عنف المستوطنين: وباء فوق وباء الكورونا
التاريخ: 
20/04/2020

 "حَطِمْ قلبَ بلادهم، اِمحِ مدنهم وقراهم عن بكرة أبيها، أحرق حقولهم ومزارعهم، أتلف محاصيلهم وكل ما لديهم من مونة للسنة القادمة، أنزل بهم أقسى العذاب وأفظع الأذى." من رسالة بعث بها جورج واشنطن (الرئيس الأميركي) إلى الجنراليْن غايتس وسليفن. [1]

أعلنت السلطة الفلسطينية في الخامس من آذار/ مارس 2020 حالة الطوارئ في الضفة الغربية في إثر تفشي فيروس كوفيد 19، دخل بعدها الفلسطينيون، شأنهم شأن بقية شعوب الأرض، الحجر الصحي بغية الحد من انتشار هذا الفيروس الذي سرعان ما اعتُبر جائحة وبائية شلت العديد من أوجه الحياة في معظم دول العالم. الْتزمَ الجمهور الفلسطيني بإجراءات الحكومة بوعي وبمسؤولية وبتقدير عالٍ للمخاطر المحدقة به وبالعالم، وتوجس خيفة في الوقت نفسه من إجراءات محتملة يضمرها الكيان الصهيوني لاستغلال انشغال الفلسطينيين والعالم، ليندفع إلى القيام بمزيد من عمليات الاستيطان وضم أراضٍ جديدة، وعلى الرغم من هذا الحذر فلم يتوقع أحد أن يقوم الاحتلال الصهيوني باختراق وتخريب مناعة الشعب الفلسطيني في مقاومة الوباء، وإفساد كثير من إجراءات السلطة الفلسطينية الوقائية. وإذا بنا نصطدم مرة جديدة بحقيقة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني التي لا تتغير مهما تغيرت الأوضاع التي استجدت بنا وبالبشرية جمعاء، ولنستعيد بمرارة ما صرح به نتنياهو يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989: "إن الحكومة لم تستغل الأوضاع الملائمة دولياً، مثل مذبحة ميدان تيانامين قبل أشهر عندما كان انتباه العالم ووسائل الإعلام مركزاً على الصين، لتنفيذ عمليات طرد على نطاق واسع في وقت كان فيه الخطر على العلاقات العامة لإسرائيل ضئيلاً نسبياً. إنني ما زلت أعتقد أنه لا تزال هناك فرصة لطرد أناس كثيرين."

وها هو نتنياهو يحظى بالفرصة بعد 30 سنة مستثمراً انشغال العالم بمحاربة جائحة كورونا ليعلن بدء التحضير لخرائط ضم المستوطنات في الأغوار وشمال البحر الميت عملاً بصفقة القرن. وفي الوقت نفسه يطلق العنان لمستوطنيه لنشر الإرهاب في الضفة الغربية، والسيطرة على مزيد من الأراضي وإيقاع الأذى بالفلسطينيين.

 وفيما بيّن تقرير صحافي أعدته وكالة أسوشييتد- برس، مطلع نيسان/ أبريل 2020 أن هناك انخفاضاً غير مسبوق في معدلات الجريمة في العالم، فإننا في فلسطين المحتلة نعيش وكأننا خارج هذا العالم الذي توحد فيه معظم أبناء البشرية سواء بالالتزام بالإجراءات الصحية، أو بالتكافل والتضامن، أو بالدعاء لخلاص العالم من هذه الجائحة، لنجد أن المستوطنين الصهيونيين قد انفلت عقالهم وصعّدوا من توحشهم مستفيدين من حالة الطوارئ المعمول بها في الضفة الغربية، فارتفعت وتيرة أعمالهم الإجرامية للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية والقيام بأعمال العربدة الناجمة عن أمراض الكراهية والعدائية المتأصلتيْن فيهم. فقد أظهر تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (OCHA)، أن هجمات المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين حتى منتصف نيسان 2020، سجلت زيادة بنسبة 80% عنها في كانون الثاني/ يناير وشباط/فبراير من السنة الجارية. كما وثقت جهات حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية وتلك التابعة للأمم المتحدة قرابة 85 اعتداءً في الفترة الممتدة ما بين 5 آذار/مارس و17 نيسان/أبريل الجاري، وهو ما يشكل تكثيفاً واسعاً في الاعتداءات. ووفقاً لبيانات ( OCHA)، فقد قام المستوطنون بثلاث هجمات كل أسبوع خلال سنة 2017، لترتفع إلى خمس هجمات أسبوعياً في سنة 2018 ضد الممتلكات والأفراد.

