تجربة التعلّم عن بعد
التاريخ: 
30/03/2020
المؤلف: 

تأثر العالم أجمع بالانتشار الواسع لما يُطلق عليه وباء "كورونا"، إذ إنه أوجد أزمة حقيقية في العديد من المجالات، منها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية، وكذلك الأمر التعليمية، ولا سيما أن استخدام أسلوب التعلّم عن بعد من خلال شبكات الإنترنت، وذلك في معظم دول العالم أن لم يكن جميعها، أتى في إطار مواجهة هذه الأزمة التي تسبب بها فيروس "كورونا". إلاّ إن الإمكانات لتحقيق ذلك بطبيعة الحال تتفاوت بين دولة وأُخرى. ونحن في فلسطين نعايش هذه التجربة الفريدة في ظل أوضاع هي استثنائية أساساً بحكم واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي لطالما أعاق عملية التعليم. وفي هذا السياق، فإن تجربة جامعة بيرزيت  في التعلّم عن بعد لا تزال في بداياتها، وهذا قد يفتح المجال لمحاولة تطويرها والتعمق بها.

وفي الحديث عن تجربتي الشخصية، والتي تُعتبر قصيرة نسبياً، فان عملية التعلّم عن بعد هي بمثابة تغيير كبير في الأسلوب المعتاد لفترة كبيرة في دراستي الجامعية؛ ففي بعض الأحيان تكون مجدية، وفي البعض الآخر لا تأخذ الاهتمام المطلوب. فطبيعة التخصص، وهو العلوم السياسية، في حاجة إلى تفاعل مباشر وأساليب تعليمية قد تكون مختلفة عن تلك في العلوم الطبيعية، إذ إن دراسة العلوم السياسية بمساقاتها المتعددة تفتح المجال للنقاش الواسع ولتبادل الأفكار، وهذا قد يتطلب أساليب تعليمية مباشرة. إلاّ إن الأوضاع الحالية التي أجبرت الجميع على اتباع أسلوب التعلّم عن بعد، فرضت تغييراً في أسلوب التعليم، فبات من الضروري، في اعتقادي، لا بل من المهم أيضاً تغيير طريقة تعاطي المحاضرين مع المحاضرات  ذاتها. ففي بعض المساقات اتبع المحاضر الأسلوب التقليدي العادي في إعطاء المحاضرة، أي أنه وضع مادة الـ"بور بوينت" (power point)، وبات يشرح عنها وكأنه في غرفة صفيّة. لذلك، من الصعب أن يكون مجدياً في بعض الحالات، إذ إن الدراسة من خلال شبكة الإنترنت تحتاج إلى ابتكار أساليب مغايرة لما يجري في قاعة المحاضرة، وهو ما يعني تغيير طريقة تناول المساق مع تغيير أسلوب التعليم. أي، على سبيل المثال، أن يعتمد المحاضر مساحة أكبر للطالب بأن يتناول المعلومات من خلال المساحة المتاحة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى استخدام أسلوب يتماشى مع أسلوب التعلّم عن بعد وهو ما من شأنه أن يزيد من التفاعل ويعطي مساحات أوسع لذلك.

 إلى جانب ذلك، هنالك معوقات كبيرة قد تواجه الطالب ومعلميه في هذه الأوضاع بالذات، فالأوضاع المعيشية أو الاقتصادية للطالب في جامعة بيرزيت تتفاوت من طالب إلى آخر، وبالتالي من الممكن في بعض الحالات أن تتوفر لدى البعض سرعة إنترنت تتوافق مع هذا الأسلوب، وهنالك حالات لا تتوفر لديها إنترنت بصورة دائمة. بالإضافة إلى مدى توفر الإمكانات العامة التي يمكنها أن تستوعب هذه التجربة، وغيرها من المعوقات التي قد تكون أساسية في هذه الأوضاع، ولربما تؤثر عملياً وواقعياً في أساليب التعلّم عن بعد.

إلاّ إن هذا الأمر لا يخلو من تعقيدات أوسع من ذلك، قد لا تسمح المساحة الزمنية في حلها، لكن هذه الأوضاع قد تفتح المجال للتفكير في عملية التعلّم عن بعد بالنسبة إلى الجامعات الفلسطينية بشكل أعمق إنما من دون الاعتماد الكلي عليها كأساس في العملية التعليمية التي هي في حاجة إلى احتكاك مباشر بين الطالب ومعلميه، إلى جانب المساقات العملية التي من الصعب الخوض بها في هذه الأوضاع. كما أن الجدية المطلوبة تظهر طبيعة التكامل بين الطالب ومعلمه، وبالتالي فإن الأساس في نجاح هذه العملية يكمن في طبيعة العلاقة بين الطالب والتعليم. وهنا لا بد من القول إن العملية التعليمية جميعها بحاجة إلى دراسة معمقة، الأمر الذي يوجد حالة ترابط بين الزمن أو التطور من جهة، وبين التعليم من جهة أُخرى، إذ يكون التعليم متماشياً مع هذا التطور، وغير ذلك فهو يبقى في إطار التلقين المعتاد. ومن دون إظهار ذلك، فإن عملية التعلّم عن بعد لن تحظى بالاهتمام، أو لن تؤخذ بجدية، إذ إن معظم الحالات ترى ضرورة الحضور والذي يكون في أغلب الأحيان شكلياً للطالب في المحاضرة والتي لم تختلف في الأساس عن المحاضرات العادية داخل أسوار الجامعة.

هذا التكامل هو أساس في إدراك مدى أهمية عدم الانقطاع عن التعليم، لكن بأساليب عملية منطقية تعطي للأمر جدية من الأطراف المتعاملة معه مثل الطالب ومعلمه. وبالتالي فإنه يتطلب دراسة معمقة إلى جانب دراسة الأساليب التي تتماشى مع تجربة التعلّم عن بعد، بالإضافة إلى توسع في المجال بحكم أنه ما زال في بداياته، لكنه قادر على أن يتطور وأن يوفر بنية تكنولوجية وتقنية واسعة في إطار تطويره. أمّا البدايات، فإنها دائماً ما تكون معقدة بعض الشيء، لكن أهميتها تكمن في حال تم العمل على تطويرها وتوسعها، لتكون بذلك أسلوباً عملياً لمواجهة أي أزمة، أو أي وضع استثنائي قد نعايشه. بالإضافة إلى أنه من الممكن  لبعض المساقات أن يكون مجدياً أكثر، وأقل تكلفة على الطالب والجامعة أيضاً، ويفتح مجالاً أوسع للتطور والإبداع في العملية التعليمية.

عن المؤلف: 

أحمد الصالحي: طالب في جامعة بيرزيت.