ليست حرباً
التاريخ: 
15/07/2014
المؤلف: 

تحاول الحكومة الإسرائيلية تصوير العدوان على غزة بصفته حرباً بين طرفين متكافئين: الأول يستخدم الطائرات والمدفعية والبوارج، بينما يستخدم الثاني الصواريخ. وفي الحرب، يجب أن تكون اليد العليا للأقوى، الذي يستطيع في النهاية أن يفرض شروطه.

عناصر القوة الإسرائيلية في هذه "الحرب" لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تستند إلى عنصرين سياسيين اساسيين:

العنصر الأول هو التواطؤ الدولي مع العدوان، الذي لا يستند هذه المرة إلى الدعم الأميركي التقليدي فحسب، بل إلى الصمت الأوروبي المريب أيضاً، وتبدو إسرائيل، في غمرة التعبئة الدولية ضد الإسلام السياسي، كأنها تريد استغلال هذه التعبئة من أجل الإجهاز على الحركة الوطنية الفلسطينية بمختلف أطرافها وتياراتها. فبعد الاعتقالات في الضفة، وبعد مقتل الفتى محمد أبو خضير محترقاً بالحقد العنصري، في إثر اختطاف المستوطنين الثلاثة، تسعى إسرائيل لتحطيم المقاومة في غزة عبر تركيع الناس بالقصف والهول.

العنصر الثاني هو الانهيار العربي الذي حوّل دول الطوق إلى قوى مشلولة ومدمَّرة، وأرخى بثقل جنون الملل والنحل في حروبها المدمِّرة على المشهد برمته. فالصراع الطائفي السني- الشيعي الذي وصل إلى ذروته مع إعلان الخلافة في الموصل، حوّل المشرق إلى ركام عاجز. وقد ساهم الموقف المصري "اللامبالي"، في تجويف ردات الفعل العربية، بحيث إنها لم تصل إلى الحد الأدنى من الكلام التقليدي.

يضاف إلى هذين العنصرين ما يمكن أن نطلق عليه اسم ضياع البوصلة السياسية، وهو ضياع أصاب السلطة ومنظمة التحرير بالشلل، وأثر سلباً في احتمالات أن تشكل الضفة الغربية جبهة سياسية وشعبية تنهك الاحتلال.

هذه الصورة التي يرسمها تشاؤم العقل لا يعيد تشكيلها سوى تفاؤل الإرادة.

كيف نصنع الإرادة ونخترع الأمل؟

صحيح أن الصواريخ التي نجحت كتائب عز الدين القسّام وسرايا القدس في إيصالها إلى العمق الإسرائيلي، تحمل إشارة إلى جدية المقاومة وصلابتها وقدراتها التي فاجأت الاحتلال، لكن المسألة ليست هنا، لأن الصواريخ ليست سلاحاً معادلاً للترسانة الإسرائيلية، بل إشارة فقط إلى إرادة الصمود والمواجهة.

المسألة يجب أن يتم صوغها في المستوى السياسي النضالي، وهذا يقتضي التشديد على ثلاث مسائل:

أولاً، الإصرار على الوحدة الوطنية الفلسطينية؛ فهذه الوحدة على الرغم من هشاشتها، كانت أحد العوامل الرئيسية التي دفعت إسرائيل إلى شن عدوانها المدمر على غزة.

ثانياً، تحويل الضفة الغربية إلى مكان مواجهة شاملة لجيش الاحتلال، عبر مقاومة سلمية وتظاهرات واعتصامات واحتجاجات لا تتوقف.

ثالثاً، التنسيق مع القوى السياسية في أراضي 1948، من أجل أن يكون كل الشعب الفلسطيني جزءاً من معركة صمود الإرادة الفلسطينية في هذه المواجهة. ففلسطينيو 48 هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وإشراكهم في نضال سلمي طويل النفس ضد العدوان، سيؤدي دوراً كبيراً في تحديد نتائج هذه المعركة.

هذه العناصر الثلاثة إذا اجتمعت كفيلة بقيادة تحركٍ واسع في مخيمات اللجوء، وكفيلة بإعادة بناء أفق عربي يساهم في كسر هذه الغيبوبة العربية.

صمود غزة ومقاتليها هو النقطة المفصلية التي تستطيع الحجارة الفلسطينية أن تتشكل من حولها، كي يفشل العدوان في تحقيق أهدافه، وتكون اللُحمة الفلسطينية بداية طريق نضالي جديد من أجل مقاومة الاحتلال ودحره.  

عن المؤلف: 

الياس خوري: رئيس تحرير "مجلة الدراسات الفلسطينية"- بيروت.