حتى سن الخامسة والثلاثين، وجميع مَن تجاوزوا ذلك يمكن اعتبارهم جيل الكبار. وإذا نظرنا إلى متوسط أجيال النواب العرب على مدار الأعوام، نرى أن متوسط العمر، على الرغم من بعض التغييرات فيه، هو بين نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، الأمر الذي يعني أن هنالك تمثيلاً لا يستهان به لذوي متوسط العمر المنخفض، مثلما هي الحال في الكنيست الحالي (الثالثة والعشرون)، إذ إن هنالك شريحة شبابية تتمثل في ثلاث نساء في أواسط الثلاثينيات من أعمارهن.

 

الرسم البياني رقم 10

 

من المهم لفت النظر إلى أنه على الرغم من أن الوصول إلى مواقع قيادية يتطلب الوقت، وأن عامل السن لا يمكن أن يتحول إلى مقولة قائمة بحد ذاتها بشأن طبيعة النخبة وميزاتها، فإن ثمة علاقة بين السن وآليات التحشيد والحراك والقيادة في عصر تقوم فيه التكنولوجيا الرقمية بدور مهم جداً. فمن جهة، إذا واصلت القيادات التي تقف على رأس الهرم السياسي في أيامنا هذه المحافظة على أنماط الحراك المحافِظة السائدة في صفوفها، فإنها لا تستطيع تحشيد صغار السن في المجتمع، مثلما يتجلى في الحراكات في مناسبات وطنية، أو في الحراكات التي كانت المشاركة فيها واسعة النطاق من طرف جيل الشباب. ومن جهة أُخرى، فإن أبناء الجيل الجديد الذين لم يتبوأوا بعد مواقع قيادية رسمية يعملون ويتحركون في عالم يختلف عن عالم أهاليهم. والجيل الذي نقصده هنا هو الجيل الثالث للنكبة، والذي يتأثر بما يدور في العالم الرحب المفتوح عامة، وبما يدور في العالم العربي خاصة، فهذا الجيل القيادي يُحضر معه أنماط حراك اجتماعي، ولا سيما أنماط تواصل جديدة بين القادة والمنقادين، لا تؤخذ بعين الاعتبار على نحو كافٍ من طرف الأجيال المتقدمة والتي تحتل المراكز القيادية الأساسية في المجتمع. وممّا لا شك فيه أن الأجيال الشابة ستتمكن من استحداث أنماط سلوكية جديدة قد تنبثق منها أنماط قيادة جديدة، ومع أن الوقت ما زال مبكراً لاستشراف تأثيرها في المجتمع، إلّا إن التغاضي عن تأثيرها وأهمية العمل في انخراطها في العمل الاجتماعي والسياسي ربما يجرّ تبعات لا تُحمد عقباها.

 البنى التقليدية، الوحدة والقائمة المشتركة

من الواضح أن النخبة والقيادة التي جرى تحليلها بحسب المعطيات السابقة تدل على أنها متعددة ومتنوعة، وتعكس صورة عن التحولات الجارية في المجتمع الفلسطيني في الداخل بمجمله. وهذه التحولات مؤشر إلى أن النخبة والقيادة السياسية العربية، كما تجلت في قيادة الأحزاب وممثليها، في الكنيست، إنما هي قيادة تتبوأ مناصبها نتيجة تطابق مواصفاتها الاجتماعية على مستوى مدى الوحدة، القيمية والتفاعلية داخل النخبة من جهة، ومدى التفاضل الاجتماعي من جهة أُخرى، مع التطورات الاجتماعية الطارئة على المجتمع العربي بصورة عامة. وتُظهر التحليلات الكمية ليس مدى تمثيل القيادة فحسب، بل دينامية مميزاتها أيضاً، التي تلاءمت بمرور الزمن مع التحولات الجارية في محيطها الاجتماعي. ولهذا نرى أنها ليست انعكاساً للبنية الاجتماعية التقليدية التي تجلت في قيادات سياسية في السابق، مثلما أرادت لها السلطة السياسية الإسرائيلية، فنحن نتحدث عن أبناء وبنات الجيل الثاني للنكبة، الذين لا يتولون مناصبهم بإرادة الدولة، وإنما بعكس ما أرادته، وما مستوى دراستهم وثقافتهم إلّا دلالة على مدى صمود المجتمع الفلسطيني في الداخل. فعلى الرغم من جميع ما لحق بهذا المجتمع من ترهيب وقمع وكبت وسياسات "دقّ الأسافين" والإفقار الموجّه، فإننا ما زلنا نرى نخبة سياسية مثقفة تواجه تحدياتها وتشق طريقاً في أرض وعرة ما زالت قائمة وتتأزم يوماً تلو يوم جرّاء تفاقم العنصرية في أروقة المؤسسات الحكومية في إسرائيل.

