الذاكرة والمنفى في الإنتاج السينمائي الحديث في الجولان
نبذة مختصرة: 

تقدم هذه المقالة قراءة في الإنتاج السينمائي المحلي الحديث في الجولان، وتحديداً في فيلمين: "المنسيون" (2011) لمخرجه السوري إيهاب طربية، و"بين موتين" (2015) لمخرجه السوري أمير فخر الدين، في محاولة فهم للتجربة السورية في الإنتاج الثقافي المحلي.

النص الكامل: 

أسقطُ سهواً في قلقي.
أسقطُ في فوضاي،
ثم أسقطُ في غربتي عن هذا العالم،
ما شأني بنشاز الصوت في أغنية لن أسمعها.[1]

المنفى كبداية

يبدأ فيلم "المنسيون" (2011) لمخرجه السوري إيهاب طربية من سكان الجولان المحتل، بمشهد نرى فيه شادي، وهو شاب جولاني (من سكان الجولان) يعمل مهرباً للبضائع على طول الخطوط الحدودية – خط وقف إطلاق النار بين سورية والجولان المحتل.[2] يصعد شادي في المشهد الأول إلى السيارة، ليفاجأ بأن يومه هذا لم يكن كأي يوم عمل آخر، فقد استلم مهمة غير اعتيادية، هي مرافقة مصطفى (رجل سوري في السبعينيات من عمره من مهجّري قرية عين فيت السورية في الجولان)، بزيارة أخيرة لبيته.

ديمومة الحزن والأسى لدى مصطفى طوال الفيلم، وفشله المتكرر في استحضار الطريق المؤدية إلى بيته في ذاكرته، يصوران اغتراب الحيز السوري في الجولان، ويقومان بإقصاء البيت والذاكرة البيتية خارج حدود المكان والزمان هناك.

تصوير حالة الاغتراب على هذا النحو ليست تقنية جمالية يستخدمها طربية في فيلمه فقط. فالبحث الدائم الذي يصل إلى حد الإرهاق الذي نعيشه كمشاهدين وكمَشاهِد مع مصطفى وسط الطرق الضبابية، ودخوله خطأً إلى أحد حقول الألغام التي زرعها الجيش الإسرائيلي في أراضي الجولان، حتى وصوله في نهاية الفيلم ليرى أنقاض قريته المهدمة، ليست مجرد تفصيلات وجودية تضاف إلى سردية الاغتراب هذه عن البيت والوطن. العكس صحيح، فمن خلال عنوان الفيلم، "المنسيون"، وجملة طربية الافتتاحية المهداة في بدايته "إلى الرجل الذي التقيته في دمشق منذ أحد عشر عاماً. لم أعد أذكر اسمه، سأسميه مصطفى (انظر الصورة أدناه)"، يصرّ المخرج على نحت معاني الذاكرة والوطن والمكان السوري المنسية في الجولان، كما يصور لنا هوس مصطفى المستمر (وشادي أيضاً في وقت لاحق من الفيلم) في محاولاتهما استحضار الذاكرة على الرغم من تلاشي تفاصيل المكان، ليجعل من رحلة البحث عن البيت في الوطن عبئاً ثقيلاً، وسرداً غير واضح يتشكل من خلاله الوطن على أنه منفى.

ليس عبثاً أن تبدأ قصة الجولان لدى طربية من حدودها هكذا، وليست مصادفة أن يستهل المخرج فيلمه بمحاولة استذكار ماضٍ تلاشى. فالجولان لدى طربية يبدأ من هذا التشابك بين الذاكرة والمنطقة الحدودية.

في كتابه "بدايات: القصد والمنهجية"، يذكّرنا إدوارد سعيد بأن كل كاتب وكاتبة (أو فاعل ثقافي) يعي أن اختيار البداية لما يكتبه هو أمر بالغ الأهمية، ليس فقط لأنه يحدد كثيراً ممّا سيلي، بل أيضاً لأن بداية أي عمل هي، من الناحية العملية، المدخل الرئيسي لما يقدمه.[3] يقول سعيد إن تسمية البداية تنطوي بصورة عامة أيضاً على تحديد المقاصد المترتبة على ذلك،[4] فالبداية هي النقطة الأولى (في الزمان أو المكان أو العمل) لإتمام سردية ما ذات معنى، وهي، مثلما يقول سعيد، "الخطوة الأولى في الإنتاج المتعمد للمعنى."[5]

 

 الشارة في فيلم "المنسيون" (2011) لمخرجه إيهاب طربية.

