عشرة أعوام على جدار الفصل: نموذج للسياسة العنصرية الإسرائيلية ولأسلوب خلق وقائع على الأرض منعاً لأي تسوية مستقبلية
التاريخ: 
09/05/2012
المؤلف: 

 تمهيد

في حزيران/يونيو المقبل تمر عشرة أعوام على بدء إسرائيل العمل في بناء الجدار الذي يفصل بينها وبين المناطق الفلسطينية. ففي حزيران/يونيو سنة 2002، اتخذت حكومة أريئيل شارون قرارها ببناء الجدار بحجة منع وقوع هجمات "إرهابية" داخل الأراضي الإسرائيلية، متذرعة بالعدد الكبير من القتلى الإسرائيليين الذين سقطوا في انتفاضة الأقصى بفعل الهجمات التي شنها الفلسطينيون.

وقد جاء هذا القرار بعد شهر واحد من العملية العسكرية الواسعة النطاق التي قام بها الجيش الإسرائيلي ضد مدن الضفة الغربية والتي أخذت اسم "الجدار الواقي"، وبعد اقتناع شارون وكبار مسؤوليه بعجز القوة العسكرية وحدها في قمع انتفاضة الأقصى وفي القضاء على إرادة المنتفضين، وبضرورة البحث عن سبل أخرى من بينها  بناء حاجز أمني ثابت يفصل بين إسرائيل والفلسطينيين انطلاقاً من مبدأ "نحن هنا" و"هم هناك".

[للمزيد من التفاصيل في هذا الشأن راجع التعريف بالجدار والخط الزمني لعملية بنائه]

مع تقدم بناء الجدار بدأ يتضح أن هدفه الأمني ليس سوى واحد من بين أهداف أساسية  أخرى تسعى إسرائيل إلى تحقيقها، أهمها خلق وقائع على الأرض تجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التوصل إلى أي تسوية سياسية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين، سواء بالنسبة إلى مصير مدينة القدس الشرقية، أو إلى مستقبل الكتل الاستيطانية الكبرى وموضوع ترسيم الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية.

وطوال الأعوام العشرة الأخيرة اختبرت إسرائيل الجدار بوصفه أداة للتحكم بحياة الفلسطينيين الذين يعيشون داخل نطاقه أو خارجه، وللسيطرة على مفاصل الحياة اليومية لهؤلاء، وذلك عبر سياسة الرقابة التي يمنحها الجدار، ومن خلال نظام التصاريح والحواجز والمعازل التي نشأت بعد قيامه. بحيث يمكن القول أن بناء جدار الفصل يمثل مرحلة جديدة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وانتقالاً من الأسلوب الاستعماري القديم القائم على السيطرة المباشرة على الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، إلى مرحلة أخرى تقوم على أيديولوجيا الانفصال عنهم والتحكم  بحياتهم عن بعد.

الجدار وجذور أيديولوجيا الفصل

من أراد التعمق في فهم جذور أيديولوجيا الانفصال عن الفلسطينيين، التي يمكن اعتبار جدار الفصل أحد أهم تجلياتها، لا بد له من العودة إلى كتاب دان شيفتان "ضرورة الانفصال: إسرائيل والكيان الفلسطيني"،[1] حيث يتحدث الكاتب بالتفصيل عن الصراع الذي كان دائراً بين أصحاب نظرية استيعاب الفلسطينيين من جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي دفاعاً عن نظرية التمسك بأرض إسرائيل الكاملة، وبين أصحاب نظرية ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين، التي كان يؤمن بها الكاتب كضرورة لا بد منها للمحافظة على إسرائيل دولة "يهودية وديمقراطية".

