بعد 4 أعوام من المعاناة النفسية، منها عام ونصف عام في الإقامة الجبرية، ومنع من المشاركة في زفاف شقيقها، فقط لأنها كتبت قصيدة، قضت المحكمة الإسرائيلية ببراءة الشاعرة الشابة الرقيقة والخجولة دارين طاطور، لكن ما جرى أمام قوس "العدالة"، قبل ذلك، مثّل فضيحة بحد ذاته، نورد فيما يلي بعض فصولها.
دارين طاطور تقرأ الشعر
التهمة: تحريض. "دولة اليهود ضد دارين طاطور". من أجل الشفافية نذكر هنا: طاطور ليست يهودية، هي فلسطينية مواطنة في دولة إسرائيل، تعيش في قرية محاذية للناصرة، ومنذ أن تفتحت عيناها على الدنيا حلمت بأن تكون شاعرة.
مُدّعية الشرطة، المجتهدة والحازمة، تقضي على هذا الحلم: طاطور ليست شاعرة حقيقية. هذا ما تم الكشف عنه أمام الملأ من خلال نقاش أرس - بويتيكا غير مسبوق في أروقة العدل بشأن فن الشعر.
المدّعية بعباءة وسيف، تصرّ - على مدى سبع ساعات كاملة، أي قرابة ثلث دورة أكاديمية في الجامعة - على حل الأحجية المبهمة في نظرية الشعر: مَن هو الشاعر؟ كأنها النظرية الشعرية الموازية لنظرية فيرما* في الرياضيات.
المدّعية، وهي محامية ذات تجربة مهنية، تحاول أن تكون موضوعية مثلما تتطلب مهنتها، لكنها من حين إلى آخر تُبدي أفكارها من خلال رموز أو إشارات. فعندما يتحرر كلامها قليلاً وتنطلق بأفكارها، ننكشف على خطاب الدولة الذي يسعى للتستر على واقع صعب من خلال الرقابة على الشعر. عليك أن تقرأ كي تصدق.
وبدلاً من أن يتم النقاش في الدلالات والمعاني السياسية المتجسدة في القصيدة التي كُتبت باللغة العربية لقراء عرب، جرى نقاش بشأن "صدقية" الترجمة إلى العبرية. وفيما يلي مقتطفات من أقوال وجدت طريقها إلى الشبكة العنكبوتية، وأخرجتُ من سياقها مشهداً من اللامعقول في جولتين.
الجولة الأولى: مَن هو الشاعر؟
الشاهد: البروفسور نسيم كلدرون، محاضر في الشعر العبري ومحرر مجلة للشعر. (استجواب مضاد: ساعتان)
المدّعية: لقد انطلقتَ من الافتراض أن المتهمة هي شاعرة.. هل يمكننا بحسب افتراضك هذا أن نقول إن كل مَن كتب قصيدة هو شاعر؟
الشاهد: مَن يكتب قصيدة هو شاعر.
المدّعية: ماذا لو أنني قلت إن هنالك مَن يصف هذا النص بالكتابة الفجّة؟
الشاهد: كل قصيدة، حتى لو كانت فجّة، هي في موقع الكتابة الشعرية.
المدعية: ومَن يقرر أن هذا شعر؟
الشاهد: لا توجد جهة مخولة بتعريف القصيدة بأنها قصيدة. ما يعرّفه الشاعر بأنه شعر هو شعر.
المدعية: وكيف لك أن تعرف أن المتهمة تعرّف ذلك بأنه شعر؟
الشاهد: لقد تمت كتابة النص بأسطر قصيرة.. ويحمل عنصراً من الإيقاع..
المدعية: أي عنصر إيقاع؟
الشاهد: أيضاً الادعاء كتب النص في لائحة الاتهام في أسطر قصيرة وليس بشكل متتالٍ. أنتِ أيضاً فهمتِ ذلك على أنه شعر.
المدعية: إذا كتبتُ نصاً من ثمانية أسطر قصيرة وبعد كل سطرين هنالك سطران متكرران، هل هذا يُعتبر شعراً بالنسبة إليك؟
الشاهد: نعم.
