تراث الترامبية: كفاح الخير ضد الشر
نبذة مختصرة: 

تحتاج الأعوام الأربعة التي قضاها دونالد ترامب في سدّة الحكم في الولايات المتحدة إلى دراسة عميقة، انطلاقاً من الأسباب التي دفعت الناخب الأميركي إلى التمرد على المنظومة الحزبية الكلاسيكية واختيار شخص من خارجها، حتى إن كان يحمل المفاهيم الاقتصادية ذاتها. لقد كانت فترة الأعوام الأربعة تلك كافية لإطلاق مفهوم "الترامبية" على منظومة التصرفات التي قامت بها إدارة ترامب، والتي تسعى هذه المقالة لمقاربتها من خلال وضع نبذة شخصية عن ترامب الذي كان واحداً من قلّة بين الرؤساء الأميركيين الذين فشلوا في البقاء دورة ثانية في البيت الأبيض، واللافت أنه خسر أمام المرشح الديمقراطي نائب الرئيس السابق جو بايدن الذي يمثل الكلاسيكية الحزبية الأميركية.

النص الكامل: 

نسجت الأساطير الأميركية وصفاً لأميركا صوّرها على أنها أعظم وأفضل ديمقراطية في تاريخ البشرية. وانطلاقاً من هذا المنظور، يُنظر إلى أميركا على أنها شعب الله الجديد المختار المكلف بتأسيس "المدينة على التل"؛ المدينة المشرقة المقدر لها أن تغمر بنورها سائر البشر من خلال نشر الحرية على مستوى العالم. وبناء على ذلك، وبفضل العناية الإلهية، تأسست أميركا باعتبارها "القدس الجديدة" والأمة الاستثنائية التي لا غنى عنها على وجه الأرض.

فهذه الصيغة توفر بعداً أسطورياً قوياً، لكنها مبنية على العديد من حالات الاستثناء والإقصاء، ذلك بأن تأسيس الجمهورية الأميركية بُني على "الخطيئة الأولى" المتمثلة في إبادة السكان الأصليين (الأميركيون الأصليون)، وعلى نظام العبودية. لذلك من الضروري أن ترتكز أي مناقشة بشأن تاريخ التجربة الأميركية وحاضرها، إلى تقاطع العرق والطبقة (والنوع الجنسي). ويمكن لمثل هذا النهج أن يرفدنا برؤى مفيدة في فهمنا لظاهرة الترامبية (trumpism).

أعلن روبرت رايخ، وزير العمل السابق خلال ولاية كلينتون الرئاسية الأولى، وهو حالياً أستاذ السياسة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، بلهجة المنتصر على نحو ما، أن دونالد ترامب "هو تاريخياً الرئيس الوحيد الذي تعرّض لمحاكمة لعزله، وخسر التصويت الشعبي مرتين، وستقتصر ولايته على رئاسة واحدة" (منشور في فيسبوك). لكنه حصل على أكثر من 73 مليون صوت في مقابل نحو 79 مليون صوت لجو بايدن، وبالتالي لا يجب اعتبار هذه الهزيمة الانتخابية هزيمة للترامبية.

دونالد جونيور ترامب يمثل أشياء كثيرة. إنه رجل محتال لا يحمل أفكاراً أو أيديولوجيات ثابتة؛ مصلحته المركزية تتمثل في تحقيق مصلحته الذاتية، وبصفته ديماغوجياً شعبوياً مغامراً، فقد استخدم كراهية الأجانب – مثل معاداة المسلمين ومناهضة الهجرة – وأجّج نزعة التمييز العرقي لدعم تفوق البيض، والحرب الطبقية. فشعاره "أميركا أولاً" يرتكز على العنصرية الصريحة المقترنة بكراهية النساء وبالنرجسية. لقد ادعى احتكار الحقيقة بمفرده، وأي فكرة تختلف معه ينعتها بأنها أخبار مزيفة. إنه يقدم نفسه لقاعدته السياسية بصفته القائد القادر على حل جميع مشكلاتهم، وبالتالي فإنه لا غنى لهم عنه. إنه صاحب الكلمة الفصل بشأن ما هي الحقيقة التي تقوم على نشر الأكاذيب، كما ترتكز حقيقته في كثير من الأحيان على نظريات المؤامرة التي تندد بالقوة الخفية لـ "الدولة العميقة". خصومه السياسيون والصحافيون هم أعداء الشعب الذين يستحضرون مشكلات لا وجود لها، ومنها على سبيل المثال وباء كوفيد - 19 الذي يعدّه "خدعة"، أو يسميه "الفيروس الصيني".

