وفق معلومات متعددة نشرت قبل أشهر، تنوي السلطات الإسرائيلية إقامة مشروع سياحي وتجاري وسكني ضخم في حي "وادي الجوز" الواقع على بعد أقل من 200 متر شمالي المسجد الأقصى، مكان المنطقة الصناعية أو منطقة الكراجات. ويذكر أن هذا المشروع الذي تم وضعه سنة 1994 تضمن مخططات تهويد للمدينة المقدسة، بهدف استغلال جميع مناطق حي وادي الجوز البالغ مساحتها 2000 دونم.
وقد وافقت لجنة التخطيط والبناء المحلية في بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة في الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي 2020 على خطة رئيسية لما سُمي "تطوير" منطقة وادي الجوز في القدس العربية المحتلة، بما في ذلك "تطوير" منطقة التكنولوجيا الفائقة "وادي السيليكون"، بحسب ما أعلنته بلدية الاحتلال. وكجزء من البرنامج، سيتم إخلاء المستأجرين من نحو 200 مبنى صناعي مملوك لفلسطينيين وهدمها، بينما سيتم نقل الأعمال التجارية إلى مجمعات في العيسوية وأم طوبا في القدس الشرقية.
وسيتم تحويل شارع وادي الجوز إلى "منطقة توظيف متقدمة"، بهدف إنشاء منطقة صناعية عالية التقنية في الحي، إذ سيتم بناء نحو 900 غرفة فندقية كجزء من الخطة أيضاً.
وتشمل منطقة المخطط أيضاً افتتاح حديقة بالقرب من وادي قدرون إلى الشرق من البلدة القديمة من القدس، وسيبدأ "تطوير" الحديقة في غضون ثلاثة أشهر، ومن المتوقع أن يستغرق عامين، وقد يمتد القطار الخفيف أيضاً إلى الحي.
استكمال تهويد القدس العربية
لم يعد الأمر خافياً على أبناء القدس المحتلة التي تم عزلها عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي منذ آذار/مارس 1993، واستكمل عزلها بشكل محكم بالانتهاء من بناء جدار التوسع الاحتلالي سنة 2007. ويأتي مشروع تهويد وادي الجوز ضمن استكمال تهويد المدينة المقدسة الذي لم يتوقف يوماً واحداً منذ وقوعها تحت الاحتلال في حرب حزيران/يونيو 1967 العدوانية. فمعروف أن جرافات الهدم الاحتلالي باشرت ثاني أيام الحرب هدم ساحة البراق -الحائط الغربي للمسجد الأقصى- وامتد الهدم إلى حارة المغاربة، وقد شمل 1012 بيتاً تاريخياً، بما في ذلك مساجد ودور علم، وتشريد ساكنيها الذين يبلغ عددهم نحو 6000 شخص، لبناء حي استيطاني يهودي داخل أسوار المدينة المقدسة.
فرض سياسة الأمر الواقع بالقوة
ثم شرع المحتلون بمصادرة الأراضي الفلسطينية لبناء مستعمرات تحيط بالمدينة المقدسة إحاطة السوار بالمعصم، وحشدوا مئات آلاف المستوطنين فيها لإيجاد خلل ديموغرافي وفرض سياسة الأمر الواقع؛ فأقاموا مستعمراتهم من الجهة الشمالية على منطقة الشيخ جراح، وجبل المشارف، والعيسوية، وشعفاط، وبيت حنينا، وحزما، والرام، وقلندية، وبيت إكسا والنبي صمويل، وفصلوا بها القدس عن شمال الضفة بدءاً من مدينتي البيرة ورام الله. ومن الجهة الجنوبية على أراضي جبل المكبر، وصور باهر، وأم طوبا، وبيت صفافا، وشرفات، وبيت جالا، ثم أتبعوها بمستعمرة جبل أبو غنيم التي تعود ملكيتها إلى مواطنين من بيت لحم وبيت ساحور والكنيسة الأرثوذوكسية، وبهذا قطعوا التواصل بين القدس وجنوبي الضفة الغربية بدءاً من بيت لحم.