المدعية: هل تعلم أن القصيدة لم تظهر كقصيدة، إلّا مترافقة مع فيلم قصير؟
ها هي المدّعية تضع الأسس لنظرية الشعر، وتطرح آراء غير اعتيادية بالنسبة إلى الفروقات بين النثر؛ الشعر؛ البنية الكلامية؛ شعر أصلي وشعر تقليد. والمدعية لا تتفق مع سقراط، وترفض مواقف عظماء الشعراء على مر الأجيال، فالأمر بالنسبة إليها هو بمثابة أن تكون أو لا تكون.
دارين طاطور ليست بشاعرة، حتى إن لم تكن هذه هي قصيدتها الأولى بالعربية، التي كُتبت بإيقاعية وبأسطر قصيرة متكررة.
وإذا كانت طاطور شاعرة، فالمحاكمة مهزلة، لأنه في دولة ديمقراطية لا يُحضرون شاعرة إلى القضاء، ولا يعزلون شاعرة عاماً ونصف عام عن العالم، لأن كتابة الشعر في دولة ديمقراطية تستحق حرية الإبداع، ورأي الأقلية يجب أن يُسمع - وما إلى ذلك من قيم ذات نكهة يسارية.
المدعية لن تتيح لطاطور أن تُدعى شاعرة، لأنه إذا كانت طاطور شاعرة فإن السلطة في دولة إسرائيل ستصبح شبيهة بكوريا الشمالية أو الصين الشعبية. ورويداً رويداً بدأت المدعية تدرك أن أمامها يَمثُل بروفسور يساري.
تتحفّز المدعية عندما يشرح لها الخبير بالشعر أن القصيدة كُتبت بالصيغة المتداولة في الشعر الوطني الفلسطيني، وأن هنالك آلافاً مثلها موجودة على رفوف الكتب العربية، وأن هناك ما يوازيها من أشعار في كل شعر وطني، بما في ذلك الشعر الصهيوني. بانت النيات إذاً! يقول الشاهد: "لا توجد جهة مخوّلة لتحدد ما هو الشعر." المدعية ستثبت أن أمام المحكمة يمثُل شاهد يساري متنكر بزيّ من الموضوعية.
المدّعية: انت اعتدتَ على المشاركة في أمسيات أدبية، حتى إنك شاركت في "بيت الكاتب" في أمسية بعنوان: "الشعر في ظل الإرهاب".
[.......]
المدّعية: هذا يعني أنك لا تحاول أن تقدّم نفسك كشاهد موضوعي.
[.......]
في النهاية يمكن القول إن الأكاديميا تخلط المجالات بعضها ببعض، وعندما تعود المدّعية إلى المكتب، فإنها ستطلب كتابة أنظمة و"كود" أخلاقي، وهنالك مَن يجلس فوق سيتفهم حالة الطوارىء، وسيقدّم مسودة "قانون الشعر".
وزارة العدل ستعمل على التشريع؛ وزارة العمل ستقيم وحدة لتأهيل شعراء، مثلما هي الحال في طب الأسنان، وسيتم الحرص على القواعد الأخلاقية والجمالية؛ وزارة الثقافة ستحدد المقاييس للإهمال الشعري؛ وزارة المعارف ستعمل على تذويت الفكرة في رياض الأطفال؛ وزارة الشرطة ستراقب للتأكد من عدم وجود منتحلين وستفرض الاعتقالات الإدارية حين يتطلب الأمر هذا؛ وزارة الصحة ستسحب رخصة الشاعرة التي أصيبت بمسٍّ أو بإلهام إلهي.
الآن ما تبقّى للمدعية - التي لم يبدُ عليها أي مظهر من مظاهر التعب - هو إثبات أن كلمة "شهيد" بالعبرية هي "إرهابي". ورويداً رويداً يتضح أمام ذهول الجميع، أن المدّعية لا تفهم العربية، حين تطلب من المترجم أن يصعد إلى منصة الشهود لأنها لم تتمكن من قراءة النص.
