السياسة الاستيطانية في عهد حكومة بنيامين نتنياهو، 2009 – 2012
التاريخ: 
28/12/2012
المؤلف: 

قراءة في الوقائع

لدى وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية في نهاية آذار/مارس 2009، شكل البناء في المستوطنات اليهودية في المناطق الفلسطينية المحتلة المشكلة الأساسية التي كان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة مواجهتها، ولا سيما في ظل مطالبة الإدارة الأميركية إسرائيل باستئناف المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، وإصرار السلطة الفلسطينية على شرط تجميد البناء في المستوطنات للعودة إلى طاولة المفاوضات. وخلال سنتي 2009 - 2010 تحول موضوع تجميد البناء إلى موضوع خلافي بين حكومة نتنياهو والإدارة الأميركية، الأمر الذي انعكس سلباً على العلاقات الإسرائيلية – الأميركية، وترك بصماته على العلاقة السيئة بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

إن هدفنا من رصد الوقائع المتعلقة بالبناء في المستوطنات خلال الأعوام الثلاثة التي مضت من عمر حكومة نتنياهو هو تتبع المسار الذي قطعته هذه المسألة، ورصد تبدل المواقف الإسرائيلية والأميركية في هذا الشأن نتيجة تغيرات طرأت على الحياة السياسية الداخلية في إسرائيل أو بسبب تبدل الظروف الإقليمية والدولية.

إن الحقيقة الأساسية التي تظهرها هذه الوقائع هي الازدواجية التي انتهجها نتنياهو إزاء موضوع البناء في المستوطنات. فعلى الصعيد النظري - العلني تبنى نتنياهو حل الدولتين في خطابه الشهير في جامعة بار - إيلان في 14/6/2009، لكن، في الواقع، لم يتأخر نتنياهو لحظة عن الموافقة على أي خطوة تساعد في تثبيت سلطة إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة من خلال توسيع البناء في المستوطنات اليهودية وتعميقه.

وتبين الوقائع أن سنة 2009 كانت السنة التي تميزت بالجهود الشاقة التي بذلها الموفدون الأميركيون مع الساسة الإسرائيليين للاتفاق على تجميد البناء في المستوطنات اليهودية كشرط لا بد منه لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، ولا سيما أن الإدارة الأميركية كانت مقتنعة يومها بأن تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني سيقوي محور الاعتدال العربي في وجه المحور الراديكالي الذي تتزعمه إيران. كذلك روجت الإدارة الأميركية يومها لنظرية ربطت فيها أيضاً بين حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وحل مشكلة السلاح النووي الإيراني، فبرزت معادلة تقول إن إخلاء مستوطنة يتساهر سيقابله تفكيك المنشأة النووية الإيرانية في نتانز. وطوال أشهر انكب الطرفان الأميركي والإسرائيلي على بلورة صيغة لتجميد البناء، حتى جرى التوصل إليها في 20/11/2009.

ولدى تتبع الأحداث، يبدو واضحاً أن هذا الاتفاق لم يؤد لا إلى تجميد تام وشامل للبناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ولا إلى الدفع قدماً بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، التي بدأت بصورة متعثرة بعد مرور ستة أشهر على إعلان التجميد وسرعان ما توقفت بعد انتهاء مدة التجميد. إذ تبرز، بالأرقام والتفصيلات، خروقات وقف البناء خلال تلك الفترة، فضلاً عن عمليات الابتزاز التي مارسها المستوطنون ومعسكر الصقور في حزب الليكود وأحزاب اليمين المتشدد على رئيس الحكومة لإحراجه.

وتعكس الوقائع تراجع الضغوط الأميركية على حكومة نتنياهو بشأن تمديد اتفاق تجميد البناء مع بداية تشرين الأول/أكتوبر 2010، الأمر الذي يمكن ربطه بتغير توجهات إدارة أوباما من المسألة في أعقاب فوز الحزب الجمهوري بالأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية والضغوطات التي مورست على هذه الإدارة لتغيير موقفها الداعي إلى تجميد البناء في المستوطنات. وفي الواقع لم يمض وقت طويل حتى جرى الإعلان عن فشل كل الجهود الأميركية من أجل تمديد جديد لتجميد البناء في 8/12/2010، وبالتالي فشل المساعي لتحريك العملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

يمكن القول إنه في سنة 2011، وبعد إعلان الموفد الأميركي الخاص جورج ميتشل استقالته من منصبه في 14/5/2011، استرجعت حكومة نتنياهو ملف البناء في المستوطنات اليهودية من يد الإدارة الأميركية ومن أيدي الفلسطينيين، واستعادت أعمال البناء في المستوطنات زخمها، وأصبح المستوطنون أكثر قدرة على فرض أجندتهم على الحكومة بدعم كبير من صقور الليكود وأحزاب اليمين المتطرف. وعاد إلى الواجهة موضوع البؤر الاستيطانية غير القانونية والنزاعات بين محكمة العدل العليا التي أصدرت أحكاماً بإخلاء هذه البؤر، وبين رفض المستوطنين عمليات الإخلاء ومقاومتها بالقوة من خلال عمليات "جباية الثمن" التي مارسها "شبان التلال". كما برزت مساعي أعضاء الكنيست من حزب الليكود لحماية البؤر الاستيطانية ودعمها من خلال الالتفاف على الأحكام الصادرة عن محكمة العدل العليا، وذلك عبر اقتراح قوانين جديدة تشل فاعلية قرارات المحكمة وتشرعن البؤر الاستيطانية، أو عبر تقييد صلاحيات وزير الدفاع إيهود باراك في التحكم برخص البناء.

[يمكنكم الاطلاع على خريطة بتوزيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية]

في سنة 2012 ومع دخول الإدارة الأميركية عام الانتخابات الرئاسية، وتراجع الاهتمام الدولي بحل المشكلة الفلسطينية نتيجة الانشغال بالتغييرات السياسية التي شهدها العالم العربي في ظل موجة "الربيع العربي"، والتهويل الإسرائيلي بخطر السلاح النووي الإيراني، لم يعد البناء في المستوطنات مطروحاً على جدول الأعمال كما كان سابقاً، الأمر الذي ترك المجال مفتوحاً على مصراعيه لتنفيذ المشاريع والخطط  التي تضمن إسرائيل من خلالها تأبيد سيطرتها على أجزاء واسعة من الأراضي الفلسطينية من دون حسيب أو رقيب، باستثناء نشاط الجمعيات الأهلية غير الحكومية التي هي بمثابة العين التي تراقب ما يجري من الداخل، والتي تشكل تقاريرها مصدراً أساسياً للكثير من المعلومات في هذا الصدد.