جنرالات الصبر وأسرى ما قبل أوسلو: ربع قرن وما يزيد في السجن
التاريخ: 
02/09/2020
ملف خاص: 

في الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر1988 مرت الذكرى العشرون لاعتقال عمر القاسم، فكان أول أسير يجاوز سجنه العقدين من الزمن. فانتفض القاسم رفضاً وانتفض معه رفاقه الأسرى تضامناً، وتحرك الأحرار خارج السجون دعماً، وطالب الجميع بالإفراج عنه بعد أن أطلقوا عليه لقب "مانديلا فلسطين".

كان رقم عشرون في ذلك التاريخ هو الأعلى، ومرت السنوات فصار العشرون رقماً مكرراً بين أرقام تجاوزته بكثير، وقد جاء اليوم الذي استحق فيه مئات الأسرى الفلسطينيين هذا اللقب، بعد أن قضوا عشرين عاماً في السجن، بل إن العشرات منهم تجاوزت سنوات اعتقالهم السنوات التي أمضاها الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا نفسه في سجون العزل العنصري في جنوب أفريقيا.

حقائق مرعبة، وخصوصاً إذا ما علمنا اليوم أن الفلسطينيين الذين تجاوزت سنوات اعتقالهم العشرين سنة في سجون الاحتلال الإسرائيلي يُقدر عددهم بنحو ثلاثمئة وخمسين فلسطينياً، أغلبيتهم قد أفرج عنهم، في فترات سابقة وأوقات مختلفة، فيما لا يزال يقبع خلف القضبان –حتى كتابة هذه السطور- نحو خمسين أسيراً معتقلين منذ ما يزيد على عشرين عاماً. وهؤلاء يطلق عليهم الفلسطينيون مصطلح "عمداء الأسرى".

ومن بين هؤلاء يوجد نحو ثلاثين أسيراً تجاوزت سنوات اعتقالهم ربع قرن بشكل متواصل، ويطلق عليهم مصطلح "جنرالات الصبر". منهم ستة وعشرون أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو، وهؤلاء يطلق عليهم "الأسرى القدامى". 

ومن هؤلاء أربعة عشر أسيراً مضى على اعتقالهم ثلاثون عاماً وما يزيد، ويطلق عليهم "أيقونات الأسرى". ويُعتبر الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ كانون الثاني/يناير1983، أقدم الأسرى، إذ مضى على اعتقالهما قرابة ثمانية وثلاثين عاماً، وهما الأكثر قضاء للسنوات بشكل متواصل في سجون الاحتلال على مدار التاريخ. وإذا ما أضفنا إلى هؤلاء، الأسرى الذين سبق وأن تحرروا في صفقة "وفاء الأحرار" وأعيد اعتقالهم ثانية، فإن الأرقام ستزداد اليوم وترتفع.

ومن جانب آخر، فإن الحقيقة المُرة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الأرقام التي سردناها أعلاه مستمرة في التغيير والارتفاع، وأن أعداداً جديدة من الأسرى تلتحق بهذه القوائم سنوياً. فمثلاً، حتى كتابة هذه السطور كان عدد الأسرى الذين مضى على اعتقالهم عشرون عاماً وما يزيد، خمسين أسيراً، فيما هذا الرقم سيتجاوز الثلاثمئة بعد عامين فقط وأن قائمة "جنرالات الصبر" هي الأُخرى سترتفع من ثلاثين إلى أربعين أسيراً. ويُخشى أن تنحصر مهمتنا في رصد عدد السنوات التي أمضاها الأسرى في السجون، وأن نكتفي بالتغني بصمودهم والإشادة ببطولاتهم وتضحياتهم، وهم يقضون سنوات طويلة من أعمارهم في ظلمة السجون ووراء الشمس.

 أسماء "جنرالات الصبر"

 قوائم كثيرة لأسماء كبيرة حُفرت عميقاً في الذاكرة وشكلت نماذج فريدة في الوعي الجمعي الفلسطيني، وهذه واحدة من تلك القوائم التي تضم أسماء الأسرى الذين مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد بشكل متواصل، ومَن يُطلق عليهم مُصطلح "جنرالات الصبر":   

كريم يوسف يونس، ماهر عبد اللطيف يونس، محمد الطوس، إبراهيم نايف أبو مخ، رشدى حمدان أبو مخ، وليد دقة، إبراهيم بيادسة، أحمد أبو جابر، سمير أبو نعمة، محمد داوود، بشير الخطيب، محمود أبو خربيش، جمعة آدم، رائد السعدى، إبراهيم أغبارية، محمد أغبارية، يحيى أغبارية، محمد جبارين، ضياء الفالوجى، محمد فلنة، ناصر حسن أبو سرور، محمود جميل أبو سرور، محمود عيسى، محمد يوسف شماسنة، عبد الجواد يوسف شماسنة، علاء الدين الكركي،  محمد عريقان، أيمن سدر، عبد الناصر عيسى، عثمان سعيد بلال.

 قراءة في قائمة أسماء "جنرالات الصبر"

 ثلاثون أسيراً فلسطينياً، أعمارهم متفاوتة، منهم سبعة وعشرون أسيراً تزيد أعمارهم على الخمسين عاماً، وثلاثة آخرون تقل أعمارهم عن الخمسين بقليل. وهؤلاء ينحدرون من مناطق جغرافية متعددة، فمنهم اثنا عشر أسيراً من سكان محافظات الضفة الغربية، واثنا عشر آخرون هم من المناطق المحتلة سنة 1948، وخمسة أسرى من القدس، بالإضافة إلى أسير واحد من قطاع غزة.