ووصف رئيس بلدية الاحتلال في القدس موشيه ليون المشروع بأنه "خطوة أُخرى نحو تحقيق مخطط تاريخي في شرق المدينة، ورسالة كبيرة لاقتصاد القدس بصورة عامة، وفي شرق المدينة بصورة خاصة، بزيادة المعروض من العمالة في مجال التكنولوجيا العالية."
يذكر أن الإعلان عن مشروع وادي السيليكون تم في شهر حزيران/ يونيو من العام الحالي، ووصفته بلدية الاحتلال في حينه بأنه من "أعقد المشاريع" التي نفذت في القدس خلال العقود القليلة الماضية، بهدف "إحداث تغيير على المستويين البلدي والوطني"!
عدد المواطنين وعدد المستوطنين
عندما وقعت القدس العربية تحت الاحتلال في حرب 1967، وقام المحتلون من جانب واحد بضم القدس دون إرادة مواطنيها الفلسطينيين، وفي مخالفة واضحة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وسعوا حدود البلدية التي كانت مساحتها ستة كيلومترات، وقاموا بضم بعض القرى المحيطة بها، لتصل مساحة المنطقة المضمومة إلى سبعين كم2. وكان عدد الفلسطينيين الذين صمدوا فيها، ولم ينزحوا عنها سبعين ألف مواطن، يسكنون اثني عشر ألف منزل، في حين كان عدد اليهود وأبنيتهم صفراً. وبعد حملة الاستيطان المكثفة في المدينة، والتضييق على البناء العربي، وصل عدد الأبنية العربية إلى نحو خمس وثلاثين ألف وحدة سكنية، وبسبب التكاثر الطبيعي يبلغ عدد المقدسيين الفلسطينيين الآن قرابة 400 ألف مواطن. في حين يبلغ عدد الأبنية الاستيطانية أكثر من سبعين ألف وحدة سكنية تزداد يومياً، ويبلغ عدد المستوطنين نحو ثلاثمئة ألف شخص.
مخاوف احتلالية
يتخوف المحتلون من أي زيادة سكانية عربية، وتهدف مخططاتهم للقدس "الموحدة" ألاّ يزيد عدد الفلسطينيين فيها على نسبة 18%، وهم الآن يشكلون نحو 34%، وفي محاولة لتخفيف عددهم، عدا عن منع إعطائهم تراخيص بناء لإرغامهم على الرحيل، وهدم الأبنية التي تقام من دون ترخيص، وعدا عن قوانين التهجير الجائرة، مثل سحب حق الإقامة بالقدس ممن لا يقيم بها، حتى لو سكن في محيطها خارج حدود البلدية المزعومة، أو كان طالباً أو موظفاً في الخارج مدة سبع سنوات متتالية، فقد لجأ المحتلون من خلال بناء جدارهم التوسعي إلى إخراج نحو 150 ألف فلسطيني خارج الجدار تمهيداً لسحب الإقامة منهم.
التغول الإستيطاني
عندما اعترفت الإدارة الأميركية في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لإسرائيل، سارعت إسرائيل إلى تهويد المدينة بشكل واسع جداً، وتقوم باستكمال محاصرة القدس بشكل محكم من جميع الجوانب والاتجاهات، فقبل أيام قليلة أعلنت استكمال المخططات لبناء 8350 وحدة استيطانية على أراضي بيت صفافا وشرفات وبيت جالا، في جنوب المدينة لاستكمال حصارها بشكل تام، كما كشفت سابقاً التخطيط لربط مستعمرة "معاليه أدوميم" استيطانياً بالقدس من الجهة الشرقية أيضاً، وكذلك البناء الاستيطاني في منطقة قلندية ومطار القدس من جهة الشمال، وبهذا يتم استكمال حصار المدينة المقدسة بالبناء الاستيطاني بشكل محكم.