وشكل كتاب شيفتان، الذي عمل لأعوام مستشاراً في مجلس الأمن القومي، الأساس النظري لأيديولوجيا الانفصال من طرف واحد عن الفلسطينيين التي طبقها أريئيل شارون أيضاً في حزيران/يونيو 2005 من خلال سحب الجيش الإسرائيلي من طرف واحد من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات اليهودية هناك. وتستند نظرية شيفتان إلى نزعة عنصرية عرقية معادية للعرب وللإسلام، ففي رأيه من الأفضل لإسرائيل الانفصال عن الفلسطينيين لأنهم يشكلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمعات العربية المتخلفة والفاسدة والعاجزة عن اللحاق بركب الحداثة، وأن ليس في مصلحة إسرائيل "الديمقراطية" أن تكون على علاقة بالفلسطينيين الذين لن ينجحوا في يوم من الأيام في بناء دولة عصرية وديمقراطية. ويرى شيفتان أن الديانة الإسلامية هي السبب في عدم وجود ديمقراطية في الدول العربية، وهي السبب في تخلف المرأة في المجتمعات العربية وضمور دورها، وهي وراء قيام الأنظمة الاستبدادية العربية المسؤولة عن الفشل الاقتصادي لهذه البلاد. لذا فإن أي كيان فلسطيني سينشأ مستقبلاً لن يكون مختلفاً عن الواقع القائم في الدول العربية الحالية. من هنا ضرورة أن تقوم إسرائيل بقطع كل صلة لها بهذا الكيان، وعليها ألاّ تتحمل أي مسؤولية سياسية واقتصادية عن تدهور الأوضاع فيه.

وقد شرح الباحث نيف غولدن في أحد فصول كتاب: "The power of inclusive exclusion: anatomy of Israeli rule in the Occupied Palestinian Territories" ، وهو تحت عنوان "من الاستعمار إلى الفصل: استكشاف بنية الاستعمار الإسرائيلي" نظرية الفصل التي جاءت، في رأيه، لتحل محل السياسة الاستعمارية القديمة التي طبقتها إسرائيل خلال عقود على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ففي رأي الكاتب ساهم فشل السياسة العسكرية الإسرائيلية في التصدي للانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية في دفع إسرائيل إلى التحول من منطق السياسة الاستعمارية التقليدية في السيطرة إلى منطق سياسة الفصل والعزل، وذلك من أجل إحكام قبضتها وسيطرتها على الفلسطينيين وتحويل المناطق المحتلة إلى"غيتوات"، أو إلى معازل خاضعة لمشيئتها وعرضة لاستخدامها الوحشي للقوة العسكرية. [2]

 خلال الأعوام الماضية شكل جدار الفصل أحد أهم التطبيقات العملية لأيديولوجيا الانفصال، واستطاعت إسرائيل من خلاله العمل قدماً على تحقيق أهداف أمنية وديموغرافية وسياسية. فعلى الصعيد الأمني شكل الجدار الحل الأفضل لمعالجة عجز الحلول العسكرية في القضاء على الانتفاضة الفلسطينية الثانية. أما على الصعيد الديموغرافي فقد قدم حلاً لمشكلة تقض مضاجع القادة الإسرائيليين وشكل الإطار العملي لكيفية المحافظة على الأكثرية اليهودية داخل الدولة العبرية في العقود المقبلة من خلال قطع الترابط العضوي والتواصل بين سكان القدس الشرقية وبين سائر أبناء الضفة الغربية من الفلسطينيين. وعلى الصعيد السياسي استطاعت إسرائيل من خلال بناء الجدار إنشاء وقائع على الأرض تسهل عليها مستقبلاً ضم القدس الشرقية والكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في الضفة الغربية بصورة أحادية ومن دون اتفاق.

ما هي الاعتبارات التي جرى الأخذ بها في تحديد مسار جدار الفصل؟

في تقرير نشرته جمعية "عير عميم"[3] وهي جمعية هدفها الدفاع عن مستقبل سياسي مستقر وعادل للقدس، جرت الإشارة إلى  ثلاثة اعتبارات أساسية حددت مسار الجدار وهي:

  1. منح الشرعية للحدود البلدية لمدينة القدس، إذ يمر جزء أساسي من هذا الجدارعلى طول الحدود الموسعة لبلدية القدس، الأمر الذي يؤدي إلى ضم نحو 240,000 مواطن فلسطيني إلى الجزء الإسرائيلي. علماً بأن حدود بلدية القدس هذه وضعتها الحكومة الإسرائيلية من طرف واحد وهي غير معترف بها من المجتمع الدولي.
  2. التوسع الإقليمي: يرسم المسار الذي يقطعه الجدار في منطقة القدس خريطة جديدة غير رسمية لمدينة القدس الكبرى، التي تضم ثلاث كتل استيطانية كبرى هي: كتلة غوش عتسيون، ومعاليه أدوميم، وغفعات زئيف. وتمتد هذه الكتل الاستيطانية على نحو 164 كيلومتراً مربعاً من أراضي الضفة الغربية.
  3. الاعتبار الديموغرافي: لقد بقي خارج الجدار عدد من الأحياء الفلسطينية التابعة مبدئياً لبلدية القدس مثل حي كفار عقب وسميراميس وراس خميس ومخيم شعفاط وحي ضاحية السلم، الأمر الذي أدى إلى فصل عشرات الآلاف من الفلسطينيين سكان هذه الأحياء عن مدينة القدس، واضطرارهم إلى الانتقال يومياً عبر المعابر من أجل الدخول إلى المدينة. كما أدى الجدار إلى تحويل هذه الأحياء إلى أحزمة فقر وحرمانها من أي خدمات بلدية، فهي قانونياً لا تعتبر داخل نطاق السلطة الفلسطينية، وباتت عملياً غير تابعة لبلدية القدس. لكن ثمة أمراً واضحاً منذ الآن وهو أن إخراج هذه الأحياء الفلسطينية من نطاق مدينة القدس أحدث تغييراً ديموغرافياً في التركيبة السكانية للمدينة لمصلحة السكان اليهود.

إن الحكومة الإسرائيلية هي الطرف الوحيد الذي قام برسم مسار الجدار وفق مصالحه الخاصة ومن دون التقيد بأي قوانين دولية، وهي خطوة أحادية حددت وقائع على الأرض ستثقل على أي عملية تسوية سياسية مع الفلسطينيين وعلى أي محاولة لرسم الحدود بين الدولتين مستقبلاً.

[للاطلاع على المزيد من التفاصيل في هذا الشأن يمكن مراجعة جدول معطيات وأرقام]

كما يمكن الاطلاع على خريطة لمسار الجدار

 أهم الانعكاسات الإنسانية والاقتصادية لجدار الفصل على حياة الفلسطينيين

كُتب الكثير عن انعكاسات جدار الفصل على حياة الفلسطينيين، وسنحاول إيجازها كالتالي:

  • تقييد حرية التنقل وتفكيك التواصل الحيوي بين السكان الفلسطينيين من خلال إقامة المعازل والحواجز التي تفصل بين القرى والأحياء الواقعة خارج الجدار وبين مدينة القدس. وبهدف تقريب ما فعله الجدار إلى واقعنا، فلنتخيل وجود جدار كهذا يفصل بين عاصمة مثل بيروت وبين ضاحيتها الشرقية حيث يسكن الآلاف من أهالي بيروت نظراً إلى ارتفاع إيجارات الشقق في العاصمة، وهؤلاء السكان يذهبون يومياً إلى بيروت للعمل فيها، وبالتالي هم مضطرون إلى المرور يومياً عبر حواجز عسكرية للتفتيش أو إلى الحصول على أذونات تمنحهم حق الدخول إلى العاصمة. إن هذا ما يحصل لأهالي البلدات والأحياء التابعة لبلدية القدس والذين جعلهم الجدار خارجها، كذلك للفلاحين الذين يريدون الوصول إلى حقولهم الواقعة على خطوط التماس مع الجدار، أو الذين يرغبون في المجيء إلى القدس لبيع محاصيلهم الزراعية.
  • عزل الجدار أهالي الضفة الغربية الذين حافظوا على علاقاتهم بأهالي القدس عن المدينة. وهكذا بات الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية غير قادرين على الدخول إلى القدس إلاّ بعد حصولهم على تصاريح إسرائيلية خاصة بهم، وخضوعهم لعمليات تفتيش دقيقة، وانتظارهم ساعات طويلة على المعابر التي تفتح وتغلق وفقاً للإرادة الإسرائيلية. [4]
  • خلق الجدار أزمات معيشية حقيقية وخانقة تتناول مسائل، مثل التعليم والطبابة والبنى التحتية والخدمات الأساسية التي يحتاجها سكان الأحياء الفلسطينية التابعة لبلدية القدس والتي باتت خارج الجدار. إذ إن عدم وجود مدارس رسمية في هذه الأحياء، باستثناء مدرستين تابعتين للأونروا في مخيم شعفاط، أجبر عدداً كبيراً من التلامذة إلى عبور الحواجز يومياً في طريقهم إلى مدارسهم الواقعة ما وراء الجدار. كما طرح الجدار صعوبات جمة على أهالي هذه الأحياء الذين يستفيدون، من حيث المبدأ، من الضمان الصحي للدولة العبرية، والذين بات من الصعب عليهم الحصول على العناية الطبية أو الوصول إلى المستشفيات الحكومية الواقعة وراء الجدار. كذلك تسبب الجدار بتردي مستوى الخدمات البلدية في هذه الأحياء التي لم تعد مشمولة بعمل عمال البلدية في القدس، الأمر الذي أدى إلى تراكم النفايات في الشوارع وتردي أعمال الصيانة للطرق، فتُركت هذه المناطق مهملة  من دون عناية، فهي لم تعد تحظى بعناية السلطات الإسرائيلية نظراً إلى كونها تقع خارج الجدار، كما أنها لا تستطيع أن تحظى بعناية السلطة الفلسطينية نظراً إلى كونها غير خاضعة لسيطرتها. وأدى اشتداد الأزمة المعيشية في نهاية المطاف إلى إقدام الدولة الإسرائيلية على تشكيل ما سمّته "الإدارة المدنية لغلاف القدس" وهو الاسم الذي تطلقه على المعازل الفلسطينية التي تقع خارج الجدار، ومهمة هذه الإدارة تأمين الخدمات العامة لهذه الأحياء عبر تلزميها إلى مقاولين في القطاع الخاص. وتجدر الإشارة إلى أنه منذ إقامة الجدار توقفت شركات الهاتف والكهرباء عن القيام بالإصلاحات المطلوبة للأعطال التي تطرأ.

أزمة المزارعين في "منطقة التماس"

يفيد تقرير صادر عن الأمم المتحدة[5]  بأن الفلسطينيين الذين يملكون أراضي زراعية تقع بين الجدار والخط الأخضر باتوا مضطرين بدءاً من سنة 2003 إلى الحصول على تصاريح للوصول إلى أراضيهم، وذلك بعد إعلان إسرائيل هذه الأراضي "منطقة عسكرية" أو "منطقة تماس"، وأن على أصحاب الأراضي تقديم الوثائق التي تثبت ملكيتهم، وأن يستوفوا الاعتبارات الأمنية للحصول على تصاريح. وحتى في حال الموافقة على إعطاء هذه التصاريح للمزارعين فإنه لا يُسمح لهم بقضاء الليل في مزارعهم، الأمر الذي يقيد كثيراً من أعمالهم التي تتطلب عملاً شاقاً على مدار العام.

 [ لتفاصيل أكثر راجع :الدمار الذي تسبب به الجدار]

ويضيف التقرير: "في سنة 2009 تم تمديد تسمية 'المنطقة المغلقة' إلى رام الله والخليل وأجزاء من محافظات سلفيت وبيت لحم والقدس، وبات على كل الذين يريدون زيارة هذه الأماكن الحصول على تصريح زائر." ويشير التقرير إلى أن النظام المرهق للحصول على تصاريح الزيارة أدى إلى انخفاض عدد المتقدمين بهذه التصاريح، الأمر الذي انعكس تراجعاً في المحاصيل الزراعية، ولا سيما في محصول الزيتون.