وإذا كانت المواصفات الأساسية والتفاضل الاجتماعي يعكسان المحيط الاجتماعي للقيادات العربية، فإنه يصبح لزاماً علينا أن نتعامل مع نوعية التفاعل بين القيادة والمجتمع من أجل فحص مدى ونوعية التواصل بينهما كدليل إضافي على مدى تمثيل القيادة. والمفتاح للقيام بذلك يتعلق بتفحص نوعية العلاقة بين أنماط التصويت ومستوياته في المجتمع من جهة، وتجاوب القيادة مع توقعات جمهورها من جهة أُخرى. بعبارة أدق، علينا فحص سلوك الجمهور العربي في الانتخابات على مر الوقت كمؤشر إلى مدى رضاه عن القيادة، وفي مقدم ذلك تقبّله وتحمّله جدلية التنافس والوحدة داخل القيادة في مقابل شجبه وذمّه الاحتراب والتشرذم اللذين من شأنهما هدر الطاقات وإضعاف قدرتها على التأثير في الحقل السياسي الذي تعمل فيه.

إن نظرة أولية إلى أنماط التصويت تظهر بعض المميزات التي لا بد من التطرق إليها من أجل فهم العلاقة التبادلية بين القيادة وأتباعها. ويشمل الجدول أدناه نسبة التصويت منذ الكنيست الأول حتى انتخابات الكنيست الـ 23 في آذار / مارس 2020، وكذلك توزيع المقاعد بحسب الأحزاب في الكنيست. وبسبب ضيق المتسع لا يمكننا الخوض في تاريخ أنماط التصويت العربية لانتخابات الكنيست، لكن يكفي القول إن أنماط التصويت في العقود الثلاثة الأولى لقيام الدولة كانت خاضعة لاعتبارات تتعلق بالحكم العسكري وهيمنة حزب السلطة "مباي" على المجتمع العربي، من جهة، وإرادة هذا المجتمع في البقاء من جهة أُخرى (نيوبرغر وأهاروني وكبها ٢٠١٠)، ولهذا، إذا أردنا توفير تحليل عميق وديناميّ لتطور هذه العلاقة، فإنه يجب لفت الأنظار إلى ثلاث علامات تحوّل مهمة في العلاقة التفاعلية بين المجتمع العربي وقياداته المنتخبة:

التحول الأول يتعلق بحصول حزب غير صهيوني، وهو الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، على ما يفوق 50% من أصوات الناخبين العرب في انتخابات سنة 1977، الأمر الذي انعكس في إيصال ثلاثة ممثلين إلى الكنيست، وبالتالي، فإن عدد النواب العرب من حزب العمل وقوائمه تراجع في مقابل تصاعد في تمثيل أحزاب ترشح ممثلين حازوا ثقة المجتمع، وعلى رأسهم رئيس بلدية الناصرة حينذاك، توفيق زيّاد.

