جرّافة الصفقة
النص الكامل: 

جرافة تتدلى منها جثة، ودبابة ميركافا تحمي الجرافة وتطارد الشبان الذين حاولوا استعادة جثة الشهيد محمد علي الناعم (27 سنة). حملت الجرافة الإسرائيلية جثة الشاب الفلسطيني بين أسنان رافعتها، لتقدم، لمَن يرى ومَن لا يريد أن يرى، صورة رمزية للمرحلة التي افتتحتها صفقة القرن.

فالصفقة ليست اقتراحاً - مثلما أوحى لنا واضعوها من عتاة التيارات الصهيونية بصيغتيها: التطرف العنصري اليهودي المتدين وتيارات المسيحية الإفنجيلية الصهيونية - إنها مشروع نُفذ الجزء الأكبر منه على أرض الواقع.

والصفقة ليست صفقة، لأن الصفقات تكون عادة بين طرفين أو عدة أطراف، لكننا هنا أمام طرف واحد يصفّق لنفسه وإنجازاته. إنها ليست اتفاقاً بين ترامب ونتنياهو، أو بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، وإنما هي تواطوء بين طرفين صارا طرفاً واحداً يمتلك التصورات السياسية والأسطورية نفسها، ويريد فرضها على الطرف الثاني الغائب والمغيّب.

المطلوب من الطرف الفلسطيني الغائب أن يحضر كي يوقّع، وفي اللحظة التي يوقّع فيها يختفي. اختفاء الفلسطيني هو شرط نجاح الصفقة، ولذا، فإنه ضروري من أجل شرعنتها.

من الاسم إلى الصفة

عند نهاية حرب النكبة سنة 1948 أعلنت إسرائيل غياب الفلسطينيين، فالفلسطيني الغائب هو شرط وجود الإسرائيلي الحاضر. الحضور لا يكون إلّا حين يكون الغياب. أنت غائب إذاً أنا موجود. غير أن مشروع تغييب الفلسطينيين كان مساراً طويلاً واجه كثيراً من التعثر.

تعثّر فكرة الغياب لم يأتِ عن طريق المصادفة، وإنما كان ثمرة جهود ثقافية وسياسية وفكرية ونضالية كبرى، وصلت إلى ذروتها في الثورة الفلسطينية المعاصرة التي انطلقت في سنة 1965، وبدأت تذوي مع اتفاق أوسلو.

الغياب الفلسطيني في سنة 1948 كان حقيقة مرعبة: شعب طُرد من أرضه، واسم حُذف من القاموس وتحوّل من اسم إلى صفة.

صار الاسم الفلسطيني صفة للاجئ. غير أن هذه الحقيقة التي فرضتها إسرائيل بالقوة الغاشمة كانت في حاجة إلى قبول الاسم بأنه صار مجرد صفة، كي يكون الغياب نهائياً. وهذا لم يحدث، فالاسم الفلسطيني لم يكن ذاكرة فقط، بل كان جسداً مضرجاً بالدم مع سيل "المتسللين" الباحثين عن سبل العودة إلى بيوتهم، والذي سرعان ما تحوّل إلى سيول الفدائيين التي لم تتوقف، كما كان نصاً حاضراً في الثقافة والأدب.

بقيت صفة اللاجىء بعدما أضافت إليها إسرائيل صفة "المخرّب"، وهي صفة سيجري استبدالها، في زمن تنظيم "القاعدة" وصعود التيارات الأصولية، بكلمة أُخرى هي "الإرهابي".

بين كلمة فدائي وكلمتَي مخرّب وإرهابي، نعثر على المسافة نفسها التي تفصل الاسم عن الصفة.

"الاسم هو مصير"، مثلما قالت العرب، أمّا الصفة فهي لاصقة يمكن تغييرها بحسب تغير الظروف.

أحد أوجه الصراع بين فلسطين وإسرائيل يتخذ شكل صراع بين اسمين، وهذا ما يحدث منذ سبعة عقود، اسم جديد مستلّ من الأسطورة التوراتية يحل مكان اسم قديم معجون بالأرض. وفي لعبة الأسماء، قام "الإسرائيليون الأوائل"، والعبارة هنا لتوم سيغيف، باستبدال أسمائهم الأوروبية بأسماء يهودية.