هذا النمط من اللاوضوح السردي هو بمثابة خروج عن معايير الفيلم الوثائقي السردي المعتاد، ويشكل علامة واضحة للمبنى التصويري الذي هو جزء من الحيز المنفي (exilic mode of production) – مصطلح ناقشه بتوسّع حميد نفيسي في شأن الإنتاج البصري لمخرجين عاشوا حالات المنفى والشتات، خارج الوطن أو ضمنه.[6] مصطفى، الرجل المسن في فيلم طربية، والذي تدور بينه وبين شادي عدة حوارات قصيرة لكن متقطعة خلال رحلته في البحث عن البيت، وهي جميعها حوارات تُفهم في وقت لاحق من الفيلم، يظهر لنا على أنه يحاول بشكل مستمر تتبّع "البقرة" التي فقدها، والتي ترمز بدورها إلى "الوطن" – المكان السوري في الجولان المحتل.

تسود حالة الاغتراب ويتشكل المنفى خلال تفصيلات الفيلم، ولربما بصورة خاصة عندما يصطدم شوق مصطفى ورغبته الملحّة في الوصول إلى بيته في قرية عين فيت مع البرود العاطفي الذي يعبّر عنه شادي تجاه هذه الرحلة. ففي وقت يعتبر مصطفى هذا المسار رحلة مصيرية ومثقلة بالمشاعر، يعيش شادي يوماً آخر من أيام عمله الروتينية، والتي يقوم فيها "بنقل بضائع" وتهريبها عبر الحدود في مقابل كسب مبلغ مادي. وتصاغ هذه الفجوة ما بين المنفيَين عندما يوجه شادي سؤاله إلى مصطفى: "شو عندك تسوي بعين فيت؟" [ماذا لديك في عين فيت؟]، يجاوبه مصطفى "بيتي هناك"، لكن، بدلاً من أن يُظهر شادي التعاطف مع مصطفى، يرد عليه ببروده تامة ليقول: "حسنا، مباشرة بعد اجتيازنا الحدود عليك دفع المبلغ بالكامل." هذا البعد والتمييز الواضحان بين معنى البيت والحدود والوطن في عينَي كل من مصطفى وشادي، أبناء المكان السوري نفسه، يزيدان في قساوة الاغتراب، ويشيران أيضاً إلى ضرورة قراءتنا للبعد الجيلي لأبناء المكان. فشادي الذي لا يزال يسكن في الجولان تحت الحكم الاستعماري الإسرائيلي، منفيّ عن وطنه كمصطفى الذي وُلد في الجولان، لكنه أُقصي عنه منذ زمن ليعيش في الداخل السوري.

فيلم "المنسيون" (2011) ليس الفيلم الوحيد المصنوع في الجولان، والذي ينظر إلى الوطن والذاكرة وتصورات الحدود الجيوسياسية هناك على أنها مواد أساسية في تشكيل تجربة المكان لدى المجتمع السوري الذي لا يزال صامداً منذ الاحتلال الإسرائيلي في سنة 1967. ففيلم "بين موتين" (2015) لمخرجه السوري أمير فخر الدين، من سكان مجدل شمس، يقوم أيضاً على مضامين وثيمات تحاكي تلك التي يصورها طربية في فيلمه أعلاه، ويعكس يوماً في حياة فلاح يدعى كميل وزوجته محسنة، يعيشان على الحدود السورية في مجدل شمس.

لا تتأخر الحدود في الفيلم لتظهر على أنها بداية الحدث الذي سيقوم فخر الدين بسرده. مع ذلك، وبخلاف فيلم "المنسيون"، فإن هذه الحدود لا تصوَّر بصفتها حاجزاً صلباً غير قابل للاختراق أو الاجتياز فحسب، بل إن التقارير الإخبارية المتدفقة باستمرار في خلفية الفيلم من الراديو الذي يحمله كميل، والتي تسرد بشكل شائك تفصيلات الحرب السورية الدامية في الشق الآخر من الأراضي السورية وراء الحدود، توضح الدور الثنائي للحيز الحدودي في الجولان ومبناه التزامني (temporality) في كونه يعزل سكان المكان عن وطنهم الأم سورية ويحرمهم منه، في الوقت الذي يبعدهم عن آلات القتل والدمار وفائض الموت هناك. فيصبح السؤال لدى فخر الدين ملحّاً: أين هي الحرب؟ أهي خارج حدود الاحتلال؟ أم داخل حدود الوطن السوري؟ وما هو دور الحدود والأسلاك الشائكة هنا؟

الطريق إلى الجولان والحيز الفارغ مثلما يراهما مصطفى في فيلم "المنسيون" (2011).