التحول الثاني كان في انتخابات سنة 1996، حين دخلت الحركة الإسلامية الجنوبية والتجمع الوطني الديمقراطي المعترك الانتخابي، وبالتالي وصل أعضاء النواب العرب المنتخبين في أحزاب عربية إلى ثمانية، الأمر الذي شكل قفزة نوعية في تمثيل المجتمع العربي وذلك في ثلاثة أطر حزبية ذات مرجعيات أيديولوجية وفكرية متعددة، تنافست فيما بينها على تمثيل هذا المجتمع. وعلى الرغم من هذا الارتفاع في عدد النواب العرب، فإن تعزيز التنافس بين مختلف الأحزاب لم يرفع نسبة التصويت في المجتمع العربي، وإنما على العكس، طرأ تراجع مستمر على نسبة المصوتين العرب، عبّر عن استياء وعدم ثقة المجتمع العربي بالمؤسسة السياسية الإسرائيلية بصورة عامة، وعدم رضى عن التناحر والاحتراب الأيديولوجي الدائرَين بين الأحزاب التي تمثله.

ولهذا، فإن التحول الثالث اللافت للنظر في دينامية العلاقة بين المجتمع العربي وقياداته هو الارتفاع الملموس والملحوظ في نسبة المصوتين العرب في انتخابات الكنيست الـ 20 في سنة 2015، والذي تزايد مع إقامة القائمة المشتركة وتجاوبها مع إرادة الجمهور ومطلبه الواضح استبدال التنافس الأيديولوجي والشخصي بوحدة حزبية ترفع من قدرة المجتمع العربي على التأثير في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وخصوصاً أن الأجندة المدنية لجميع الأحزاب العربية متشابهة.

من الواضح أن إقامة القائمة المشتركة تشكل عاملاً مهماً في فهم التفاعلية الآخذة في الارتفاع بين القيادة وجمهورها، فقد جرى التأكد من أهمية هذه التفاعلية، وعلى رأسها المطلب بأولوية الوحدة، وبالتالي التأثير الأقوى، على حساب الاختلاف الأيديولوجي والشخصي بين الأحزاب في انتخابات الكنيست الـ 22 في نيسان / أبريل 2019، عندما لم تستطع القيادات الحزبية الوصول إلى اتفاق بشأن تركيبة القائمة المشتركة، وخاضت الانتخابات في قائمتين منفصلتين، الأمر الذي أضعف التمثيل وإمكانات التأثير. وعلى خلفية ذلك تراجعت نسبة التصويت من 63,5% إلى 49%، وهو تراجع كبير شكل توجيهاً واضحاً من طرف جمهور المصوتين إلى القيادة لما هو متوقع منها. إن ارتفاع نسب التصويت من جديد على خلفية إعادة تشكيل القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست الـ 21 في أيلول / سبتمبر 2019 هو الذي يؤكد أن التفاعل بين القيادات السياسية والجمهور، يؤدي دوراً في تحديد نسب التصويت، وبالتالي تمثيل القيادة، وهذا ما حدث، إذ عادت وارتفعت نسبة التصويت إلى 60%، واستمرت في الارتفاع إلى 65% في آذار / مارس 2020. وشكلت هذه التغييرات الفارقة في نسب التصويت مؤشراً واضحاً إلى رضى الجمهور العربي عن إعادة تشكيل القائمة المشتركة، وتفضيله العمل المشترك على أساس أجندة مدنية مشتركة على حساب الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب، والشخصية بين القيادات. ومن الواضح أن الجمهور أبدى رؤيته في أداء القيادات بشكل واضح، ليس فيما يتعلق بنجاعتها في ترجمة عملها البرلماني إلى نتائج مادية مباشرة، وإنما بدأبها على تفضيل العمل المشترك من أجل ضمان الحظوظ الأكبر للتأثير في العملية السياسية برمّتها على حساب التنافس الأيديولوجي أو الشخصي. لقد أوضح الجمهور العربي أن التنوع في القيادة مستحسن ويعكس البنية الاجتماعية مثلما هو مطلوب، لكن لا يمكن لهذا التنوع أن يصبح عاملاً سلبياً في محاولات القيادة إحقاق حقوق هذا المجتمع، وخصوصاً في وقت تتم سحب الشرعية عنة، ومحاولة إقصائه عن عمليات اتخاذ القرار في الدولة.