الشيخ جراح ووادي الجوز
تقع المنطقة الصناعية في وادي الجوز المستهدفة بالاستيطان على بعد أقل من 200 متر شمال سور القدس، ويجاورها من الشمال الغربي حي الشيخ جراح، الذي استولى فيه المستوطنون على بيوت بعد أن طردوا بالقوة عائلات منها منذ سنة 2008. وفي منتصف سنة 2011 جرى هدم فندق "شبرد" الذي كان بناؤه مقراً للحاج أمين الحسيني، مفتي القدس والديار الفلسطينية ورئيس الهيئة العربية العليا زمن الانتداب، وتمت إقامة أبنية استيطانية مكانه، كما تمت مصادرة أرض في رأس وادي الجوز وبناء مقر لوزارة الداخلية الإسرائيلية عليه، وشمالي هذا البناء تم الاستيلاء على بناية المستشفى الحكومي الوحيدة في القدس، التي أقيمت في العهد الأردني، ولم يتم تعميرها بسبب الحرب ووقوع المدينة تحت الاحتلال، وأقيمت في جوارها أبنية أُخرى تستعمل كمقر لقيادة الشرطة الإسرائيلية. وصدرت عن المحاكم الإسرائيلية أحكام بإخلاء عشرات البيوت من الفلسطينيين بحجة أنها أملاك يهودية قبل نكبة 1948، لكنها تجاهلت ملكية عشرة آلاف عقار فلسطيني في القدس الجديدة تم الاستيلاء عليها وتشريد مالكيها في سنة 1948.
وادي الجوز والإمارات العربية
وجاء الدور على وادي الجوز في سنة 2020، وتشجعت إسرائيل بعد تهافت حكام الإمارات والبحرين على تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل، وبعد أن لحقت بهم السودان والمغرب. وازدادت شراسة استيطان وادي الجوز بعد موافقة حكام الإمارات العربية وبعض المستثمرين من أبنائها على إقامة مشاريع استثمارية في المنطقة. وكانت نائبة رئيس بلدية الاحتلال في القدس صرحت في وقت سابق بقيام تعاون واستثمار إماراتي- إسرائيلي مشترك في هذه المنطقة، بعد أن التقت في الإمارات مستثمرين ورجال أعمال هناك رحبوا بالمشروع وأبدوا استعداداً للمشاركة فيه.
وسيشمل التعاون الإماراتي- الإسرائيلي "تطوير" منطقة التكنولوجيا الفائقة "وادي السيليكون"! وفي حال تنفيذ هذا المشروع سيشكل خنجراً في قلب المدينة المقدسة، وسيمتد جنوباً مع وادي قدرون إلى منطقة حي البستان في بلدة سلوان. ولن تنجو مقبرة باب الرحمة الإسلامية، والمقبرة اليوسفية اللتان تضمان رفات عدد من الصحابة الذين شاركوا في الفتح الإسلامي للمدينة وضمنهما قبرا الصحابيين الجليلين عبادة بن الصامت وأوس بن حجر. وقبل ثلاثة أيام جرى تجريف سور المقبرة اليوسفية من جهات الشمال، حيث القبر الجماعي وضريح شهداء الجيش العربي الأردني في حرب 1967. وتشير المخططات الإسرائيلية إلى تجريف المقبرتين وتحويلهما إلى حدائق عامة، تحيط بسور القدس التاريخي.
وتُعتبر منطقة وادي الجوز المتنفس الأخير لمواطني القدس القديمة، ويشمل المخطط الحالي الاستيلاء على أكثر من ثلاثين دونماً، تقوم عليها "كراجات تصليح السيارات"، التي يخطط لنقلها إلى امتداد وادي قدرون "وادي النار" في المنطقة الفاصلة بين شطري السواحرة الغربية والشرقية، الذي تمر فيه مجاري القدس.
وفي حال استكمال هذا المشروع وامتداده جنوباً، ستتم محاصرة المسجد الأقصى من جهة الشرق، في حين أنه محاصر من الغرب بحائط البراق الذي تم تحويله إلى مكان عبادة ومبكى لليهود، وبالحي الاستيطاني اليهودي القائم على أنقاض حارة المغاربة، ومحاصر من جهة الجنوب من خلال الاستيلاء على القصور الأموية عند محراب المسجد الأقصى وبناء ما يسمى "متحف التسامح" مكانها.