القرار رقم 242 من وجهة نظر "كميل منصور"
التاريخ: 
07/01/2014
المؤلف: 

 1 - هل ما زال قرار مجلس الأمن رقم 242 قابلاً للتطبيق في ظل التطورات في المنطقة؟ ولماذا؟

في البداية لا بد من التذكير بأن القرار 242 صدر بعد أشهر قليلة من حرب حزيران/يونيو 1967، وكان بمثابة مساومة بين واشنطن وموسكو صاغها رئيس الوفد البريطاني لدى الأمم المتحدة، اللورد كارادون، كونها تراعي ثلاثة مبادئ متلازمة: عدم جواز الاستيلاء على أراض بالحرب؛ الانسحاب من أراض (وليس كل الأراضي) احتلت خلال الحرب؛ حق كل دولة في العيش بسلام. بطبيعة الحال، جاءت هذه الصياغة لمصلحة إسرائيل لأنها لم تفرض عليها أي انسحاب على أساس الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة (الذي يجيز فرض التنفيذ بالقوة)، ولأنها عنت ضمناً أن الحدود الدولية لن تحدد، وبالتالي أي انسحاب إسرائيلي لن يتم، إلا من خلال التفاوض بين الأطراف. في ظل التأييد الأميركي الكامل لإسرائيل وطالما أن ميزان القوى الإقليمي على حاله، كان محتماً أن يبقى القرار حبراً على ورق، خاصة وأن أي قبول بالتفاوض من قبل الدول العربية المعنية كان بمثابة استسلام بعد الهزيمة النكراء.

ثم جاءت حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، بعد جهد عسكري متواصل من مصر وسورية وبمبادرة منهما، كرد منطقي على استحالة تطبيق مُرضٍ للقرار 242. وما جعله يبدو كأنه يطبق على الجبهة المصرية في 1977-1979، ليس منطوقه، إنما الهزة الاستراتيجية التي أحدثتها الحرب (مع الإنجازات العسكرية المصرية في بداية الحرب، وصمود الجبهة السورية)، وتوجه الرئيس السادات إلى إبرام اتفاق منفصل على حساب الجبهات العربية الأخرى وعلى حساب المطالب الفلسطينية التي كانت قد تبلورت حينئذ.

هذا يقودني إلى التطرق إلى الموضوع الفلسطيني. عندما صدر قرار 242 في تشرين الثاني/نوفمبر 1967، لم تكن منظمة التحرير الفلسطينية قد اكتسبت بعد صفة تمثيلية متبلورة وشاملة لشعب فلسطيني مناضل. فاكتفى القرار بمعالجة الصراع العربي - الإسرائيلي كصراع يعني الدول المتحاربة أي الدول القائمة فحسب (مصر والأردن وسورية وإسرائيل)، ولم يتعامل مع قطاع غزة والضفة الغربية كإقليم فلسطيني مميز، وتجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأشار بإبهام إلى الحاجة إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. ولكن بعد أقل من سنة، ومع تسلم التنظيمات المقاوِمة زمام الأمور في منظمة التحرير، تبين أن قرار 242 أصبح غير ذي صلة بالنسبة إلى تسوية جوانب جوهرية من الصراع العربي - الإسرائيلي.

أما غداة حرب 1973، فقد تفاقم هذا الابتعاد بين منطوق القرار 242 وبين أي ادعاء بأنه يشكل المرجعية الملائمة لتسوية تشمل جميع  جوانب الصراع. إذ كان من النتائج السياسية للحرب أن منظمة التحرير الفلسطينية باتت تمثل الشعب الفلسطيني، ليس فقط كتعبير ذاتي من قبل فلسطينيي الشتات وفلسطينيي قطاع غزة والضفة الغربية، بل أيضاً في نظر الدول العربية كافة، وفي نظر أكثرية دول العالم، باستثناء الولايات المتحدة. ولكن كان من نتائج الحرب أيضاً اعتبار التفاوض بين الأطراف المعنية كآلية مطلوبة (وفق قرار مجلس الأمن رقم 338 بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1973) لتطبيق القرار 242 في إطار مؤتمر دولي للسلام. ونظراً إلى أن جدول أعمال أية مفاوضات في تلك الظروف كان سيتضمن مصير المناطق المحتلة في حرب 1967، برز التساؤل الكبير: مَن يفاوض على مصير الضفة الغربية وقطاع غزة؟ هل الأردن للمنطقة الأولى ومصر للمنطقة الثانية؟ أم منظمة التحرير بالنسبة إلى المنطقتين معاً؟ بغض النظر عن صواب أو عدم صواب موقفها، اختارت المنظمة منافسة الأردن في التفاوض بشأن الضفة الغربية (لم تكن تحتاج إلى منافسة مصر بخصوص قطاع غزة)، وتجلى هذا التوجه في حزيران/يونيو 1974، عندما تبنى المجلس الوطني برنامج النقاط العشر القاضي بإقامة سلطة وطنية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره، ومن ثم في تشرين الأول/أكتوبر 1974 عندما وقفت قمة الرباط إلى جانب منظمة التحرير على حساب الأردن.