الشاهد، وهو رجل مسنّ عمل ثلاثين عاماً في شرطة الناصرة، في حالة من الارتباك، فلأول مرة في حياته يُطلب منه ترجمة نص إلى اللغة العبرية، لغة لا يعرف مكامنها. يعتذر ويقول إن الترجمة ليست مهنته.
عندما قُدّمت ترجمته إلى المحكمة شَهِد بأن ترجمته تعاني خللاً، وأن أخطاء وردت فيها، فسطر سقط، وحرف استُبدل بآخر، ومعنى تداخل في معنى. وهو يعتذر لأنه لم يفهم أن "ماركباه" هي اسم لدبابة، فهو ليس يهودياً، ولهذا فإن كثيراً من هذه الأمور والكلمات ضاع في الترجمة. وماذا بالنسبة إلى كلمة "شهيد"؟
مترجم النيابة تردد ثم تردد ولم يكن في إمكانه الحسم، وفي النهاية، وكي لا يحسم الأمر كتب أربعة حروف بالعبرية: "ش. هـ. ي. د.". المدعية تستشيط غضباً.
بالتأكيد يمكن إيجاد مترجم يقول إن "شهيد" هو "إرهابي"، لكن الشاهد التالي، وهو خبير بالترجمة استُدعي من طرف الدفاع، وقد عدّد التفسيرات المتنوعة للاصطلاح: "حلال" [شهيد]؛ "نوفيل" [قتيل]؛ "مارتير" [شهيد]؛ "كوربان" [ضحية]، إلخ.
تدرك المدعية أن هذه المرة أيضاً يقف في مواجهتها شاهد غير موضوعي وذو آراء يسارية. من الضرورة بمكان أن يكون لكل كلمة في العربية معنى واحد في العبرية، حتى إن جرى إخراجها عن سياقها الدلالي. لكن ما لا يمكن ترجمته هو اختراع ما بعد - صهيوني.
الجولة الثانية: مَن هو المترجم؟
الشاهد: د. يونتان مندل، مترجم وباحث في الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة العبرية، وبالعكس. (استجواب مضاد: خمس ساعات)
في الاستجواب المضاد الذي ادّعى الدفاع خلاله وبحق، أن المدّعية تجعل من الشاهد متهماً، عُرضت أربعة أفلام قصيرة تظهر فيها أعمال إخلال بالنظام في أرجاء الضفة الغربية، وتكررت في الشريط الصوتي، مرة تلو الأُخرى، كلمات: شهيد؛ إرهاب؛ دماء؛ قدسية الأرض؛ حق العودة. هذه الاقتباسات، حتى بالنسبة إلى أُذن اليهودي، ظهرت كأن مصدرها أشعار أوري تسفي غرينبرغ التي درسناها في دروس الأدب: "سيحسم الدم مَن هو الحاكم هنا"؛ "الأرض تُحتل بالدم، وفقط تلك المحتلَّة بالدم مقدسة للشعب بقداسة الدم"؛ "العودة إلى القرية تكتنفها العجيبة"؛ "أنا أكره سلام المستسلمين".
المدّعية: هل تعتبر نفسك شاهداً موضوعياً؟
[.......]
المدعية: هل تدرك أنك يجب أن تكون موضوعياً؟
[.......]
المدعية: ما مدى إلمامك بالعربية؟
[.......]
المدعية: لماذا تجد الترجمة صعبة عندما تصغي إلى الأشعار؟
الشاهد: هنالك فرق ما بين الترجمة الفورية، وترجمة وثيقة مكتوبة.
[.......]
المدعية: بالنسبة إليك، هل تعتبر أن الشعب الفلسطيني هو شعب يعيش تحت الاحتلال؟
[.......]
المدعية: هل تعتقد أن هنالك حقاً مقاومة للاحتلال؟
[.......]
المدعية: كتبتَ في صحيفة "هآرتس" مقالة بعنوان: "حماس- هل حقاً لا يوجد مَن يمكن الحديث معه؟"
[.......]
المدعية: أنتَ تدّعي أن الإسرائيليين يفسّرون بصورة تلقائية كلمة "شهيد" على أنها مرتبطة بالإرهاب.
[.......]
