إسرائيل تعمل على إحلال مؤسسات إسرائيلية مكان الفلسطينية بالقدس الشرقية
التاريخ: 
29/07/2020

بعد تحقيق مكثف استمر 5 ساعات متواصلة أفرجت الاستخبارات الإسرائيلية عن خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، لكنها أبقت على ملفاته وأجهزة كومبيوتر مكتبه مصادرة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي تقتحم فيها قوات الشرطة والاستخبارات دائرة الخرائط في ضاحية البريد، لكنها جاءت في أوج استهداف للمؤسسات والشخصيات السياسية الفلسطينية في المدينة.

 

شارع صلاح الدين، القدس، تصوير عبد الرؤوف أرناؤوط

 

فبعد عدة أيام من هذا الاقتحام، داهمت قوات من الشرطة مركز يبوس الثقافي واعتقلت مديرته رانيا الياس، كما داهمت المعهد الوطني للموسيقى واعتقلت مديره سهيل خوري من منزلهما، وداهمت منزل مدير "شبكة شفق" داوود الغول وما زالت تعتقله. وخلال عمليات المداهمة والاعتقال تمت مصادرة ملفات ووثائق وأجهزة كومبيوتر.

وبين العمليتين اعتقلت الاستخبارات الإسرائيلية محافظ القدس عدنان غيث ومدير استخبارات محافظة القدس العميد جهاد فقيه بعد أن اعتقلت وزير شؤون القدس فادي الهدمي، ورئيس المؤتمر الشعبي للقدس اللواء بلال النتشه. وسبق ذلك إغلاق مكتب هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية في مدينة القدس.

ولا تسمح السلطات الإسرائيلية لسهيل وزوجته رانيا بالحديث إلى وسائل الإعلام بحجة التحقيق في ملفي مؤسستيهما، لكن التفكجي قال إن الاستخبارات الإسرائيلية وجهت له عشرات الأسئلة التي لا علاقة لها بعمله.

واعتبر أن: "الهجمة الإسرائيلية تستهدف ضرب المؤسسات وتفريغ القدس من أي مؤسسة سواء أكانت ثقافية أم اجتماعية أم اقتصادية أم مهنية متخصصة في خدمة الجمهور."

وأضاف التفكجي: "إسرائيل تستهدف المؤسسات التي تخدم المواطن الفلسطيني في المدينة وتسعى لإحلال مؤسسات إسرائيلية مكانها في سياق المخطط الإسرائيلي الأوسع الذي يستهدف المدينة سياسياً."

واستناداً إلى الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس، فإن السلطات الإسرائيلية أغلقت أكثر من 32 مؤسسة فلسطينية في المدينة منذ سنة 2001، من بينها المؤسسات الأكبر في القدس وعلى رأسها بيت الشرق، وجمعية الدراسات العربية، والغرفة التجارية، ونادي الأسير الفلسطيني، والمجلس الأعلى للسياحة، ومركز تطوير المشاريع الصغيرة، ومنذ ذلك الحين يجري تمديد إغلاقها كل 6 أشهر.

وبينما كانت الإجراءات الإسرائيلية في السابق تتم تحت مبررات سياسية، فإنها في الأعوام الأخيرة باتت تطال مؤسسات في كل مناحي الحياة بالمدينة بما فيها مؤسسات ثقافية ونشاطات ثقافية واجتماعية.

ففي نهاية شهر أيار/مايو منعت الاستخبارات الإسرائيلية وقفة سلمية فلسطينية لإحياء الذكرى السنوية التاسعة عشر لرحيل الشهيد فيصل الحسيني قبالة بيت الشرق.

ويربط وزير شؤون القدس الأسبق والقيادي في حركة "فتح" حاتم عبد القادر بين التصعيد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية سنة 2017 ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة أواسط سنة 2018.

وقال عبد القادر: "ما يجري هو رسالة سياسية إسرائيلية سواء للمقدسيين أو للسلطة الفلسطينية بأن لا رجعة عن القرار الإسرائيلي بضم القدس، ثم هي رسالة للمؤسسات بأنها إذا ما أرادت أن تستمر بوجودها في المدينة فإن عليها أن تسير على الخط الإسرائيلي في إطار محاولات الإحلال التي استشرت في الفترة الأخيرة."

وأضاف: "إسرائيل تحاول الآن إحلال مؤسسات إسرائيلية مكان المؤسسات الفلسطينية التي يتم التضييق عليها بالملاحقة والتهديد بالإغلاق أو الإغلاق الفعلي." وتابع: "إسرائيل التي تقوم بإغلاق المؤسسات الفلسطينية تسمح وتمول عمل مؤسسات في المدينة ظاهرها خدمة المجتمع الفلسطيني وباطنها محاولة فرض الأجندة والمشروع الإسرائيلي بالمدينة، فمثلاً، تمنع إسرائيل المخيمات الفلسطينية في مدينة القدس، لكنها تسمح بعشرات المخيمات المرتبطة بالمؤسسة الإسرائيلية سواء البلدية أو غيرها وذلك من أجل كي الوعي لدى الأطفال الفلسطينيين ومحاولة التأثير فيهم بما يحقق الأهداف الإسرائيلية."

وأشار عبد القادر إلى أن "ما يجري هو محاولة إحلال مؤسسات إسرائيلية مكان مؤسسات فلسطينية تبرز الوجود الفلسطيني في المدينة،" وأن: "إسرائيل تمول مؤسسات تقام في المدينة ويشرف عليها مواطنون من العرب، لكنها تنفذ أجندة إسرائيلية وهذا أمر خطر جداً بدأنا نشهده في التعليم، وهو يتوسع الآن إلى مناحي الحياة الأُخرى بالمدينة بما في ذلك الفن والثقافة." وأضاف:"للأسف فإن هناك من يقوم بوعي أو من دون وعي بتنفيذ الأجندة التي تضعها إسرائيل من أجل تكريس أسرلة المدينة وإلغاء أي وجود فلسطيني بالمدينة."

ويتفق زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، مع عبد القادر على أن ما يجري هو محاولة إحلال، ويشير إلى أن: "الحملة على المؤسسات الفلسطينية بالقدس بدأت مع بدء الاحتلال سنة 1967 بإغلاق البلدية الفلسطينية التي كان يرأسها روحي الخطيب، ومنذ ذلك الحين تم إغلاق عشرات إن لم يكن مئات المؤسسات في المدينة بما فيها الثقافية والإعلامية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الطبية والمسرح الوطني الفلسطيني."

وأضاف: "في السنوات الأخيرة هناك تركيز أكثر ليس فقط على المؤسسات الثقافية وإنما حتى النشاطات الثقافية وأي شيء له طابع فلسطيني."

ولفت الحموري إلى أن الحملة الأخيرة استهدفت 5 مؤسسات ثقافية وموسيقية مندرجة في إطار "شبكة شفق".

وقال: "لقد كان هناك قرار ضد هذه المؤسسات قبل 10 أيام من عملية المداهمة التي شارك فيها للمرة الأولى ممثلون عن الشرطة والاستخبارات والضريبة ومسجل الجمعيات ودائرة الإجراء، وتم إعداد ما يشبه لائحة الاتهام لهذه المؤسسات شملت ما اسمته إسرائيل "التهرب الضريبي ودعم الإرهاب."

وأضاف: "أعتقد أنه سيكون لهذا الأمر أبعاد خطرة ضد مؤسسات كثيرة، إذ من الواضح أن هناك محاولة لإحلال مؤسسات ثقافية إسرائيلية مثل المراكز الجماهيرية وغيرها من المؤسسات المدعومة إسرائيلياً مكان مؤسسات فلسطينية، فمثلاً، شاهدنا كيف منعت إسرائيل دوري العائلات المقدسية على الرغم من أن الحديث هو عن مباريات كرة قدم."

وتابع الحموري: "إنهم يعملون على التضييق على المؤسسات الفلسطينية ويحرضون الاتحاد الأوروبي، الذي يدعم كثيراً من المؤسسات في القدس، من خلال طرح شعارات مثل الإرهاب وغيرها من الأكاذيب التي لا مكان لها على أرض الواقع، والهدف واضح وهو أنهم لا يريدون أي طابع فلسطيني في القدس."

 

عن المؤلف: 

عبد الرؤوف أرناؤوط: صحافي فلسطيني يقيم بالقدس.