 فخلال سنة 2018، سُجل  358 اعتداء بينها 219 على الممتلكات، وأدت 79 منها إلى إصابات جسدية. وفي سنة 2019 سُجل 341 اعتداء منها 266 تسببت بأضرار في الممتلكات، وأدت 75 منها إلى إصابات جسدية. [2]

يشكل الاستيطان جوهر الحركة الصهيونية التي اعتمدت العنف والإرهاب المنظم لتحقيق غايتها في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، وإقامة الدولة اليهودية على أنقاض المدن والقرى التي دمرتها وارتكبت أكثر من 100 مذبحة قبل أن تشيد دولتها في سنة 1948. وفي سنة 1967 أقدمت دولة إسرائيل على احتلال ما تبقى من فلسطين، أي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة. وشكلت المستوطنات قلاعاً حربية، ونظم المستوطنون أنفسهم في وحدات عسكرية وصاروا جيشاً خاصاً، واعتبروا أنفسهم خاضعين لقوانين إلهية فوق القوانين العادية، وبدأ الجيش في تدريبهم وتسلحيهم وحمايتهم.[3]

فعنف المستوطنين هو عنف ممنهج يستهدف استباحة جسد الفلسطيني وأرضه وزرعه ومائه وكرومه. ويندرج هذا العنف ضمن سياسة القضاء على الحيز المكاني للفلسطينيين في الضفة الغربية، ويتجلى في دورهم البارز جنباً إلى جنب مع قوات الاحتلال في التدمير الممنهج للبنى التحتية والتخريب الاستراتيجي للاقتصاد الزراعي من خلال منع الفلسطينيين من زراعة أراضيهم ورعي مواشيهم والسيطرة على مواردهم المائية وصولاً إلى تدمير الأمن الغذائي الفلسطيني، واستخدام الغذاء لصهر وعيهم ومقايضته بحقوقهم التاريخية والسياسية. ولذلك فهم يحظون بدعم مالي هائل وحماية أمنية وعسكرية، ويد القانون لهم لا عليهم[4]، وهو ما يؤدي إلى توسع رقعة عنفهم وتطور مستويات خطورته.

لوحظ في السنوات الأخيرة قيام مستوطنين بالاعتداء والسيطرة على مناطق استراتيجية مصنفة أراضي دولة، أو أراضي محمية طبيعية، وزرعوا فيها بؤراً استيطانية مشابهة في دورها وطبيعتها لمستعمرات الناحال الخاصة بالجنود، وهي قلاع حربية تحت عنوان مدني فصارت رديفاً وقواعد للنشاط الإرهابي والتخريبي ضد العرب.[5]