 

جدول يظهر التمثيل ونسبة التصويت العربي منذ الكنيست الأول حتى الكنيست 23

الأحزاب الصهيونية اليمنية المتطرفة

إسرائيل بيتنا

أحزاب المركز الصهيوني

داش

كاديما

الأزرق أبيّض

القائمة المشتركة

الحزب الديمقراطي العربي

القائمة الموحدة

العربية للتغيير

الحركة التقدمية للسلام

التجمع الوطني الديمقراطي

الحزب الشيوعي

القائمة الشيوعية الجديدة

الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة

الليكود

حزب مبام

شينوي

راتس

محانية شيلي

ميرتس

القوائم العربية التابعة لمباي

حزب العمل

نسبة

التصويت

 

الكنيست والسنة

 

 

 

 

 

 

1 (22%)

 

 

2

69.3%

 

1949

 

 

 

 

 

2 (16%)

 

1

5

85.5%

 

 1951

 

 

 

 

 

2 (15%)

 

1

5

91%

 

 1955

 

 

 

 

 

1 (11%)

 

1

5

88.9%

 

 1959

 

 

 

 

 

2 (22%)

 

1

5

85.5%

 

 1961

 

 

 

 

 

2 (23%)

 

1

4

87.8%

 

 1965

 

 

 

 

 

2 (28%)

 

 

5

82%

 

 1969

 

 

 

 

 1

2 (37%)

 

 

4

80%

 

 1973

 

2

 

 

1

3 (50%)

 

1

1

75%

 

 1977

 

 

 

 

1

2 (47%)

 

 

2

69.7%

 

 1981

 

 

 

1

1

2 (32%)

 

2

1

73.7%

 

 1984

 

 

 

1

 

3 (33%)

1

1

2

75.5%

 

 1988

 

 

 

 

1

2

2

1

3

69.7%

 

1992

 

 

 

1

 

3

4

1

3

77.3%

 

 1996

 

 

 

2

1

2

5

1

2

75.2%

 

 1999

 

 

 

3

2

3

2

 

2

62%

 

 2003

 

2

 

3

 

2

4

 

2

56.3%

 

 2006

1

2

 

3

1

3

4

 

2

53.4%

 

 2009

1

 

 

3

 

3

4

1

1

57%

 

 2013

1

 

12

 

2

 

 

1

2

63.5%

 

 2015

 

1

 

2

1

3

4

1

 

49%

 

 2019

1

1

12

 

 

 

 

 

 

60%

 

 2019

1

1

14

 

1

 

 

 

 

65%

 

2020

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قبل إتمام هذا التحليل لا بد من الإشارة إلى أن نسب التصويت للقائمة المشتركة في البلدات العربية تشكل هي أيضاً مؤشراً واضحاً إلى العلاقة العضوية بين القائمة والمجتمع. فقد حصلت القائمة المشتركة على نسبة تجاوزت معدل 80% في أغلبية البلدات العربية في انتخابات أيلول / سبتمبر 2019، ووصلت في بعضها إلى 97% من نسبة المصوتين في انتخابات 2020. وفي مقابل هذا، فإن التراجع في نسب التصويت للأحزاب الصهيونية عندما تنافست القائمة المشتركة على أصوات الناخبين في سنة 2015، وفي أيلول / سبتمبر 2019، وفي آذار / مارس 2020 (مع الإشارة إلى أنه في الانتخابات التي جرت في نيسان / أبريل 2019، حصلت الأحزاب الصهيونية على قرابة 30% من أصوات المصوتين العرب)، يشكل مقياساً إضافياً إلى العلاقة لا التبادلية فحسب، بل العضوية أيضاً بين القيادات والجمهور، ومدى تمثيل هذه القيادات لإرادته. كما أن التراجع الجذري في نسب التصويت للأحزاب الصهيونية في المجتمع العربي، والتي كانت قد حصلت في السابق على نسبة لا يستهان بها من الأصوات وصلت إلى 52% في انتخابات 1992، و27,5% في انتخابات 2006، وتراجعت إلى نسبة 15% تقريباً في انتخابات 2020، يجعلنا نجزم بأن توحيد الصفوف فيما يتعلق بالرؤية المدنية إلى الأحزاب العربية ضمن القائمة المشتركة، أضاف إلى التمثيل الاجتماعي جانباً مهماً أضفى على القيادات السياسية شرعية تمثيل قاطعة، دحضت ادعاءات الأحزاب الصهيونية الحاكمة بأن القيادات العربية، وعلى رأسها النواب العرب، تمثل إرادة الجمهور العربي.