تذكر الإجرءات الأمنية الإسرائيلية والإدارية المعقدة والمتشابكة، ونظام التصاريح الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين من سكان المناطق المغلقة أو مناطق التماس إلى حد بعيد، بحياة المعازل والغيتوات اليهودية التي قامت في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، ومن المرعب أن يستنسخ الإسرائيليون اليوم في القرن الحادي والعشرين نماذجهم للتحكم والسيطرة والرقابة على السكان الفلسطينيين الخاضعين لسلطة احتلالهم العسكري من نظام هتلر النازي الذي اضطهد اليهود وتسبب بدمارهم.

"تفريغ" مدينة القدس

ترك الجدار انعكاساته السلبية على مدينة القدس الشرقية أيضاً، وساهم بالتدريج في تفريغ المدينة من الحياة. فقد أدت سياسات الإغلاق وبناء الجدار إلى تراجع الحركة الاقتصادية في أسواق مدينة القدس. وفي هذا الإطار، يتحدث فادي عاصلة في مقال له عن وضع القدس فيقول أن القدس تشكل مركزاً اقتصادياً جاذباً للمستثمرين ورجال الأعمال وللصناعات الصغيرة، لذا كانت  تشهد حركة تسوق نشطة. فالعديد من المنشآت الاقتصادية تعتمد فقط على سكان ضواحي القدس أو على سكان الضفة الغربية. ومع بناء الجدار تضرر العديد من المصانع الصغيرة والمراكز التجارية التي اضطرت إلى الانتقال إلى الضفة الغربية أو أغلقت أبوابها نهائياً مخلفة وراءها حالة من الركود الاقتصادي. ولم تعد القدس تشكل سوقاً للعمل ولم تعد تجذب المستهلكين وأصحاب الكفاءات، مما أدى وفقاً لكلام أستاذ التاريخ في جامعة بير زيت نظمي الجعبي إلى تفريغ القدس.[6]

الجدار اليوم من وجهة نظر إسرائيلية

تحول جدار الفصل بعد مرور نحو عشرة أعوام على قيامه إلى أمر واقع وبات جزءاً من المشهد الجيوسياسي في إسرائيل، ولا سيما في ظل الصمت الدولي والعربي، وعدم جدوى القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا في لاهاي، وعجز التحركات الشعبية المناهضة للجدار والحملات ضده عن تحقيق نتائج ملموسة على الأرض.

والسؤال الذي يطرحه الإسرائيليون على أنفسهم اليوم هو عن مدى نجاح تجربة الجدار بعد مرور عشرة أعوام على إنشائه؟

تنحو أغلبية التقويمات الإسرائيلية منحى إيجابياً في حديثها عن فاعلية الجدار ودوره. إذ يتفق الجميع على أن بناء الجدار أدى إلى تراجع الهجمات داخل الأراضي الإسرائيلية بصورة ملحوظة. وهو في رأي البعض ساهم أيضاً بصورة غير مباشرة في ترسيم حدود إسرائيل. هذا هو رأي يوسي ألفر، الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية، والذي يتعاون حالياً مع د. غسان الخطيب في إصدار نشرة إلكترونية بعنوان "bitterlemons"، كما عبر عنه في مقال نشره الموقع بمناسبة مرور عشرة أعوام على بناء الجدار.[7]  لكن في مقابل هاتين الإيجابيتين يرى ألفر أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ارتكبت خلال الأعوام العشرة الماضية عدداً من الأخطاء في تنفيذها لبناء الجدار، ومن أخطر هذه الأخطاء على الإطلاق اعتبار الجدار فرصة لضم مزيد من الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل. ففي رأي الكاتب كانت الفكرة الأساسية للجدار أن يمر في محاذاة الخط الأخضر، لكن سرعان ما تبين أنه أصبح فرصة لقضم مزيد من الأراضي. وتمثل الخطأ الثاني في تجاهل إسرائيل القرار الصادر عن محكمة العدل العليا في لاهاي ضد الجدار ورفضه، الأمر الذي أدى إلى موقف دولي مندد بإسرائيل، وساهم في تزايد حملة نزع الشرعية عنها. أمّا الخطأ الثالث فكان ضم إسرائيل بعد بناء الجدار أكثر من 250,000 فلسطيني من سكان مدينة القدس الشرقية إليها. والخطأ الأخير كان عجز الحكومة عن استكمال بناء الجدار حول كتلة المستوطنات أريئيل ومعاليه أدوميم، الأمر الذي يعكس الخلاف في وجهات النظر بشأن مستقبل هذه المستوطنات ومصيرها.