إنها لعبة الصراع بين الوجه والقناع.

هل يستطيع القناع أن يصير وجهاً؟

قالت لنا جرافة نتنياهو ما سبق أن قاله السور الحديدي الذي اقترحه معلمه جابوتنسكي. إسرائيل وُلدت بحد السيف، وستعيش بالسيف وحده. من دير ياسين التي صنعها مناحم بيغن (9 نيسان / أبريل 1948)، إلى محرقة عائلة الدوابشة في قرية دوما في محافظة نابلس (31 تموز / يوليو 2015).

أمّا اليوم فنحن في عصر الجرافة التي يتدلى منها الاسم الفلسطيني.

محمد علي الناعم، الفدائي الذي تدلى من بين أسنان الجرافة الإسرائيلية، على حدود غزة يوم 23 شباط / فبراير، ليس رمزاً، إنه إنسان في السابعة والعشرين من العمر، متزوج وأب لطفل، لكن الجرافة التي خطفت جثته أرادت محو اسمه وتحويله إلى صورة.

 استبدال التاريخ بالأسطورة

من العبث الدخول في نقاش مع مقدمات صفقة القرن، فهي مقدمات لاهوتية خرافية. الخرافة في زمن الإفنجيليين الصهيونيين صارت بديلاً من التاريخ، بل صارت هي التاريخ. الخرافة تستدعي الخرافة، هذه هي مصيدة الصفقة، فحين يبدأ تاريخ القدس بمحاولة إبراهيم الخليل تنفيذ الأمر الإلهي بذبح ابنه إسحق، نكون أمام نقاش عبثي.

والغريب أن هذه الحكاية التي سبق أن ناقشها معلم الحداثة في الثقافة العربية طه حسين، بصفتها حكاية أسطورية رمزية في كتابه "في الشعر الجاهلي" (1926) وحوكم بسبب ذلك، تعود بعد مئة عام في زمن ما بعد الحقيقة، لتطل برأسها، معلنة استبدال المعرفة بالشعوذة.

النقاش اللاهوتي هو المصيدة التي يريدون جرّ الفلسطينيين إلى السقوط فيها. أصوليون يريدون جرّ العرب إلى حفرة الأصولية، باعتبار أن التيارات الشعبوية والدينية اليهودية والإفنجيلية الصهيونية هي الحداثة والعقلانية!

كأننا أمام منطق القرون الوسطى الذي صنع مآسي وحماقات الحروب الإفرنجية التي أطلق عليها دعاتها اسم الحروب الصليبية.

المقدمة اللاهوتية الخرافية تستدعي حفلة تزوير شاملة للتاريخ، ونقطة المنطلق في هذا التزوير هو محو التاريخ وتغييب الحاضر.

تاريخ هذه البلاد وتاريخ سكان الأرض الفلسطينية، ليسا سوى هامشين نافلين في كتاب الأسطورة اليهودية. حتى تاريخ الحركة الصهيونية التي نشأت كحركة كولونيالية حديثة، بحسب مؤسسها تيودور هيرتسيل، لا وجود لها سوى كجزء من تاريخ تسللت إليه الأسطورة وقامت بشطبه.

نحن أمام مملكة داود، هذه هي الحقيقة التي ينطلقون منها كي يكون اللاهوت أحد أدوات الجريمة.

 عودة إلى سنة 1948

هل نحن في سنة 1948، أم نحن نعيش في سنة 2020؟

عندما يمّحي الفرق بين الماضي والحاضر ويحضر الماضي في الراهن، نكون قد دخلنا في دائرة اللاعقلانية والاستحالة.

سبق أن حذّر الفيلسوف الإسرائيلي يشعياهو ليبوفيتش من إسقاط المقدسات الخرافية على الدولة العبرية، معتبراً أن احتلال الضفة وغزة خطأ تاريخي، وأوضح في كتابه "اليهودية: القيم الإنسانية والدولة اليهودية" (Judaism: Human Values, and the Jewish State) أن احتلال سنة 1967 سيدمّر القيم.

