"صفقة القرن" في مواقف الأحزاب الصهيونية قبل انتخابات الكنيست المقبلة
التاريخ: 
11/02/2020
المؤلف: 

انقسمت ردود الفعل الأولية في ساحة الأحزاب الصهيونية الإسرائيلية على "صفقة القرن"، بعيد الإعلان عنها في البيت الأبيض مساء الثلاثاء 29 كانون الثاني/يناير الماضي، بين معسكرين أساسيين أحدهما يزهو بنشوة الانتصار التاريخي، وثانيهما يبحث عما يبقيه على قيد الحيوية والأهمية في الساحة السياسية، بينما تحكم أداء كليهما معاً حقيقة حصول الحدث، بصورة منظمة ومخططة بدقة، عشية الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في إسرائيل في الثاني من آذار/مارس القريب، وهي الثالثة في غضون أقل من سنة واحدة كتعبير صارخ عن الأزمة السياسية الداخلية التي تعصف بإسرائيل، ولا يبدو أن الانتخابات المقبلة ستوفر مخرجاً منها. فحتى استطلاعات الرأي التي أجريت في ذروة التغطية الإعلامية الاحتفالية، بقدر كبير من النشوة التظاهرية، لم تقرّب نتنياهو من فرصة الحسم الانتخابي، بل بقي التعادل بين المعسكرين سيد الموقف، وهو ما قد يكون نذيراً باحتمال اللجوء إلى جولة انتخابية أخرى، ستكون الرابعة خلال سنة ونصف السنة.

في المعسكر الأول، اليميني، كانت الفرحة غامرة حدّ النشوة الحقيقية بأن "انتصاراً تاريخياً" قد تحقق في قضايا جوهرية أساسية في صلب الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في مقدمتها: اعتراف الولايات المتحدة، للمرة الأولى وبصورة رسمية، بشرعية المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وإعطاء الضوء الأخضر بضمها إلى السيادة الإسرائيلية رسمياً؛ الإلغاء الكلي والنهائي -من طرفها - لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة؛ والاعتراف الرسمي بأن مدينة القدس (الشرقية) لن تكون عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية، بل بعض أحيائها والبلدات المحيطة بها. وكان التأكيد في هذا المعسكر على ضرورة اهتبال "الفرصة التاريخية" وإقرار الضم وتنفيذه بأقصى سرعة ممكنة وقبل الانتخابات المقبلة، بالطبع.

في المعسكر الآخر، ما يسمى "الوسط -اليسار"، كانت الفرحة خجولة مشوبة بالقلق مما قد يجنيه بنيامين نتنياهو واليمين عموماً من هذه "الخطة" في توقيت نشرها الحالي بالذات، بالنظر إلى حقيقة الانزياح اليميني الواضح في الرأي العام الإسرائيلي إجمالاً. وقد تركز نقد هذا المعسكر الأساسي لهذه الخطة حول توقيت نشرها، بصورة أساسية، لا حول مضامينها ومقترحاتها؛ التوقيت من حيث كونها تأتي عشية انتخابات برلمانية عامة، من جهة، ومن حيث أن الحكومة الحالية في إسرائيل حكومة انتقالية ليست مخولة صلاحية تنفيذ خطوات بعيدة الأثر، من جهة ثانية. كما اتهمت أحزاب هذا المعسكر نتنياهو بمحاولة تضليل الرأي العام عشية الانتخابات بوضع "الخطة" ومضامينها على رأس جدول الأعمال وطمس "القضية المركزية"، المتمثلة بلائحة الاتهام الجنائية الخطيرة التي قدمت بحقه وكل ما يتصل بهذا، من حيث كون رئيس الحكومة الانتقالية (الحالية) والمرشح لرئاسة الحكومة المقبلة فاسداً ومتهماً بملفات فساد خطيرة، من ناحية، واتهامه، من ناحية أخرى، بفتح الباب أمام التدخل الأجنبي في الانتخابات الداخلية الإسرائيلية، بل استدعاء هذا التدخل شخصياُ من خلال الرئيس الأميركي ترامب.

غير أن النشوة في معسكر اليمين سرعان ما استحالت خيبة أمل عميقة في أوساط اليمين والمستوطنين مع اتضاح محدودية القدرة على تنفيذ ما تضمنته الخطة تصريحاً، وما أعطت عليه ضوءاً أخضر رسمياً، وعدم قدرة نتنياهو حالياً على تنفيذ ما يتعلق منها، خصوصاً، بضم مناطق فلسطينية إلى السيادة الإسرائيلية، سواء في غور الأردن وشمال البحر الميت أو في الضفة الغربية، وبضمنها المستوطنات اليهودية.