 فبين قريتي الشيوخ وسعير شمالي مدينة الخليل مثلاً، أقامت سلطات الاحتلال في بداية الثمانينيات مستوطنة متساد- أصفر على جبل يفصل بيت القريتين، وفي سنة 2018  جاء مستوطن بزي عسكري برفقة أبنائه وعدد ممن يطلقون عليهم "فتية التلال"، وقاموا بإنشاء مسكن و"براكس" زراعي فيه أكثر من 300 رأس من الأغنام، وبالتدريج باتوا يطاردون الرعاة الفلسطينيين مستخدمين عربات جبلية وكلاب ليمنعوهم من التجول في المراعي تحت تهديد السلاح، ولحرمانهم من الوصول إلى آبار المياه التاريخية التي تقع في أراضيهم الخاصة التي يعتمدون عليها في سقاية أغنامهم وأشجارهم.  وفي ظل جائحة كورونا قام هؤلاء المستوطنون بسد الطريق من جهة قرية الشيوخ ومنعوا أصحابها من الوصول إليها، ثم طردوا المزارعين من أراضيهم المصنفة محمية طبيعية مدّعين أن الأرض وما عليها آلت إليهم بقوة القانون.

وفي السابع من نيسان قام مستوطن معروف براعي البقر مع حراسه بمهاجمة كهل فلسطيني واثنيْن من أبنائه في أثناء حراثتهم الأرض بالقرب من مستوطنة حلميش شمالي غربي رام الله، واعتدوا على الأب بالضرب المبرح، ثم قام المستوطنون تحت تهديد السلاح بتقييد الشابين والاعتداء عليهما بالضرب واقتادوهما إلى داخل المستوطنة، وعندما حضرت الشرطة الإسرائيلية سمحت للشابين بالعودة إلى القرية لتلقي العلاج، ووبخت المستوطنين.

وكان هذا المستوطن المعروف باعتداءاته المتكررة على المزارعين والفلاحين قد قام قبل 10 أيام من اعتدائه السالف برعي أبقاره في كرم زيتون في غربي قرية أم صفا القريبة، وعندما هرع أصحاب الأراضي لطرده قامت مجموعة من حراسه بضرب أحدهم بفأس في رأسه، وأخذوا يركلونه وهو ملقى على الأرض ونُقل إلى المستشفى في رام الله ليتبين أنه يعاني كسراً حاداً في الجمجمة استوجب إخضاعه لعملية جراحية.

يواجه سكان الأراضي (ج) العنف الاستيطاني والعسكري على السواء، والذي يؤدي إلى نزوح قسري لمزيد من المزارعين عن الأرياف، كما حل بعدد من العائلات الفلسطينية التي تركت أراضي في ريف سعير بعد سيطرة المستوطنين على الآبار التي كانوا يعتمدون عليها في حياتهم اليومية ونشاطاتهم الرعوية والزراعية.

 "شبيبة التلال" نموذجاً لعنف المستوطنين[6]

"يجب طرد الفلسطينيين من البلاد، وعلى الدولة أن تجد طريقة لتنفيذ ذلك. ولا يوجد أي إمكان للتعايش. مكتوب في التوراة أنه لا يوجد تعايش، مكتوب في التوراة أنه يجب طرد الأغيار، ولو طردنا الأغيار لما حدثت كل هذه الأمور المعقدة مع العرب وكنا سنتخلص من العمليات. وأردف أنه يجب طردهم من البلاد، لسنا ملزمين بقتلهم. وإذا كانت هناك حاجة إلى قتلهم، وإذا كنا ملزمين بإماتتهم وفقاً لحكم التوراة، فسوف نقتلهم، وإن لم تكن هناك حاجة إلى ذلك فسنطردهم."

هذا ما جاء في مقابلة أجرتها صحيفة معاريف مع قاصر من فتية التلال نشرت بتاريخ 6-5-2016، بعنوان شبيبة التلال في الضفة الغربية.[7]

يعمل تنظيم "فتية التلال" وفقاً لشعار إمّا الطرد وإمّا القتل.[8]  ويحظى أعضاء هذا التنظيم، حالهم حال بقية المستوطنين، بدعم وحماية دولة الاحتلال. ويُنسب إلى التنظيم ارتكاب جرائم قتل بشعة منها حرق عائلة دوابشة في سنة 2015، وقتل السيدة عائشة الرابي في سنة 2018. ويرفض رئيس حكومة الاحتلال اعتماد توصية الجهات الأمنية والقضائية باعتبارهم تنظيماً إرهابياً.[9] 

في سنة 2009 بدأ التنظيم موجة جرائم إحراق المساجد والكنائس على امتداد فلسطين التاريخية كما حدث في حزيران في سنة 2015 عندما أحرقوا كنيسة الطابغة الأثرية في طبرية المعروفة بكنيسة الخبز والسمك.