غير أن لا التأييد العربي ولا التأييد الدولي الواسع كانا كافيين لحصول منظمة التحرير على "تذكرة" الدخول إلى قاعة المفاوضات، إذ كانت مشاركة المنظمة في المفاوضات تتطلب تلبية شرط أميركي، وهو اعتراف منظمة التحرير بالقرار 242. بطبيعة الحال، لم تكن المنظمة جاهزة لأن تدفع هذا الثمن إلا بعد حوالي 14 عاماً (في تشرين الثاني/نوفمبر 1988)، عندما أعلن المجلس الوطني في الجزائر قيام دولة فلسطين على أساس قرار التقسيم لسنة 1947 وعبر عن استعداد المنظمة لحضور مؤتمر دولي للسلام وفق القرار 242. والتبرير الذي جرى ترداده في حينه هو بما أن فلسطين أصبحت الآن "دولة"، وبما أن القرار يخاطب الدول، فلم يعد هناك مانع من أن تقوم الدولة الفلسطينية المعلنة بالتفاوض حول الانسحاب الإسرائيلي من أراضيها، خاصة وأن المنظمة استعادت قوتها وزخمها من جراء الانتفاضة الشعبية التي كانت قد اندلعت في الأراضي المحتلة في نهاية سنة 1987.

لم يكد حبر الإعلان عن قبول منظمة التحرير بالقرار 242 يجف، حتى كرّت بالمُفرّق مسبحة الشروط الأميركية – الإسرائيلية، أي وضع شرط جديد كلما تمت تلبية فلسطينية لشرط سابق، وذلك حتى يومنا هذا (نبذ الإرهاب، التخلي عنه، القبول بحكم ذاتي خلال فترة انتقالية، الاعتراف بإسرائيل، إلغاء عدد من مواد الميثاق الوطني، وقف "التحريض"، إبقاء عناصر حماس رهن الاعتقال، وقف العنف، احترام حقوق الإنسان، تعديل القانون الأساسي وإنشاء منصب رئيس وزراء، إصلاح المؤسسات، عدم التصالح مع حركة حماس، وأخيراً الاستمرار بالتفاوض دون وقف الاستيطان...). ومع ذلك، لم يجر تطبيق القرار 242 حتى الآن. والحبل على الجرار، كما يقال، إذ دائماً ما تبرز شروط جديدة، كالامتناع عن اللجوء إلى الأدوات القانونية الدولية، أو الموافقة على إبقاء الجيش الإسرائيلي على طول نهر الأردن، أو الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.                   

2 - كيف يمكن أن يؤثر هذا القرار على مجرى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية؟

في المفاوضات الراهنة، يبقى القرار 242 المرجعية القانونية. ومن المفارقات أن القيادة الفلسطينية تتمسك به الآن، لأنه يشكل السند القانوني الوحيد الذي تقبل به – كلامياً – الولايات المتحدة وإسرائيل، ولأنه يسمح بالادعاء أن نقطة انطلاق التفاوض حول الحدود يجب أن تستند إلى الخطوط التي كانت سائدة عشية حرب 1967. غير أن مرجعية المفاوضات العملية هي ما تتوافق الولايات المتحدة وإسرائيل على فرضه على القيادة الفلسطينية.

3 - وما رأيك بتراجع دور مجلس الأمن الدولي في إيجاد حلول للنزاعات في العالم وتأثير ذلك على مستقبل القضية الفلسطينية؟

إن مجلس الأمن لا يلعب دوراً حقيقياً وفعالاً بما يتماشى مع المهمة المنوطة به إلا عندما تتوافق الدول الأعضاء جميعها على قرار معين. ولكن يكفي أن تسقط إحدى الدول دائمة العضوية مشروع قرار معين بلجوئها إلى "الفيتو" حتى  ينشلّ عمل مجلس الأمن في الموضوع. قد يؤدي الفيتو الذي تلجأ إليه دولة دائمة العضوية دوراً إيجابياً إذا حظي بتأييد جزءٍ جوهريٍ من الرأي العام العالمي وحال دون انتصار أكثرية قد تكون خاضعة لضغط دولة عظمى. وقد يؤدي دوراً سلبياً إذا أُستعمل من قبل دولة دائمة العضوية ضد تصويت إيجابي من قبل سائر الأعضاء. ولكن من الواضح أن في كلتا الحالتين، لم يعد مجلس الأمن (في تركيبته، وفي تمييزه بين أعضاء دائمين وأعضاء موقتين، وفي منحه حق الفيتو للأعضاء الدائمين) يمثل مجمل القوى الفاعلة في عالم اليوم إن على الصعيد الاستراتيجي أو على الصعيد الاقتصادي، ولم يعد يعبر عن حصيلة الرأي العام العالمي.

ومنذ بداية التسعينات على الأقل، أي منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تكاثرت الأصوات المطالبة بإصلاح مجلس الأمن، وجرى تشكيل لجان رسمية لهذا الغرض، ولكن هذه الجهود لم تثمر حتى الآن، ومن غير المتوقع أن تثمر في الواقع الدولي الحالي بسبب معارضة الدول الخمس دائمة العضوية. وهذا أمر متوقع. أما فيما يخص القضية الفلسطينية، فما دامت الولايات المتحدة تتبنى الموقف الإسرائيلي بسبب عجزها عن تخطي جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في الكونغرس الأميركي، لا أمل في أن يلعب مجلس الأمن دوراً إيجابياً.