وكي يتمكن دونالد ترامب من تبوّؤ المشهد السياسي الأميركي على المستوى الوطني، فإنه استفاد من حملته التي شككت في صحة شهادة ولادة باراك أوباما على التراب الأميركي فيما عُرف باسم "بيرثريزم" (Birtherism)، وغرست في اللاوعي التحذير من جذوره الإسلامية من خلال التشديد على اسم أبيه حسين، ثم جعل "الإسلاموفوبيا" تتصدر المشهد. لقد قدم نفسه على أنه الشخص الوحيد القادر على حل مشكلات أميركا، فهاجم المهاجرين، واقترح أجندة "أميركا أولاً" التي يمكنها "جعل أميركا عظيمة من جديد"، وهاجم الأحزاب السياسية الكبرى ووصفها بأنها فاسدة، وهي نقطة لاقت صدى لدى قطاعات كبيرة من الناخبين الأميركيين في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016. وقد استقبلت الفئات التي خسرت مصادر رزقها سلوكه الفاضح ولغته البذيئة كدليل على أنه يمثل مصالحها المنسية. ففي حملته في سنة 2016، عارض "التجارة الحرة" وانتقد التزامات أميركا الخارجية، بما في ذلك الحربان اللتان خاضتهما في العراق وأفغانستان، وأثنى على الضمان الاجتماعي وخدمة ميديكير للرعاية الطبية. لقد ارتكزت حملته على النزعة الحمائية والانعزالية وكراهية الأجانب.

إن نزعة ترامب الشعبوية هي ردة فعل على تجاوزات العولمة النيوليبرالية وآثارها السلبية في الطبقة العاملة الأميركية. لقد تبنّت مارغريت تاتشر النيوليبرالية كأيديولوجيا ورعتها في المملكة المتحدة، وكذلك فعل ريغان في الولايات المتحدة. وتضمنت السياسات النيوليبرالية تحرير الأسواق والخصخصة والتدفق الحر لرأس المال المالي وتيسير عمل الشركات التجارية وتقليص المزايا المالية والاجتماعية وخفض الإنفاق العام على السلع العامة والسيطرة على العمل (إضعاف النقابات) والتخفيضات الضريبية وقيود العملة غير المقيدة. واتبعت الإدارات الديمقراطية (كلينتون وأوباما) هذه السياسات أيضاً، وقد انعكس ذلك في توقيع الاتفاقيات التجارية التي قوّضت العمالة في الولايات المتحدة وخارجها. وتكشفت هذه السياسات مع تحول الرأسمالية الأميركية من التصنيع إلى توسع الرأسمالية المالية أو الأمْوَلة، إذ أجازت هذه السياسات مجتمعة للشركات متعددة الجنسيات نقل مراكز إنتاجها إلى أماكن تضمن عوائد عالية على استثماراتها. وإلى جانب الابتكارات التكنولوجية الكبرى، فإن هذه التغييرات النيوليبرالية جعلت قطاعات كبيرة من الطبقة العاملة غير ضرورية، الأمر الذي أدى إلى أن تسوء حياتهم وقدرتهم على كسب الدخل على نحو كبير.