 ويتلقى أعضاء التنظيم تدريبات ما قبل العسكرية وأمنية مكثفة، وتدريبات في فنون القتال، وجلسات أمنية خاصة بالتعامل في أثناء الاعتقال. كما أنهم يتدربون على الرصد والمتابعة، ويتعلمون اللغة العربية ويستمعون إلى محاضرات أيديولوجية ودينية. ومنذ سنة 2016 بدأ الجيش الإسرائيلي مسعى لتجنيد العشرات من فتية التلال ضمن مشروع تأهيل ينفذ برعاية المجلس الإقليمي لمستوطنات الضفة وسط الضفة الغربية. [10]

رحلات السبت

رحلات السبت هو الاسم السري للهجمات الليلية التي يشنها التنظيم على الفلسطينيين وممتلكاتهم وأماكنهم الدينية والأثرية والتاريخية على امتداد فلسطين التاريخية، والتي تتضمن كتابة شعار جباية الثمن والانتقام، وإحراق البيوت والمركبات والأماكن الدينية، وإلقاء الحجارة، وقطع أشجار، وحرق الحقول، وإطلاق الكلاب المدربة، وقتل، وذبح، ودهس، وتسميم مياه، والخطف وإطلاق النار.

هذا أحد النماذج التي لا تعد ولا تحصى من اعتداءات المستوطنين التي لا تتوقف مهما كانت الأوضاع والأحوال، فهم يعملون تحت حماية الشرطة والجيش وحرس الحدود، وينفذون مشروعاً صهيونياً واحداً، ودائماً يشكلون الذراع المتقدمة لتنفيذ استراتيجية الاحتلال.

 إثارة الرعب بفيروس كوفيد 19-  كورونا

قام مستوطنون من مستوطنة راموت التي ينتشر فيها وباء كورونا بالبصق على مركبات أهالي قرية بيت أكسا في محاولة لدب الرعب وترهيب الأهالي، وتزامن ذلك مع قيام المستوطنين في كفار عصيون بإغراق قرابة 20 دونماً من كروم العنب في قرية بيت أمر بالمياه العادمة، في الوقت الذي أكد العديد من الدراسات والأبحاث انتشار فيروس كوفيد 19 من خلال مصارف الصرف الصحي.[11]

ويؤدي إغراق المستوطنين الأراضي الزراعية بالمياه العادمة كما هي الحال أيضاً في قرية وادي فوكين ونحالين غربي بيت لحم، إلى تلويث طبقة المياه الجوفية وهذا يذكرنا بتعمد قوات الاحتلال استهداف البنية التحتية لنظام الصرف الصحي بالصواريخ في إبان حرب سنة 2009، عندما دمرت الهجمات الجوية الإسرائيلية أكبر مصنع مياه للصرف الصحي في غزة، وتسببت بتسرب 100 ألف متر مكعب من هذه المياه إلى المنازل والمزارع.

محاولة ذبح مقدسي

قام ثلاثة شبان من اليهود المتدينين باعتراض فلسطينيين في أثناء عملهم في مستوطنة "رامات إشكول" في القدس بتاريخ 5 نيسان/ أبريل، وطعنوا أحدهم بسكين في رأسه وظهره بعد أن رشوه بالغاز، وهو ما تسبب له بجروح خطرة جداً، وأكد المصاب أن الهجوم كان بهدف القتل.