 الخلاصة

إن التباين الاجتماعي - الاقتصادي الذي يميز النخبة والقيادة السياسية التي نمت في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل في العقود الأخيرة، مثلما أشرنا إليها في المعطيات السابقة، يدل على كونها قيادة لها قوتها التمثيلية بالمفهوم الاجتماعي الواسع والمتعلق بتماثل الخصائص الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بينها وبين مجتمعها، إذ يبدو أن القيادة تستمد من هذا التماثل الاجتماعي بعضاً من شرعيتها، علاوة على الجانب القِيَمي - الأيديولوجي المنعكس في تمثيلها المشارب الفكرية والعقائدية للجمهور وطموحاته. وقد نجحت القيادة السياسية، في الأعوام الأخيرة، في التجاوب مع متطلبات محيطها، وفي تجاوز بعض العقبات التي فرضتها السلطة للمسّ بها، مثلما حدث عندما رُفعت نسبة الحسم في إطار ما سُمي "قانون الحوكمة" الذي هدف إلى الحد من قدرة التمثيل السياسي العربي في الكنيست. ونجحت هذه القيادات في التغلب على التباينات والخلافات بينها، وفي تأسيس "القائمة المشتركة" قبيل انتخابات الكنيست العشرين (آذار / مارس 2015)، وهو ما تجاوب مع مطلب جماهيري قديم لم تنجح الأحزاب في تلبيته في السابق. وعلى الرغم من الولادة العسيرة للقائمة وتعثّر طريقها لأسباب تتعلق بالتنافس الداخلي بين مركباتها، إذ إنها تضم أربعة أحزاب عربية تختلف فيما بينها في كثير من المناحي، فإن القائمة المشتركة تمكنت من الحصول على أغلبية أصوات الناخبين العرب في انتخابات سنة 2015، وكذلك في انتخابات أيلول / سبتمبر 2019، ثم في انتخابات آذار / مارس 2020، وأثبتت مجدداً أنها تمثل إرادة المجتمع. وليس الارتفاع المتواصل في نسبة التصويت للقائمة المشتركة إلّا دلالة قاطعة على أنها تجسد على نحو جيد الكفاءات السياسية والوزن الجماهيري والأخلاقي الكبير للقيادة في عيون ناخبيها.