لا يكتفي فخر الدين بطرح سؤال الوطن والحدود والحرب بهذا الشكل، لكنه يموضعنا أمام حالة من الاغتراب نعيشها كمشاهدين مع كميل ومحسنة أمام منزلهما. ففي واحد من المشاهد الافتتاحية لفيلم "بين موتين"، ولربما الأطول زمنياً (بين الدقائق 1:17 – 3:49)، يخرج كميل باكراً من منزله المحاذي للشريط الحدودي الفاصل في مجدل شمس، ويعتلي الجرار الزراعي (التراكتور) مع زوجته محسنة، للتوجه إلى العمل في بستان الكرز. في خلفية المشهد، نرى السياج الحدودي الشائك وسلاسله الحديدية الحادة وعليها لافتة تحذيرية إسرائيلية تذكِّر أصحاب المكان السوريين باللغة العبرية بأنهم داخل "منطقة عسكرية". في هذا المشهد البطيء، والذي تزيد مدته على دقيقتين، ينتظر كميل زوجته كي تخرج من المنزل لتنضم إليه. انتظار كميل لزوجته في محاذاة السياج الحدودي من دون أي تغيير يلاحَظ من خلال جسده ووضعيته، يجسد حالة الجولان المحتل لعقود تحت وطأة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، والانتظار الدائم والمستمر للوطن السوري. ليس هذا فقط، بل يكتمل أيضاً معنى الانتظار الصامت لدى كميل لزوجته / أو الجولان لوطنه، عندما نسمع من الراديو الذي يحمله كميل، بداية الأخبار مستهَلة بجملتين إخباريتين متتاليتين، الأولى عن الجيش السوري وحربه في مدينة حلب السورية، والثانية عن رئيس حكومة دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ورفضه حل "الدولتين لشعبين" مع الفلسطينيين. في هاتين النشرتين الإخباريتين، يصور فخر الدين الوضعية الحدِّية (liminality) للجولان المحتل بين دوي التفجير والقصف والحرب وفائض الموت والدمار في الوطن السوري، وبين العقود الطويلة في ظل التهويد والاستيطان الصهيوني للوطن في الجولان كجزء من الواقع اليومي الفلسطيني الذي أصبح جرّاء ذلك منفى، ليتضح بذلك معنى "الوجود" الفعلي بين موتَين، السوري والفلسطيني.

الحدود، المكان والاستعمار

للبيوت أيضاً أهلٌ وأصحاب

توجعها جراحها وتوجعهم أكثر

للبيوت نوافذٌ؛ عيون يثقبها الرصاص

وجدران تكسرها القذائف،

وحين البيوت تموت

لا نلفّها بألوان العلم

لا يمشي في جنازتها أحد

غير اليد التي تعبت في البناء

البيوت أيضاً شهداء.[7]

عند مشاهدتنا هذين الفيلمَين، لا بد لنا من التساؤل: ما هو البيت؟ وأين هو؟ فعلى الرغم من انشغال هذه الأعمال بالبحث عن الوطن واستذكار البيت، فإننا كمشاهدين، نرى هوساً بصرياً في تصوير الحيز "العام" – أي كل ما هو خارج جدران المنزل، وكل ما هو ليس خاصاً وشخصياً وحميماً، وكل ما هو مرئي ومفضوح ومباح للمستعمِر، وكل ما هو لم يعد ملكاً للمستعمَر.

تضعنا هذه الإنتاجات البصرية أمام معضلة وجودية؛ فطربية يصوّر الجولان فارغاً، وقرية عين فيت مدمرة بفعل الاحتلال، حتى إن لحظة الوصول إلى منزل مصطفى، لا حميمية فيها، فقط أشباه جدران واقفة، وشبه منزل. أمّا فخر الدين، فيعرض لنا اجتزاء بسيطاً، سريعاً ومظلماً، من زاوية منزل كميل ومحسنة. حتى الطرقات في الفيلمين خالية من البشر. أين هم؟ وما هو هذا الفراغ؟ ولماذا هذا التناقض؟ لماذا اختفاء البيت في الوقت الذي يبحث المخرجان عن بيت، عن وطن؟ ولماذا هذا الهوس بكل ما هو خارج البيت؟ أهو محاولة رمزية لاستعادة ما فقدناه من حيز؟

يشغل الحيز وتفصيلات المكان دوراً مركزياً لدى السياقات الاستيطانية، مثلما هي الحال في المشروع الصهيوني الاستعماري، وبهذا فإن الحضور اليومي للمستعمَر في المكان هو أمر بنيوي مصاغ وفق القوانين والاعتبارات والظروف السياسية الكولونيالية.[8] والحيّز وفق هنري ليفيبفير، هو منتج بشري وليس ظاهرة طبيعية أو اجتماعية، وبالتالي، فإنه دائماً منتج سياسي.[9]