وهذا بالذات ما تنبهت إليه ونبهت منه وزيرة القضاء السابقة في الحكومة الإسرائيلية وإحدى قادة معسكر اليمين، أييلت شاكيد، التي قالت إن "خطة ترامب هي فرصة كبيرة، حقاً، لكنها خطر كبير أيضاً في الوقت نفسه. وإذا لم تكن الخطوة الأولى فيها بسط السيادة الإسرائيلية على المناطق المذكورة، فعندئذ سيكون الخطر أكبر من الفرصة بكثير. كل شيء منوط بماهية الخطوة الأولى. إن كانت الخطوة الأولى هي الضم، فلن تكون هنالك دولة فلسطينية. أما إذا كانت الخطوة الأولى مفاوضات لإقامة دولة فلسطينية، فقد ينتهي الأمر بدولة إرهاب في قلب دولة إسرائيل".

"صفقة القرن" التي كان يأمل نتنياهو، إذن، في أن توصله إلى عتبة الـ 61 عضواً في الكنيست، سرعان ما تحولت إلى "مهزلة القرن" وأدخلته، مرة أخرى من جديد، في دوامة الصراع ليس على مقاعد "معسكر اليمين" فقط، وإنما على مقاعد حزبه (الليكود) أيضاً، حيال إعلان العديد من الوزراء أنهم لن يدعموا مشروعاً يتضمن أي ذكر لإقامة دولة فلسطينية، لأن هذه الأخيرة "خط أحمر لا يمكن تجاوزه". أصبح نتنياهو مضطراً لتقديم إجابات شافية لمعسكره هو، أولاً وأساساً، من حزبه "الليكود" وحتى أكثر المستوطنين تطرفاً، مروراً بالأحزاب الأخرى في معسكره، والتي تنافسه على أصوات الناخبين الذين أراد اجتذابهم بتربية أمل الضم لديهم وكأنه (الضم) أصبح قاب قوسين أو أدنى، بل في متناول القرار تماماً، وهو الأمل الذي سرعان ما استحال خيبة أمل عميقة جداً ومؤلمة كثيراً.

وقد عاد نتنياهو وأجرى محاولة أخرى لاحتواء غضب المستوطنين الذين يشكلون احتياطي الأصوات الأهم في معسكر اليمين، فالتقى بقادتهم الذين يطالبونه بإقرار الضم وتنفيذه قبل الانتخابات. وبحسب ما نقلت التقارير الصحفية عن هذا اللقاء، فقد قال نتنياهو لقادة المستوطنين إن "التغيير حصل في الموقف الأميركي، إذ أعطى في البداية ضوءاً أخضر للضم الفوري، ثم انتقل إلى معارضة تنفيذه قبل الانتخابات"، وهو ما عزاه نتنياهو إلى "سوء تفاهم داخلي" في الإدارة الأميركية. وأضاف، أمام قادة المستوطنين، إن الأميركان ما زالوا يعارضون أي إجراء في اتجاه الضم قبل الانتخابات، ولو جزئياً فقط، "لكنني أواصل المحاولة"، كما قال.

من جهته، حذر نفتالي بينيت، وزير الأمن ورئيس حزب "يمينا" (إلى اليمين)، من عدم إقرار وتنفيذ الضم بشكل فوري وقال: "ما يؤجَّل إلى ما بعد الانتخابات لن يحصل. هذه حقيقة ندركها جميعنا". وهي حقيقة يدركها معسكر اليمين برمته، حقاً، كما عبرت تصريحات وتحركات العديد من قادته، على اختلاف أحزابهم ومشاربهم. وقال بينت إن على إسرائيل "عدم الاكتفاء بسيادة جزئية" وإنما "أخذ الكل، الآن"، وأضاف: "لن نسمح بأي اعتراف إسرائيلي بدولة فلسطينية ولا بأي حال من الأحوال".

وقال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان،: "أحيي الرئيس ترامب على أنه شمل في خطته للسلام اقتراحي أنا بشأن تبادل الأراضي والسكان، كما نشرته في سنة 2004". وأضاف: "إن الثبات على المبادئ وطرح تصور متكامل يثبتان نفسيهما، مرة بعد أخرى". 

أما حزب أتباع الحاخام الفاشي مئير كهانا، "عوتسما يهوديت" برئاسة إيتمار بن غفير، فقد اعتبر أن "هذه صفقة سيئة وخطيرة تجلب إلينا دولة فلسطينية تشكل خطراً على دولة إسرائيل وتسلم مناطق من أرض إسرائيل. واتضح صباح اليوم أن بعض السكاكر التي اقترحوها على شعب إسرائيل من أجل تحلية القرص كاذبة، مغشوشة وخادعة. ولذلك سنخرج إلى معركة ضد الصفقة ونعتقد أن إقامة دولة فلسطينية، على بعد بضعة كيلومترات من كفار سابا ورعنانا وبيتح تكفا وروش هعاين هي خطر على إسرائيل وتعيدنا إلى عهد أوسلو".

في المعسكر الآخر، "الوسط ـ اليسار"، اعتبر الحزب الأكبر فيه، "أزرق أبيض"، أن "خطاب ترامب ينسجم تماماً مع المبادئ السياسية والأمنية لحزب أزرق أبيض. خطة السلام التي عرضها الرئيس ترامب تشكل قاعدة متينة للدفع نحو تسوية سلمية مع الفلسطينيين، وفقاً للترتيبات الأمنية الضرورية مع الأردن ومصر وتوسيعها لتشمل دولاً أخرى في المنطقة". وأضاف بيان الحزب: "أصبح واضحاً الآن، أكثر من أي وقت مضى، أنها خطة جدية، معمقة وشاملة سيستغرق تطبيقها نحو أربع سنوات".

زعيم "أزرق أبيض" والمنافس على رئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بيني غانتس، سارع إلى الإعلان، إثر عودته من واشنطن ولقائه الثنائي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إن "خطة السلام التي عرضها الرئيس ترامب تجسد، بصورة صادقة تماماً، مبادئ الأساس المنصوص عليها في برنامج "أزرق أبيض" الانتخابي". وتعهد غانتس بطرح "خطة الرئيس ترامب كاملة، كما نشرت" على طاولة الكنيست لإقرارها "بصورة تصريحية ومبدئية"، معتبراً أنها "فرصة تاريخية لترسيم حدود دولة إسرائيل ومستقبلها". لكنه لم يفِ بتعهده هذا ولم يكن بإمكانه فعل ذلك. وأوضح غانتس ومقربوه لاحقاً أن الهدف من هذه الخطوة -التي لم تر النور- هو "إحراج" معسكر اليمين ووضعه أمام تحدي التصويت على خطة تنص على قيام "دولة فلسطينية مستقلة" بين البحر والنهر.

تجدر الإشارة هنا إلى أن تعهد غانتس هذا جاء على خلفية نقاشات حادة جرت لاحقاً في معسكره، إثر عودته من واشنطن، تخللها اتهامه بأنه وقع في المصيدة التي نصبها له نتنياهو، وجند لها ترامب نفسه أيضاً، بمعنى "توريطه" في قبول مشروع الضم وتبنيه، سياسياً، على عتبة الانتخابات البرلمانية، بما يؤكد عدم وجود أية فوارق بين المعسكرين على الصعيدين السياسي والعسكري/الأمني. وأكد منتقدو غانتس إنه بعد أن دعا بنفسه نتنياهو إلى بسط السيادة الإسرائيلية على غور الأردن بقرار حكومي قبل الانتخابات، سيكون من الصعب عليه جداً توجيه أي انتقاد لخطوة كهذه لاحقاً، وسيتضح في نهاية المطاف أنه قد ساهم، بصورة فعالة ومباشرة، في تحصين ترامب ونتنياهو من أية ادعاءات/اتهامات بتدخل خارجي في الانتخابات الإسرائيلية. 

رئيس تحالف "العمل -جيشر -ميرتس"، عمير بيرتس، اعتبر إن "أسس الخطة المتعلقة بتعزيز أمن إسرائيل وإطلاق مفاوضات سياسية هي أسس مهمة، لكن الامتحان هو هل بالإمكان تحويلها إلى عملية تؤدي إلى الانفصال التام عن الفلسطينيين، وليس إلى عملية ضم أحادية الجانب، كما يريدها اليمين". وأضاف: "الإطار العام لمثل هذه الخطة ينبغي أن يرتكز على المركبات التالية: ترتيبات أمنية، إخلاء مستوطنات معزولة والإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة، ثم بناء محور من دول عربية معتدلة ضد محور التطرف الذي تقيمه إيران".

عضو الكنيست إيتسيك شمولي (من حزب "العمل") وصف "صفقة القرن" بأنها "خدعة القرن ولن توصل إلى السلام، بل إلى ضم أحادي الجانب فقط، وإلى إشعال حريق. فالتصريح الفوري بضم مناطق واسعة ومستوطنات معزولة لا علاقة لها بالأمن، يلغي الاعتراف الهام الوارد في الخطة بحل الدولتين ويفرغه من أي مضمون حقيقي، ويجهض أية فرصة لبلوغ الانفصال ويفضي إلى خيار الدولة الواحدة الذي يتعارض مع مصلحتنا القومية والأمنية".

نيتسان هوروفيتس، رئيس حزب "ميرتس"، رأى أن الضم هو "خطوة مدمرة. فقط الحكومة المقبلة، التي ستتشكل بعد الانتخابات، هي المخولة صلاحية النظر في الخطة الأميركية وبحث إمكانيات تطبيقها. لم يكن ولن يكون بديل عن المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وهو المبدأ الأساس الوارد في خطة ترامب، والامتناع عن أي إجراء من جانب واحد".