لكن ما فات ليبوفيتش هو أن المرض العنصري أصيل ومتجذر في المشروع نفسه، فالحيلة الدينية التي استخدمها العلمانيون لتأسيس مشروع قومي كولونيالي سرعان ما تحولت إلى مشروع مسياني جارف بعد احتلال القدس والخليل واستيلاء المستعمرين، من خلال منطق التوسع الاستيطاني، على المتخيل والواقع الإسرائيليين.

صفقة القرن ليست سوى استعادة لسنة 1948، بصيغة دينية مسيانية متوحشة. لذلك كان لا بد من العودة إلى الجرافة. والجرافات، مثلما يعلّمنا تاريخ حرب النكبة، كانت إحدى أهم أدوات محو الحاضر. القرى تهدم، والغابات تنتصب على أشلاء البيوت، وإسرائيل تولد فوق حطام الحاضر والماضي.

هناك مصير فكري وثقافي بائس يذهب إليه الإسرائيليون بإرادتهم. حيلة بن - غوريون في اللعب على تقديم التنازلات للتيارات الدينية اليهودية، تحولت على يد عاموس عوز، كبير الروائيين الإسرائيليين، إلى توليفة الحقّين المطلقين، وهي توليفة دفعت إدوارد سعيد إلى وصف مثقفي هذا اليسار الإسرائيلي بـ "مثقّفي الضواحي"، حين أطلق في حوار أجرته معه صحيفة "هآرتس" في سنة 2000، عبارته الشهيرة: "أنا هو المثقف اليهودي الأخير."

صفقة القرن أعلنت موت اللعبة القديمة. انتهى اليسار الإسرائيلي ودُفن تحت الركام الاستيطاني والأصولي، ولم يعد تردد "يهوذا"، كما في رواية عوز الأخيرة، سوى تعبير عن نوستالجيا إلى زمن دفنته القبيلة، ومضت إلى تأسيس نظام أبارتهايد يرفض أن يرى في الفلسطيني الآخر سوى طارىء في بلده يمكن طرده، مثلما أوحت لنا الصفقة في مشروعها بشأن المثلث.

ترامب يريد أن يدخل التاريخ بصفته بلفور الجديد، ونتنياهو يريد أن يصنع إسرائيل جديدة. إسرائيل الأولى بُنيت على تغييب الفلسطينيين وتهديم بلدهم، أمّا إسرائيل الثانية فستُبنى على تحويل مَن سيبقى من الفلسطينيين إلى عبيد غير مرئيين.

نكبة 1948 لم تجرِ من دون شريك عربي مقنّع ارتضى بتقسيم فلسطين وشطب الاسم الفلسطيني، أمّا الفصل الجديد من النكبة فيُبنى على شريك عربي مكشوف الوجه. ماذا أتى بسفراء ثلاث دول عربية هي البحرين والإمارات وعُمان لحضور احتفال الثنائي ترامب - نتنياهو بإعلان قرار موت فلسطين؟

اللعبة انكشفت. الاستبداد هو الوجه الآخر لتدمير البلاد العربية، وهو شريك للصهيونية من موقع التابع لا أكثر.

 اسمها دولة!

أطلِقوا عليها اسم دولة إذا شئتم، أطلِقوا على أبو ديس اسم القدس إذا شئتم، وسمّوا دولتكم فلسطين أو فلسطين الجديدة. دولة الأنفاق والجسور والمعازل التي تخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، دولتكم هذه ليست دولة، إذاً فلتكن اسماً. لا مانع من الاسم الآن، فبعد اغتيال المُسمى فقد الاسم دلالاته.

حتى صفة اللاجىء الفلسطيني يجب أن تنتهي، فاللاجئون يهود أيضاً خرجوا من البلاد العربية والتجأوا إلى الدولة اليهودية. وعلى النفط العربي أن يعوّض لهذين الصنفين من اللاجئين بالتساوي! هل أصبح مفهوم الصعود "عاليه" العبري، الذي اعتبرت فيه الصهيونية الهجرة إلى إسرائيل صعوداً، مجرد لجوء؟!