يشير توقف أعمال البناء في الجدار في عدد من الأماكن، ولا سيما تلك المتاخمة للكتل الاستيطانية الكبرى، إلى المشكلة السياسية التي ما زالت عالقة بشأن حدود السيادة الإسرائيلية والفلسطينية. وستشكل الحقائق التي خلقتها إسرائيل على الأرض من خلال الجدار هي أيضاً عقبة أخرى تضاف إلى عقبة المستوطنات اليهودية في الضفة.

خلاصة

قد يكون جدار الفصل هو أحد أبرز الأمثلة على سياسات التمييز العنصري للقرن الحادي والعشرين. ففي الوقت الذي تسعى فيه الأمم في العالم الحر لإزالة العوائق والجدران التي أحاطت بها نفسها الأنظمة الاستبدادية، ولتحويل الحدود بين الدول إلى حيز للالتقاء لا للفصل، ها هي إسرائيل تضيف إلى منظومتها الهائلة للرقابة والسيطرة التي بنتها خلال الأعوام الطويلة لاحتلالها الأراضي الفلسطينية منظومة جديدة للفصل والتمييز العنصريين وتضعها في خدمة ممارساتها اليومية ضد الفلسطينيين، وأهدافها السياسية.

أوجد جدار الفصل خلال السنوات الماضية سلسلة من الوقائع على الأرض لا تقل خطورة عن تلك التي أوجدتها إسرائيل في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي من خلال إقامتها المستوطنات اليهودية في قلب الضفة الغربية. ومن شأن هذه الوقائع القضاء على حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات الحدود السيادية . وباختصار فإن هذا الجدارهو نموذج آخر لسياسات الاستبداد والعزل والتمييز التي تمارسها إسرائيل ضد  الشعب الفلسطيني منذ نشوئها.

 

[1] دان شيفتان، "ضرورة الفصل: إسرائيل والكيان الفلسطيني" (بالعبرية) (حيفا: منشورات جامعة حيفا، 1999).  

[2]  Odi Ophir, Michal Givoni and Sari Hanafi, eds. The power of inclusive exclusion: anatomy of

Israeli rule in the Occupied Palestinian Territories (New York: Zone Books, 2009), p. 260.                           

[3] عير عميم، "الاعتبارات التي حددت مسار الجدار. تقرير 2007" (بالعبرية). متوفر على موقع:

 http://www.ir-amim.org.il

[4] للاطلاع على مزيد من التفصيلات في هذا الشأن في الإمكان العودة إلى الكتيب الصادر عن "الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري" بعنوان "جدار الفصل العنصري في وحول القدس العزل- الحصار- التهجير" أو مراجعة الموقع الإلكتروني للحملة: www.stopthewall.org

[5] الأمم المتحدة، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومنظمة الصحة العالمية، مكتب الضفة الغربية وقطاع غزة، الأراضي الفلسطينية المحتلة. "تقرير خاص، تموز/يوليو 2010". متوفر على الرابط:

http://www.ochaopt.org/documents/ocha_opt_special_focus_july_2010_arabic...

[6] فادي عاصلة، "جدار الفصل العنصري: خنق في الهوة وخلق للهوية"، حوليات القدس 12 (شتاء 2011)، ص 91 - 94.

[7] أنظر:

Yossi Alpher, “Ten years to the West Bank barrier, an Israeli view: justified, despite the many mistakes”, 23 August 2011. Available at:

http://www.bitterlemons.org/previous_ins.php?opt=1&id=26#122