بعد أيام من إعلان بيان التحالف الأميركي الإسرائيلي الإماراتي بتاريخ 13 آب/ أغسطس 2020، تحدثت مع صديق عزيز، وهو باحث وأكاديمي فلسطيني مرموق، مسكون ببحث سيرة ومسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية ورموزها القيادية، وفي إطار الحديث عن التحالف/ التطبيع، أشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تحاول أن تنسحب من شؤون المنطقة، وتعيد ترتيب الأوراق على حساب محو القضة الفلسطينية والفلسطينيين. وفي سياق الحديث عن المقاومة والمواجهة الفلسطينية والعربية للتطبيع، تقاربت الأفكار بشأن فكرة أن الشعب الفلسطيني بصموده هو من يواجه التطبيع ويسقطه، وأردف قائلاً في التعقيب على الفكرة "أبو يوسف النجار وهو يموت قال القيادات زائلة والشعوب باقية."
قبل التحالف الثلاثي بسنوات قليلة، عملت الصحافة الصفراء على ترويج العديد من مقاطع الفيديو والمنشورات والتغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لإعلاميين وسياسيين، وناشطين وأشخاص آخرين، من شعوب الخليج العربي وبالتحديد من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكانت تلك المواد الإعلامية الصفراء تروج لحالة شقاق بين الشعب الفلسطيني وشعوب الخليج العربي، وتركز التصريحات على أن الفلسطينيين هم من باعوا فلسطين وهم من يتحملون المسؤولية عن ذلك. يُعتبر الإعلام في العادة من أدوات الدولة الأيديولوجية ووسيلة هيمنة وأحد أبرز عناصر القوة الناعمة، لذلك استُغل بعض السياسيين الشباب في دول الخليج الطامحين في لعب دور إقليمي ودولي لاحقاً، بالتساوق مع بوادر التلميح عن صفقة القرن مطلع سنة 2017، في تفعيل عدد من الشخصيات والصفحات والإعلاميين الذين كرسوا جهوداً كبيرة لشتم فلسطين والفلسطينيين؛ مع العلم بأن هذه الشخصيات والتصريحات مدعومة من بعض السياسيين الرسميين، وهي لا تعبر عن الإرادة الشعبية والقومية لشعوب مجتمع الخليج العربي.
أجمع عدد من الباحثين والمفكرين على أن التطبيع هو إطار رسمي للحكومات التي تعقد اتفاقات أو تحالفات مع إسرائيل. ففي مقابلة عبر تلفزيون العربي بتاريخ 19 آب/ أغسطس 2020 قال عزمي بشارة (مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) أن الشعوب العربية غير قابلة للتطبيع، وهذا ما حدث في حالة الشعبين المصري والأردني على الرغم من توقيع اتفاق سلام بين الدولتين وإسرائيل؛ إلاّ إن تلك الشعوب ما زالت ترفض إسرائيل. وكتب شفيق الغبرا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) في صحيفة القدس العربي بتاريخ 19 آب/ أغسطس "ولد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بلا حوار مع شعوب الإقليم العربي ونخبه الثقافية والسياسية، ولم يقع حوار ضمن الإمارات وشعبها وبين قادة الإمارات كالشارقة وعجمان وغيرهما. كما لم يقع حوار ضمن دول مجلس التعاون الست."
أي أن الاتفاق أو التطبيع أو التحالف الأميركي الإسرائيلي الإماراتي لا يعبر عن الإرادة الشعبية لشعوب الخليج العربي، تلك الشعوب التي دعمت الحركة الوطنية الفلسطينية في القرن الماضي. وقد بُنيت أواصر محبة وصداقة وتضامن عميق بين الشعب الفلسطيني والشعوب الخليجية بعد نكبة فلسطين، كما ساهمت أفواج كبيرة من الفلسطينيين في عملية تحديث وعصرنة وبناء مؤسسات دول الخليج العربي بعد نكبة 1948 والشتات الفلسطيني.
وفي سياق الرد الشعبي على بيان التحالف/ التطبيع الثلاثي، عبّرت مجموعة كبيرة من المثقفين والكتّاب والنقاد العرب من الخليج العربي والهلال الخصيب والمغرب العربي، عن رفضها التطبيع، وإدانتها التحالف، ورفضها نهج التطبيع والتحالف الذي قامت به أبو ظبي. وهذا مؤشر مهم وجوهري يؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة في الوجدان العربي، على الرغم من المحاولات الإعلامية والسياسية الرسمية إقليمياً ودولياً التي روجت وتروج أن القضية الفلسطينية تغيب عن الوجدان العربي ولم تعد أولوية عربية. ربما خفت بريق القضية في عروش بعض الرسميات العربية، إلاّ إن الرهان الحقيقي هو على الشعوب والجماهير العربية التي ما زالت تخلد فلسطين كقضية عروبية في الثقافة والوعي والذاكرة والتاريخ.