لقد هيأ هذا كله الساحة أمام الخطابات الشعبوية. فإلى يسار المشهد، شجب بيرني ساندرز قوة النخبة المالية التي تمثل 1% من السكان، بينما إلى اليمين، ظهر ترامب كمنقذ للطبقة العاملة الأميركية التي تتعرض مكانتها ومكاسبها للانهيار. إن صعود ترامب مرتبط بتصاعد العنصرية التي عرف كيف يستخدمها على نحو فاعل: توجيه الإحباط الاقتصادي الذي يعتري الطبقة العاملة في الاتجاه الخطأ؛ تدهور المعايير الديمقراطية؛ قدرة الخبراء على التلاعب بالرأي العام؛ وهذه أمور جعلت الناخبين الذين أغفلتهم النخبة من كلا الحزبين الرئيسيين يثورون، أو يقومون بانتفاضة حملت ترامب إلى سدة الحكم.

في الواقع، تسيطر المصالح المالية الكبرى على كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بحيث إن جماعات الضغط التابعة لهما تؤثر في نوع التشريعات التي يعتمدها النظام السياسي. وقد فشل هذان الحزبان في معالجة تنامي الظلم الاقتصادي، وفي الحقيقة، فإن النظام الرأسمالي الأميركي أكثر تفاوتاً من الأنظمة الرأسمالية السائدة في أوروبا وآسيا، فالنخب تتعامى عن الحياة الاقتصادية للناس العاديين وحاجاتهم، وأفضل طريقة لوصف الديمقراطية الأميركية هي أنها "أفضل ديمقراطية يمكن أن تُشترى بالمال." لقد حافظ كلا الحزبان على السوق لإضعاف قوة العمل. وفي كتابه الأخير بعنوان "النظام: مَن تلاعب به، وكيف يمكن إصلاحه" (The System: Who Rigged it, How to Fix it)، يسلط روبرت رايخ الضوء على إعادة تشكيل الاقتصاد السياسي الأميركي على مدار الأربعين عاماً الماضية. وفي مراجعة لهذا الكتاب وغيره من الكتب في دورية "ذا نايشن" (The Nation) (2 - 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2020)، يبيِّن نيكولاس ليمان حجة رايخ المركزية بشأن دور الحكومة التي تتعامل سياساتها "مع التجارة الحرة على أنها فضيلة مطلقة، وترى أن إرسال الوظائف إلى الخارج أمر لا مفر منه، وتقلص تنفيذ مكافحة الاحتكار والأشكال الأُخرى للتنظيم الاقتصادي، وتشجع الشركات على توجيه نفسها نحو الأسواق المالية بدلاً من العمال أو المجتمعات." لقد سعى الأوليغارشيون الجدد، مثلما يسميهم رايخ، لتحقيق مصالحهم من خلال هذه السياسات التي تزيد في تركيز السلطة السياسية والاقتصادية على حساب معظم المواطنين، وأدت تصرفات الأوليغارشية إلى تقويض الثقة الاجتماعية، الأمر الذي دفع القاعدة الشعبية المستاءة والمستبعدة إلى اعتبار ترامب منقذاً لها. ففي نهاية الأمر، وعلى الرغم من كونه ينتمي إلى النخبة، فإن الشخص القادم من خارج المشهد الحزبي هو الذي يمكنه تغيير النظام لمصلحتهم، أو هكذا فهموا، بل هو وحده الذي يمكنه إصلاح الضرر. وقد تبنّى ترامب في توجهه إلى القاعدة لغة شعبوية إلى جانب العبارات الصريحة التي تنمّ عن العنصرية وكراهية الأجانب الموجهة ضد السود وذوي البشرة السمراء، كما حذّر من المخاطر التي تشكلها "جحافل" المهاجرين القادمين إلى أميركا من بلاد "قذرة". وبدلاً من ذلك أعرب عن استعداده للترحيب بالمهاجرين من دول مثل النرويج (بيض البشرة). لقد كانت رسالته واضحة.