صفقة القرن تريد تحويل فلسطين إلى أرض بلا شعب، عبر إطاحة القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

فالفلسطيني مقيم بمنحة من صاحب الأرض الأبدي، وعليه أن يُثبت ولاءه وجدارته وإلّا سيعاقَب.

الفلسطيني ضيف ثقيل على الأرض التي وهبها الله لشعبه المختار، وهو لا يتمتع بأي حقوق سياسية. السلطة أو الدولة الفلسطينية ليست سوى شرطي في خدمة السيد الإسرائيلي.

لا يمتلك الفلسطيني أي حق، إنه مقيم مجرد من الحقوق ومثقل بالواجبات.

صيغة صفقة القرن أكثر عنصرية من صيغة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، إنها ضرب من الهستيريا التي تعتقد أن على الخصم الفلسطيني أن يركع ويستسلم.

لكنها صيغة لا تقدم للمستسلم سوى اقتراح الغياب. استسلم كي تصير لامرئياً، أي كي تموت. لم يخطر في بالهم أن الخيار بين الموت والموت ليس خياراً، واعتقدوا أنهم يستطيعون شراء رضوخ عدوهم لخيار الموت عبر رشوته بدولارات النفط العربي.

يشترون موتنا بوعد بأموالنا!

هذا هو وعد ترامب للفلسطينيين، جنازة مكفّنة بالبترو دولار.

وعلى الفلسطينيين أن يسمّوا خريطة بلدهم التي طُردت من الخريطة دولة!

 المهانة

إنه اقتراح الموت المهين.

لو لم نهن لما سهل عليهم تقديم اقتراح المهانة هذا.

صحيح أن فلسطين محاصرة بالانحطاط العربي، لكن هذا وحده لا يفسر الهوان الفلسطيني.

مَن هم هؤلاء الذين يدّعون إرثاً أفرغوه من معناه؟

ما هذا النظام الهجين الذي صنعته أوسلو وأكملت هزيمة الانتفاضة الثانية صوغه؟

ما هذا الرد الذي لا يَردّ؟

المبرر الأول للصفقة هو الحالة الفلسطينية التي فقدت أو أُفقدت القدرة على ردة الفعل، في ظلّ رِدتين:

ردة أصولية تعيش في الهزيمة حتى لو أطلقت النار.

وردة استسلامية تعتقد أنها تملك قوة الامتناع من التوقيع.

وفي الحالين، فإن الرهان الإسرائيلي هو على الزمن، وفي هذه الأثناء فإن صفقة القرن تنفَّذ وسيستكمل تنفيذها.

لكن المسألة ستكون أكثر تعقيداً ممّا يظنون.

 إسرائيل والدوامة الانتخابية

انتهت الانتخابات الإسرائيلية الثالثة على التوالي، من دون حسم.

ليلة الاثنين 2 آذار / مارس 2020، أسرع نتنياهو إلى إعلان النصر، انطلاقاً من الاستطلاعات الأولى التي أعطت الليكود تفوقاً، وكتلة اليمين القومي الحريدي احتمالاً بأن تصير أغلبية ولو بصوت واحد.

نتنياهو كان يعلم، وهو الخبير في اللعبة السياسية والانتخابية، أن النتائج لن تكون على صورة استطلاعات الرأي، لكنه أراد وضع الرأي العام أمام ما يشبه الأمر الواقع.

انطلت هذه اللعبة أربعاً وعشرين ساعة، قبل أن ينكشف أنها هراء.

صحيح أن الليكود تقدم على حزب الجنرالات بثلاثة مقاعد، وهذا يعود إلى عجز "أزرق أبيض" عن تشكيل خطاب بديل مقنع للجمهور.

نتنياهو خاض معركة صفقة القرن وكراهية العرب، وهذا ما فعله غانس أيضاً، لكن بقليل من الارتباك.

بات على الإسرائيليين اليهود الاختيار بين يمينين، صحيح أنهم فضلوا نتنياهو لأنه الأكثر وضوحاً وشراسة، لكن الخيار لم يكن حاسماً هذه المرة أيضاً.

الانتخابات لم تُخرج إسرائيل من "البرزخ" مثلما وصفه جدعون ليفي، في تحليله للانتخابات الثانية ("مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 121، شتاء 2020، ص 27 - 31).