أمّا في السياق الإسرائيلي، فإن كلاً من السيطرة على المكان والأرض والحيز، وإعادة تعريفها، يشكّل جزءاً لا يتجزأ من المشروع القومي الكولونيالي. فبعد تأسيس الدولة اليهودية، ركزت الحركة الصهيونية اهتمامها على قدوم اليهود إلى إسرائيل، مكاناً وزماناً. فمن ناحية السيطرة على المكان، فإن وجود إسرائيل فرض واقعاً جديداً جعل من الأرض فضاء للصراع تمارَس عليه وتتبلور فيه السرديات والسيادة الاستعمارية. كما عمل اليهود الإسرائيليون باستمرار على بلورة الفضاء الجغرافي القومي وإنعاشه بالمعاني التوراتية والصهيونية، من أجل إنتاج مشاهد فعلية تتلاءم ومطالبهم بالسيادة المفروضة على الأرض. وفي السياق نفسه، أصبح تشتيت الشعب المستعمَر (السوريون في الجولان، والفلسطينيون في فلسطين)، وتهجير معظمه، وتشديد السيطرة على مَن بقي منه، وهدم معالم المكان السابق، أموراً ذات أهمية جوهرية في إعادة إنتاج الرؤيا الصهيونية للحيز،[10] كبيت للشعب اليهودي.

إن إنتاج الحيز الإسرائيلي في الجولان استُهل بعمليات ركزت على تدمير واسع للحيز بجميع أبعاده، وعلى تهجير قسري للسوريين (تمحور على الترهيب والقتل)، مثلما هي الحال في الغالب في أشكال الاستعمار الاستيطاني في العالم. فبعد حرب 1967 مباشرة، لم تُبقِ إسرائيل في الجولان سوى سبع قرى من أصل 139 قرية عربية، و61 مزرعة كانت مسجلة بأسماء أصحابها العرب السوريين قبل الحرب.[11] وأوجد تهجير الجيش الإسرائيلي شبه الكامل للسكان السوريين من الجولان في إبان الحرب، الظروف المواتية لشنّ حملة ممنهجة استهدفت تدمير هذه القرى والمزارع والمنازل، الأمر الذي أتاح إعادة إنتاج المكان (جغرافياً وديموغرافياً) ليتلاءم مع المشروع القومي الصهيوني ومبتغاه. وكان هذا التدمير بمثابة استكمال للتدمير الذي طال فلسطين الآهلة عقب النكبة في سنة 1948.[12] بكلمات أُخرى، خضع المشهد الجغرافي في الجولان (وخصوصاً الديموغرافي منه) لعمليات انطوت على محو عنيف، كون "الاستعمار الاستيطاني يدمر المشهد القائم كي يحل محله ويقوم مقامه"، وفقاً للكاتب والمؤرخ باتريك وولف.[13]

إن تبنّي الحالة الاستعمارية الاستيطانية للجولان كإطار معرفي تحليلي يأتي بقصد تمييز الظرف الراهن من ممارسات إحلالية قسرية أُخرى، مثل الاحتلال أو الظرف الاستعماري الكلاسيكي، وبالتالي فإن إعادة إنتاج المكان في الجولان بعد احتلاله مباشرة، وهندسته ليصبح "مكاناً إسرائيلياً"، تحقق ولا يزال، عن طريق العنف الممارس تجاه الأرض والمزرعة والقرية والمدينة في الجولان السوري، ومن خلال عنف آخر موازٍ طال الإنسان السوري هناك وجسده وعائلته بهدف محوهم هم أيضاً و"تطهير" الأرض منهم. إن درجة التطهير الإثني في الحيز المستعمَر تُعتبر محورية لفهم النظام السياسي الجديد فيه، ذلك بأن وجود أو غياب "الآخر الأصلاني"، أي سكان الجولان السوريين في هذه الحالة، يساعد في تحديد الحالة المكانية والقانونية التي يطمح المشروع الاستيطاني إلى إنتاجها داخل الإقليم المستعمَر الذي نُفذت فيه عملية التطهير الإثني. لهذا، لا يمكننا تجاهل حقيقة أنه ومن مجمل السكان السوريين في الجولان الذين بلغ عددهم 130,000 نسمة قبل الاحتلال الإسرائيلي في سنة 1967، لم يبقَ سوى 6000 نسمة بعد الاحتلال، أي 5% فقط من عدد السكان الأصلي.[14] ليس هذا فقط، بل إن المحو الجغرافي والديموغرافي ترافقا أيضاً بجهود حركات صهيونية مكثفة للاستحواذ على المكان وملء "الفراغ الجديد" الذي تشكل في إبان الحرب وعمليات المحو الديموغرافية، وأول مَن استعمر الجولان كانت حركة الكيبوتسات الموحدة، حليفة حزب العمل.[15]

 بقايا منزل سوري في قرية زعورة المهدّمة في الجولان، وهو يُستعمل اليوم كموقع تدريب عسكري إسرائيلي.