وفي ليلة 13 نيسان 2020 تسللت مجموعة من عصابة فتية التلال من قاعدة عسكرية في منطقة وادي الدرجة قرب البحر الميت وهاجموا ثلاثة فلسطينيين بالحجارة والغاز السام وقاموا بإحراق سيارتين تابعتين لهم. وكشفت صحيفة هآرتس أنه في 9 نيسان جمع جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرين عضواً في فتية التلال الإرهابية ووضعهم في الحجر الصحي المنزلي في منشأة تابعة له قرب مكان الاعتداء، بعد الاشتباه في إصابتهم بفيروس كوفيد 19.

 وتبين التقارير الحقوقية والإعلامية قيام المستوطنين بقرابة 85 اعتداءً خلال الفترة الممتدة ما بين 5 آذار/ مارس و17 نيسان/ أبريل الحالي 2020، ويمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين: أولاً، الاعتداءات الجسدية وثانياً، الاعتداءات على الممتلكات الخاصة؛ منها 64 اعتداءً على الأراضي والمنازل والأماكن التاريخية وأبرزها إقامة 7 بؤر استيطانية جديدة إضافة إلى قتل المواشي، وتدمير المحاصيل الزراعية، و21 اعتداء جسدياً، منها حالتي اختطاف وعنف جسدي وتخويف بنشر فيروس كورونا.

ويلعب عنف المستوطنين دوراً مهماً في التخريب الاستراتيجي للاقتصاد الزراعي وإنجاح السياسات الإسرائيلية الرامية إلى إضعاف الاقتصاد الفلسطيني وجعله تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي، وفاقداً القدرة على الصمود وتحقيق الأمن الغذائي، وسوقاً لتصريف بضائعه بأسعار عالية التنافسية.

وهذا ما دفع الفلسطينيين إلى ترك العمل الزراعي والرعوي لفائدة العمل في المستوطنات وفي السوق الإسرائيلية بموجب تصريح عمل مشروط بموافقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وكثيراً ما يؤدي دفاع الفلسطيني عن أرضه وعن نفسه من عنف المستوطنين إلى وضعه على القوائم السوداء، فيُمنع من دخول القدس وأراضي 1948، ولا سيما إذا ما تعرض للاعتقال.

  فمع تنامي أعداد المستوطنات وعنف المستوطنين، انخفضت نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي من 37% في منتصف السبعينيات إلى 13.4% في سنة 1994، وسجلت 6.5% في سنة 1999 وصولاً إلى 3% في سنة 2018.[12]   وبلغت نسبة المساهمة في العمالة 44% في سنة 1975، لتنخفض إلى 12.7% في سنة 1995، ولتصل إلى 11 .4% في سنة 2010-2011. ووفقاً لدراسات منظمة الغذاء العالمي، فإن الرعاة والبدو من سكان الأراضي (ج) في الضفة الغربية يعانون جرّاء انعدام الأمن الغذائي. [13]

ويمكن تنفيذ العمليات على النحو التالي: إمّا تدمير القرى (إحراقها، ونسفها، وزرع ألغام بين الأنقاض)، وخصوصاً تلك المراكز السكانية التي من الصعب السيطرة عليها بصورة متواصلة، وإمّا عمليات تمشيط وسيطرة وفقاً للتوجهين التاليين: تطويق القرى والقيام بعمليات تفتيش داخلها، وفي حال حدوث مقاومة، يجب إبادة القوى المسلحة وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة . الخطة دالت، 10 آذار / مارس 1948.  [14]

 معطيات عن الاستيطان

تشير تقديرات إسرائيلية وفلسطينية إلى وجود نحو 670 ألف مستوطن في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، يقيمون بـ 196 مستوطنة و120 بؤرة استيطانية.  شُيِّدت معظم المستوطنات في الضفة الغربية في الأراضي (ج)، التي تمثل 60% من مساحة الضفة الغربية، ويعيش فيها قرابة 300 ألف فلسطيني، والتي تشكل آفاق التطوير المعماري والحضري والزراعي والاقتصادي للضفة الغربية.

أبقى اتفاق أوسلو تلك الأراضي الغنية بالموارد الطبيعية  والمواقع السياحية والأثرية إضافة إلى المحاجر الفلسطينية والمناجم وموارد البحر الميت، تحت سيطرة إسرائيل الأمنية وجميع المجالات المتعلقة بالأراضي والتخطيط والبناء ومرافق البنى التحتية والتطوير.[15]   ووفقاً لدراسة أعدها البنك الدولي، فإن 68% من مساحة الأراضي (ج) حُجزت لبناء المستوطنات الإسرائيلية.[16]  وهو ما يعني أن 42% من أراضي الضفة الغربية تقع تحت سيطرة المستوطنات.  

يتكامل دور المستوطنين مع منظومة الاحتلال في فرض السيطرة المطلقة على الأراضي المصنفة (ج)، ويضطلع المستوطنون بدور رئيسي في تحقيق الاستراتيجيات العسكرية الإسرائيلية الهادفة إلى التوسع الجغرافي، وطرد العدد الأكبر من الفلسطينيين إلى المساحة الأقل من الأرض.

وعلاوة على ذلك تقوم جمعيات استيطانية مثل جمعية "ريغافيم" بمراقبة جميع نشاطات الفلسطينيين في المناطق ج - وفي النقب أيضاً - بواسطة طائرات مسيرة، وتقوم بتبليغ الجهات الأمنية والعسكرية بها، وهو غالباً ما يؤدي إلى هدم البيوت والآبار  وبيوت الماشية، ومصادرة المعدات الزراعية، وتجريف الأراضي والطرق الزراعية وغيرها.

ويستفحل عمل الجمعيات الاستيطانية في سبيل النيل من صمود الفلسطينيين في مناطق (ج) بالتوازي مع ما تقوم به ريغافيم. وفوق ذلك تقوم مؤسسة NGO Monitor الإسرائيلية المختصة بمراقبة تمويل ونشاطات المؤسسات الفلسطينية العاملة في كل أنحاء الأرض المحتلة، وشن حملات تحريض عنيفة لقطع تمويل المؤسسات الزراعية التي تعمل على مساندة صمود الفلسطينيين ودعمهم، كما تتهم العاملين فيها بالضلوع في نشاطات إرهابية.

خاتمة

يدرك الفلسطيني أن صراعه مع المستوطن ليس صراعاً فردياً، ويدرك أيضاً أن القانون أداة استعمارية مكرسة لخدمة أهداف المشروع الصهيوني، وأن المستوطن هو مكون أساسي في المنظومة الشمولية التي تفرضها إسرائيل على المجتمع الفلسطيني بأسره، وذلك باستخدام أحدث نظريات الهندسة الاجتماعية والبشرية والمعمارية والتقنيات الأمنية والعسكرية، وقرابة 1800 أمر عسكري تحكم قبضة الاحتلال على مناحي الحياة الفلسطينية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة والتقنية كافة.

ويعي الفلسطيني أن أجهزة الاحتلال العسكرية والسياسية والقانونية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية تتضافر وتتكامل لصهر وعي المجتمع الفلسطيني لدفعه إلى التخلي عن المقاومة والعيش في معازل على غرار السكان الأصليين في أميركا الشمالية، على مساحة لا تتجاوز 10% من مساحة فلسطين التاريخية، وبما يضمن "إقامة الدولة اليهودية الاستعمارية الإقصائية"، وفقاً لرؤية دافيد بن -غوريون الذي تخيل المجتمع الفلسطيني في المنطقة اليهودية بأنه سيكون تحت- رحمتنا- وسيكون في استطاعة اليهود أن يفعلوا به ما يشاؤون بما في ذلك تجويعه حتى الموت.[17]

هذا الخيال النكروفيلي[18]  العصابي النابع من عقدة البقاء الآمن على الأرض الفلسطينية، لا يجد فيها بن -غوريون ومن خلفه غير الموت للآخرين، وهي دعوة عن غير قصد إلى مقاومة هذا المشروع، الذي يرى اليوم في إدارة ترامب وانشغال العالم بجائحة كورونا وتداعياتها فرصة تاريخية مناسبة للمضي قدماً في ضم مزيد من أراضي الضفة الغربية تحت غطاء صفقة القرن.

والخطوة الأولى لمقاومة هذا المخطط عبّر عنها الأسير المحرر رزق صلاح من بلدة الخضر الذي أمضى أكثر من عقدين في سجون الاحتلال، وقال في لقاء قانوني جمع جهات رسمية فلسطينية وقانونية مع المزارعين في منطقة بيت لحم أنه من المفترض اعتبار وزارة الزراعة بمثابة وزارة الدفاع الفلسطينية حقاً، متسائلاً كيف يُعقل أن يكون صراعنا على الأرض وميزانية وزارة الزراعة الفلسطينية أقل من 1%، بينما أن 40% من ميزانية السلطة مخصصة للأمن. يجب أن تخصص أكبر نسبة لحماية الأرض ودعم المزارعين الفلسطينيين أمام إجراءات الاحتلال وعنف مستوطنيه.

ليس على الفلسطينيين أن يرددوا ما قاله زعيم الهنود الحمر في خطبته الشهيرة أوائل القرن التاسع عشر: إمّا المقاومة وإمّا انتظار الإبادة. على الفلسطينيين ألاّ يتهاونوا فتنزلق الأرض من بين أصابعهم وهم يرون تغول المستوطنين في الاستيلاء على أراضيهم، فما بعد كورونا ليس كما قبله. فقبل كورونا لم تنصف الشرعية الدولية ولا القانون الدولي الإنساني ولا اتفاقات جينيف الرابعة وملحقاتها الشعب الفلسطيني ولم تستطع أن تضع حداً للاحتلال ولا للاستيطان.[19]

 فكما تقول الباحثة نورا عريقات فقد فشلت القوانين الدولية في إحقاق حقوق الفلسطينيين ويعود ذلك إلى سببين؛ "الأول هو الأصل الخسيس للقانون الدولي كمشتق من النظام الاستعماري، والثاني هو افتقاره للسيادة وتحوله إلى أداة لخدمة مصالح الدول الكبرى."[20]  والوضع ما بعد كورونا مرشح لمزيد من التغول والعدوان والعربدة بدت بوادرها تطل على يد المستوطنين وأذرع الاحتلال كافة. 

 

المرفق: جدول يبين أعداد وطبيعة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الفترة الممتدة ما بين 5 آذار و15 نيسان 2020.

 

 

[1]  منير العكش، "دولة فلسطينية للهنود الحمر" (بيروت: منشورات رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، 2015)، ص 147.

[2]  انظر: التقارير الصادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة ( OCHA)، تقرير حماية  المدنيين الفلسطينيين على الرابط التالي :

  https://www.ochaopt.org/ar/reports/protection-of-civilians

[3]  لمزيد من المعلومات، انظر: نور الدين مصالحة، "أرض أكثر وعرب أقل" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1997)، ص 223.

[4] 90% من الشكاوى المرفوعة من الفلسطينيين ضد المستوطنين يتم إغلاقها بحجج متعددة، واحتمال الإدانة لا يتجاوز 1.9%. لمزيد من المعلومات، انظر: تقارير مؤسسة يش دين (يوجد قانون)، الرابط التالي: https://www.yesh-din.org/ar/

 [5]أنيس صايغ، "الوصايا العشر للحركة الصهيونية" (بيروت: مركز الإسراء للدراسات والبحوث، 1998)،  ص97.

[6]  معروفون في أوساط الفلسطينيين بتنظم "فتية التلال"، أو مجموعات جباية الثمن.