ومع ذلك، فإنه لا بد من التذكير بأن عملية التفاعل القصيرة نسبياً بين القائمة المشتركة وجمهورها تدل على أن دعمها يبقى مشروطاً وخاضعاً لقناعة جمهورها بأنها تبذل الجهود اللازمة كلها من أجل محاولة التأثير القصوى في مجرى حياتهم، وفي مواجهة سياسات الإقصاء والتهميش التي تقوم بها الأحزاب اليمينية ذات النزعة القومية المتطرفة التي تسيطر على الدولة ومؤسساتها ومواردها، وفي تعطيل إمكان استمرار الحكومات اليمينية في تنفيذ سياساتها العنصرية تجاه المواطنين الفلسطينيين من جهة، وتجاه الفلسطينيين القابعين تحت احتلال 1967 من جهة أُخرى، الأمر الذي يعني أن القائمة المشتركة هي آلية سياسية قيمتها الجوهرية تتعلق بمدى رضى الجمهور عنها كممثلة لهويتهم المهددة ومصالحهم التي تعاني جرّاء الإجحاف والتمييز. وفي حال لم تتصرف قيادات القائمة بالشكل المتوقع منها، فمن الجائز أن تفقد ثقة الجمهور حتى إن كانت مواصفات قيادتها تعكس الفئات الاجتماعية المتنفذة في المجتمع. إن ائتلاف الأحزاب العربية في قائمة برلمانية مشتركة هو هدف استراتيجي بكل ما يتعلق بالهوية والانتماء، وآلية سياسية بما يتعلق بالحراك داخل المؤسسة السياسية الإسرائيلية، ولهذا، تشكل القائمة المشتركة آلية ناجعة ومحبذة للجمهور الذي أبدى دعمه لها بنسب عالية في ثلاث دورات انتخابات، مؤكداً أنها تعبّر عمّا يتوق إليه في نضاله ضد سياسات الإقصاء والتهميش.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن التباين بين أطراف القيادة السياسية ما زال قائماً على المستوى القِيَمي، وهو ينعكس في الصراع على تركيبة قائمة المرشحين للكنيست وشخصنة التمثيل السياسي، وهما العاملان اللذان يعكسان هشاشة الوحدة في القائمة المشتركة، مع أنها تحمل في طياتها تغيراً مهماً مقارنة بالتشتت الحزبي والصراع الفكري اللذين ميزا العقود الثلاثة التي سبقت هذه الوحدة. ومن الممكن الجزم بأن للتفاضل الاجتماعي المتصاعد في النخبة السياسية العربية مردوداً إيجابياً يساعد في خلق تشابه بين مختلف مركباتها، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في رفع منسوب التوافق بينها، لكن إذا أخذنا المركب القِيَمي كعامل مهم لدينامية العلاقات داخل النخبة، فإن الانقسام الأيديولوجي يبقى عاملاً مهماً في التوترات القائمة لا يمكن للقائمة المشتركة التستر عليه أو التغاضي عنه. ولهذا، إذا كان النموذج المهيمن في علاقات الأحزاب العربية في السابق هو الانقسام وعدم القدرة على جسر الاختلافات الأيديولوجية والحزبية والشخصية، فإن القائمة المشتركة هي معادلة سياسية مهمة قادرة على تمثيل المشارب الفكرية والعقائدية في المجتمع، وفي الوقت نفسه تفضيل الأجندة السياسية المشتركة للأحزاب العربية كافة.

ويبدو أن المزج بين التعبير عن التفاضل الاجتماعي والرؤى العقائدية من جهة، والتفاعل البناء مع إرادة الجمهور من جهة أُخرى، هو العامل الأساسي في القوة التمثيلية للقائمة المشتركة، ومع ذلك، فإن تحليلنا السالف لا يعني أن هنالك ضمانة مؤكدة لبقاء القائمة المشتركة في جميع الظروف، كونها آلية سياسية، وفي السياسة لا توجد مقدسات، لكنها على الرغم من ذلك، تشكل نموذجاً لبناء أطر سياسية لإدارة بنية الفرص القائمة بشكل عقلاني، والتعامل مع التحديات الجاثمة، مثلما هو متوقع من قيادة أقلية قومية تعاني خضوعاً هيكلياً وسياسة إقصائية. وبعيداً عن الرومانسية، وبناء على ما ورد حتى الآن، فإن من الجائز القول إن بقاء القائمة المشتركة منفتحة على التغييرات والتبدلات الجارية في المجتمع، وحفاظها على علاقة تفاعلية مع جمهورها، لا يؤكدان بقائها فحسب، بل نجاعة السياسة العربية أيضاً، في فرض إرادتها بالتدريج على المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وبالتالي زيادة التأثير في صوغ سياساتها تجاه المجتمع الذي تمثله.

 

قائمة المراجع

بالإنجليزية

Burns, James MacGregor (1978). Leadership. New York: Harper and Row Publishers. 

Crossan, Mary & Dusya Vera & Len Nanjad (2008). Transcendent Leadership: Strategic Leadership in Dynamic Environments. The Leadership Quarterly, vol. 19, no. 5, pp. 569–581. 

Foucault, Michel (1995). Discipline and Punish: The Birth of the Prison. Translated by Alan Sheridan. New York: Vintage Books. 

Higley, John & György Lengyel, eds. (2000). Elites after State Socialism: Theories and Analysis. Lanham, Maryland: Rowman & Littlefield Publishers. 

Higley, John & Jan Pakulski (2012). Elites, Elitism and Elite Theory: Unending Confusion? Paper Prepared for Research Committee on Political Elites. World Congress of the International Political Science Association, Madrid, https://tinyurl.com/y86wy782 

House, Robert & Mansour Javidan & Paul Hanges & Peter Dorfman (April 2002). Understanding Cultures and Implicit Leadership Theories across the Globe: An Introduction to Project GLOBE. Journal of World Business, vol. 37, issue 1, pp. 3-10. 

Jamal, Amal (2019). Ontological Counter-Securitization in Asymmetric Power Relations: Lessons from Israel. International Studies Review, pp. 1-25, doi: 10.1093/isr/viz057 

Khan, Shamus Rahman (August 2012). The Sociology of Elites. Annual Review of Sociology, vol. 38, pp. 361–377. 

Mann, Michael (1986). The Sources of Social Power: A History of Power from the Beginning to A.D. 1760. Cambridge: Cambridge University Press. 

Mills, C. Wright (1959). The Sociological Imagination. New York: Oxford University Press. 

Mosca, Gaetano (1939). The Ruling Class (Elementi di Scienza Politica). Translated by Hannah Kahn. Edited by Arthur Livingston. New York: McGraw-Hill Book Company. 

Oc, Burak (February 2018). Contextual Leadership: A Systematic Review of How Contextual Factors Shape Leadership and its Outcomes. The Leadership Quarterly, vol. 29, issue 1, pp. 218-235. 

Pitkin, Hanna F. (1967). The Concept of Representation. Berkeley, California: University of California Press. 

Rehfeld, Andrew (February 2006). Towards a General Theory of Political Representation. The Journal of Politics, vol. 68, no. 1, pp. 1-12. 

Sun, Peter Y. T. & Marc H. Anderson (2012). Civic Capacity: Building on Transformational Leadership to Explain Successful Integrative Public Leadership. The Leadership Quarterly, vol. 23, pp. 309–323. 

Wedel, Janine R. (September-November 2017). From Power Elites to Influence Elites: Resetting Elite Studies for the 21st Century. Theory, Culture & Society, vol. 34, issues 5-6, pp. 153-178. 

Winters, Jeffrey A. (2011). Oligarchy. Cambridge: Cambridge University Press.

 بالعبرية

أندبلد، م.، ود. غوطليب، وأ. هيلر، ول. كراد (2019). "حجم الفقر والفجوات الاجتماعية، تقرير سنوي 2018". القدس: مؤسسة التأمين الوطني، في الرابط الإلكتروني. 

حداد حاج - يحيى، نسرين (2017). "المجتمع العربي في إسرائيل: صورة اجتماعية – اقتصادية ونظرة إلى المستقبل". القدس: المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. 

عزيز، حيدر. (2018). "الجوانب السياسية لحياة العرب في إسرائيل". القدس: معهد فان لير، وهكيبوتس هميئوحاد. 

مجلس التعليم العالي (2013). "تعددية ومساواة الفرص في التعليم العالي: توسيع منالية الأكاديميا للعرب والدروز والشركس في إسرائيل"، في الرابط الإلكتروني. 

مجلس التعليم العالي (2018). "ازدياد عدد الطلاب من المجتمع العربي"، في الرابط الإلكتروني.

 نيوبرغر، بنيامين ورؤوفين أهاروني ومصطفى كبها (٢٠١٠). "المجتمع العربي في إسرائيل: الأحزاب والانتخابات، القيادة والإعلام". رعنانا: الجامعة المفتوحة.

السيرة الشخصية: 

أمل جمال: أستاذ الفكر والاتصال السياسي في جامعة تل أبيب.