 ترامب والاستبداد

قبل أن ننتقل إلى تقاطع العرق والطبقة، دعونا نحدد بعض السمات الاستبدادية للترامبية. ترتكز رسالة ترامب الشعبوية على ادعائه بقوله: "أنا صوتك" و"أنا وحدي قادر على إصلاحه" [الصوت]. ومن خلال اعتماده هذه الصيغة، فإن حكمه، كرئيس، زاد في الميول الاستبدادية للنظام السياسي الأميركي. ففي كتابهما الصادر في سنة 2018، بعنوان "كيف تحتضر الديمقراطيات" (How Democracies Die)، يحدد ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبلات أربعة مؤشرات رئيسية لسلوك الاستبداديين: رفضهم القواعد الديمقراطية للعبة؛ إنكارهم الشرعية السياسية للخصوم السياسيين؛ تشجيعهم وتحريضهم على العنف السياسي؛ استعدادهم للحدّ من الحريات المدنية لخصومهم؛ وقد تجلى ذلك عند ترامب في تصنيفه الصحافة على أنها "عدو الشعب". وهذه السمات تحدد ملامح الترامبية مثلما ظهرت خلال فترة رئاسة دونالد ترامب (2016 - 2020): شكّل ترامب إدارة قوامها المتملقون الذين يكيلون له المديح، فهو لا يتسامح مع أي شكل من أشكال المعارضة، بل إن أولئك الذين يقولون الحقيقة للسلطة يُطردون على الفور؛ خرّب القانون من خلال تحويل وزارة العدل والنائب العام إلى فريق خاص به للدفاع عنه أمام القانون؛ أعلن صراحة ازدراءه للانتخابات، فالانتخابات الوحيدة الصالحة بالنسبة إليه هي تلك التي تضمن انتخابه وإعادة انتخابه، وإلّا فلا بد من أن تكون "مزورة"؛ حاول تقويض مبدأ فصل السلطات بين مختلف فروع الحكم الدستوري. وفي هذا الصدد، حثّ قاعدته السياسية على مهاجمة أعدائه السياسيين. ومن خلال هذه الممارسات، تمكّن ترامب من الحفاظ على قاعدته السياسية وتوسيعها، فحتى تخفيضاته الضريبية التي استفاد منها 1% فقط من الأميركيين لم تقوّض من مكانته بين مؤيديه السياسيين، بل إنه في الوقت نفسه، عزز ميوله المعادية للمهاجرين والأصولية والمناهضة للديمقراطية، فالحروب الثقافية والأيديولوجية فاعلة بالفعل.

تمكّن ترامب من خلال ميوله الاستبدادية من السيطرة على الحزب الجمهوري، الأمر الذي حوّل معظم السياسيين الجمهوريين المنتخبين إلى جوقة تشيد بخصاله. إنهم يخشون أن ينتقدوه مخافة أن يصبّ غضب قاعدته عليهم. وقد أشار آدم شاتز في دورية "لندن ريفيو أوف بوكس" (London Review of Books) الأدبية البريطانية[1] إلى أن ترامب "نجح ليس فقط في الاستيلاء على الحزب الجمهوري، لكن أيضاً في إثبات أن الاستياء الصريح وتنفيس الحقد ضد الأجانب وإدانة 'الخيانة' وتجنب الحوكمة بشكل أساسي، يمكن أن تكون، بالنسبة إلى ما يقرب من نصف السكان، أسلوب قيادة رئاسية مقبولاً، لا بل مثيراً للإعجاب. ومن خلال صبّ غضبه المدوي الهدام، أسس ترامب ارتباطاً قائماً تقريباً على الافتتان مع قاعدته التي، وفي ظل عدم احتكامها إلى أي منطق وتجاهلها في كثير من الأحيان مصالحها الاقتصادية الخاصة، وجدت تعويضاً عاطفياً في إشادته بـ 'غير المتعلمين' وإهانته 'نخبويي' الساحل الشرقي" الأميركي. هذه الكلمات هي تجسيد لجوهر خطاب ترامب الشعبوي المخادع والفاعل.

