برج الشمالي: قلة وعي ومنازل متلاصقة
التاريخ: 
23/03/2020
المؤلف: 

كسائر المناطق في لبنان، تواجه المخيمات الفلسطينية أزمة كورونا، لكن المخيمات تدور في فضاء خاص بها، وكأنها في منظومة فلكية أُخرى.

الدولة اللبنانية وضعت خطة ألزمت المواطنين الالتزام بالحجر الصحي وفرضت حالة الطوارئ الصحية في البلاد، لكن الناس في مخيم برج الشمالي، المعزول، مثله مثل باقي المخيمات في منطقة صور في جنوب لبنان، عن الحياة اللبنانية الاجتماعية والسياسية العامة، يعتبرون أن التزام الحجر المنزلي قد يكون غير ذي جدوى بسبب تلاصق المنازل والبنى التحتية غير الصحيّة.

وكان الموقف الرسمي للجنة الشعبية وفصائل العمل المشترك في المخيم قد أجمع على منع التجمعات، فأُوقفت صلاة الجماعة في المساجد، ومنعت جميع المناسبات الاجتماعية التي يحضرها عدد كبير من الناس، وتوقفت الأنشطة الكشفية والرياضية، وأُجبرت المقاهي على الإغلاق، ودعي الناس إلى الالتزام بالحجر المنزلي، بعدما أَغلقت مدارس الأونروا أبوابها.

لكن تراص البيوت غير الصحية، ببناها التحتية المهترئة، واكتظاظها باللاجئين، وطبيعة الحياة في المخيم التي تتسم بالحياة الاجتماعية الحميمة، تجعل الالتزام بالحجر المنزلي صعباً وغير مألوف بالنسبة للاجئين.

ولعل إغلاق المدارس يزيد المسألة تعقيداً، فنجد في البيت الواحد ما لا يقل عن ستة أفراد، بات جميعهم مضطرين الآن إلى ملازمة بيوتهم الصغيرة. أمّا وسيلة التعليم عن بعد التي تتبعها مدارس الأونروا، إذ يرسل الأساتذة الدروس الكترونياً، متوقعين أن يكون الطلاب قادرين على استيعابها ودراستها وحدهم، فقد تبيّن أنها غير مجدية، لأكثر من سبب: عدم وجود الكمبيوترات و / أو غياب خدمة الإنترنت لدى الكثيرين؛ كثرة الدروس التي يصعب على الأهل متابعتها مع أبنائهم؛ وأخيراً وليس آخراً، كبر العائلات وضيق المساحات في المنازل التي لا تساعد في إيجاد مناخات مناسبة للدراسة عن بعد، وهو ما  يتسبب في تشتت تركيز التلاميذ.

وتجعل سرعة انتشار كورونا المخيم أكثر الأماكن عرضةً للإصابة، إذ يمكن أن تؤدي إصابة شخص واحد من المخيم إلى إصابة مئات الأشخاص الآخرين، فكيف نلتزم الحجر الصحي في بيئة غير صحية؟

يخبرني سائق تاكسي أنه لا يستطيع التوقف عن العمل بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد، وغلاء المعيشة وحجز المصارف لأموال المودعين.

تتدخل امرأة سبعينية كانت برفقته، وترد على تصريح لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي دعا فيه إلى إغلاق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، فتقول: "الجميع هنا يرفض هذا الكلام، ولعل أول ما يخطر في الذهن عند سماع متل هذا الخطاب، هو إغلاق حاجز المخيم، آخر متنفس فيه، وترك الناس في الداخل يحتضرون".

وفي مثل هذه الأوضاع، يزداد تأثير الخطاب الديني على سكان المخيم بصورة كبيرة، ويغذي فكرة الكثيرين في أنه لا داع للقلق ما دامت الأقدار بيد الله، ضاربين عرض الحائط  كل الإجراءات الهادفة إلى الحد من تفشي الوباء.

وتعكس النكات، التي تتناول الأزمات السابقة التي عانى منها الشعب الفلسطيني ونجا، عدم الاكتراث إزاء الإجراءات الوقائية، ومن نماذجها: "يلي شرب من حنفيات مدارس الأونروا، بدو يخاف من كورونا؟!"؛ "الفلسطيني مناعته قوية، بخافش من فيروس"، وأحياناً تكون النكتة ذات طابع مأسوي أكثر:"إحنا هيك هيك ميتين".وبهذا المنطق يقول مقاتل سابق: "إحنا ميتين، وكله بإيد الله.. كانت تمشي القذائف من فوقنا ومن تحتنا، كنا بنص المعركة وممتناش، بدنا نموت بكورونا؟".

وسط هذه الأجواء، يسعى الدفاع المدني الفلسطيني للتوعية والعمل الميداني لتلافي انتشار الفيروس، إذ قام بحملات توعية وتوزيع منشورات وتعقيم المخيم بالكامل، وكان أول من دعا للأخذ بتعليمات وزارة الصحة. لكن الدفاع المدني ينقصه الكثير من التجهيزات والدعم وهو غير مؤهل للتعامل مع الأمر في حال حدوث إصابات في المخيم، كما أن دور الأونروا والفصائل الفلسطينية يبقى غير واضح المعالم.