لقد أحدثت سياسات المحو الصهيونية للمكان، أشكالاً وأنماطاً عديدة من الفراغ في حيز الجولان جغرافياً وديموغرافياً، عملت إسرائيل على استغلالها كواحدة من تقنيات الحكم والسيطرة الناجعة تجاه الإقليم المستعمَر، وكدلالة واضحة على "انتظار الأرض البور لأصحابها الأحق"، أي المستوطنين اليهود.[16]

شكل هذا الفراغ الصارخ في الحيّز، البنية التحتية للنصوص البصرية في فيلمَي "المنسيون" و"بين موتين"، وفي نصوص أفلام وبصريات عديدة أُخرى كانت قد أُنتجت محلياً في الجولان.[17] إن غياب الشخصيات البشرية من هذه الأفلام يمثل بحد ذاته إشارة إلى الفراغ.

في فيلم "بين موتين"، لا نرى سوى كميل ومحسنة، ومركبة عسكرية إسرائيلية واحدة تمر بجانبهما. والأمر هو نفسه في فيلم "المنسيون"، إذ لا نرى سوى شادي ومصطفى، والمسؤول عن عمل شادي الذي نراه في بداية الفيلم، أمّا بقية المشاهد فتصوّر الجغرافيات والأمكنة والقرى المتروكة في الجولان، علاوة على مركبة عسكرية إسرائيلية نراها في المشهد لحظة عبورهم الحدود.

هذا الفراغ، والمركبات العسكرية الإسرائيلية تحديداً، ليسا مجرد تفصيلات، بل دليل على تصور المخرجين للمكان في الجولان، ولوجود "الآخر الإسرائيلي" الحاضر في المشهد لأداء وظيفة واحدة هي احتلال الأرض. فحضور الإسرائيلي في الجولان ليس سوى حضور عسكري فقط.

إذاً، لا بد من فهم سياسات المكان لفهم الإنتاج ضمنه. فالمكان والجغرافيا وتفصيلاتهما هي السياق الإنتاجي لهذه النصوص الثقافية البصرية، وهي متأثرة بها ومؤثرة فيها.

المالنخوليا ورثاء الوطن

يقدم فيلما "المنسيون" و"بين موتين"، رسائل صعبة الفهم؛ فكل منهما يبكي بطريقته استحالة العودة إلى المنزل ومعايشة الوطن.

ويظهر هذا الأمر في إصغاء كل من كميل ومحسنة بألم، في فيلم "بين موتين"، إلى أصوات القصف والحرب البعيدة عنهما، والقريبة في وطنهم السوري، ويدركان انهيار الوطن وتجزّئه وغيابه القاسي من دون أدنى قدرة لديهما على الرد أو التفاعل.

وعلى غرار ذلك، يبقى مصطفى، في فيلم "المنسيون عالقاً في تتبّع "البقرة" التي لا يسمع من خلالها إلّا أصوات الوطن، وينجح في تذكّر المنزل، لكنه يراها وهي تمر أمامه من دون أن يكون قادراً على الإمساك بها أو لمسها، وحتى من دون القدرة على تذكّر في أي طريق مضت. وبذلك، تصبح ذاكرة مصطفى منفاه الذي يعيش من خلاله فشل استرجاع الذاكرة، واستحالتها / شقاءها / اغترابها عن الوطن.

بهذه المشاهد البصرية، تظهر علامات الحداد والانشغال الاكتئابي (المالنخولي / melancholic) في حالة الفقدان للوطن.

يطرح سيغموند فرويد في سلسلة مقالات عن "الحزن والاكتئاب" (Mourning and Melancholia)،[18] ما أطلق عليه اسم "الخاصية الاقتصادية النفسية للألم" (the psychic economy of pain)، في محاولة للإشارة إلى عملية الحزن والحداد كردة فعل "على فقدان أمر غالٍ، أو خسارة الشيء المجرد الذي كان قد حل مكان الشخص الميت – وطن الشخص، حريته، فكرة مثالية ما، وما شابه ذلك."[19]

وفي تحليله أسباب وعملية الحزن والحداد، يرى فرويد الواقع الذي يتم فيه نكران الذات لدى الشخص الفاقد، على أنه واقع مقبول في المجتمع كجزء من عملية الحداد، مقارنة بحالة الحداد لدى الشخص الذي يعاني المالنخوليا، والتي يصبح فيها الاكتئاب والحداد على الفقدان حالة مرضية. إن الخسارة والفقدان اللذين يؤديان إلى المالنخوليا، ليسا بالضرورة موتاً، كما في الحداد، ولا هما بالضرورة فقدان كلي، بل إن الفقدان في أحيان كثيرة يمكنه أن يكون تجاه الموضوعات ذاتها المطروحة في كل من الفيلمين اللذين أقوم بتحليلهما في هذا النص.