البرزخ الإسرائيلي ليس انتخابياً فقط، بل إن الانتخابات تعكس أيضاً عجز النخبة الإسرائيلية الجديدة عن بلورة مفهوم لإسرائيل الثانية التي ستواجه خطر واحتمال التحول سريعاً إلى دولة دينية - عنصرية مكشوفة.

والمأزق سيستمر.

المؤرخ الإسرائيلي بني موريس، صاحب نظرية وضع الفلسطينيين في أقفاص، نسب المأزق إلى خطأ بن - غوريون لأنه لم يستكمل التطهير العرقي في فلسطين كلها في سنة 1948.

لن أدخل في مناقشة هذا التصريح الساذج الذي يفترض أن التاريخ تصنعه الإرادة وحدها، فهذا موقف يشير إلى المأزق الإسرائيلي الكبير الذي له اسم واحد هو ضرورة تغييب الفلسطينيين الذين يرفضون الغياب.

وهنا حدثت المفاجأة الكبرى.

المفاجأة الكبرى في الانتخابات كانت الفلسطينيين خلف الخط الأخضر، الذين برزوا كقوة سياسية فاقت التوقعات الإسرائيلية كافة.

يمكن إعادة بعض أسباب فوز القائمة المشتركة بخمسة عشر عضواً في الكنيست إلى جملة من العوامل التفصيلية كغياب الأسماء العربية عن احتمال الفوز على قوائم الأحزاب اليهودية، غير أن هذا العامل لم يكن حاسماً.

الحاسم تمثل في مستويين:

المستوى الأول هو الشعور بالخطر. فالفلسطينيون في الدولة العبرية هم جزء من الشعب الفلسطيني الذي يواجه اليوم خطراً جدياً اسمه الإبادة السياسية. وهذه الإبادة لن تجري في الضفة الغربية وغزة والقدس فقط، بل ستجري في إسرائيل أيضاً، التي فقد الخطاب العنصري فيها الحياء، بحيث شعر كل فلسطيني بأنه مهدد شخصياً. قانون القومية أعلن أن التهديد جدي، وكان الخطوة القانونية الأولى التي مهدت لصفقة القرن.

المستوى الثاني هو الوحدة. قد نقول إنها وحدة الضرورة، وهي في حاجة إلى برنامج سياسي وأطر عمل شعبية، وهذا صحيح، لكنها شكلت جواب فلسطينيي الداخل عن الانقسام الذي يدمر المناطق المحتلة.

وحدة الضرورة هي الجواب على التشرذم والتهالك في مدى عربي وإقليمي غير معنيّ بفلسطين إلّا بصفتها حجة للاستسلام، أو شماعة لخطاب ممانع ليست فلسطين أولوية بالنسبة إليه، كي لا نقول إنها مجرد مشجب يعلّق عليه استبداده.

غير أن هذا الانتصار يرتب على القائمة المشتركة مهمات كبرى، جاعلاً منها البديل الوحيد من يسار إسرائيلي متهالك.

إنها مطالبة اليوم، بحسب تعبير رائف زريق، "بصوغ مشروع ثنائي القوميه يقوم على المساواة وعلى قياده جبهه النضال ضد الأبارتهايد الزاحف. هذه هي المهمة، فهل ستكون المشتركه قادره على هذه المهمة؟"

هذا هو التحدي الفلسطيني الجديد، وهذه ليست مهمة فلسطينيي الداخل وحدهم، إنها مهمة جميع الفلسطينيات والفلسطينيين في الوطن والشتات، ففكرة فلسطين يجب أن تتبلور من جديد في هذا المنعطف النكبوي الكبير.

بعد نكبة 1948 صاغت فلسطين هويتها ليس من الذاكرة فقط، بل من رؤية مستقبلية للتحرير أولاً وأيضاً.

وفي منعطف هذه المرحلة الجديدة من النكبة ليس أمام فكرة فلسطين سوى أن تبلور أفق المساواة والمشروع الثنائي القومية، كرؤية لمواجهة التغييب من جهة، ومقاومة الانحدار إلى مستنقع الأبارتهايد والخراب والجنون الأصولي الغيبي من جهة ثانية.