وهؤلاء الأسرى ينتمون إلى فصائل فلسطينية متعددة، إذ إن تسعة عشر أسيراً منهم ينتمون إلى حركة "فتح"، وأربعة ينتمون إلى حركة "حماس"، وأربعة إلى الجهاد الإسلامي، وثلاثة إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

أمّا فيما يتعلق بالأحكام، فالمعطيات تُفيد بأن أربعة وعشرين أسيراً، من "جنرالات الصبر"، صدرت في حقهم أحكام بالسجن المؤبد، لمرة واحدة أو عدة مرات، فيما الباقي وعددهم ستة أسرى فيقضون أحكاماً بالسجن لفترات تتراوح ما بين (35-45) سنة.

لقد مرّ هؤلاء الأسرى، بتجارب صعبة ومريرة، وعانوا كثيراً جرّاء الشروط التي فرضتها حكومات الاحتلال المتعاقبة على إطلاقهم، ومحاولات الضغط التي مارستها على القيادة الفلسطينية، ورفضها إدراج بعض الأسرى ضمن صفقات تبادل. إذ أقدمت دولة الاحتلال على تجزئة الأسرى الفلسطينيين وتصنيفهم بحسب الانتماء السياسي ومكان السكن والتهم الموجهة إليهم، في محاولة إسرائيلية للتفرقة فيما بينهم والتعامل معهم كأفراد ووفق ملفات حمراء وخضراء، وابتدعت في هذا السياق مصطلح "الأيادي الملطخة بالدماء"، وهو ما شكّل مساساً بهويتهم الوطنية ومكانتهم القانونية ووحدتهـم النضاليـة.

ويسعى الاحتلال من وراء استمرار احتجاز الأسرى سنوات طوال لمعاقبتهم والانتقام منهم ومن عائلاتهم ومجتمعهم، في إطار سياسة إسرائيلية غير معلنة تهدف إلى إعدامهم وقتلهم نفسياً ومعنوياً ببطء شديد، ومحاولة إسرائيلية يائسة لردع الفلسطينيين وبث اليأس والإحباط وروح الهزيمة في صفوفهم وتحريضهم على المقاومة.

 أبرز ما اعترى المسيرة من ثغرات وإخفاقات

لذا ومع تقديرنا لما بُذل ويُبذل لأجل الأسرى على جميع الصعد، وما حققته العملية السلمية وصفقات التبادل من إفراجات، فمن الضروري تقييم وتقويم مسيرتنا، وتدارك ما اعتراها من ثغرات وإخفاقات وهذه أبرزها:

  • إخفاق الفصائل الفلسطينية في تحقيق أي صفقة تبادل أسرى طوال ستة وعشرين عاماً، أي خلال الفترة الممتدة ما بين "عملية الجليل" سنة 1985 وحتى صفقة "وفاء الأحرار" سنة 2011.
  • الثغرات والأخطاء التي واكبت إدارة ملف الأسرى والمعتقلين في اتفاق أوسلو وما تبعه من اتفاقات، بل وطوال المسيرة السلمية والمفاوضات الثنائية حتى تلك التي تعثرت ومن ثم توقفت لأجل الأسرى بسبب تنصل حكومة الاحتلال من الإفراج عن الدفعة الرابعة من "الأسرى القدامى" أوائل سنة 2014.
  • عجز صفقة "شاليط" والتي تُعرف فلسطينياً بصفقة "وفاء الأحرار" في إغلاق ملف "الأسرى القدامى" المعتقلين منذ ما قبل أوسلو، وذوي الأحكام العالية، وخصوصاً المؤبدات ورموز المقاومة.
  • تراجع دور الفصائل الفلسطينية المقاومة في دعم الأسرى ومحاولاتها من أجل تحريرهم، خلال العقد الأخير. وما الأوراق التي تمتلكها المقاومة في غزة إلاّ نتيجة العدوان الإسرائيلي، وليست نتاج مبادرة فلسطينية.
  • وما زلنا جميعاً، بحاجة إلى بذل كثير من الجهد من أجل استثمار انضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية وتوظيف كل الأدوات والآليات الدولية بما يخدم قضية الأسرى والمعتقلين ويعزز مكانتهم القانونية ومشروعية نضالهم ويوفر الحماية الإنسانية والقانونية لهم. كما لا زلنا بحاجة إلى كثير من الخطوات العملية على جميع الصعد بما يكفل الإفراج عن الأسرى بمختلف فئاتهم.

 الفلسطينيون معنيون بإتمام الصفقة أكثر من الإسرائيليين

واليوم في ظل مماطلة دولة الاحتلال وعدم جديتها في إتمام صفقة تبادل الأسرى وسعيها الدائم للتهرب من استحقاقاتها من خلال الضغط وربط إعادة الجنود المأسورين لدى المقاومة في غزة ضمن ملفات التهدئة ورفع الحصار عن القطاع، فالمطلوب من الفلسطينيين البحث عن أدوات ضغط جديدة تحرك المياه الراكدة وتجبر إسرائيل على التعامل بجدية مع الصفقة ودفع استحقاقات التبادل. فهم معنيون أكثر من الإسرائيليين في إتمامها في أقرب وقت. فالسنوات تمضي وأعمار أبنائهم الأسرى تقضى خلف القضبان. والحقيقة أن المئات من هؤلاء الأسرى لن يكسر قيدهم سوى صفقات التبادل وهم يُعلقون آمالاً كبيرة على المقاومة الفلسطينية.

 وفي الختام نؤكد أنه من حق الشعب الفلسطيني أن يرى أسراه وقد عادوا أحراراً إلى بيوتهم وأحبتهم، بل ومن واجبه وواجب السلطة الوطنية الفلسطينية وفصائله الوطنية والإسلامية، وجميع مكوناته، السعي الدائم لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي، كضرورة  حيوية وجوهرية لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للمحتل.

عن المؤلف: 

عبد الناصر فروانة: أسير محرر، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين.