الأغوار وسيناريوهات الضم
التاريخ: 
12/06/2020
المؤلف: 

خريطتان أثارتا "بلبلة" في الوسط الفلسطيني بشأن المناطق التي ستضمها إسرائيل إلى السيادة الإسرائيلية في الأغوار، الأولى هي خريطة "السلام في الشرق الأوسط" التي صدرت عن البيت الأبيض، والثانية الخريطة التي عرضها نتنياهو في أثناء حملته الانتخابية. تحمل الخريطتان النسب ذاتها المقترحة للضم في الضفة الغربية وهي نحو 30%، لكنهما تختلفان في المواقع التي سيتم ضمها إلى السيادة الإسرائيلية في الأغوار. ويركز هذا المقال على الاختلافات بين الخريطتين وتبعاتهما الديموغرافية وسيناريوهات الضم.

لم تصدر خرائط رسمية نهائية بشأن المناطق التي ستضمها إسرائيل إلى السيادة الإسرائيلية في الأغوار، وتشير التقارير والتصريحات الصحافية إلى تشكيل لجان متخصصة لهذا الغرض تعمل حالياً على إعداد الدراسات والخرائط للمناطق الفلسطينية التي ستضمها إسرائيل. وتتألف هذه اللجان من خبراء إسرائيليين وأميركيين، وقد عبرّت عن ذلك الاتفاقية التي عقدت بين نتنياهو وغانتس لتشكيل الائتلاف الحكومي، إذ نص البند 28 من الاتفاقية على: "وفي كل ما يتعلق بتصريح الرئيس ترامب ("صفقة القرن")، فإن رئيس الحكومة ورئيس الحكومة البديل، يعملان بالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك مسألة الخرائط، أمام الأميركيين والمجتمع الدولي بشأن هذا الموضوع، وكل هذا في إطار السعي للحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل، بما في ذلك الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على اتفاقيات السلام (القائمة) والسعي لاتفاقيات سلام مستقبلية"، ولهذا فإن الخرائط النهائية لعملية الضم لم تصدر حتى اللحظة، وهذا ما أثار لدى الفلسطينيين تكهنات بشأن مصير قراهم وتجمعاتهم، ولا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي.

 

الخريطة:  خريطة ضم التجمعات الفلسطينية ، مؤسسة بمكومخريطة ضم التجمعات الفلسطينية ، مؤسسة بمكوم

توضيح: في غور الأردن الأصفر هي مناطق الضم وفقاً لخطة ترامب، والمخطط هي مناطق الضم وفقاً لخطة نتنياهو.

 

تظهر خريطة "خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط" وجود تواصل جغرافي يتبع السيادة الفلسطينية يربط محافظة أريحا بمحافظة رام الله من خلال قرية الطيبة وكفرمالك من محافظة رام الله، وبلدة العوجا في محافظة أريحا، وبالتالي تتواصل محافظة رام الله مع محافظة أريحا من خلال طريق "المعرجات"، كما تبلغ المسافة العرضية للمنطقة التي سيتم ضمها عند قرية عين البيضا في محافظة طوباس، والجفتلك ومنتصف البحر الميت نحو 10 كم و14.5 كم و12.5 كم على التوالي. وبالتالي تظهر هذه الخريطة أن المنطقة التي سيتم ضمها إلى السيادة الإسرائيلية تصل إلى القرى الشفا غورية.

أمّا الخريطة التي أظهرها نتنياهو في أثناء حملته الانتخابية فتختلف بعض الشيء عن خريطة ترامب، فقد اتخذ نتنياهو شارع ألون كحدود للسيادة الإسرائيلية في الأغوار، كما أظهرت الخريطة عزل أريحا والعوجا عن باقي الضفة الغربية. وبلغت المسافة العرضية للمنطقة التي سيتم ضمها وفقاً لخريطة نتنياهو عند قرية عين البيضا والجفتلك وأريحا ومنتصف البحر الميت نحو 4 كم و12.5 كم و22.5 كم و17.5 كم على التوالي، وبالتالي تتضمن هذه الخريطة شريطا أضيق قليلاً من الشريط الذي ظهر في خريطة البيت الأبيض فييما يقع شمال أريحا ولكنه أوسع في جنوبها. لكن المثير في هذه الخريطة أنها استثنت بعض القرى والتجمعات الفلسطينية التي تقع في الجهة الغربية من الحواجز الإسرائيلية مثل بردلة وكردلة اللتين تقعان مباشرة غرب شارع 90، وتضمان بئرين ضخمتين حفرتهما شركة ميكروت. والوصول إلى هاتين القريتين غير ممكن من دون استخدام المقطع الأخير من شارع ألون (شارع رقم 578)، وقبل عدة أيام قام الجيش الإسرائيلي بإزالة المكعبات الأسمنتية وكذلك اليافطة الحمراء التي توضح أن هاتين القريتين منطقة فلسطينية. وقرية أُخرى هي فروش بيت دجن على الرغم من أنها تقع شرقي شارع ألون، وبالتحديد شرقي حاجز الحمراء، كذلك الحال مع قرية عرب الرشايدة شرقي بيت لحم، كما أن هناك العديد من التجمعات الرعوية التي تقع في محاذاة شارع ألون، ويُمنع على الفلسطينيين زراعتها واستغلالها، والعديد من التجمعات التي خضعت لعملية تدمير كبيرة للمنشآت السكنية والحيوانية في مناطق أخرجتها خطة نتنياهو من الضم، إضافة إلى وجود العديد من المستوطنات التي تقع غربي شارع ألون.

قسمت خريطة نتنياهو التجمعات الفلسطينية في غور الأردن التي ستُضم إلى السيادة الإسرائيلية إلى ثلاثة أقسام، المنطقة (A) التي تشمل مدينة أريحا والقرى والمخيمات المحيطة بها، كما تشمل أيضاً قرية العوجا. وبلغ عدد هذه التجمعات وفقاً لمنظمة السلام الآن 10 تجمعات، يبلغ عدد سكانها 40.360 نسمة، موزعين على 68.926 دونماً، فيما يبلغ عدد التجمعات في المنطقة المصنفة (B) ستة تجمعات، يبلغ عدد سكانها 8199 نسمة، موزعين على 1396 دونماً، فيما تبلغ التجمعات الفلسطينية التي تقع في المنطقة التي ستخضع للسيادة الإسرائيلية 47 تجمعاً يبلغ عدد سكانها 4391 نسمة، موزعين على 1.236.278 دونماً، ولا تعترف إسرائيل بالتجمعات الـ 47 الأخيرة، ومن ضمنها قرية الجفتلك التي يبلغ عدد سكانها 3100 نسمة.

تتوزع التجمعات الفلسطينية على أربعة محافظات: أريحا وطوباس ونابلس ورام الله والبيرة. ويتطابق عدد السكان الفلسطينيين كما أوردته السلام الآن أعلاه إلى حد كبير مع أرقام الجهاز المركزي الإحصاء الفلسطيني، لكن السلام الآن قامت بتجزئة التجمعات إلى تجمعات أصغر؛ فمثلاً، قسمت قرية فصائل إلى ثلاثة تجمعات: فصائل الفوقا، وفصائل التحتا، وفصائل الوسطى، فيما اعتبرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تجمعاً واحداً، وهذا أيضاً ينطبق على قرية الجفتلك التي قسمتها السلام الآن إلى أربعة تجمعات. وبهذا، ووفقاً للإحصاء الفلسطيني فإن التجمعات التي تشملها خريطة نتنياهو تبلغ 17 تجمعاً، وسائر التجمعات والتي تبلغ 47 تجمعاً هي تتبع وفقاً للإحصاء الفلسطيني للقرى القريبة منها أو التي تقع ضمن أراضيها، مثلاً، عين سامية تتبع لقرية كفرمالك، وقرنطل تتبع لمدينة أريحا، وهكذا باقي التجمعات، إضافة إلى بعض التجمعات الصغيرة التي تقع على طرفي شارع ألون، وبالتالي شطرت إلى نصفين.

توضح البيانات الإحصائية، كما تظهر في الجدول أدناه، ارتفاع عدد السكان في منطقة الأغوار التي ستضمها إسرائيل وفقاً لخريطة نتنياهو 13.9% خلال الفترة 2007-2017، لكنها تبقى أقل من الزيادة في منطقة الضفة الغربية بمقدار 8%، فيما تقلص عدد السكان في المنطقة التي ستتبع كاملاً للسيادة الإسرائيلية بنحو 11%، وأغلب هذه التجمعات عبارة عن تجمعات رعوية وبدوية تتناثر في مناطق مختلفة من الأغوار، وبهذا تبلغ الكثافة السكانية الحالية في المنطقة التي سيتم ضمها إلى إسرائيل (تصنيف إسرائيلي في الجدول أدناه) في منطقة الأغوار نحو 0.004 نسمة/كم2. لكن السؤال يبقى بشأن سيناريوهات الضم الإسرائيلي.

 السيناريو الأكثر احتمالاً هو ضم الأرض من دون السكان، وستستمر السيادة الإسرائيلية على المناطق جميعها بغض النظر عن التصنيف السياسي، أي كما هو الواقع الحالي في مناطق الضفة الغربية كافة. وهذا يعني أنه في إمكان قوات الاحتلال الدخول إلى المنطقة (A) وفرض حظر على حركة السكان فيها وممارسة جميع أشكال الهيمنة والقمع، وهذا الواقع يبدو أنه سيستمر لاحقاً بعد عملية الضم وتصنيف المناطق ذات سيادة إسرائيلية وأُخرى فلسطينية.

عملية الضم المتوقعة لا تختلف كثيراً على أرض الواقع عما يجري حالياً، ويبدو من خطة نتنياهو أن تصنيف منطقة الأغوار إلى ثلاثة أقسام (A وB، وسيادة إسرائيلية) هو التصنيف الحالي للمنطقة، أي أن التجمعات الفلسطينية التي ستكون ذات سيادة إسرائيلية كاملة هي المناطق المصنفة C، بينما المناطق المصنفة B هي التجمعات ذاتها التي صنفت B في اتفاق أوسلو 2 تحت السيادة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية، وهي تجمعات: عين البيضا ودوما والزبيدات ومرج نعجة ومرج الغزال وفصائل، وكذلك الحال في التجمعات التي صنفت A وهي مدينة أريحا بما تشمل القرى الملاصقة لها مثل النويعمة والديوك، وكذلك المخيمات مثل عين السلطان وعقبة جبر، وكذلك قرية العوجا القريبة منها. ونظراً إلى عدم وجود تواصل جغرافي ذات سيادة فلسطينية بين التجمعات المصنفة B، فإن كل قرية محاطة بالمناطق ذات السيادة الإسرائيلية، سيضطر سكانها إلى استخدام الشوارع الإسرائيلية للوصول إلى القرى الأُخرى في المنطقة وكذلك بالنسبة إلى المدن الفلسطينية، وهو ما يجعل هذه المناطق جيوباً فلسطينية في منطقة إسرائيلية.

المتوقع في فرض السيادة على الأغوار أن يكون إجراءً قانونياً، أي سيفرض القانون المعمول به في داخل إسرائيل على الأرض والسكان في منطقة السيادة الإسرائيلية في منطقة الأغوار، وهذا قد يؤدي إلى فرض مزيد من العقبات والإجراءات القانونية أمام عمل المؤسسات والمنظمات الفلسطينية والدولية في المناطق التي ستتبع السيادة الإسرائيلية كونها تعمل في أرض "دولة إسرائيل"، وهو إجراء معمول به حالياً، لكن إسرائيل "تمرر" الكثير من التدخلات دون إزالتها وهدمها. إن فرض المزيد من العقبات سيعمل على تسارع تراجع أعداد السكان الفلسطينيين الذين يقيمون حالياً بالمناطق ذات السيادة الإسرائيلية، مع ارتفاع احتمالية تعرض هذه التجمعات لعملية تهجير إلى المناطق ذات السيادة الفلسطينية. وبالنسبة إلى المناطق المصنفة B ستفرض إسرائيل على السلطة الفلسطينية تقديم خدمات الصحة والتعليم، لكنها ستعمل في الوقت ذاته على التضييق على هذه التجمعات بشكل يمنع تزايد أعداد السكان أو بالحد الأدنى تجميد الزيادة. وقد تجبر دولة الاحتلال السكان على دفع مستحقات المياه والكهرباء مباشرة لإسرائيل والحد من تطور خدمات البنية التحتية، وهو ما سيؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة وتدهور سبل العيش، ولا سيما أن سكان المنطقة يمتنعون عن دفع مستحقات المياه والكهرباء للسلطة الفلسطينية، وبعض التجمعات يدفع سكانها رسماً رمزياً بدل الكهرباء، ففي الشهر الماضي قامت إسرائيل بتسليم مجلس قروي الزبيدات ومرج نعجة فاتورة كهرباء بالديون المتراكمة لشهرين والتي بلغت 470 ألف شيكل بحسب ما يذكر السكان.

ومن المتوقع إحداث تغيير في خرائط الضم لمنطقة الأغوار لكلا الخريطتين للخروج بخريطة نهائية، وهي احتمالية عالية جداً، فمثلاً، يتوقع ضم قرى بردلة وكردلة وفروش بيت دجن وعرب الرشايدة والعديد من التجمعات الرعوية المنتشرة في محاذاة شارع ألون، وهو ما يعني توسعة المنطقة التي ستُضم إلى السيادة الإسرائيلية في منطقة الأغوار مع إمكان التعويض عنها بزيادة المساحة الممنوحة للسيادة الفلسطينية حول منطقة مدينة أريحا. لكن السؤال الذي يبقى ضبابياً جداً، يتعلق بمصير الأراضي الزراعية للقرى المصنفة A وB كونها ستقع في المناطق التي سيتم ضمها إلى السيادة الإسرائيلية.

 

الصورة: من منطقة الجفتلك، تصوير أحمد حنيطي.

عن المؤلف: 

أحمد حنيطي: حائز على درجة ماجستير في علم الاجتماع من جامعة بيرزيت، مهتم بدراسة المسائل الاجتماعية والثقافية للتجمعات الزراعية والبدوية الفلسطينية، وخصوصاً في المنطقة "ج"، وركز دراساته على التحولات الاجتماعية في منطقة الأغوار الفلسطينية.