المدعية: أنت تقول إن التفسير الإسرائيلي اليهودي للكلمة مشوه تماماً... فكل فلسطيني يفهم الكلمة على أنها "ضحايا"، لا "مخربين".
الشاهد: [....] كنت أقول إن الفرق كبير مثل الفرق بين "ضحايا" و"عدوانيين".
المدعية: كتبتَ سابقاً "ضحايا" في مقابل "شهداء"، والآن تقول "ضحايا" في مقابل "عدوانيين".
[.......]
الشاهد: بخلاف الخطاب الإسرائيلي الذي يكون الشهيد فيه هو فقط العدواني، فإن الشهيد في الخطاب الفلسطيني، وقبل أي شيء، هو ضحية، وفقط في مواقع معينة هو عدوانيّ. هناك فوارق كبيرة في الترجمة في هذه الحالة بين "الضحايا" وبين "العدائيين".
المدعية: في ترجمة الشرطة تبدو هنالك دعوة إلى العنف.
[.......]
المدعية: أنتَ ترجمت "ميتكوميم" (ينتفض) بينما هو ترجم "متنغاد" (يقاوم)
الشاهد: جذر الكلمة في العربية هو قوم - ق. و. م. - وأنا أفتش عن جذر مشابه في العبرية لكلمة "ميتكوميم". هذا ليس خطأ، لكن لكلمة "ميتكوميم" وقع مدوٍّ أكثر.
المدعية تنتفض بدورها، وتقترح أن يتم سنّ "قانون الترجمة". لا يوجد لديها أي فكرة عن سوسير، وتعتقد أنه يساري فرنسي أو أحد مؤيدي حركة فرض المقاطعة على إسرائيل، لكن لا يمكن أن يكون للكلمة معانٍ كثيرة. وهكذا يدور النقاش بالعبرية عن قصيدة بالعربية، من طرف أناس ليس لديهم أي معرفة بالعربية، ويعتقدون أن كل كلمة لا يفهمونها تحمل معنى واحداً بالعبرية. فكم بالحري عندما يجري الحديث عن كلمة معروفة مثل "شهيد"؟
الساعات الطويلة التي أنفقتها المحكمة في موضوع الترجمة لا صلة لها بالقضية، لكنه برز لأن المدّعية، على غرار الجميع في المحكمة، لا تفهم العربية، فلو كانت تفهم تلك اللغة، ولو جرى النقاش بها، لما كانت المحكمة بحاجة إلى مترجم.
كنا نتوقع من مدعية نزيهة ادعت الموضوعية مرة بعد أُخرى، أن تطأطىء الرأس وتتخلى عن الملف وتعترف بأنها ليست مؤهلة للقيام بالدور، وأن تقوم النيابة ببذل الجهود لإيجاد مدّعية تفهم اللغة الأصلية. ولا حاجة إلى التوضيح هنا، بحسب الأجواء السائدة، أنه من المفضل أن تكون يهودية، غير أن الأمر صعب، وخصوصاً إذا ما كانت المدعية قد قرأت الاستطلاع الذي نُشر مؤخراً، والذي يظهر فيه أنه 0,4% من اليهود في إسرائيل فقط يستطيعون أن يفهموا نصاً مركباً في العربية. ولأسباب تخصها لم تتنازل المدعية عن الملف، بل بالعكس ازداد إصرارها على أن تلعب دور الملقّنة في هذه المسرحية العبثية.
المدّعية: لدى ترجمة القصيدة، أنتَ تربط كلمة "أولئك" بالمستوطنين..
[.......]
المدّعية: المتهمة لم تذكر قط أن الحديث يجري عن المستوطنين..
[.......]
المدّعية: هذا لا يعني فقط الضفة الغربية..
[.......]
المدّعية: يتم التطرق هنا أيضاً إلى داخل الخط الأخضر.
[.......]
ومثل إطلاق رصاصة في قاعة كونسيرت، ظهرت الحقيقة كأسطع ما يكون. الخط الأخضر هو القضية؛ الخط الأخضر نفسه الذي أُزيل منذ وقت طويل من خرائط اليهود في إطار عملية كولونيالية لامعة.