[7]  "شبيبة التلال" هو الاسم الذي يُطلق على شبان وفتية إسرائيليين متطرفين جداً، يستولون على أراضٍ في الضفة الغربية المحتلة، بتشجيع من الحكومة الإسرائيلية، ويقيمون فيها بؤراً استيطانية. ويقود هؤلاء الشبيبة شبان في العشرينات من عمرهم، يقطنون في البؤر الاستيطانية،  أو في مستوطنات مثل 'يتسهار'. نُشر التقرير في موقع عرب 48 في تاريخ 6/5/2015، تحت عنوان "شبية التلال في الضفة الغربية".

[8] كتابة حائط خطها تنظيم فتية التلال في حزيران/ يونيو 2018 على جدار في قرية عوريف المجاورة لمستوطنة يتسهار أحد قلاع التنظيم. من تقرير" يتسهار نموذجاً"، تقرير حقوقي صادر عن مؤسسة  يوجد قانون "يش دين"، يدرس عنف المستوطنينن كأداة للسيطرة على أراضٍ فلسطينية تحت حماية الدولة والجيش، 2018.

[9] انظر: موقع عرب 48. ملف إخباري عن "شبية التلال".  www.arab48.com

[10]  مقالة نُشرت في تاريخ 16/8/2016، على موقع عرب 48 تحت عنوان: "جيش الاحتلال يجند إرهابيي شبيبة التلال."

[11]  اعتداءات موثقة من معهد الأبحاث التطبيقية أريج : http://poica.org/

[12] أسامة نوفل، "القطاع الزراعي الفلسطيني، تحليل للمؤشرات" نشرت في موقع: http://www.oppc.pna.

[13]  رامي زريق وآن غوف، "السيطرة على الغذاء السيطرة على الشعب: الكفاح من أجل الأمن الغذائي في غزة" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية  سلسلة القضية الفلسطينية، آفاق المستقبل، 2014).

[14]    إيلان بابه، "التطهير العرقي في فلسطين" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، الطبعة الخامسة، 2012)، ص 49.

[15] لمزيد من المعلومات حول المناطق (ج)، انظر: موقع بيتسيلم على الروابط التالية: https://www.btselem.org/arabic/topic/area_c

https://www.btselem.org/arabic/planning_and_building

[16] نور عرفة، "المستوطنات الإسرائيلية تخنق الاقتصاد الفلسطيني 2015". متوفرة في موقع الشبكة:    al-shabaka.org

[17] رسالة دافيد بن -غوريون إلى موشيه شاريت، وردت في: إيلان بابه، مصدر سبق ذكره، ص 64.

[18]  استعارة لتعبير إريك فروم (Erich Fromm) عن دافع المنازعة من أجل التدمير في مقابل المجاهدة من أجل الحياة التي شرحها في مؤلفه تشريح التدميرية البشرية  “The Anatomy of human destructiveness”

[19] توجب المادة (27) من اتفاقية جنيف على قوة الاحتلال توفير الحماية للمدنيين وحماية ممتلكاتهم.  ونصت المادة (49) على أنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي احتلتها.

[20] ورد في: أسامة إسبر، "القانون كأداة كولونيالية ... الرواية القانونية لاحتلال فلسطين". موقع ضفة ثالثة، نُشر في 3 شباط/ فبراير 2020.

 

شرح الصورة: من هجوم للمستوطنين من بؤرة حفعات ماعون على أهالي قرية تواني في مسافر يطا والرعاة في أثناء وجودهم قرب آبار المياه في أراضيهم الخاصة، أصيب خلاله الشاب حسين الهريني بعد تعرضه للعض في إثر هجوم متعمد وموجه من الكلب الظاهر في الصورة، 27 آذار/مارس 2020.

عن المؤلف: 

مراد جادالله: باحث قانوني، القدس المحتلة.