إن فقدان الوطن، بأي شكل كان، مختلف عن الموت الفعلي كنوع من الفقدان. فحالة الفقدان التي لا يزال الوطن قائماً وحاضراً فيها، لا يمكنها أن تنتهي، بل تصبح حالة مستمرة وثابتة وغير منتهية، ولذلك لا يمكن الحداد عليها وإنهاؤها، مثلما هي الحال في الموت الفعلي، ذلك بأن فقدان الوطن والبيت هو فقدان غير منتهٍ. وفي هذين الفيلمَين، فإن الفقدان ليس أمراً حدث، وإنما هو فقدان متواصل الحدوث، في الزمان الحاضر والمكان الحالي. ولذلك، يوفر لنا فيلما "المنسيون" و"بين موتين"، فرصاً متكررة لقراءتهما من منظور التحليل النفسي، وخصوصاً من منظور الحزن والمالنخوليا مثلما صاغهما فرويد.

في فيلم "بين موتين"، يصل كميل ومحسنة إلى بستان الكرز بالتزامن مع أصوات القصف المستمرة والمسموعة من خلف الجبال والشريط الفاصل مع الأراضي السورية، ولا يزال كميل يمسك بجهاز الراديو الصغير في يده، وهو يبثّ من دون انقطاع النشرات الإخبارية باللغة العربية، ويخبّر عمّا يحدث في الوطن خلف الحدود. لكن، عندما يبدأ بالمشي بين أشجار الكرز، ومعه جهاز الراديو، تبدأ ترددات الصوت بالتشويش، لتندمج معها، ولو بشكل هجين (hybrid)، ترددات صوتية من محطة إسرائيلية تبثّ باللغة العبرية وتتحدث عن حالة الطقس، ويُسمع صوت المذيع الإسرائيلي وهو يقول: "سيسجَّل اليوم انخفاض في درجات الحرارة، وستكون حالة الطقس أبرد من المعتاد لهذا الفصل؛ وستهبّ رياح قوية تحديداً في شمال البلد وفي القدس، وثمة احتمال كبير في هطول الأمطار."

لكن، بعد لحظات قليلة، يقوم كميل بضمّ جهاز الراديو إلى صدره – الجهاز الوحيد والأخير الذي أتاح له تواصلاً مستمراً مع ما يدور في الوطن - وبحركات تبدو للوهلة الأولى أنها حركات راقصة لكن حزينة جداً، يفشل في محاولة استرجاع الترددات والأصوات السورية، وبذلك، يتوقف مجبراً عن سماع الوطن.

هنا، يذكّرنا فرويد بأن المالنخوليا فيها "ما هو أبعد من الحداد العادي [....] ففي المالنخوليا علاقة الشخص مع الشيء المفقود (object) هي علاقة مركبة وليست بسيطة، وهي مركبة كونها ناتجة من صراع داخلي ناجم عن التناقض في المشاعر والأحاسيس والأفكار (ambivalence) تجاه الأشياء."[20] وخلال محاولة كميل الأخيرة التقاط بعض الترددات الصوتية من الوطن السوري، تُبث في المحطة الإذاعية أغنية فيروز التي تكمل صورة الفقدان كحالة مستمرة:

ما في حدا لا تندهي ما في حدا

عتم وطريق وطير طاير عالهدا

بابُن مسكر والعشب غطى الدراج

شو قولكن؟ شو قولكن صاروا صدى؟

يضع كميل جهاز الراديو أرضاً، ويبدأ بتقليم أطراف أشجار الكرز.

 كميل في محاولة لاسترجاع البث في الراديو - فيلم "بين موتين" (2015) لمخرجه أمير فخر الدين.

بالعودة إلى مصطفى في فيلم إيهاب طربية، "المنسيون نرى في أحد المشاهد المزدحمة بالمشاعر المتضاربة، كيف أن هوسه المستمر في البحث عن "البقرة" وتقفّي أثرها، يُدخله إلى أرض مزروعة بالألغام التي زرعها الجيش الإسرائيلي في الجولان، وبحسب فرويد، فإن من شأن المالنخوليا، كحالة مرضية، أن تؤدي إلى هدم وقتل الذات (subject)، وبالتالي فإنها تشكّل خطراً وجودياً، وحالة موت نهائية.

في المشهد ذاته، وفي حوار قصير بين مصطفى وشادي، يحاول هذا الأخير أن يوقظ مصطفى العالق في حقل الألغام من مخياله وهذيانه عن البقرة، ويُسمع شادي في هذا المشهد وهو يصرخ في وجه مصطفى طالباً منه أن يدرك حقيقة عدم وجود أي "بقرة" حولهما، وأنه، بدلاً من ذلك، موجود في حقل ألغام. بهذا، يطلب شادي من مصطفى أن يدرك الواقع من حوله، وهو واقع مختلف كلياً عمّا يدور في ذاكرة ومخيلة مصطفى. وفي نهاية الأمر، وعلى الرغم من نجاة مصطفى من حقل الألغام، فإنه يرفض استيعاب الفقدان (أو فكرة عدم وجود البقرة)، وفي تعابير وجهه، نلاحظ حالة ذهول، ثم بكاء.

قرية عين فيت المدمرة في الجولان، مشهد الخاتمة في فيلم "المنسيون" (2011).