يمكن سرد بعض المواقف التي تؤكد أن الشعوب العربية هي نصير فلسطين والفلسطينيين وظهيرنا العروبي، وأن محاولات التحالف والتطبيع الذي تقوده بعض العواصم العربية أو بعض سياسي تلك العواصم، ما هي إلاّ محاولات بائسة وطموحات فاشلة لسياسيين لا يتقنون إلاّ لعبة الفشل. من تلك الأمثلة رداً على تطبيع أبو ظبي، قيام مجموعة لا بأس بها من الأدباء والروائيين والكتّاب العرب بالانسحاب من الترشح لجوائز تمنحها دولة الإمارات العربية المتحدة. فقد أعلن الأكاديمي والناقد المغربي يحيى بن الوليد، والروائييَن والمترجميَن أحمد الويزي وأبو يوسف طه، والروائية الزهرة رميج انسحابهم من جائزة الشيخ زايد للكتاب، وقرر الشاعر المغربي محمد بنيس الانسحاب من اللجنة المحكّمة للجائزة نفسها، وسحب الشاعر العراقي هاشم شفيق ترشيحه لجائزة سلطان العويس الإماراتية.
وأعلن عدد من دور النشر المغربية والجزائرية والتونسية واليمنية وفعاليات ثقافية مثل بيت الشعر المغربي، والمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، إدانة واستنكار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي. وأصدرت القوى الطلابية الكويتية بتاريخ 18 أب/ أغسطس 2020 بياناً بعنوان "حول استنكار التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب والدعوة لتشريع قانون يجرم التطبيع" خُتم بدعوة مجلس الأمة الكويتي والحكومة الكويتية إلى ضرورة تشريع قانون يجرم كل أشكال التطبيع والتعاطف مع العدو الصهيوني. كما وقّع عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي وثيقة تؤكد رفض التطبيع ووقوف دولة الكويت إلى جانب القضية الفلسطينية، كتعبير عن موقف الشعب الكويتي في دعم حكومته في التصدي لموجات التطبيع التي تعصف بالخليج العربي.
وأصدرت مجموعة من الناشطين الإماراتيين (أطباء، كتاّب، باحثون، قانونيون، سياسيون، رجال أعمال، أكاديميون وغيرهم)، بياناً ضد التطبيع. وتعبر التشكيلة النخبوية والطبقية للناشطين عن موقف شرائح واسعة من الطبقة الوسطى والوسطى العليا والطبقة البرجوازية في الإمارات التي ترفض التطبيع، وجاء البيان بعنوان "بيان مشترك من نشطاء إماراتيين ضد تطبيع حكومة الإمارات مع الكيان الصهيوني"، وختم البيان بعبارة "إننا نحن المدونون أسماءنا أدناه نعلن أصالة عن أنفسنا وعن شعب الإمارات الحر الرفض التام لهذه الاتفاقية مع العدو الصهيوني ونؤكد أنها لا تمثل الشعب الإماراتي. كما نؤكد أن شعب الإمارات سيبقى سنداً وداعماً للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني الشقيق الذي انتهكت حقوقه واغتصبت أرضه من قبل دولة الإرهاب الصهيوني. ونؤكد للجميع أن هذا التخاذل في الأمة لن يدوم ...."
وأُسست في الإمارات "الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع" وجاء في بيانها "التأكيد على رفض الشعب الإماراتي للاتفاقية المبرمة وإيصال الصوت الشعبي الإماراتي الرافض للتطبيع إلى شعوب المنطقة الخليجية والعربية. وتوعية الشعب الإماراتي بخطورة التطبيع، سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً على الدولة والمجتمع الإماراتي، ودعم وإسناد القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في جميع مطالبه العادلة." تؤكد هذه البيانات أن هناك أصواتاً وقوى وشرائح في شعب الإمارات ترفض التطبيع، وتساند فلسطين وشعبها، على الرغم من تخاذل السياسة الرسمية لأبو ظبي.
وقد شارك عدد كبير من أبناء شعوب الخليج العربي، ومن دول عربية متعددة على سبيل المثال: المملكة الأردنية الهاشمية، لبنان، مصر، البحرين، اليمن، المغرب، تونس، الجزائر، قطر، وغيرها من الدول، في إدانة التطبيع ورفضه، وتم التعبير عن ذلك بالتصريحات الصحافية والندوات والمؤتمرات والمقالات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن الصعوبة بمكان رصد نشاطات الحراك الشعبي العربي المناهض للتطبيع والرافض لمسيرة أبو ظبي التطبيعية، وإنما تم الإشارة إلى بعض تلك النشاطات؛ والسؤال المركزي للفلسطينيين بعد خطوة أبو ظبي في التطبيع، ما العمل؟ أو كيف العمل؟
يمثل الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الرافض للتطبيع، والتحالفات الثلاثية والإقليمية نقطة الانطلاق في مواجهة التطبيع، من خلال إعادة الاعتبار إلى الرواية الفلسطينية بالاستعانة بأدوات الثورة الرقمية المعاصرة، وبناء تحالفات مؤسساتية وشعبية وحزبية وشبابية وثقافية فلسطينية مع شعوب مجتمع الخليجي العربي، لإعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية والحق الفلسطيني؛ عدم الانجرار وراء الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الصفراء التي تروج لبعض أبواق التطبيع الرسمي العربي؛ تعزيز العلاقة مع مدونين وناشطين من شعوب الخليج العربي يساهمون مع ناشطين فلسطينيين في إطلاق حملات وفعاليات ونشاطات متواصلة تعبّر عن قوة العلاقة بين الشعوب العربية والشعب الفلسطيني؛ تعزيز الجهود الفلسطينية والعربية في دعم حركة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وحركة مقاطعة إسرائيل (BDS) وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها؛ الضغط الفلسطيني والعربي على مقاطعة النشاطات الثقافية والرياضية والتجارية والفنية وغيرها التي تقوم بها دولة الإمارات.