 العرق والطبقة

في كتابه الكلاسيكي الصادر في سنة 1948، "الطائفة والطبقة والعرق" (Caste, Class and Race)، عرّف أوليفر كوكس، عالم الاجتماع الأميركي الترينيدادي، العنصرية على أنها "التيسير الاجتماعي - المواقفي للعلاقات الاستغلالية العملية." كان ترامب بارعاً في استغلال مخاوف أولئك الذين يميلون إلى إدامة تفوق العرق الأبيض، وهو مفهوم ما زال راسخاً بعمق في المجتمع الأميركي. ويلاحظ روبن كيلي أن الخوف وانعدام الأمن يغذيان انعدام الأمن، ويضيف أنه في عهد ترامب، و"في مواجهة وباء عالمي والبطالة وانعدام اليقين واقتصاد على وشك الانهيار"، فإن خطابه عن فرض القانون والنظام، مهّد الطريق لحدوث ردة فعل عنيفة على تنامي الحركة المؤيدة للسود تحت شعار "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter)، محتضناً في المقابل خطاب القوة البيضاء.

خلال فترة رئاسته وحتى قبل ذلك، ربّى ترامب أنصاره على نحو ثابت على العنصرية والعنف. فقد أشاد بالنازيين الجدد، وفَصَل الأطفال عن أهلهم على حدود المكسيك، وأجاز استخدام العنف لتفريق الاحتجاجات تحت شعار "حياة السود مهمة" خارج البيت الأبيض. لقد أعاد إحياء شعار نيكسون عن "القانون والنظام" لقمع مقاومة أولئك الذين عبّروا عن غضبهم إزاء العنصرية المؤسساتية التي ترعاها الدولة - وهي حجر الأساس للسياسة الأميركية – من أجل تهدئة غضب البيض، والترويج لشعار "إعادة جعل أميركا بيضاء".

كتب الباحث الأسود أوتيس ماديسون أن "الغرض من العنصرية هو التحكم في سلوك البيض وليس السود، فالعنصرية تُستخدم لإدامة الاضطهاد الطبقي وتطبيعه." كما أن روبن د. كيلي، وهو أسود من كبار الباحثين في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، يرفض القول إن ترامب انتُخب في سنة 2016 كردة فعل عنيفة على رئيس أسود، ويضيف أنه "انتُخب بالأحرى كردة فعل عنيفة على حركة سوداء." ويشير إلى أنه في أثناء رئاسة أوباما، فإن عنف الشرطة - وهو مظهر من مظاهر العنصرية المؤسساتية - هو الذي قتل مايك براون وتامير رايس وتانيش أندرسون وفريدي غراي وآخرين، وأن الاحتجاجات التي تلت ذلك هي التي أطلقت حركة حياة السود مهمة. ويلاحظ كيلي أن هذه الحركة "كانت تمرداً جماعياً ضد انعدام القانون في الدولة - في فيرغسون وبالتيمور وشيكاغو ودالاس وباتون روج ونيويورك ولوس أنجلوس وأماكن أُخرى، أدى إلى ردة الفعل الترامبية العنيفة."[2] وفي أعقاب مقتل جورج فلويد، وبدلاً من تضميد جروح الأمة من خلال تشجيع مواجهة الأمر على المستوى الوطني وإحلال العدالة العرقية، دافع ترامب عن العنصريين والمنادين بتفوق البيض، وتذرع بـ "القانون والنظام"، وهي دعوة تكرس الظلم العنصري وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. ويؤكد المفكر والشخصية العامة المعارضة كورنيل ويست أن "الضغط على رقبة جورج فلويد حتى الموت على مرأى من الجميع أماط اللثام عن هويتنا الحقيقية."[3]

خلال الحملة الانتخابية في سنة 2020، قدّم ترامب نفسه على أنه مخلّص النساء البيضاوات البشرة من المعتدين السود. ويلاحظ كورنيل ويست أن العنصرية تساهم في إدامة خوف البيض، وأن "65% من الإخوة البيض صوّتوا لترامب، و50% من الأخوات البيضاوات. هذا هو نوع البلد الذي نعيش فيه." لقد صوّتوا له مع أن "الجميع يعرف أنه مصاب بداء الكذب وكراهية الأجانب." ويضيف أن ترامب أقنع كثيراً من الناس (73 مليوناً صوتوا له في سنة 2020، أي بزيادة 10 ملايين عن سنة 2016) بأنه الرجل القوي القادر على إنقاذ أميركا.