الخاتمة

هذان الفيلمان يصوران واقعاً ثقيلاً في الجولان المحتل بين الحدود والوطن والذاكرة والمنفى، لذلك، تعمل هذه الأعمال البصرية على بناء ذاكرة للوطن وذاكرة للمنفى، وتموضع نفسها في المكان "ما بين بين" (in between). وبحسب جاين رندل،[21] فإن المكان "ما بين بين" الذي يُنتَج من خلال عمل فني ما أو مشاريع هندسية معينة، يكون بمثابة ممارسة مكانية نقدية في المجال العام، ويسمح بإعادة التفكير في المواقف الثنائية، والأنظمة المعرفية، والشروط المكانية كالاستعمار والجيل والحدود.

للإنتاج السينمائي في الجولان تاريخ يسبق الاستعمار الإسرائيلي، وعلينا تقع مسؤولية بحثه بتمعن. فمدينة القنيطرة السورية شكلت مشهداً ثقافياً، قبل الاحتلال الإسرائيلي، من خلال دارَين من دور السينما: الأندلس والدنيا، وهي مسقط رأس المخرج السينمائي السوري محمد ملص (1945)، الذي نشأ وشاهد دور السينما فيها تغلَق وتجسد في خوائها صورة التهجير والاحتلال والدمار.

إن ساحات السينما في القنيطرة، في ظل الاحتلال، باتت "تردد حرفياً صدى أصوات رصاصات الجيوش"، إعلاناً لنهاية حقبة وحياة، وإيذاناً ببدء الزمن الاستعماري. [22]والحرب في القنيطرة في نهاية الستينيات، ورفض الجنسية الإسرائيلية في مجدل شمس في مطلع الثمانينيات، وما يحدث في حلب ودمشق وحمص في محنتنا السورية هذه، واللاجئون إلى تركيا وأوروبا والسماء، جميعها تفصيلات سورية في قيد الكتابة، ربما تحكي قصة وطن واحد وحرب واحدة، لكنها تخلق تجارب لانهائية من المنفى.

 

[1] ياسر خنجر، "أسقط سهواً"، في "لا ينتصف الطريق" (ميلانو: منشورات المتوسط، 2019).

وياسر شاعر سوري من الجولان المحتل.

[2] خط وقف إطلاق النار بين الجولان السوري المحتل منذ سنة 1967، وسائر الأراضي السورية.

[3] Edward W. Said, Beginnings: Intention and Method (New York: Colombia University Press, 1985), p. 3.

[4] Ibid., p. 5.

[5] Ibid.

[6] Hamid Naficy, Home, Exile, Homeland: Film, Media, and the Politics of Place (London: Routledge, 1999), pp. 125-150.

[7] ياسر خنجر(2019)، "بيت"، في "لا ينتصف الطريق" (ميلانو: منشورات المتوسط، 2019).

[8] يطرح كل من طربية وفخر الدين، من خلال سرد حياة السوريين في (ومِن) الجولان ورحلتهم الطويلة عبر الذاكرة والمكان، سؤالاً عن حيّز الذاكرة السياسي، وعن الحدود والوطن السوري كنقطة مركزية في النقاش بشأن الجولان. وعلى هذا، فإن فهم المادة البصرية في فيلمَي "المنسيون" و"بين موتين"، يصبح ممكناً من خلال قراءتهما في سياقهما السياسي والمكاني للجولان المحتل منذ سنة 1967، وأيضا من خلال منظور الجيل مثلما صاغه عالم الاجتماع كارل مانهايم الذي يرى أن لموضع الجيل وموقعه التاريخي / السياسي / الثقافي والاجتماعي، وبيئته الجغرافية الملموسة، تأثيراً كبيراً في تشكّل الجيل، وهذا يُعدّ من المفاتيح المركزية في تعريف وتكوين الوعي الوجودي والمعرفي لجيل معين. أي أن موضع الجيل وموقعه في تجربة كل من إيهاب طربية وأمير فخر الدين، كشباب سوريين ولدوا في الجولان المحتل بعد "قرار الضم الإسرائيلي" للجولان في سنة 1981 (وفي سياق استعماري استيطاني مستمر، وضمن واقع كانت فيه الحدود المرسومة والفاصلة بين الجولان المحتل وسائر الأراضي السورية، ولا تزال، من ميّزات المكان، وجزءاً من التجربة اليومية والواقع اليومي المعاش)، هما عامل أساسي في تكوين المعرفة المحلية عن المكان، وفي بلورة وهندسة التصرفات والمشاعر والأفكار. وموضع الجيل أيضاً عامل أساسي في تكوين الظروف الاجتماعية، السياسية والتاريخية التي يعيش ضمنها جيل الشباب في الجولان، علاوة على كونه واحداً من العوامل الأساسية التي تحدد (وتحدّ) الإمكانات والمجالات الممكنة والمتاحة، وأنماط الهويات والممارسات الممكنة والمسموح بها والشرعية، ونطاق التصورات والأفكار في المنطقة والمكان المذكورين.

