العفوية سبقت التنظيم في عين الحلوة
النص الكامل: 

برزت الدعوات في مخيمات لبنان إلى الإضراب العام في 15 / 7 / 2019 رفضاً لخطة وزارة العمل اللبنانية لتنظيم العمالة الأجنبية، والتي شملت اللاجئين الفلسطينيين، وكان قد سبقها احتجاجات محدودة في مخيمَي نهر البارد والرشيدية في 12 / 7 / 2015.

 

 

 شباب الحراك الاحتجاجي في عين الحلوة خلال لقاء ميداني.

 

تأخر عين الحلوة في الاستجابة لنداءات المشاركة، وتقرر الإضراب في يوم الثلاثاء الموافق فيه 16 / 7 / 2019، وفي الليلة التي سبقت هذا التاريخ، اجتمعتُ مع بعض الأصدقاء الناشطين لوضع مسار يضمن استمرارية الحراك وتوجيه المعتصمين إلى الاتجاه الصحيح للمطالبة بحقوقهم المدنية بالطرق السلمية التي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان.

في تمام الساعة الرابعة فجراً توجهنا إلى أحد مداخل عين الحلوة لإغلاقه، بحسب الموعد المتفق عليه، لنجد مئات الشبان وقد انتشروا على مداخل المخيم لإغلاقها؛ ومنهم مَن أحضر الإطارات المطاطية لاستخدامها في إغلاق الطرق. وعلى الرغم من حساسية الوضع في عين الحلوة وتعدد الفصائل، فإنني، ولأول مرة، أشاهد مثل تلك الوحدة بين أبناء المخيم الذين تركوا جميع خلافتهم جانباً، وباتوا يداً واحدة في تنفيذ الاعتصام للاحتجاج على إجراءات خطة وزارة العمل خاصة، وللمطالبة بكامل حقوقهم المدنية عامة. ولأول مرة منذ وجودي في عين الحلوة، رأيت الشاب المقيم في حي صفوري يدخل حي الطوارىء بكل أمان، وابن حي الصفصاف يدخل حي البركسات ليؤازر أبناء البركسات في اعتصامهم.

في اليوم الأول، ومع تقدم الوقت، كنا نخشى من انخفاض عدد المعتصمين، لكن ما حدث هو العكس، فأعداد المعتصمين كانت تزداد، والأغاني الوطنية الفلسطينية كانت تصدح عند الحواجز. واللافت للنظر هو مشهد صغار السن الذين كانوا يتنقلون بين زواريب المخيم الضيقة للبحث عن الإطارات المطاطية من دون توجيه من أحد لإعطائها للشباب الذين يغلقون المداخل.

انقضى نهار اليوم الأول، وعند حلول الليل قرر الشبان مواصلة الاعتصام والبقاء عند مداخل المخيم إلى أن ينالوا مطالبهم المحقّة، وآزرهم في ذلك الأهالي الذي بدأوا يُحضرون الماء والطعام للمعتصمين.

على مدار 12 يوماً، واعتباراً من اليوم التالي للاعتصام، بدأت تخرج تظاهرات شعبية عفوية بالتزامن مع الوقت المحدد لإغلاق الطرق. التظاهرة الأولى كانت يوم الأربعاء وسار فيها آلاف اللاجئين، لكن يوم الخميس شكل الفارق الأكبر حين دعا شباب الحراك إلى تظاهرة، فخرج المخيم عن بكرة أبيه، وجاب المشاركون جميع أحياء المخيم من دون خوف من أي فصيل، مكرّسين وحدة شعبية خلقها الحراك، بعيداً عن خلافات الفصائل المسلحة.

ربما أستطيع القول إن هذه التظاهرة دقت ناقوس الخطر لدى الفصائل التي سعت لركوب موجة الحراك وتحويلها إلى مصلحتها، عبر الدعوة إلى تظاهرة في يوم الجمعة. وفعلاً، هذا ما حدث، وعندما توجه الشبان الموجودون على مداخل المخيم إلى أداء صلاة الجمعة في المساجد، هبّت النساء وذهبن إلى أحد مداخل المخيم وأغلقنه نيابة عن الشباب.

استمرت الاحتجاجات بالوتيرة نفسها لمدة 10 أيام على الرغم من الضغط الشديد، وفي يوم الخميس الموافق فيه 25 / 7 / 2019، قررت الفصائل فتح المداخل بقوة السلاح. تولد لدينا شعور باليأس والاستسلام. كان الإحباط شديداً، وكنا نتناقش ونحن في الطرقات، في ماهية الخطوات التالية، لنتفاجأ بخروج تظاهرة نسائية عفوية تحركت نحو مداخل المخيم لإعادة إغلاقها، فدبّ النشاط مجدداً بين الشبان الذين عادوا مثلما كانوا في اليوم الأول. واستمر هذا النشاط حتى مساء يوم السبت عند صدور بيان للفصائل الفلسطينية يدعو إلى فتح المداخل، وإقدام حركة "فتح" على فتح جميع المداخل بالقوة.

عند فجر يوم الأحد خرجت تظاهرة في محاولة لإعادة إغلاق المداخل، لكنها ووجهت بتهديد غير مباشر باستخدام القوة. ومن أجل الحفاظ على سلمية الحراك اضطررنا إلى التراجع والاكتفاء بالتظاهرات.

المشهد الأجمل الذي ترك أثراً كبيراً لديّ، كان تقديم شباب الحراك الورود لعناصر الجيش اللبناني، تأكيداً لسلمية الحراك والتعايش السلمي اللبناني – الفلسطيني.