لا يوجد هناك مَن يذكر الآن الخط الأخضر سوى المدّعية، واللاساميين في الأمم المتحدة وحفنة من ناشطي السلام الذين يحضرون من حين إلى آخر إلى المنطقة. أمّا بالنسبة إلى اليهود، فلا يوجد خط أخضر الآن.
"ييشاع" (يهودا والسامرة / الضفة الغربية) هنا، وهذه أرض الآباء والأجداد، والخط الأخضر يعبره اليهود، وفقط اليهود. وكي لا يعبره الفلسطينيون - الذين يُطلَق عليهم اسم عرب إسرائيل - يجب أن نحفر ذلك في وعيهم.
لو كانت دارين طاطور مواطنة في قرية بجانب رام الله فإن أحداً لن يسأل ما إذا كانت شاعرة أم لا، بل لكانت اعتُقلت اعتقالاً إدارياً بتهمة التحريض. لكن داخل الخط الأخضر فإن اعتقال شاعرة اعتقالاً إدارياً ليس بالأمر السهل، ويجب أولاً إثبات أنها ليست شاعرة.
وتحت هذا كله، وخلف حفلة الأقنعة لما يسمّى القانون الليبرالي، تفعل المدّعية ما يتعين عليها فعله: أن تشيع الخوف، وأن تردع، وأن تراقب الشعر كي تُعرّف ما هو الإرهاب، وأن تجعل الشاعرة عدوة لا مُحبّة. هكذا يفعلون مع الشخص الذي يتجرأ على كتابة قصيدة وطنية في تخوم الخط الأخضر.
ما تبقّى الآن هو فقط إطلاق لقب "المحرضة" عليها، وإذا كررنا هذه الكلمة، فإن هذا الأمر سينجح. وفيما يلي قائمة بأسماء أناس غير مشبوهين بتهمة التحريض، مع أن أقوالهم التي يكررونها مرة تلو أُخرى، تحمل عنصر التحريض ورائحة العنصرية: عضو كنيست مرموق ("مَن يستلّ سكيناً أو مفكاً، يجب إطلاق الرصاص عليه بهدف قتله")؛ وزيرة الثقافة ("السودانيون سرطان في جسدنا")؛ وزيرة القضاء (التي تقتبس أقوال أوري إليتسور: "ما المروّع في إدراك أن الشعب الفلسطيني بأكمله هو العدو.. الحرب ليست حالة عادية، وفي الحرب بصورة عامة فإن العدو هو الشعب بأسره، بأطفاله ونسائه، بمدنه وقراه، بالأملاك والبنى التحتية..")؛ وزير الشرطة (".. مخرب.. متماثل مع أيديولوجيا داعش")؛ القائد العام للشرطة ("لقد قام بتدريس التحريض بدلاً من تدريس برنامج وزارة المعارف..")؛ رئيس الحكومة (المصوّتون العرب يتحركون بكميات ضخمة نحو صناديق الاقتراع"). هذه فقط قائمة جزئية.
لم ينجح أحد في المحكمة في أن يقول إن الأمور التبست على المحكمة، فالنقاش هو بشأن قصيدة نُشرت بالعربية لا بالعبرية، وإن اليهود ليسوا المستهدفين في القصيدة. وفي مسرح العبث الذي أمامنا، تناقش المدّعية بالعبرية معاني لكلمات باللغة العربية لا تُفهم معانيها إلّا من خلال التقاليد الشعرية العربية، كما أن النقاش لا يجري عن القصيدة ومستواها، وإنما عن مستوى الترجمة إلى العبرية.. فهل كان سيجري نقاش شبيه بهذا في المحكمة الفرنسية بالعربية أم بالفرنسية؟ لكن حتى لو كان الجواب لا، فإن العربية ليست لغة رسمية في فرنسا.
ومع ذلك، وفي خضم هذه الفوضى، تعلّمنا من خلال المساهمة الفكرية للمدّعية عدداً من الحقائق الأساسية بشأن وضع الثقافة في إسرائيل:
ما هي القصيدة بالعربية؟ هي تلك التي يمكن تفسيرها بالعبرية، لأن لا وجود لها (القصيدة) في لغتها الأصلية.