[9] Henri Lefebvre, The production of space, translated by Donald Nicholson-Smith (Oxford: Blackwell, 1991).

[10] تعتبر الصهيونية نفسها حركة "عودة وإحياء، لا حركة استعمارية استيطانية" بحسب غابرييل بيتربيرغ، ولذلك، فإن مفردات الإحياء والإنقاذ هي مفردات ثابتة في خطاب الصهيونية وعملها السياسي في فلسطين التاريخية، وخصوصاً لأنها أساساً صبّت في دعم ادعاءات كخلوّ الأرض من ساكنيها، وهي مقولات على شاكلة "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض". في هذا الصدد انظر:

Gabriel Piterberg, The Returns of Zionism: Myths, Politics and Scholarship in Israel (London and New York: Verso, 2008).

وقد أدى تصوير الفراغ في فلسطين دوراً مركزياً، مثلما توضح الباحثة الفلسطينية هنيدة غانم التي ترى أن جزءاً جوهرياً من الجهود الصهيونية تمحور حول "إعادة كل شيء إلى ما كان عليه في لحظة محددة من تاريخ المكان، بحيث يكون كل ما بعدها فراغاً وخواء، وكل ما قبلها الحكاية لا غير." انظر: هنيدة غانم، "المحو والإنشاء في المشروع الاستعماري الصهيوني"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 96 (خريف 2013)، ص 127.

[11] “Changing the Landscape: Israel’s Gross Violations of International Law in the Occupied Syrian Golan”, November 2008, Al-Marsad/The Arab Human Rights Centre in Occupied Golan,

http://golan-marsad.org/wp-content/uploads/Changing_The_Landscape.pdf

[12] Noam Leshem, “Repopulating the Emptiness: A Spatial Critique of Ruination in Israel/Palestine”, Environment and Planning D: Society and Space, vol. 31 issue 3 (2013), pp. 522-537.

[13] Patrick Wolfe, “Settler Colonialism and the Elimination of the Native”, Journal of Genocide Research, vol. 8, issue 4 (2006), pp. 387-409.

[14] تيسير مرعي وأسامة حلبي، "الحياة تحت الاحتلال: مرتفعات الجولان"، "مجلة الدراسات الفلسطينية"، العدد 13 ( شتاء 1993)، ص 29.

[15] لتحليل موسع بشأن السياسات الإسرائيلية تجاه الحيّز في الجولان والضفة الغربية، وتشكيل أنماط الاستعمار الاستيطاني فيها، انظر النسخة المترجمة إلى العربية: موريئيل رام ونيف غوردون، "التطهير الإثني وتشكيل أنماط جغرافيا الاستعمار الاستيطاني"، "قضايا إسرائيلية"، العدد 62 (2016)، ص 70 - 93.

[16] المصدر نفسه.

[17] على سبيل المثال، فيديو للفرقة الموسيقية "هوا دافي" من الجولان السوري، بعنوان فراغ" (Space)، والذي يصوّر مشهداً كاملاً على طريق حدودية في الجولان في محاذاة الحدود الفاصلة والسياج الشائك. ويمكن مشاهدة الفيديو، في موقع يوتيوب، في الرابط الإلكتروني التالي: https://www.youtube.com/watch?v=6C9qL7Ba3R8

[18] Sigmund Freud (1917), “Mourning and Melancholia”, in The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, translated by James Strachey and others, Volume XIV (1914-1916), (London: The Hogarth Press, 1917), pp. 237-258.

[19] Ibid., p. 252.

[20] Ibid.

يرى فرويد أن فقدان موضوح الحب يؤدي إلى قيام المحب بتقمص شخصية موضوع الحب. وبهذا التقمص ينتقل الصراع الذي كان يثيره الموضوع الخارجي إلى الأنا. فالليبيدو الذي كان متجهاً إلى الموضوع الخارجي أصبح الآن متجهاً إلى الأنا، وكذلك العدوان الذي كان متجهاً إلى الموضوع الخارجي أصبح الآن يتجه إلى الأنا. وينشأ عن اتجاه العدوان إلى الأنا حالات الشعور بالنقص وتأنيب الضمير والاكتئاب، وهي الحالات التي يشعر بها مَن يعاني المالنخوليا.

[21] Jane Rendell, Art and Architecture: A Place Between (New York: IB Tauris, 2006).

[22] Samirah Alkassim & Nezar Andary, The Cinema of Muhammad Malas: Visions of a Syrian Auteur (New York, London: Palgrave Pivot, 2018).

السيرة الشخصية: 

عامر إبراهيم: طالب دكتوراه في قسم الأنثروبولوجيا، جامعة كولومبيا.