ببساطة، فإن ترامب والترامبية متأصلان في القوة المستديمة لفكرة تفوق البيض، والتي جعل منها مسألة عادية من خلال استخدامها في خطاباته النارية وسياساته. وحدث هذا كله في سياق العولمة النيوليبرالية التي قوضت وأضعفت العمل المنظم - جرّاء انكشاف عمليات تراجع التصنيع في الاقتصاد الأميركي - والتي أضرت بالطبقة العاملة وأصحاب المهن اليدوية من غير حملة الشهادات. لقد نجح ترامب في تعبئة استيائهم الاقتصادي وغضبهم الطبقي، وربط هذا الغضب بنظريات المؤامرة العنصرية التي تروج لتفوق البيض. وهذه الأفكار من شأنها أن تزدهر في عالم وسائل التواصل الاجتماعي غير الخاضع للرقابة، وفي تغريدات ترامب في تويتر.

 ملاحظة أخيرة

خسر دونالد ترامب أمام الرئيس المنتخب جو بايدن، لكنه يدّعي أن الانتخابات سُرقت وتعرضت للتزوير. ولا يزال حلفاؤه السياسيون يخافونه، وهم بالتالي يتجنبون توجيه أي انتقاد علني إليه.

فهل ستستمر الترامبية في الهيمنة على المشهد السياسي الجمهوري والأميركي؟ إذ على الرغم من خسارته الانتخابات، فإنه وسّع قاعدته بعشرة ملايين ناخب إضافي، كما أن حزبه ما زال يسيطر على مجلس الشيوخ، وقد كسب مقاعد في مجلس النواب. وهل سيتلاشى ترامب والترامبية مع الوقت، أم إن رؤيته وفكرة تفوق البيض ستستمران في السيطرة على السياسة الأميركية؟

ليس لديّ إجابة عن هذين السؤالين، لكن يمكنني التفكير في سيناريوهين بديلين محتملين [يمكن من خلالهما الاستدلال على أجوبة محتملة]: لقد أدى قتل جورج فلويد في خضم جائحة عالمية إلى نشوء مقاومة هائلة للعنصرية والتعصب القومي، وبدا أن الناس على اختلاف مشاربهم (الطبقية والعرقية والنوع الاجتماعي) قد أيقظوا ضمير الأمة. ففي جميع أنحاء البلد، وفي أجزاء أُخرى كثيرة من العالم، لقيت الدعوة إلى التضامن ودعم العدالة بين الأعراق تجاوباً للمطالبة بإنهاء العنصرية المؤسساتية. ويمثل هؤلاء المتظاهرون معاً طيفاً يبشّر بالأمل والعدالة والحرية، فهل ستطغى أصواتهم على الخطاب العنصري الذي يروج له ترامب والترامبية؟ أتمنى ذلك، لكني أخشى انتقام الترامبية.

 

*هذه المقالة خاصة بـ "مجلة الدراسات الفلسطينية"، وهي أصلاً باللغة الإنجليزية بعنوان: “The Legacy of Trumpism: The Struggle of Good versus Evil”.

ترجمة: صفاء كنج.

 

المصادر:

[1] انظر:

 Adam Shatz, “Why Go High? America’s Defective Democracy”, London Review of Books, vol. 42, no. 22 (19 November 2020)

[2] انظر:

Robin D. G. Kelly, “Births of a Nation, Redux,” Boston Review (November 5, 2020);

Daniel Geary, Camilla Schofield and Jennifer Sutton, “Toward a Global History of White Supremacy”, Boston Review (October 16, 2020).

[3] Hugh Muir, “Cornel West: (George Floyd's Public Lynching Pulled the Cover off Who We Really Are)” (The G2 interview), The Guardian (Monday, 19 October 2020).

السيرة الشخصية: 

نوبار هوفسيبيان: أستاذ في العلوم السياسية في جامعة تشابمان – أورانج، كاليفورنيا.