ما هي الترجمة؟ هي تلك التي تقتلع النبتة من أرضها ومن بيئتها الثقافية وتزرعها في أرض غريبة لتشيّد برج بابل من الكلمات.
مَن هو المترجم؟ هو ذلك الذي تم تأهيله من طرف السلطة كي يجد تفسيراً واحداً بالعبرية لكل كلمة بالعربية.
مَن هي المدّعية؟ هي تلك التي تعمل بكل ما أوتيت من قوة لحظر شعر وطني فلسطيني في تخوم الخط الخضر.
مَن هي الشاعرة؟ هي تلك التي تكشف عمّا يختلج في الصدر، وتعلن أكاذيب السلطة. ثرثرة المدعية وقومجيتها يكشفان ما تنشد إخفاءه: أن هنالك أناساً يعانون تحت وطأة الاضطهاد وسلب الحقوق ولا يملكون امتيازات.
لا أستطيع أن أقدم القصيدة هنا بنسختها العربية لأن الرقابة منعت نشر الشعر وحذفته من المواقع الإلكترونية، لكن لماذا لا تُنشر بالعبرية؟ ربما ينجح القراء في حلّ الأحجية.
إذا كان التحريض يقاس بتأثير الشعر في جمهور الهدف، ففي هذه الحالة جمهور الهدف ليس اليهود. والترجمة الزائدة إلى العبرية لا تضرّ، لأن الدولة اليهودية ديمقراطية، واليهود لا يقومون بالتحريض.
اعتقلت السلطات الإسرائيلية دارين طاطور في تشرين الأول / أكتوبر 2015، وفي تشرين الثاني / نوفمبر رفعت لائحة اتهام ضدها بتهمة الدعوة إلى العنف ودعم منظمة إرهابية.
في وسط لائحة الاتهام نص لقصيدة في موقعَي يوتيوب وفيسبوك بعنوان: "قاوم يا شعبي قاومهم". طاطور بقيت في قيد الاحتجاز ثلاثة أشهر، ثم احتُجزت 18 شهراً في منزلها في الرينة.
أُدينت في 3 أيار / مايو 2018، وتقرر احتجازها في منزل والديها، وفي 31 تموز / يوليو 2018، حُكم عليها بخمسة أشهر في السجن، وفي 26/9/2019 برّأتها المحكمة.
قاوم يا شعبي قاومهم
في القدس
في القدس ضمدت جراحي
ونفثت همومي لله
وحملت الروح على كفي
من أجل فلسطين العرب
لن أرضى بالحل السلمي
لن أُنزل أبداً علم بلادي
حتى أُنزلهم من وطني
أركعهم لزماني الآتي
قاوم يا شعبي قاومهم
قاوم سطو المستوطن
واتبع قافلة الشهداء
مزق دستوراً من عار
قد حمل الذل القهار
أردعنا من رد الحق
حرقوا الأطفال بلا ذنب
وهديل قنصوها علناً
قتلوها في وضح نهار
قاوم يا شعبي قاومهم
قاوم بطش المستعمر
لا تُصغِ
لا تصغِ السمع لأذناب
ربطونا بالوهم السلمي
لا تخشَ ألسن ماركافا
فالحق في قلبك أقوى
ما دمت تقاوم في وطنك
عاش العظماء والنصر
فَعَلِيٌ
فَعَلِيٌ نادى من قبره
قاوم يا شعبي الثائر
واكتبني نثراً في الندّ
قد صرتَ الرد لأشلائي
قاوم يا شعبي قاوم
قاوم يا شعبي قاومهم
* مبرهنة لعالمِ الرياضيات الفرنسي بيير دي فيرما (1607 - 1665)، تناولت نظرية مثلث فيثاغوراس. [المحرر]
** أرس بويتيكا (Ars Poetica) أو فن الشعر (The Art of Poetry) قصيدة كتبها الشاعر الروماني كوينتس هوراتيوس فلاكس أو هوراس (65 ق.م. – 8 ق.م.)، وفيها يقدم نصائح إلى الشعراء لكتابة الشعر والدراما. [المحرر]